في الذكرى الأولى: أين وصلت أهداف الثورة السودانية؟

السودان

في الذكرى الأولى: أين وصلت أهداف الثورة السودانية؟


18/12/2019

في 2 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، وعلى غير العادة التأم مجلس الوزراء السوداني في اجتماع استثنائي خارج مقر الحكومة من أجل تشكيل لجنة لإحياء ذكرى "ثورة ديسمبر"، تضم في عضويتها ممثلين لأسر الشهداء والشباب والمرأة ولجان الأحياء، إضافة للأحزاب السياسية والقوى النظامية ومبدعين في المجالات المختلفة.

اقرأ أيضاً: قانون تفكيك نظام الإنقاذ.. هل ينقذ السودان من تركة الإخوان؟
ويحتفي السودانيون غداً  19 كانون الأول (ديسمبر) بالذكرى الأولى لانطلاق الثورة في ظل ظروف اقتصادية صعبة وسياسية شديدة التعقيد، فحتى الآن لم تحذف الولايات المتحدة بشكل حاسم ونهائي اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب رغم استقبالها لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك.

 

 

كما لم يطرأ أي تحسن للأفضل في الأحوال المعيشية للسواد الأعظم من السودانيين الذين ابتدروا الاحتجاجات خارج العاصمة الخرطوم في بلدة مايرنو ومدينة الدمازين جنوب شرق السودان، وأتبرا بشمال البلاد، ثم بورتسودان والقضارف شرقي البلاد فمدينة الأُبيِّضْ وسط السودان، إلى أن انتقلت في وقت متأخر نسبياً إلى العاصمة الخرطوم فسُلطت عليها الأضواء وتلقفها الإعلام والأحزاب السياسية المعارضة التي بدأت في الانخراط فيها رويدا رويداً، بعد إعلان تجمع المهنيين السودانيين (نقابات) انضمامه إليها، وإصداره لوثيقة الحرية والتغيير التي وقعت عليها جُلّ الأحزاب المعارضة والحركات المسلّحة ومنظمات المجتمع المدني، ليتأسس في كانون الثاني (يناير)  2019 كيان سياسي عريض عُرف بقوى إعلان الحرية والتغيير (قحت)، ويقود الثورة حتى إطاحة البشير وعزله بواسطة اللجنة الأمنية التي شكلها من العسكريين المقربين منه، وصارت لاحقاً ما يُسمّى بالمجلس العسكري الانتقالي.
لحظات فارقة
استمرت الاحتجاجات أربعة أشهر إلى لحظة وصول الثوار محيط القيادة العامة للجيش السوداني، واحتلالهم له في نيسان (أبريل) 2019؛ حيث كانت اللحظة الفارقة في الإطاحة بحكومة الإخوان، ففي الحادي عشر من نفس الشهر، عقدت اللجنة الأمنية العُليا برئاسة وزير الدفاع الفريق أول عوض بن عوف اجتماعاً سريّاً بعيداً عن البشير، قررت فيه التخلص منه، فكان البيان الأول الذي أذاعه رئيس اللجنة والذي أعلن فيه التحفظ على رأس النظام في مكان آمن، وتشكيل مجلس عسكري انتقالي يقود البلاد لمدة عامين، بجانب إعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد لــ3 أشهر، وحل مجلس الوزراء وحكومات الولايات ومجالسها التشريعية وتنصيب حكام عسكريين عليها.

التوقيع على الوثيقة السياسية

إلاّ أنّ المُحتجين المعتصمين في محيط القيادة لم يفضوا اعتصامهم ويعودوا أدراجهم كما توقعت اللجنة الأمنية العليا، بل استمروا فيه رافضين تولي الفريق أول عوض بن عوف ومجلسه العسكري الانتقالي زمام الأمور في البلاد؛ ومطالبين بتشكيل حكومة مدنية.

 

 

بعد يوم واحد تمكنوا من إجبار وزير الدفاع على التنحي والتنازل للمفتش العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان ليتولى رئاسة المجلس، فكان أن حظى بقبول نسبي بين المحتجين وقيادتهم المتمثلة في قوى إعلان "الحرية والتغيير"، وانخرط الطرفان (المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير) في مفاوضات عسيرة لتشكيل حكومة انتقالية باءت بالفشل عقب أحداث فض الاعتصام في 3 حزيران (يونيو) والتي عرفت في أدبيات الثوار بـ(مجزرة القيادة). وبحسب لجنة الأطباء المركزية أسفرت العملية عن مقتل 127 شخصاً وإصابة 700 بجانب الكثير من حوادث الاغتصاب والإهانة، ووصلت المحصلة النهائية للقتلى والجرحى منذ اندلاع الاحتجاجات إلى توقفها إلى 246 شهيداً و1356 مصاباً.
فض الاعتصام .. مرحلة جديدة من تاريخ الثورة

يستذكر عبد العزيز السيّد من لجان المقاومة، وناشط سياسي تلك المرحلة فيقول: بفض الاعتصام، بدأت مرحلة جديدة من تاريخ الثورة السودانية، خاصة بعد أن أعلن المجلس العسكري الانتقالي، في بيان تلاه رئيسه الفريق أول عبد الفتاح البرهان يوم الثلاثاء 4 حزيران (يونيو) 2019، إيقاف التفاوض مع قوى إعلان "الحرية والتغيير" ودعا لتنظيم انتخابات عامة خلال 9 أشهر على الأكثر بتنفيذ وإشراف إقليمي ودولي، وأعلن عن أنّه سيتم تشكيل حكومة تسيير أعمال لإدارة الفترة الانتقالية وتنظيم الانتخابات، وتهيئة البيئة المحلية والإقليمية والدولية لذلك، مؤكداً أنّ المجلس العسكري سيقوم بتسليم مقاليد الحكم لمن يختاره الشعب، لكن رفضت قوى "الحرية والتغيير"، ودانت بيان المجلس العسكري، ودعت إلى عصيان مدني وإضراب عام لمناهضته حتى إطاحة المجلس العسكري مرة وإلى الأبد.

اقرأ أيضاً: حل حزب الإخوان في السودان.. أول الغيث قطرة

أول مؤتمر صحفي لحمدوك عقب وصوله إلى الخرطوم من أديس أبابا لتولي رئاسة الوزارة الانتقالية
يضيف السيِّد لـ "حفريات": إلاّ أنّ رئيس وزراء أثيوبيا آبي أحمد علي سرعان ما هبط الخرطوم 7 حزيران (يونيو) 2019، في جهود للوساطة بين المجلس العسكري الانتقالي وقادة الاحتجاجات، وتهدئة التوتر المتصاعد بعد الأحداث الدراماتيكية الدامية ليلة فض  الاعتصام، وقد خلصت جهود آبي إلى تكوين وساطة أفريقية أثيوبية مشتركة برئاسة محمد الحسن ولد لباد والسفير محمود درير انتهت إلى  تشكيل الحكومة الانتقالية الحالية من مجلسي السيادة والوزراء برئاسة الفريق أول البرهان والدكتور عبد حمدوك؛ على التوالي.
الثورة وتفجير الطاقات
لكن، هل استقرت الأوضاع السياسية والاقتصادية في السودان، أم لا يزال المشوار طويلاً؟ يقول الناشط السياسي منتصر إبراهيم (مونتي): "حققت الثورة أعظم إنجاز بأن زجت بالبشير بما يمثله من تجسيد لإرادة الطغيان وراء القضبان، وستخلدّ رمزيتها وانتصارها التاريخي وإراداتها  في الأبد، وما ينتظر الثورة هي أن تحرس ارادتها الجديدة؛ لأنها سترسم خط فكرة الثورة بأن تجعل من فكرة المحاكمة تعبيراً عن نقيض الدكتاتورية القائمة على القمع والعنف".

اقرأ أيضاً: السودان يغلق صفحة الإسلاميين بقانون للتفكيك وإنهاء التمكين

عملية فض اعتصام القيادة
ويضيف إبراهيم لـ"حفريات": ينتظر الثورة طريق طويل لبناء إرادة سياسية إضافية لترجمة وتفجير طاقة المستقبل، وهي تتمثل في تأسيس دولة القانون وإصلاح مؤسسات الدولة وعدم العودة لدائرة العنف، والكثير من مشكلات الخلل الهيكلي في اضطراب علاقة الدولة والمجتمع. ويردف: لدي آمال عراض، أنّه يمكننا تجاوز تركة الماضي فلا بد أن تشرق شمس الآمال المعقودة في فكرة الثورة وفي أنفاس الثوار، وأرواح الشهداء المحلقة بعيداً؛ وأن يحيا السودانيون بكرامة ويقودوا أسباب نهضتهم، بوداع عهد الحرب والتمزق والانهيار.
صراع الميناء وانهيار الدولة
من جهته، اعتبر الناشط والمحلل السياسي، بدر الدين عثمان، أنّ بداية تحقق أهداف الثورة تجلت في قانون تفكيك نظام الإنقاذ الذي صدر مؤخراً متضمناً مادة العزل السياسي التي تمنع منسوبي الحزب الحاكم السابق من ممارسة العمل السياسي لعشرة أعوام، إلاّ أنه يرى في تصريحه لـ "حفريات" أنّ تأخر نتائج التحقيق في عمليات القتل الممنهج، الذي أزهق أرواح الثوار خاصة عملية فض اعتصام القيادة، يمثل أكبر إخفاق للحكومة الانتقالية وقوى إعلان "الحرية والتغيير"، ومن جهة أخرى فإنّ التلكؤ غير المبرر في كبح جماح ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ومعالجة أسباب غلاء المعيشة، وتدني الأجور والضنك اليومي، ربما يعيد الثوار إلى الشارع مرة أخرى في احتجاجات مماثلة، وعلى الحكومة أن تبذل أقصى ما يمكن في تخفيف معاناة المواطنين التي بلغت ذروتها.

لم يطرأ أي تحسن ملموس في الأحوال المعيشية للسواد الأعظم من السودانيين

يضيف عثمان: هنالك أمر أكثر أهمية، يتعلق بدور فلول النظام السابق وزعماء القبائل وبعض الأطراف الأجنبية في إشعال فتن قبلية في شرق السودان، خاصة في الميناء الرئيس والمدينة الثانية في البلاد، مدينة بورتسودان، وعجز الحكومة بمكونيها؛ المدني والعسكري، على احتوائها ومحاصرتها، مما ينذر بحرب أهليه على البحر الأحمر، الأمر الذي سيعزل السودان عن الخارج ويؤثر سلباً على اقتصاد البلاد المنهار أصلاً، وإذا فقدت الحكومة الميناء الوحيد وتركته نهباً للصراع الإثني فنخشى أنّها ستفقد السيطرة على البلاد كلها وسينهار كل شيء.

الصفحة الرئيسية