في التطرف: الإسلام السياسي لن يموت

في التطرف: الإسلام السياسي لن يموت


23/03/2022

خالد العضاض

تعتبر جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، الممثل الأبرز والأول لظاهرة الإسلام السياسي، والتي امتد تأثيرها إلى الشيعة فألهمت أدبيات كبار الرموز الإخوانية قادة الثورة الإيرانية، لتقوم تلك الثورة بدورها وتجدد الأمل الذي كاد يموت، إذ أغرت قادة الإسلام السياسي السني بإمكانية استنساخ التجربة، الأمر الذي أدى إلى اجتهادات قادت إلى انشقاقات خطيرة وكبيرة في الإسلام السياسي حول طرق الهيمنة والسيطرة، فبرزت توجهات راديكالية ثورية تؤمن بالقوة المسلحة في التغيير، وظهرت توجهات محافظة سلمية تتموضع في إطار الدولة الوطنية وتعمل من خلال أنظمتها ومؤسساتها وتستثمر فضاءات الديمقراطية ومناخات الحرية الممكنة، وهذا إلى ما قبل ثورات ما عرف بالربيع العربي، والذي كشف عن الناب والضرس الإخواني القاطع حينما تتاح الفرصة ويمهد الطريق لها إلى كرسي الحكم. اليوم وبعد أن وقى الله المواطن العربي شرور «الربيع العربي» في البلدان التي ضربتها أعاصيره، خسر الإسلام السياسي السني في سورية ومصر وتونس وليبيا مكتسباته المتوهمة، وخسر الإسلام السياسي الشيعي في العراق واليمن ولبنان مصداقيته ومشروعيته.

وقبل الولوج إلى بيان وجهة نظري حول ما أجزم أنه بمثابة أولى قواعد عملية نزع التطرف، وإخماد ناره التي أضع فيها فرضية استحالة موت الإسلام السياسي، سأستل جملة ذكرها بيونج شول هان في كتابه «طوبولوجيا العنف»، وأضعها في سياق معاكس لما ذكره في كتابه (ص 81)، حيث يقول: «ممارسة العنف أشبه بالمحاولة البائسة لتحويل العجز إلى قوة»، وهو الأمر الذي تلجأ له قوى الإسلام السياسي كل مرة تدرك عجزها واستحالة تحقيق أهدافها، فالحركات العنيفة التي يلجأ لها الإرهابيون الإسلاميون هي دلالة واضحة على العجز، ودلالة واضحة على نجاعة الجهود السياسية والأمنية في أي بلد، وأظنها قاعدة مضطردة في تاريخ العالم العربي، فحوادث الإرهاب والعنف يسبقها حالات من الفشل الذريع للإسلام السياسي في تحقيق أهدافه بالطرق الملتوية التي يطلق عليها البعض طرقًا سلمية، سواء كان مخدوعًا أو كارهًا لساسة بلده.

وفي مقاله: «الإسلام السياسي وصراعات الحاضر والمستقبل» في صحيفة «الشرق الأوسط» (عدد: 15494)، يقول الدكتور رضوان السيد: «دفعني للعودة إلى هذا الموضوع- أي عنوان المقال- الذي تحدثت فيه وكتبتُ مراراً لعشر سنوات وأكثر- تعليق الزميل الكبير الدكتور خالد الدخيل:»أن الذين يعارضون تيارات الإسلام السياسي إنما يستهدفون إقصاءها، فيتساوون معها هي التي تعمل على الإقصاء أيضاً!«.

إن الذي أراه أن الأمر أجلُّ من ذلك بكثير، ولو كانت المسألة مسألة إقصاء متبادلٍ بين خصومٍ مثقفين وسياسيين وحسْب، لما كان الخوض فيها مع أحد الفريقين يستحق الاهتمام والتعليق»، والأمر كما رآه الدكتور رضوان السيد، فالمسألة ليست خصومة ثقافية أو سياسية، وإنما هي معركة وجود وإلغاء في ذات الوقت، وجود للإسلاموية على كرسي الحكم حيث لا ترى نفسها إلا عليه وحدها، وفي المقابل هي عملية إلغاء تام لكل من عداها.

وفي 2017، كتب راشد الغنوشي مقالًا بعنوان: «هل فشل الإسلام السياسي حقًا؟»، حاول فيه نفي أفول شمس الحركات الإسلامية قائلًا: «إن ما يسمى بالإسلام السياسي ليس في حالة تراجع، وإنما هو بصدد إصلاح أخطائه والتهيؤ لطور جديد غير بعيد من الممارسة الأرشد للحكم، وإنه لا يحتاج إلى عشرات السنين ليسترجع فرصًا أكبر تنتظره في زمن الفضاءات الإعلامية المفتوحة، وفي مواجهة مشاريع انقلابية عارية من غطاء قيمي وحضاري وسياسي».

وعلى الرغم من أن ظاهرة صعود الإسلام السياسي في فترة السبعينيات وما بعدها، والذي جاء على معظم مظاهر الحياة العامة، وقلص أُطُرها، وحجمها إلى درجة الإلغاء أحيانًا، والذي ظهر معه ما يعرف بالزي الإسلامي، والكتاب الإسلامي، والبنوك الإسلامية، والأحزاب الإسلامية، والمدارس الإسلامية، وغير ذلك، فإنه لا يمكن التعامي عن جملة من الأسباب التي أسهمت في سطوع نجم قوى الإسلام السياسي، وفقًا لأسباب اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وهذه الأسباب وإن انتهى مفعولها وتم علاج معظمها أو كلها، إلا إنه لا يمكن أن نجزم بموت الإسلام السياسي، وإن قلنا بخفوته أو كمونه في بلد ما، فمستقبل «الإسلام السياسي» يعد مسألة سياسية بحتة، بمعنى أنه عند اتخاذ الدولة قرار التخلص منه سوف يخفت أو يختبئ. وتكمن عوائق موت الإسلام السياسي، وانتهائه في عدد من المسببات، ومن أهمها وعلى رأس قائمتها: أن الغرب ما زال يدعم هذه التيارات الإسلاموية ويوظفها لمصالحه، من أجل تعطيل حركة التطور داخل المجتمعات العربية، كما أن ثمة أبعاداً أخرى تعيق جهود التخلص من الإسلام السياسي، فالبعدان الاجتماعي والثقافي في بعض الأحيان يتماشيان مع الطرح الفكري والتربوي للإسلام السياسي، خصوصاً مع غياب خطاب ديني بديل، له نفس القوة والأثر، إضافة إلى أن البنَى التعليمية ما زالت تفتقد المنهجية المعرفية والتربوية التي تسهم في خلق جيل مفكر وناقد، كما أن طبيعة المجتمعات العربية تساعد على انتشار هذه الأفكار بشكل كبير وواسع. إن الإسلام السياسي في صلب فكرته يمتطي الدين ويحوله إلى أيديولوجيا سياسية، وهذا يعني أنه يمكن أن يتوفر على قدر عالٍ من البراجماتية تؤهله للانخراط في العملية السياسية كلما توسع الهامش الديمقراطي في بعض البلدان، والغرب اليوم يتعامل في معظم تواصله واتصالاته مع العالم العربي على أن الإسلام السياسي أمر واقع، ويعاين تجارب الحركات الإسلامية المختلفة على رقعة جيوسياسية واسعة بمنطق التحليل السياسي الاستشرافي، ويضع افتراضات واحتمالات لمستقبل تلك الحركات مشروطة بمجموعة من الاشتراطات مثل القدرة على انفتاحها على الحضارة الإنسانية الحديثة، وتخطي عقدة الهوية، وانشغالها بأزمة الحضارة العالمية، وهنا يجب ألا ننخدع بمسوح الاعتدال والتسامح الذي يتصف به كثير من الإسلاميين اليوم، التي ظهرت لتوهم الآخرين أنه يمكن التعامل معهم وفقًا لهذه الاشتراطات، كما يجب أن ننتبه جيدًا للرسائل السياسية، والإيحاءات المبطنة لهؤلاء الإسلاميين الذي يفتح الباب واسعًا لتقبل مشروعهم من قبل الغرب وتيسير وصولهم إلى السلطة وفقًا لتلك الاشتراطات، ولهذا نقول، إن الإسلام السياسي يخفت ويكمن، ولكنه لا يموت.

عن "الوطن"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية