فيلم "أصحاب ولا أعز": الأخلاقيون خائفون

فيلم "أصحاب ولا أعز": الأخلاقيون خائفون


24/01/2022

مثلما حدث في المسلسل الأردني "مدرسة الروابي" الذي عرضته نتفليكس العام الماضي، يحدث الآن مع الفيلم اللبناني "أصحاب ولا أعز". لم يختلف شيء في الحدثين: الاتهامات ذاتها، العبارات نفسها التي تتضمن معجم الشتائم والإساءة، وأيضاً العقلية المتكلسة التي يعتقد أصحابها أنهم حراس الفضيلة والقيّمون على الأخلاق.

الهجوم الذي تعرّض له الفيلم اللبناني، وما يزال، بعد أيام على عرضه يعكس "ذعر حراس المنظومة البالية"، كما قالت الصحفية اللبنانية ديانا مقلد.

اقرأ أيضاً: "لعبة الحبار": مسلسل كوري يحقق نجاحاً باهراً ويتحول إلى ظاهرة.. ما قصته؟

الفيلم ومن قبله المسلسل الأردني، فجرا سجالات تقدم صورة مكثفة عن حال المجتمع العربي الآن، وهذا أمر يستحق الدراسة والتأمل من قبل الباحثين وطلبة الدراسات العليا في الجامعات العربية.

الوجه الآخر من السجال أنه يقدم صراعاً واضحاً بين تيارين عريضين؛ الأول منغلق تسيطر عليه القيم المحافظة، مع تحالف غير معلن مع السلفيين أو المتدينين المتأدلجين، في تيارات الإسلام السياسي التي تشارك في الجدل من بعيد أو قريب وتغذي المعارضين لما تعتقد أنه انحراف عن "قيم الأمة".

أما التيار الثاني فيبدو، رغم كسله التاريخي، متمسكاً بقيم الحرية والفن الخارج عن ذهنية الصناديق، وما زال في هذا التيار قيم تنويرية لم تذوِ بعد باتجاه الدفاع عن المشروع المنفتح على الحياة وعلى التعددية وحماية التعبير والتفكير وإبداع ما هو صادم، لاعتقاد أنّ المجتمع العربي يحتاج إلى مثل هذه الصدمات كي توقظه من سباته، أو ترنحه، أو تؤخر استعصاءه.

 

الفيلم ومن قبله مدرسة الروابي، فجرا سجالات تقدم صورة مكثفة عن حال المجتمع العربي الآن، وهذا أمر يستحق الدراسة والتأمل من قبل الباحثين وطلبة الدراسات العليا في الجامعات العربية

 

وفي فضاء التيار الثاني يأتي صوت مجتمعي خافت يشدّ عوده بالأفكار التحررية، رغم أنه يعيش في بيئة محافظة، لكنّ هذا الصوت متحرر من الداخل إن جاز التعبير، ويرى في "مدرسة الروابي" وفي "أصحاب ولا أعز" صورته الحقيقية ونزوعه، رغم الاختلاف على بعض التفاصيل، وكذلك الملاحظات الكثيرة على العملين.

المعركة بين معسكرين

إذاً، المعركة، إن جاز التعبير بين معكسرين، الأول ماضٍ في ماضويته وغارق فيها، محتمياً بأفكار ذات طابع ديني أخلاقي تحريمي، ومعسكر يراهن على الفن من أجل التغيير، أو على الأقل من أجل منع تغول المعسكر الأول على الفضاء العام وتأميمه، وتمكين الناس من العيش وفق النموذج الذي يجعل حياتها متيسرة منخرطة في العولمة الإيجابية من دون فقدان الملامح الثقافية، أو القيم الأخلاقية والجمالية الرفيعة.

اقرأ أيضاً: نجيب زاهي زركش.. مسلسل أضاع مقومات نجاحه

لا يبدو أي سجال حول فيلم "أصحاب ولا أعز"، مفهوماً بمعزل عن هذه الإشارات. فالهجوم الذي تعرض له خرج عن دائرة الفن والحكم الجمالي، وذهب إلى المنع والتحريم والتجريم، فمضى بعض الباحثين عن الشهرة من مقاولي القضايا القانونية إلى اللجوء إلى المحاكم في مصر، بذريعة الحفاظ على القيم.

وفي المقابل انبرى الشتامون يوزعون الإهانات، رغم أنّ غالبيتهم لم يشاهدوا الفيلم.

اقرأ أيضاً: كيف أصبح "تشيرنوبل" أنجح مسلسل في التاريخ؟

فيلم "أصحاب ولا أعز"، هو دراما مصرية لبنانية مشتركة، من إخراج وسام سميرة وبطولة منى زكي، إياد نصار، عادل كرم، نادين لبكي وجورج خباز. أنتجت الفيلم شركة Front row وهو أول إنتاجاتها بعد توقيعها عقداً مع "نتفليكس" لإنتاج مجموعة من الأفلام العربية.

الفيلم مأخوذ من الفيلم الإيطالي (Perfect strangers) الذي عرض عام 2016 وحصد جوائز عديدة. تدور أحداثه حول مجموعة من الأصدقاء يجتمعون على العشاء ويقررون أن يلعبوا لعبة، حيث يضع الجميع هواتفهم المحمولة على الطاولة بحيث تكون سائر الرسائل والمكالمات الجديدة على مرأى من الجميع فتتحول اللعبة إلى وابل من الفضائح.

هل يدعو الفيلم إلى المثلية الجنسية؟

يسلط الفيلم الضوء على المثلية الجنسية وعلى العلاقات الزوجية والخيانة والحاجات الجنسية، وفي حين جاءت معظم تعليقات اللبنانيين في خانة النقد الفني للفيلم، شن المشاهدون المصريون هجوماً عنيفاً باعتبار أنّ الفيلم مخالف للعادات والقيم المصرية وللدين الاسلامي، حيث قام عدد من المحامين برفع دعاوى ضد عرضه.

ويرى الناقد الفني المصري طارق الشناوي أنّ الانتقادات الموجهة للفيلم "مثيرة للضحك والسخرية"، مشدداً على "ضرورة التوقف عن مطالبة الفنان بتمثيل نفسه فقط".

وأشار الشناوي لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أنّ "الفنان يمثل أي شخصية درامياً ويتقمصها كما هي. الفيلم تعرض لهذا الهجوم الشديد بسبب وجود منى زكي ضمن أبطال العمل، وكان سيمر مرور الكرام لولا وجودها".

اقرأ أيضاً: "المسيح" يثير ضجة متوقعة.. هل يحمل المسلسل رسائل خفيّة؟

وأكد أنّ "العمل لم يدعُ للمثلية الجنسية على الإطلاق ولا يدافع عنها، بل طرح فقط وجودها، وفيما يتعلق ببعض الحوارات الجريئة لا بد أن يعلم المشاهد أنّ السينما لا تدار بأحكام أخلاقية".

ومن جهة أخرى، أبدى الناقد الفني أحمد سعد الدين إعجابه بالتصوير والإضاءة والإخراج والأداء والديكور، لكنه وجه للفيلم انتقادات عدة، قائلاً لـ "سكاي نيوز عربية": "بالمقارنة بين النسختين (الإيطالية والعربية) فهما متشابهتان تماماً، مما يعني أنّ العربية أخذت الإيطالية كما هي من دون إبداع أو تغيير، وعلى هذا الأساس أقول إنّ الإبهار لا ينسب للنسخة العربية بل لصناع الفيلم الإيطاليين".

الناقد طارق الشناوي: الفيلم لم يدعُ للمثلية الجنسية ولا يدافع عنها، بل طرح فقط وجودها، أما الحوارات الجريئة فلا بد أن يعلم المشاهد أنّ السينما لا تدار بأحكام أخلاقية

وشدد على أنه "كان لا بد من تعريب السيناريو ليتناسب مع المجتمع العربي بشكل عام، مثلما كان يحدث من قبل، كما في فيلم الإخوة الأعداء عام 1974، المأخوذ عن الفيلم العالمي الإخوة كارامازوف".

وانتقد سعد الدين طرح الفيلم للمثلية الجنسية التي "ظهرت من دون ضرورة درامية" وفق رأيه، موضحاً: "لا بد علينا كمجتمع عربي عدم نقل النسخ الأجنبية وتقليدها بشكل أعمى، لأنّ هناك بعض الأمور لا تصلح في مجتمعاتنا".

إليسا: من لا يوافق لا يشاهد

في المقابل، قالت الفنانة اللبنانية إليسا في تغريدة على حسابها عبر "تويتر": "لماذا نعود إلى الوراء؟ أفلامنا كانت تحتوي على العري والقبلات والمشاهد الجنسية وكنا نتقبلها ونشاهدها بدون أن تحصل أي أزمات". وتابعت: "من لا يوافق لا يشاهد، والمنصة ليست إلزامية والفيلم متوفر لمن يريد، ولا يتم فرضه على كل الناس".

وبسبب "أصحاب ولا أعز" نال الممثلة المصرية منى زكي الكثير من الانتقادات التي احتوت على إهانات وشتائم بذيئة من أشخاص ينتقدون بعض التلميحات غير المألوفة في الفيلم، في إشارة إلى حجم التناقض بين من يدعون إلى الفضيلة وسمو الأخلاق، لكنهم يفعلون ذلك بشتائم غارقة في البذاءة.

فهل يهدد الفيلم "قيم الأسرة المصرية"، أم أنه يعرّي القيم الرائجة الزائفة المتخفية وراء الأخلاقيات والكمال، لكنها منخورة من الداخل، فجاء الفيلم وكشط تلك الطبقة الهشة، وكشف الغطاء عنها، وقد أدت منى زكي دوراً جذاباً وعميقاً، وكان على الجمهور الغاضب أن يناقشها، لا أن يسبّها.

وفي أول تعليق للفنانة منى زكي، بعد موجة الهجوم الواسعة التي تعرضت لها على مدى الأيام الماضية، نشرت عدداً من النصائح التي توجهها لنفسها لكي تبقى قوية، في ظل الانتقادات، كما ذكرت صحيفة "الإمارات اليوم".

وعبر خاصية "استوري" على موقع تبادل الصور والفيديوهات "انستغرام"، علقت منى زكي: هذه النصائح أوجهها إلى نفسي، وكانت النصائح هي تخطي كل الصعاب، ولا تضيعي وقتك في الحزن على نفسك، اعرفي قيمة التغيير ورحبي بكل التحديات في حياتك، كوني سعيدة ولا تهدري طاقتك في محاولة تغيير شيء ليس بإمكانك تغييره، كوني لطيفة وطيبة ولا تخافي من التعبير عن نفسك وآرائك، خذي المغامرات والتحديات ولكن احسبي كل شيء أولاً، احتفلي بنجاح كل من حولك.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية