في أيّ سياق جاء اتصال محمد بن زايد بالرئيس السوري؟

الإمارات وسوريا

في أيّ سياق جاء اتصال محمد بن زايد بالرئيس السوري؟


29/03/2020

أجرى ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أول من أمس، اتصالاً هاتفياً بالرئيس السوري بشار الأسد، هو الأول منذ اندلاع الصراع في سوريا عام 2011. وقالت وكالة الأنباء الإماراتية وكذلك الرئاسة السورية على موقعها على "تويتر" إنّ ولي عهد أبوظبي أكّد في اتصاله "دعم الإمارات للشعب السوري في هذه الظروف الاستثنائية، مشيراً إلى أنّ سوريا لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة"، حيث ينتشر وباء كورونا في دول العالم. وفي تغريدة نشرها على حسابه في "تويتر" علّق الشيخ محمد بن زايد على الاتصال بالقول إنّ "التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار".

اقرأ أيضاً: الثورة السورية في عامها التاسع: حصاد مرّ من درعا إلى عفرين
وتصل عدد الإصابات بكورونا في سوريا إلى خمس حالات حالياً، حسب مصادر حكومية، لكن الرقم، وفق "دويتشه فيلله"، قد يكون أعلى بكثير بسبب الحرب وصعوبة التأكد من الأرقام، ويسود تخوف من تأثير مدمر للفيروس بسبب الوضع الكارثي للمنظومة الصحية.

استجابة داخلية وخارجية
ومنذ انتشار فيروس كورونا من مولده في ووهان الصينية، والذي بدأ في كانون الأول (ديسمبر) 2019، كانت دولة الإمارات من أول الدول التي أعلنت بوضوح عن تعاطفها مع الصين في مواجهة الوباء الفتاك، وقدّمت منذ الأيام الأولى على خبر انتشاره في الصين مساعدتها لبكين. وعلى المستوى الداخلي، احتلت دولة الإمارات المرتبة الأولى على مستوى العالم في عدد الاختبارات الطبية الخاصة بكورونا التي أجرتها داخل البلاد في إطار خطتها المبكرة لمواجهة الوباء والحدّ من انتشاره.

أكّد ولي عهد أبو ظبي دعم الإمارات للشعب السوري مشيراً إلى أنّ سوريا لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة

ومن بين دول قليلة على مستوى العالم، لم تكتفِ الإمارات بالاستعدادات المحلية الداخلية فقط لمواجهة الوباء القاتل، بل قدّمت كذلك المساعدات لإيران وصربيا وكرواتيا وأفغانستان؛ وذلك في إطار "الدبلوماسية الصحية" التي انتهجتها الإمارات في إطار إسهامها ومسؤوليتها الإنسانية، وضمن مبادئ التكافل والتضامن مع جوارها العربي والإسلامي والإنساني. وقد عبّر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش عن ذلك بقوله إنّ "أزمة فيروس كورونا التي يواجهها العالم اختبار قاسٍ لم يشهده النظام الدولي طوال القرن المنصرم". وأكد قرقاش في تغريدة على حسابه الرسمي في "تويتر" في منتصف الشهر الجاري، أنّ "التعاون والتكاتف والعمل المشترك منهجنا على المستوى الدولي والوطني، و(نحن) واثقون من النجاح برغم صعوبة المرحلة، وسلاحنا الالتزام بالإجراءات الوطنية والتفاؤل والثقة."

اقرأ أيضاً: "كورونا" سوريا.. هل يكون الوباء فصلاً آخر من المأساة؟
وفي خطوة إنسانية أكدت عمق العلاقات الخليجية-العربية، استقبلت دولة الإمارات في الثاني والعشرين من الشهر الجاري طائرتين قادمتين من المملكة المتحدة تحملان قرابة 400 طالب كويتي (بسبب تعليق دولة الكويت الطيران) وعدد من الجنسيات الأخرى. وتأتي المبادرة الإماراتية لتؤصل قيم التعاضد والتآزر بين دول مجلس التعاون الخليجي؛ بالرغم من إيقاف الإمارات المؤقت لاستقبال رعايا دول مجلس التعاون.
قد يكون الرقم المعلن أقل بكثير من الفعلي بسبب الحرب وصعوبة التأكد من الأرقام

سياق الاتصال الإماراتي-السوري
ولدى إشارته إلى الاتصال الإماراتي-السوري قال الوزير قرقاش إنّ "الدعم الإماراتي العيني والتضامن العملي والمعنوي مع الشعوب والحكومات الصديقة في أزمة فيروس كورونا جزء أصيل من سياسة دولة الإمارات ومنذ سنوات التأسيس". وأضاف "الظروف الاستثنائية المرتبطة بفيروس كورونا تتطلب خطوات غير مسبوقة، وتواصلُ الشيخ محمد بن زايد بالرئيس السوري هذا سياقه: البعد الإنساني له الأولوية وتعزيز الدور العربي يعبر عن توجه الإمارات... خطوة شجاعة تجاه الشعب السوري الشقيق تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة".
ويتضح من التصريحات الإماراتية أنّ الاتصال الإماراتي-السوري يأتي ليلبي هدفين:
1. أنّ التضامن الإنساني من جانب دولة الإمارات مع شعوب العالم، ومن ضمنها الشعب السوري، يتناغم مع صلب أولويات دولة الإمارات بشكل عام، وفي مواجهة وباء كورونا بشكل خاص، وأنّ هذا التضامن في هذه الظروف الاستثنائية التي يعيشها العالم يبدو أكثر إلحاحاً، ويلبي أدوار الإمارات في "الدبلوماسية الصحية والمساعدات الإنسانية"، وهي من ركائز "القوة الناعمة" الإماراتية على مدى عقود.

لم تكتفِ الإمارات بالاستعدادات المحلية الداخلية فقط لمواجهة الوباء القاتل، بل قدّمت كذلك المساعدات لإيران وصربيا وكرواتيا وأفغانستان

2. أنّ الإمارات لا تُخفي توجهها على مستوى السياسة الخارجية، والقاضي بضرورة تعزيز الدور العربي في سوريا. ويمكن في هذه النقطة تأكيد عدد من الاعتبارات والمحددات، سبق وأن طرحناها في مرات سابقة، وفحواها أنه في إطار المراجعة الإماراتية لموقفها من الملف السوري، فإنّ مواقف أبوظبي وسياساتها اتسمت في السنوات الماضية بـ"الاعتدال" تجاه الأزمة السورية، وتمثّل ذلك كالتالي:
أولاً، لم تدعم الإمارات أيّاً من الجماعات المتشددة أو الجهادية أو القريبة من "القاعدة" و"داعش" و"الإخوان المسلمين".
ثانياً، أنّ الإمارات ومنذ بدء الصراع السوري في العام 2011، وهي تدعو إلى حلّ سوري-سوري، وحل عربي للنزاع بين الحكومة وأطراف المعارضة السياسية المعتدلة، حتى لا يتكرر في سوريا ما جرى في العراق بعد 2003؛ حيث صبّ الغياب العربي عن بلاد الرافدين في مصلحة طهران ومليشياتها ووكلائها.

اقرأ أيضاً: تركيا توقف إمدادات المياه لنحو 460 ألف سوري
ثالثاً، أنّ الإمارات أكدت في مرات عديدة، على لسان أرفع مسؤوليها، أنّ العالم العربي لن يُقاد بواسطة طهران أو أنقرة، ومن هنا جاءت خطوة إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق في كانون الأول (ديسمبر) 2018 في إطار مساعي الإمارات "لتفعيل الدور العربي لمواجهة التغوّل الإيراني- التركي"، كما قال حينها وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش.


رابعاً، أنّ أحد أهم مرتكزات الموقف الإماراتي منذ اندلاع الأزمة السورية كان يقوم على أهمية وحدة الأراضي السورية، وعلى قاعدة أن تفكك مؤسسات الدولة السورية من دون بديل أفضل يحلّ محلها بتوافق سوري إنما سيؤدي إلى الفوضى وانتشار الجماعات الإرهابية والمليشيات، ما سيجعل سوريا نهباً للتدخلات الخارجية، وبما سيفضي إلى وضع أسوأ مما كان عليه الحال قبل 2011.

إنّ أحد أهم مرتكزات الموقف الإماراتي منذ اندلاع الأزمة السورية كان يقوم على أهمية وحدة الأراضي السورية

خامساً، مع انتشار الجماعات المتشددة والإرهابية في سوريا، اتجهت المقاربة الإماراتية منذ نحو أكثر من خمسة أعوام إلى أن "حل الأزمة السورية هو مفتاح رئيسي لنجاح الحرب على الإرهاب"، وقد جاء تأييد الإمارات في سنوات الحرب الأولى للمعارضة  السورية المعتدلة في إطار تقليص الفرص أمام الجماعات الجهادية المتشددة الداعية لإسقاط النظام وتفكيك الدولة السورية واستلام الحكم في دولة مركزية في المشرق العربي.
سادساً، أكدت الإمارات نهاية العام الماضي، على لسان وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، "ضرورة اللجوء إلى الحلول الدبلوماسية وعدم التصعيد" في المنطقة، مبيّنة أنّ "هناك حاجة إليها الآن أكثر من أي وقت مضى من أجل خلق نظام إقليمي جديد أكثر استقراراً تستطيع فيه جميع الدول الازدهار". ودعا قرقاش إلى إقامة نظام إقليمي جديد، يرتكز على احترام السيادة الوطنية. وقال: "يجب أن نتحد بهدف حل النزاعات بين الدول، وعلينا بتشجيع الدول على إيجاد حل لأي نزاعات داخلية من خلال الحوار السياسي"، وبما يخدم إعادة ترتيب الأولويات العربية نحو تعزيز الاستقرار والحوكمة وتحسين شروط التنمية والعيش الكريم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية