في الذكرى العاشرة لمصرع القذافي: هل نقص الطغاة واحداً؟

في الذكرى العاشرة لمصرع القذافي: هل نقص الطغاة واحداً؟


20/10/2021

كان مشهداً مؤثراً مليئاً بالمشاعر المتناقضة: الزعيم الليبي معمر القذافي الذي جمع إلى اسمه مختلف الألقاب يموت بطريقة سوريالية كما عاش، فتتنفس ليبيا الصعداء إلى حين، وينهمك "الثوار" في ترتيب ليبيا الجديدة، فيسيل دم غزير، ويتهدم بنيان كبير، وتتفتّت الجغرافيا، وينقسم الشعب إلى طوائف وميليشيات وتجار حروب وسماسرة دين يبيعون الوهم باسم السياسة والتكتيك.

في المشهد الذي يوثق عملية القتل، بدا القذافي وهو يستعطف شباناً فيما يشبه محاولات يائسة لتجنب مصيره المحتوم الذي أظهرته لاحقاً صور متعاقبة التقطها هواة، ليتم إعلان مقتله رسمياً

الأصعب من ذلك أنّ الانهيارات المتوالية جعلت بعض الليبيين يترحّمون على زمن القذافي، بعد أن اعتبروه حتى وقت قريب من أكثر الطغاة الذين عاثوا فساداً ليس في ليبيا وحسب، بل وفي كل مكان وصل إليه نفوذه المحمول على دعم مالي بلا حدود، وتحالفات مع أكثر قوى الشر فتكاً وعدوانية.

قبل عشر سنوات، انطلقت مظاهرات حاشدة في ليبيا، تحولت إلى حرب أطاحت العقيد معمر القذافي، الذي حكم ليبيا بقبضة من حديد على مدى أربعة عقود، وأدار نظاماً فرض فيه أبناؤه وأقاربه سيطرتهم على البلاد.

القذافي مع زوجته وأبنائه في باب العزيزية عام 1992

ولقي ثلاثة من أبناء القذافي حتفهم في تلك الأحداث، من بينهم مستشار الأمن القومي السابق، معتصم القذافي، الذي قتل على أيدي مسلحين في اليوم نفسه الذي شهد مقتل والده في تشرين الأول (أكتوبر) 2011. ومنذ ذلك التاريخ تفرق شمل عائلة القذافي، فساروا في دروب متباينة، كما تذكر "بي بي سي".

وكان القذافي، أطول الحكام بقاءً في الحكم، سواء في العالمين العربي أو الأفريقي، منذ أن أطاح الملكَ إدريس السنوسي في انقلاب عام 1969، وكان عُمر القذافي حينذاك لا يتجاوز 27 عاماً.

في عام 1977 أنشأ ما سماها بالجماهيرية، التي كانت السلطة فيها في أيدي الآلاف من اللجان الشعبية، غير أنّ القذافي في الواقع احتفظ بسلطة مطلقة في يديه.

في آب (أغسطس) من عام 2011 سقط رسمياً نظام حكمه، بعد دخول قوات المجلس الانتقالي العاصمة طرابلس، أي بعد نحو ستة شهور من اندلاع ثورة شرسة ضده مع تدخل غربي عسكري.

رامي العبيدي: اتصال هاتفي أجراه القذافي مع أحد أتباعه، وكان لاجئاً في سوريا، انتهى إلى تحديد مكانه بدقة، وأنّ بشار الأسد هو من نقل رقم الهاتف إلى الاستخبارات الفرنسية

وفي مثل هذا اليوم عام 2011، قُتل من وصف نفسه بـ"ملك ملوك أفريقيا" بطريقة وحشية في مسقط رأسه بمدينة سرت.

وفي المشهد الذي يوثق عملية القتل، بدا القذافي وهو يستعطف شباناً فيما يشبه محاولات يائسة لتجنب مصيره المحتوم الذي أظهرته لاحقاً صور متعاقبة التقطها هواة، ليتم إعلان مقتله رسمياً، من دون رواية نهائية لظروف ما جرى وما سبقه.

ومنذ تلك اللحظة الملتبسة، ظلت تفاصيل مقتل القذافي غامضة، ولم تتفق مراجع وازنة على ظروف مصرعه وملابساته، حيث تتعدد الروايات وتضطرب كأنما يُراد للقذافي أن يبقى سراً عصياً على الفهم حتى بعد رحيله.

القذافي حكم ليبيا بقبضة من حديد على مدى أربعة عقود

فما الذي حدث بالضبط في سرت في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2011؟ هكذا تساءلت شبكة CNN  التي كانت أجرت لقاء مع منصور ضو، القائد السابق للحرس الثوري الليبي، والذي يُعرف بأنه "الصندوق الأسود" لبعض أحلك أسرار ليبيا وخبايا نظام الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي، الذي لازمه، منذ كان أكثر قادة العالم خشية، وحتى اضطر للبحث عن القوت والاختباء في الأماكن المهجورة في "سرت" قبيل مقتله.

ووصف ضو، في مقابلة مع CNN اللحظات الأخيرة للقذافي، ورحلة فرارهم الفوضوية من مسقط رأس القذافي وحتى مهاجمة الناتو للموكب، وهرب بعدها القذافي مشياً على الأقدام عبر أنبوب للمجاري حيث قبض عليه مقاتلو المجلس الوطني الانتقالي، وقتل لاحقاً في ظروف لا تزال تفاصيلها ضبابية. وقال إنه فقد وعيه عند إصابته بشظية في ظهره ولا يدري كيفية وفاة القذافي.

بالنسبة إلى السلطات الليبية، لقي العقيد القذافي مصرعه أثناء اشتباكات وتبادل للنار بين مسلحين كانوا يحاصرون سرت وموكبه الذي كان بصدد محاولة الفرار به. لكنّ تقريراً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، نفى تلك الرواية بتاريخ 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2012. وشدد التقرير على أنّ هناك أدلة على كون القذافي جرى اعتقاله حياً ولكن جريحاً من قبل ثوار مصراتة الذين تشير المعطيات إلى أنهم هم من قتلوه.

اقرأ أيضاً: مناورة جديدة لسيف القذافي... هل يعرقل العملية السياسية والانتخابات؟

لكن قبل ذلك، وبتاريخ 29 أيلول (سبتمبر) 2012، نشرت صحيفة "لا كوريري ديلا سيرا" الإيطالية تحقيقاً خلصت فيه إلى أنّ القذافي لقي مصرعه على يد "جاسوس أرسله الرئيس الفرنسي وقتها نيكولا ساركوزي."

وخلصت الصحيفة إلى ذلك بعد أن تحدث رئيس المجلس الانتقالي الليبي، حينها، محمود جبريل إلى قناة "دريم" المصرية، مشيراً إلى أنّ "عميلاً أجنبياً تسلل إلى كتائب الثوار لقتل العقيد القذافي."

نشرت صحيفة "لا كوريري ديلا سيرا" الإيطالية تحقيقاً خلصت فيه إلى أنّ القذافي لقي مصرعه على يد "جاسوس أرسله الرئيس الفرنسي وقتها نيكولا ساركوزي"

وأخذت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية تلك القصة وتابعتها وأجرت حواراً مع مسؤول العلاقات مع أجهزة الأمن الخارجية في المجلس الانتقالي آنذاك رامي العبيدي لتأتي رواية مختلفة.

يقول العبيدي إنّ أجهزة الاستخبارات الفرنسية السرية هي التي لعبت دوراً محورياً ومباشراً في مقتل القذافي" وهو ما وافق عليه جزئياً مدير في منظمة هيومن رايتس ووتس في تصريحات لقناة "TV5" الفرنسية قائلاً إنّه من المؤكد أنّ طائرات أمريكية وفرنسية شاركت في العملية، لكن لا أدلة على وجود أعضاء من الاستخبارات الفرنسية على الأرض.

ويضيف العبيدي أنّ اتصالاً هاتفياً أجراه القذافي مع أحد أتباعه، وكان لاجئاً في سوريا، انتهى إلى تحديد مكانه بدقة، وأنّ الرئيس السوري بشار الأسد هو من نقل رقم الهاتف إلى الاستخبارات الفرنسية.

فما الذي يدفع الاستخبارات الفرنسية إلى تصفية الزعيم الليبي؟ هنا تتحدث الصحف والتلفزيونات الفرنسية عن مسألة تمويل حملة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي عام 2007.

لماذا قتل الغرب القذافي ودمّر ليبيا؟

تحت العنوان أعلاه، كتب يفغيني كروتيكوف، في  صحيفة "فزغلياد" الروسية، في آذار (مارس) الماضي حول العبرة المستخلصة من مصير ليبيا وزعيمها معمر القذافي.

ظلت تفاصيل مقتل القذافي غامضة

وجاء في المقال: قبل عشر سنوات من الآن، في الـ 19 من آذار (مارس) 2011، سقطت أولى القنابل والصواريخ الأوروبية والأمريكية على ليبيا. بدأ التدخل الغربي في ليبيا، وانتهى بالتدمير الكامل للبلاد وإعادتها إلى القرون الوسطى.

تمت المصادقة على غزو ليبيا بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973، الذي تم تبنيه قبل يومين من بدء التدخل، في الـ 17 من آذار (مارس). وحينها، امتنعت روسيا عن التصويت.

وكان الفرنسيون ذوو الدوافع الرفيعة هم من أسقط القنبلة الأولى.

قُتل القذافي في العشرين من تشرين الأول (أكتوبر)، وفي الثاني والعشرين منه، قال الأمين العام لحلف الناتو آنذاك، أندرس فوغ راسموسن، إنّ العملية في ليبيا ستنتهي بحلول نهاية الشهر. لم يكن هذا مجرد صدفة تقويمية.

في العام 2016، كشفت وزارة الخارجية الأمريكية رسمياً بعض رسائل هيلاري كلينتون، حين كانت وزيرة للخارجية. تقول الرسائل إنّ الاحتياطيات الليبية من النفط والذهب كانت تقلق جداً السيدة كلينتون، لأنّ استخدامها الهادف كسلاح اقتصادي كان يمكن أن يضر بشكل كبير بسعر صرف الدولار الأمريكي وقيمته. وكان العقيد القذافي قادراً على ذلك.

الآن يمكننا نظرياً التكهن بما كان سيحدث لو استخدمت روسيا حينها حق النقض ضد قرار الأمم المتحدة الذي بدأ معه كل شيء. ربما كان لفرنسا والولايات المتحدة أن تدخلا من جناح آخر. فعلى سبيل المثال، بدأ قصف الناتو ليوغوسلافيا من دون عقوبات من الأمم المتحدة. كان هناك القرار رقم 1199، وهو يتضمن فقط "دعوة الأطراف لوقف إطلاق النار". ثم قرر الناتو نفسه ما يجب فعله.

هل انتهت الروايات؟

ما زالت الروايات التي تسرد كيفية مقتل القذافي تتناسل في كل حين، ومن بينها ما كشف عنه فرج إبراهيم، المرافق الشخصي للرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، عن تفاصيل الليلة الأخيرة في حياة العقيد.

وسرد إبراهيم، في وثائقي من إنتاج قناة "العربية" بعنوان "القذافي.. الأيام الأخيرة" ما وقع قبل ساعات من نهاية حياة العقيد الليبي، بعد تمكن المحتجين من محاصرته.

وأفصح إبراهيم أنه ومرافقيه اتخذوا قراراً بإقناع القذافي بضرورة اقتحام الحصار بعد مقاومة شديدة من الطرفين وبعد انسحاب المحتجين مؤقتا ليلاً، استعداداً لمواصلة الاشتباكات في اليوم التالي.

سيارة بتصفيح بدائي

إلى ذلك، ذكر إبراهيم أنه ومن معه حاولوا تجهيز سيارة مصفحة تصفيحاً بدائياً باستخدام أكياس رمل، لكنّ سقوط قذيفة خربت ما عملوه، مشيراً إلى أنهم تأخروا في الخروج من معقلهم بعد أن كان مبرمجاً أن يتحركوا في جنح الليل بسبب تدخل طيران الناتو والقصف المتواصل على 3 مرات.

وقال إنّ أول ضربة لحلف الناتو أصابت سيارة الحراسة التي كانت مباشرة خلف سيارة القذافي، فقضت على السائق ومن معه، مستحضراً أنّ الدماء كانت تغطي كل جسمه.

القائد السابق للحرس الثوري الليبي: القذافي هرب عبر أنبوب للمجاري

بعدها جاءت الضربة الثانية وأثرت كثيراً على الآليات؛ حيث دمرتها بشكل كامل، ما اضطرهم للترجّل والتحصن بمنطقة الزعفران ببيوت قيد الإنشاء، ووقتها بدأت الاشتباكات عند الثامنة صباحاً، بحسب ما أوضح المرافق الشخصي للقذافي، الذي أفاد بأنّ معظم أفراد الحراسة والمرافقين لقوا حتفهم جراء القصف بالأسلحة الثقيلة.

في خضم ذلك القصف، اضطر العقيد الليبي وبعض من بقي معه إلى الهروب وترك تلك المنازل والتي كان الرصاص يخترق جدرانها، وهي آخر لحظة رأى فيها فرج إبراهيم، العقيد القذافي.

وفي حدود منتصف ذلك اليوم، بحسب ما ذكر ابراهيم، رأى المحتجين من بعيد ملتفين حول سيارة الإسعاف، وسمع أصواتاً وهتافات تقول إنّ القذافي مات.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية