فيروس اللامساواة: كيف عمّق "كوفيد -19" الفجوة الطبقية في العالم؟

فيروس اللامساواة: كيف عمّق "كوفيد -19" الفجوة الطبقية في العالم؟


06/02/2021

تحت عنوان فيروس اللامساواة، نشرت منظّمة أوكسفام الدولية، تقريراً يستعرض الآثار الجانبيّة لفيروس كورونا، الذي اجتاح العالم مطلع العام الماضي، متسبباً في تعزيز اللامساواة التي يعيشها العالم، كعرض واضح للتغيّر الهيكلي المتأخّر للرأسماليّة. 

حقيقة أنّ جائحة كورونا قد عزّزت اللامساواة، قد تكون مشتبكة مع واقع النظام العالمي الذي اتّجه بإرادته نحو هذا المسار، منذ سبعينيات القرن الماضي، وبينما تتنافس المؤسسات الدولية نحو وضع خطط أممية لمواجهة اللامساواة، فإنّ تزايدها الواقعي لا يتناسب أبداً مع طبيعة الدعوات المنادية بالحدّ منها؛ إذ تقود هذه الفجوة الطبقية العالم نحو انهيار أكثر شراسة من دمار الحروب والفيروسات. 

ارتكز تقرير أوكسفام على الدعائم الأساسية التي تعزز مفهوم اللامساواة، وتكشف عوار النظام العالمي، بداية من المنظومة الصحيّة التي انهارت بسبب تقليص الإنفاق

ضربت تصريحات رجل الأعمال المصريّ، نجيب ساويرس، خلال ذروة تفشي وباء كورونا المثل في استغلال الأغنياء للأزمات وتحويلها لصالحهم دائماً؛ حيث طالب رجل الأعمال، الذي تبلغ ثروته ستة مليارات دولار، بعودة النشاط الاقتصادي ونزول الموظفين إلى أعمالهم، خوفاً على اقتصاد الدولة، وفق ما تداولت وسائل الإعلام تصريحاته. 

أثارت هذه التصريحات جدلاً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي، دفعت ساويرس إلى كتابة المزيد من التغريدات المثيرة للجدل، كان أهمّها تخفيض إدارة شركاته 50% من رواتب العاملين، خوفاً على ثروته التي لم تتأثّر بالوباء، بل تعاظمت، وفق ما نشرت مجلة فوربس الأمريكية؛ حيث حلّ الأخوان، نجيب وناصف ساويرس، ضمن قائمة أكثر رجال الأعمال ثراءً في أفريقيا، ومع ذلك لم يتورّع ساويرس عن طلب مساعدات ماليّة من الحكومة المصرية، ليحافظ على ثروته التي تتجاوز الموازنة العامة لوزارة الصحّة.

منظومة اللامساواة

عكس موقف ساويرس ما أفرزته الجائحة من تعزيز لمنظومة اللامساواة التي سادت العالم في العقود الأخيرة، وتفاقمت حتى دفعت اثنين من علماء الأوبئة البريطانيين، هما: كيت بيكيت وريتشارد ويلكنسون، لنشر كتابيهما "The Spirit Level: Why More Equal Societies Almost Always Do Better"، أو "مستوى الروح: لماذا تخلق المزيد من المساواة مجتمعات أفضل؟"، ليقدما دراسة علميّة مفصّلة حول تأثير اللامساواة الآخذ في الاتساع على عالمنا ككلّ، ويقدّما مقارنة واسعة بين وضع المجتمعات الأقل في فجوة اللامساواة، مثل الدول الإسكندنافيّة، والأكثر تطرفاً منها، مثل المجتمعات الأفريقية وشبه القارّة الهندية. 

كتاب مستوى الروح

ارتكز تقرير "أوكسفام" الأخير على الدعائم الأساسية التي تعزّز مفهوم اللامساواة، وتكشف عوار النظام العالمي، بداية من المنظومة الصحيّة التي أظهرت خللاً هيكلياً في أكبر اقتصاديات العالم، وانهارت تحت وطأة الضغط، جراء ما تعانيه من تقليص في الإنفاق على مدار العقود الماضية، مقابل التوسّع في منظومة الرعاية الصحيّة الخاصة، كخدمة تقدّم لكلّ من يقدر على دفع ثمنها.

كيف ينتهي الفقر؟ 

"إنّ الزيادة في ثروات أصحاب المليارات في العالم، منذ بدء الأزمة، هي أكثر من كافية للحؤول دون وقوع أيّ شخص على وجه الأرض في براثن الفقر؛ بسبب الفيروس ولسداد كلفة لقاح كورونا للجميع"؛ بتلك العبارة لخّص التقرير ما يودّ إخبار العالم به، بعد أن أثبت بالأرقام كيف عوّض أغنى ألف ملياردير في العالم، ما تعرضت له ثرواتهم من نقص في تسعة أشهر فقط من الجائحة، فيما يحتاج الكوكب إلى عشر سنوات، على الأقل، حتى يشعر الجميع بالتعافي. 

اقرأ أيضاً: كيف انتقلنا من المساواة في الفقر إلى اللامساواة في الثروة؟

يشرح الباحث في الاقتصاد السياسي، الدكتور مجدي عبد الهادي، كيف أنّ الوباء ليس أصل المشكلة، كما يتصوّر البعض، فالجائحة لم تخلق هذه الزيادة المتفاقمة في فجوة اللامساواة؛ إذ إنّ أزمة كحرب أو ما شابه، كانت كفيلة بإحداث الأثر ذاته، وأقصى ما فعله الوباء هو العمل كعامل محفّز لتناقضات ومعطيات قائمة فعلاً في البنية الاقتصادية والاجتماعية للنظام العالمي السائد. 

يتابع عبد الهادي، في تصريح لـ "حفريات": "بالتغاضي عن الطباع المتأصلة في النظام الرأسمالي، يمكننا العودة لمنتصف السبعينيات، مع الثورة المضادة لليمين النيوليبرالي، التي أتت في سياق حالة "تراجع التصنيع" في الغرب والعالم الثالث، تزامناً مع انتقال بعض مراكزه للشرق الأقصى، تلك الحالة التي كانت جزءاً من مسار التغيّر الهيكلي المتأخر للرأسمالية، شملت تراجع الصناعة التحويلية، وتضخم قطاع الخدمات، مع ما صاحبه من غلبة الملكية على العمل وصعود دولة أسواق المال وتفاقم الأنظمة الريعية، وتفشّي الاقتصادات غير الرسمية في العالم الثالث خصوصاً؛ حيث فشلت جهود التنمية، وحلّت محلّها العلاجات التسكينية المؤقتة التي لا تعالج المشاكل من جذورها، وهو ما انعكس بمجموعه في تكوين عدد من روافد الهشاشة في النظام الاقتصادي الاجتماعي، وفي دخول أنماط عيش فئات واسعة من القوى العاملة خصوصاً، وبما يشمل حتى تلك العاملة في القطاع الرسمي". 

الباحث في الاقتصاد السياسي، الدكتور مجدي عبد الهادي

يرسم عبد الهادي ملامح هشاشة الرأسمالية، التي تعاظمت في تكوين النظام بمجموعه، مع تزايد دور أسواق المال وتضخم أحجامها، ومعها صناعة الدين العام الهائلة، ليجعلها النظام بمجمله كمثلث مقلوب، تكفيه أبسط هزّة لينهار وتختنق تدفقاته، لولا الأساليب المصطنعة للحكومات والبنوك المركزية التي لا تفعل أكثر من تأجيل الأزمة ومفاقمة أثرها المُنتظر، كما أدّت فوائض رؤوس الأموال الهائلة، مع تراجع معدلات الربح، إلى خلق المزيد والمزيد من آليات الاستثمار والتصريف المُصطنعة؛ ما أدى لمزيد من الانتفاخ غير الصحي للقطاعات والأنشطة الخدمية والتجارية والاستهلاكية المباشرة عموماً، التي تعمل على شواشي النظام الاقتصادي، أي تمثّل حلقاته الاستهلاكية الأخيرة، الأقل ضرورة والأعلى مرونة دخلية. 

د. مجدي عبد الهادي لـ "حفريات": الوباء ليس أصل المشكلة، كما يتصوّر البعض، لكنه عامل محفّز لتناقضات وازدواجية قائمة في بينة النظام العالمي

عالمنا التعيس 

بعد الأزمة المالية العالمية، عام 2008، استغرق الأمر خمس سنوات حتّى تعود ثروات الأثرياء إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، أمّا الجائحة التي عصفت بفئات أكثر احتياجاً، فقد أمهلت أصحاب الثروات تسعة أشهر فقط حتى يتمكنوا من استعادة كلّ ما فقدوه، ما يعكس مدى تسارع عجلة اللامساواة التي يحذّر علماء في مختلف المجالات من آثارها منذ عقود مضت. 

كانت البطالة أهم ملامح الأزمة الجديدة، وذلك نتيجة عدّة عوامل، أهمها: تعاظم نطاق القطاع غير الرسمي، بهامشيته وضعفه، والذي غالباً ما تنعكس أيّة هزّة في الاقتصاد الرسمي عليه بالسلب، فيما يعاني من غياب أيّة حقوق أو ضمانات اجتماعية للعامل، كذلك الركود التضخمي المزمن، الذي يقتل فرص العمل، ويأكل الدخول والمدخرات معاً، فضلاً عن أثره التحويلي والتوزيعي، والذي تعاظم أثره مع السياسات المالية والنقدية للحكومات النيوليبرالية السائدة عالمياً، بانحيازها لرأس المال أو رضوخها له في أحسن الأحوال.

اقرأ أيضاً: أكثر من مليار شخص قد يواجهون الفقر المدقع بحلول 2030... ما السبب؟

كلّ هذا فاقم، بشكل عام، هشاشة حالة العمل وأضعف نصيبه من نتاجات العمليات الإنتاجية، فضلاً عن تأثيره في وضع السياسات العامة؛ ليخلق ليس فقط حالة لامساواة عامة، بل أيضاً، وهو الأهم، ضعفاً عاماً في الموقف الاقتصادي، ليصبح أول ضحايا أية أزمة، فضلاً عن غياب تأثيره في سياسات الاستجابة التي توزع آثار الأزمات، ما تجلّى في انحياز سياسات الحكومات المتعاقبة لدعم أسواق المال والصرافة، مثلاً، على حساب الفئات الأضعف، رغم دورهم المؤكد في مفاقمة تلك الأزمات من البداية. 

الصفحة الرئيسية