في جنازةٍ مهيبة.. التونسيون يودّعون السبسي بالورد والدموع (صور)

تونس

في جنازةٍ مهيبة.. التونسيون يودّعون السبسي بالورد والدموع (صور)


28/07/2019

بنظرات حزينة، وعيون دامعة، ودع التونسيون أمس السبت، رئيسهم الراحل محمد الباجي قايد السبسي (92 عاماً)، الذي وافته المنية في 25 تموز (يوليو) 2019، في المستشفى العسكري بالعاصمة تونس، هذا السياسي المخضرم الذي أكسبته مسيرته السياسية الطويلة الكثير من الخبرة والتجربة، ارتبطت باسمه ألقابٌ كثيرةٌ، تؤكّد جميعها مساهمته الفعّالة في بناء تاريخ تونس الحديثة، فهو المعروف بأحد أبرز بناة النظام الجمهوري، وأب الديمقراطية في بلاده، كما يوصف برجل الدولة بامتياز، فيما يميل آخرون إلى أن يلقّبوه برجل التوافقات دون منازعٍ، وهو العلماني الذي توافق مع الإسلاميين، من أجل تجنيب البلاد منزلقاتٍ، كادت تودي بمدنية البلاد، قبل أن ينهي هذا التوافق العام الماضي بسبب عدم التزامهم ووضوحهم.
احتشد الآلاف في الشوارع التي مرّ منها موكب الجنازة بعد ساعات من الانتظار تحت أشعّة الشمس

جنازة وطنيّةٌ مهيبةٌ
اكتظّت مقبرة الجلّاز في العاصمة بالتونسيين الذي أصروا على مواكبة عملية مواراة السبسي الثرى، فيما احتشد الآلاف في الشوارع التي مرّ منها موكب الجنازة، وانتظروا لساعات طويلة تحت أشعّة الشمس، رغبةً منهم في إلقاء نظرة وداعٍ أخيرةٍ، أثناء نقل الجثمان إلى مثواه الأخير.

اقرأ أيضاً: كيف تفاعل مشاهير عرب مع وفاة الرئيس التونسي السبسي؟
التونسيون الذّين تجمعوا على جوانب الطرق القادمة من قصر الرّئاسة بقرطاج، والمؤدية إلى مقبرة الجلاز، رفعوا الرايات الوطنية، وبعضهم الورود، مردّدين "الله يرحمك يا باجي"، واختار بعضهم توديعه بترديد النشيد الوطني الرسمي، شكراً وامتناناً على ما قدّمه للبلاد طيلة حياته السياسية الممتدة وخلال فترة توليه الرئاسة.

ارتبطت باسمه ألقابٌ كثيرةٌ تؤكّد جميعها مساهمته الفعّالة في بناء تونس الحديثة

وأكدت أحلام بن صالح، إحدى التونسيات المشاركات في موكب توديع الرئيس، أنّها انتخبت السبسي في انتخابات 2014، ولم تندم على ذلك، بل كانت دائماً فخورةً به رئيساً لها ولكل التونسيات والتونسيين، وشدّدت في تصريحها لـ "حفريات"، على أنّ رئاسة السبسي، كان "أفضل ما حصل للتونسيات، منذ وفاة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة؛ لأنّه أكرمهنّ، وعمل على مساواتهنّ بالرجل، رغم المضايقات التي تعرّض لها".
وكان موكب الجنازة قد انطلق بخروج جثمان الرئيس من مقرّ إقامته بدار السلام بقصر قرطاج مسجّى بالعلم تحت تأمين الجيش إلى جانب القوات الأمنية، وقد نُقل إلى المقبرة على عربة عسكرية موشّحة بالراية التونسية وبإكليل من الزهور، قبل أن ينتظم حفل التأبين بإشراف الرئيس المؤقّت محمّد الناصر وبحضور رئيس الحكومة يوسف الشاهد والوزراء وعدد من الشخصيات الوطنية، وعدد من قادة الدول الشقيقة والصديقة والوفود الأجنبية والأمين العام لجامعة الدول العربية الذين حرصوا على تحية روح الفقيد والإشادة بمكانته وبدوره في بلاده، وعلى المستوى الإقليمي، وتقديم التعازي لأسرة الفقيد وللشعب التونسي.

اقرأ أيضاً: الرئيس التونسي المؤقت.. رجل الظل يقفز إلى الواجهة
هذا وشارك في الجنازة كلٌّ من الرئيس الجزائري المؤقّت عبد القادر بن صالح، والرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السرّاج، وأمير دولة قطر تميم بن حمد، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، والرئيس البرتغالي مارسيلو ربيلو دو سوزا، ورئيس جمهورية مالطا جورج فيلا، والملك الإسباني فيليب السادس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كما حضرت وفود رسمية تضم كبار المسؤولين من دول عربية وأجنبية.
وكانت الحكومة التونسية أعلنت الحداد لمدة سبعة أيام ونكست الأعلام وألغت النشاطات الفنية في البلاد، كما أعلنت كل من الجزائر، ليبيا، موريتانيا، مصر، والأردن الحداد لمدة ثلاثة أيام، بينما أشاد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في بيان للبيت الأبيض بـ "قيادة السبسي الرائعة".
عُرف عن السبسي دفاعه الشديد عن الحقوق والحريات، وبشكلٍ خاصٍ فيما يتعلق بالمرأة

حامي حقوق المرأة وحرياتها
عُرف عن السبسي دفاعه الشديد عن الحقوق والحريات، وبشكلٍ خاصٍ فيما يتعلق بالمرأة، في مواصلةٍ لما بدأه الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، رغم أنّ هذه القوانين وضعته في مرمى الانتقادات الحادّة، من طرف الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، ووصل الأمر عند البعض حد التكفير.

فيصل الشريف: انتصر دائماً للدولة على حساب التجاذبات الحزبية حتّى عندما تعلّق الأمر بحزبه نداء تونس

وينظر المدافعون عن حقوق المرأة في تونس إلى السبسي كأحد أبرز السياسيين، الذين يسيرون على خطى بورقيبة في تعاطيه مع هذا الملف، خاصّةً بعد إعلانه في آب (أغسطس) 2018 دعمه لمشروع قانون غير مسبوق في العالم العربي، يضمن المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، الأمر الذي أثار جدلاً كبيراً في البلاد.
هذا وتوجّهت تونس في عهدته، نحو التركيز على تحسين ظروف النساء العاملات في القطاع الفلاحي، وتحسين ظروف عملهنّ؛ الماديّة والمعنوية، وتوفير الظروف الملائمة لهنّ، مع التشديد على ضرورة حفظ كرامتهنّ في العمل بالضيعات الفلاحية.

اقرأ أيضاً: وصية الباجي للتونسيين: صوتوا لمن ترونه الأكفأ
من جانبه، أكّد المحامي يامن العكّاري، أحد العاملين سابقاً مع السبسي في مكتبه للمحاماة، أنّ الرئيس الراحل ليس كما يصفه بعض المتطرّفين، الذين كفّروه، بأنّه عدو الإسلام، مضيفاً في حديثه لـ"حفريات"، أنّه كان ملتزماً جدّاً بأوقات العمل، ومقتضياته، وإنّه كان كثيراً ما يستشهد بالآيات القرآنية، وينتصر دائماً لقضايا المرأة، وحرياتها، ويؤمن بدولة القانون، وبالديمقراطية، منذ نظام بن علي السابق، وأكّد مراراً على إيمانه بضمان حريّة التعبير والصحافة في البلاد، وتفهمه لانتقادات بعض وسائل الاعلام له.
تونسيات يبكين رحيل الباجي قايد السبسي

السبسي وبناء الدولة الحديثة..
يعدّ السبسي خامس الرؤساء في تاريخ الجمهورية في تونس ، بعد توليه هذا المنصب منذ 31 كانون الثاني (ديسمبر) 2014 (تاريخ أوّل انتخابات رئاسية ديمقراطية عاشتها البلاد)، وترأس الباجي قايد السبسي، قبل توليه رئاسة البلاد، حزب نداء تونس العلماني، وتقلّد العديد من المناصب الوزارية في عهد الحبيب بورقيبة (أوّل رئيس لتونس بعد استقلالها عن فرنسا العام 1956)، ثم عاد للساحة السياسية بعد الثورة التونسية.

اقرأ أيضاً: هل تجد قوى الإرهاب موطئ قدم لها في تونس؟
كان للسبسي دور مهم في مرحلة الانتقال الديمقراطي في تونس، إثر الأزمة السياسية التي عرفتها البلاد في العام 2013، وانتهاج سياسة التوافق التي جمعته مع زعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي، ومكوناتٍ سياسيةٍ أخرى،
ناضل الباجي قايد السبسي في الحزب الحر الدستوري الجديد منذ شبابه، وبعد الاستقلال عمل مستشاراً للزعيم الحبيب بورقيبة، ثم مدير إدارة جهوية في وزارة الداخلية، ليتولّى في العام 1963 إدارة الأمن الوطني، ووزيراً للداخلية العام 1965، ثمّ وزيراً للدفاع الوطني، العام 1969.

اختار بعضهم توديعه بترديد النشيد الوطني الرسمي
وبعد فترةٍ من الانقطاع السياسي، عاد في العام 1989 رأس بعد اتخابه مجلس نواب الشعب (البرلمان) بين عامي 1990 و1991، ليتولى بعد الثورة التونسية في كانون الثاني (يناير) 2011 منصب رئيس الحكومة المؤقتة حتّى 13 كانون الأول (ديسمبر) 2011، إذ قام المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية المنتخب في 12 كانون الأوّل (ديسمبر) 2011، بتكليف حمادي الجبالي أمين عام حزب حركة النهضة بتشكيل الحكومة الجديدة.

يامن عكّاري: السبسي طالما كان يستشهد بالقرآن الكريم وليس عدو الإسلام كما يصفه البعض

السبسي ترشّح لاحقاً في العام 2014 للانتخابات الرئاسية عن حزب نداء تونس الذي قام بتأسيسه العام 2012، وتمكن من الفوز بنسبة 55.68 بالمائة من جملة الأصوات مقارنة بـ44.32 لمنافسه منصف المرزوقي.
في هذا السياق، أشار أستاذ التاريخ فيصل الشريف، في تصريحه لـ "حفريات"، إلى الدور الفعّال الذي لعبه السبسي في الحفاظ على استقرار تونس، في أكثر الفترات الصعبة التي مرّت بها بعد الثورة، مؤكداً أنه رجل دولة أكثر منه رجل سياسة، على حد تعبيره، "لأنّه ديمقراطي في عمقه، وانتصر دائماً للدولة، على حساب التجاذبات الحزبية، حتّى عندما تعلّق الأمر بحزبه نداء تونس".
وأضاف الشريف أنّ السبسي، استطاع بعد انتخابه رئيساً للبلاد، "إرجاع تونس إلى بوصلتها، وإلى محيطها العربي، في ما يتعلّق بالعلاقات الدولية، والديبلوماسية الوطنية، وأصلح ما أفسدته حكومة الترويكا التي قادتها حركة النهضة الإسلامية، بين عامي 2011، و2013، كما أعاد عدّة شركاتٍ خسرتها تونس".
الشريف لفت أيضاً إلى أنّ السبسي تبنّى منذ مرحلة مبكرة مشروع الدولة الوطنية الحديثة، وعمل على استكمال المشروع البورقيبي، وبادر بجملةٍ من مشاريع القوانين الحداثية، لصالح المرأة التونسية، رغم الضغوطات، والانتقادات التي واجهته، ولم تثنه.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية