في الذكرى الخامسة للخديعة: هل دبّر أردوغان الانقلاب على نفسه؟

في الذكرى الخامسة للخديعة: هل دبّر أردوغان الانقلاب على نفسه؟


17/07/2021

تتكشف الحقائق تباعاً عن تدبير أردوغان لمحاولة الانقلاب المزعومة في 15 تموز (يوليو) 2016، والتي اتّهم حركة الخدمة بزعامة فتح الله غولن بالوقوف وراءها، وما ذلك إلا بسبب رفض الحركة الانصياع لرغباته الاستبدادية في الداخل والتوسعية في الخارج من ناحية، واستغلاله شيطنة الحركة في تنفيذ مخططه للسيطرة على المؤسسة العسكرية والمدنية عبر الحركة التطهيرية الواسعة التي خطط لها في الجيش والقوى الأمنية والخدمة المدنية قبيل وقوع الانقلاب المزعوم، الذي مرت ذكراه الخامسة أول من أمس الخميس.

تصنيف حركة الخدمة إرهابية

رغم تصنيف أردوغان حركة الخدمة كحركة إرهابية في حزيران (يونيو) 2016، قبيل الانقلاب المزعوم، إلا أنّه بدون محاولة الانقلاب لم يكن ليستطيع ترويج فكرة إرهابية الحركة بين الشعب التركي، ولم يكن ليشن حملته القمعية بحقّ أفرادها ومؤسساتها في مسعى لاستئصالها من الوجود في الداخل والخارج دون مبرر قوي أمام الشعب الذي عايش الحركة واتصل بها منذ أعوام سبقت صعود أردوغان السياسي.

رجل الدين التركي، فتح الله غولن، الذي اتهمه أروغان بتدبير الانقلاب

وقبيل البحث عمن وراء الانقلاب المزعوم، يجب البحث عن سبب تصنيف أردوغان لحركة الخدمة كحركة إرهابية، رغم أنّ تصدى من قبل في العام 2006 لمحاولة تصنيفها إرهابية، عندما حاول مجلس الأمن القومي إصدار قانون لمكافحة "التنظيمات الإرهابية غير المسلحة"، والذي فُصل بحسب مؤلف كتاب "قصة تركيا بين أردوغان الأول والثاني"، الكاتب والمحلل السياسي التركي، ياوز أجار، كي يجرى تطبيقه على حركة الخدمة، بإعلانها تنظيماً إرهابياً غير مسلح.

وبحسب أجار ليست تلك المحاولة الأولى، فأثناء انقلاب عام 1997 حاولت الدولة العميقة ممثلة في الجناح الأوراسي، (تنظيم أرجنكون)، تصنيف الخدمة كحركة إرهابية غير مسلحة، لكنّها أخفقت.

كشف سادات بكر في تسجيلات عن قيام وزير الداخلية الحالي، سليمان صويلو، بتوزيع الأسلحة قبيل الانقلاب على مجموعات شبابية تتبع حزب العدالة والتنمية

فماذا تغير في موقف أردوغان لينقلب على نفسه ويقوم بتصنيف الخدمة كحركة إرهابية، وهو قانون أشد من المقترحات السابقة، والإجابة عن هذا تعود إلى العام 2013، الذي شهد الكشف عن جرائم الفساد الكبرى التي تورطت فيها عائلة أردوغان، بما فيهم ابنه بلال وابنته سمية وزوجها بيرات البراق، إلى جانب العشرات من وزراء ومسؤولي حزب العدالة والتنمية، والتي كشفت عنها القوى الأمنية، وكشفت لأردوغان عن ضعف سيطرته على الجهاز المدني والعسكري، ولذلك شرع عقبها في حملة ممنهجة استهدفت كلّ من شارك في كشف فساد عائلته ومحيطه، وعقد صفقة بعدها مع الجناح الأوراسي الذي سبق وزج بأعضائهم في السجون.

اقرأ أيضاً: قناة عبرية تكشف ما وراء اتصال أردوغان بالرئيس الإسرائيلي الجديد

وتضمنت الصفقة إعادة المحسوبين على الأوراسيين إلى مراكز مهمة في المؤسسة العسكرية والخدمة المدنية، وإعلان حركة الخدمة إرهابية، وهو مطلب مشترك بين الحليفين الجدد، ولهذا شرع أردوغان منذ العام 2015 في شنّ حملات قمعية بحقّ الحركة ومنتسبيها ومؤسساتها، ولم يستطع تحقيق حلم استئصال الحركة كاملةً، واتخاذ ذلك ذريعةً لفرض هيمنته على المؤسسة العسكرية إلا بتقديم مبرر أمام الشعب، فكان ذلك الانقلاب المزعوم، وهو ما يذهب إليه الكاتب ياوز أجار وآخرون.

ترويض المؤسسة العسكرية

وعقب حملة التطهير الممتدة حتى اليوم، تمكن أردوغان من بسط سيطرته على مؤسسات الدولة، وخصوصاً الجيش، وذلك بفضل التعاون مع الجناح الأوراسي داخل الدولة العميقة، بعد إخراجهم من السجون، وفي الكتاب السابق، بين ياوز أجار، أنّ هذا الجناح هو من أعد القوائم المسبقة التي جرى بموجبها اعتقال عشرات الآلاف من الموظفين في الجيش والخدمة المدنية.

شن أردوغان حملة اعتقالات طالت عشرات الآلاف معظمهم من المدنيين

وصارت تهمة "الانتماء لتنظيم جولن" ذريعة جاهزة للإطاحة بكل من لا يؤيد سياسة أردوغان من الموظفين في القطاع العام، وحتى الخاص، وخلال حملات التصفية الواسعة قام المعنيون بالتخلص من معارضيهم القدماء، دون أن تكون لهم أدنى صلة بحركة الخدمة، وفي بعض الحالات تخلص وزراء من رجال أعمال واستولوا على ثرواتهم.

اقرأ أيضاً: كيف يعيش معارضو أردوغان في الخارج؟.. "دير شبيغل" تجيب

وحصد أردوغان جائزته بزج الجيش في حروبه التوسعية في سوريا، بعد أنّ كان معارضاً للدخول فيها قبل الانقلاب المزعوم، إلا تحت غطاء دولي، ولم يعد أردوغان مضطراً لتوظيف الاستخبارات في تهريب شحنات الأسلحة والإرهابيين إلى سوريا خفيةً كما فعل قبل العام 2015.

الاستعداد للانقلاب

وفي تموز (يوليو) 2019، صرح رئيس الوزراء السابق، ورفيق درب أردوغان، أحمد داود أوغلو قائلاً عن إقالته قبيل الانقلاب؛ "كان يجب إبعادي من رئاسة الوزراء وحزب العدالة والتنمية من أجل تنفيذ سيناريوهات من قبيل انقلاب 15 تموز 2016، وتحقيق نقل تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي مغلوط".

اقرأ أيضاً: هل يحكم أردوغان سيطرته على مواقع التواصل الاجتماعي؟

ولا يتسع المقام لسرد مئات التصريحات من كتاب وصحفيين ومسؤولين سابقين تشكك في الانقلاب المزعوم، لكنّ تعتمد هذه التصريحات على قراءة شاملة لتحركات أردوغان منذ العام 2011، وخصوصاً العام 2013، حتى لحظة الانقلاب الفاشل، وما بعدها، والتي تكشف عن إعدادات مسبقة للحدث.

وفي ذلك، يقول الأكاديمي في الأمن والكاتب التركي، أمر الله أوسلو: "خلال الفترة الماضية أطلقت حملة على السوشيال ميديا بعنوان (ماذا رأيت قبل أحداث 15 يوليو)، وجاءتني مئات الردود عن استعدادات لحدث كبير".

الكاتب والأكاديمي التركي، أمر الله أوسلو

وفي حديثه لـ"حفريات"؛ ذكر أمثلة على ذلك، ومنها؛ شهادات من بيروقراطيين في مؤسسات الأمن ومصلحة السجون عن إفراغ سجون أنقرة وإسطنبول قبيل الانقلاب المزعوم، وتحويل سجن مدني إلى عسكري، واستدعاء مئات من عناصر الشرطة إلى إسطنبول من مناطق مختلفة، واستدعاء مئات من الموظفين المسؤولين عن تجهيز ملفات الاتّهام داخل الشرطة.

ويؤكد أوسلو على أنّ ما سبق مثالاً يوضح استعداد أردوغان لشيء ضخم، وهو ما حدث بعد الانقلاب المزعوم من حملة اعتقالات طالت عشرات الآلاف من الجيش والخدمة المدنية.

الكاتب التركي أمر الله أوسلو لـ "حفريات": لم يعد حدث الانقلاب مجدياً لأردوغان، بعد أنّ فقد قيمته، فضلاً عن التسريبات التي تخرج عن تورط الرئيس في الانقلاب

وإلى جانب ذلك؛ يندهش المراقبون من الاستعداد التامّ للمدنيين الذين تصدوا للجنود الذين نزلوا إلى الشوارع؛ فالمدنيون المسلحون والذين انتشروا بسرعة في مناطق معينة، لغز كبير من ألغاز ليلة الانقلاب، وكشف زعيم المافيا، وحليف أردوغان السابق، سادات بكر، في تسجيلاته عن قيام وزير الداخلية الحالي، سليمان صويلو، بتوزيع الأسلحة قبيل الانقلاب على مجموعات شبابية تتبع حزب العدالة والتنمية.

فضلاً عن ذلك؛ أثارت سرعة القبض على آلاف الأشخاص عقب الانقلاب الشكوك حول تجهيز قوائم اعتقال مسبقة، من أجل تطهير الجيش والحكومة من غير المرغوبين.

انقلاب مخالف للعسكرية

وبحسب الكاتب ياوز أجار؛ فإنّ انقلاب 15 يوليو خالف كل الإجراءات التي حدثت في انقلابات الجيش السابقة، ويذكر من ذلك؛ عدم تحرك المخابرات للتحقيق حول شائعات عن انقلاب وشيك منذ مطلع شهر يوليو، وإعادة البرلمان العمل بـ "بروتوكول أماسيا" والذي ألغاه برلمان أردوغان بحجة أنّه يشجع على الانقلابات عام 2010، وتمت إعادته قبيل الانقلاب بيومين، ويسمح للوحدات العسكرية بتنفيذ عمليات داخل المدن دون انتظار قرار من الوالي أو القاضي، ومعنى ذلك أنّ مجرد إصدار أمر عسكري لكتيبة بالانتشار لحماية جسر إسطنبول يُنفذ فوراً، دون علم السلطة المدنية، وكان ذلك مطلوباً لإيهام الشعب بأنّ هناك انقلاباً يحدث، بينما الجنود يظنون أنّهم في مهمة وطنية.

يرى مراقبون أنّ الجيش لو أراد الانقلاب على أردوغان لنجح بيسر

وفضلاً عن ذلك؛ لا يتناسب توقيت الانقلاب مع الخبرة العسكرية؛ فاختيار أكثر الأماكن ازدحاماً وفي وقت الذروة لتنفيذ الانقلاب لا يدل على نية للسيطرة على الدولة، كما كان بإمكان مدبري الانقلاب اختيار مقرات أكثر أهمية بخلاف الجسر المزدحم بالمدنيين، والذي لا يخدم تنفيذ انقلاب بأي شكل.

ومما جاء في كتاب ياوز أجار؛ أنّ رئيس الأركان، وزير الدفاع بعد الانقلاب، خلوصي آكار، ورئيس الاستخبارات، هاكان فيدان عقدا اجتماعات سرية قبيل الانقلاب بساعات، وأنّ آكار أصدر أمراً بحظر الطيران قبيل الانقلاب، وحين تحرك الجنود داخل إسطنبول وغيرها لم يتمّ إبلاغ كبار قادة الجيش، الذين كان بإمكانهم تدارك الخطأ.

اقرأ أيضاً: أردوغان يريد تعزيز العلاقات مع إسرائيل

وخلال التحقيقات التالية رفض كلٍ من آكار وفيدان المثول أمام القضاء أو البرلمان للشهادة، وعرقل أعضاء العدالة والتنمية عمل لجنة تقصي الحقائق، كما رفضت القاعدة العسكرية التي انطلقت منها المقاتلات التي قصفت حديقة قصر أردوغان تقديم سجلات تحرك الطائرات لجهات التحقيق.

ويقول أمر الله أوسلو؛ رغم أنّ أردوغان استثمر بقوة عبر الإعلام والتعليم والثقافة لترسيخ محاولة الانقلاب في عقول الشعب، إلا أنّ عدد المشككين في رواية الحكومة يتزايد يوماً بعد آخر، خصوصاً مع اشتداد الأزمة الاقتصادية، ولم يعد يؤمن بقصة الانقلاب سوى المتعصبين لأردوغان.

وأردف أوسلو؛ لم يعد حدث الانقلاب مجدياً لأردوغان، بعد أنّ فقد قيمته أمام ما ينكشف يومياً من فساد وقمع وأزمة اقتصادية طاحنة، فضلاً عن التسريبات التي تخرج عن تورطه في الانقلاب.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية