في ذكراها الـ 40: الثورة الإيرانية تعيش أزمة هوية

في ذكراها الـ 40: الثورة الإيرانية تعيش أزمة هوية


20/02/2019

ترجمة: محمد الدخاخني


في 11 شباط (فبراير) 1979؛ استولى معمّم شيعي كبير في السن، كان قد عاد من منفاه الطويل قبل 10 أيام، على السلطة في طهران. وقد بشر تأسيس آية الله الخميني للجمهورية الإسلامية الإيرانية بمرحلة جديدة من الاضطراب والارتباك والتطرف في الشرق الأوسط استمرت حتى يومنا هذا.

قدمت الجمهورية الإسلامية حالة مشهدية من العنف والخوف؛ فالمحاكمات الصورية والإعدامات الجماعية أعقبت صعود الخميني إلى السلطة

الآن، ومع دخولها مرحلة منتصف العمر، بعد أن واجهت تحديات لا حصر لها، تجد الثورة الإسلامية الإيرانية نفسها على أرضية مهتزة للغاية.
إنّ الجمهورية الإسلامية ليست على حافة الانهيار، كما يتوقع البعض، وليست في خضمّ ولادة جديدة.

في الواقع، شأنه شأن الكثير من الأنظمة السابقة عليه، يمرّ النظام بأزمة هوية من صنع يديه؛ فكلّما ابتعد عن اللحظة الثورية لعام 1979، بدا وكأنّه رجل هرم يكرر القصص نفسها إلى أطفال بالغين نفد صبرهم.

لقد كانت إيران أول دولة في العصر الحديث تباشر تجربة فريدة من نوعها: نظام حكم يفترض أنه متجذر في كل من الإسلام وآليات الديمقراطية، وإذا حكمنا من خلال الظروف الحالية؛ فإنّ إيران قد تصبح أيضاً أول بلد يرى فشل وزوال تلك التجربة، لكن متى؟

اقرأ أيضاً: أربعون عاماً خمينية

لم ينخدع الشعب الإيراني بالحكم الثيوقراطي، ومع ذلك، يبقى من غير الواضح متى ستنتهي فترة حكم الملالي.
يريد الإيرانيون مستقبلاً أكثر حرية وعلمانية واندماجاً في النظام العالمي، وتحديداً الاقتصاد العالمي، لكنّ الخصوم الأجانب والشركاء المحليين للنظام، وهم شبكة من الأوليغاركيين الصغار، بشكل أساسي، يقفون في الطريق إلى ذلك.

مع دخولها مرحلة منتصف العمر، بعد أن واجهت تحديات لا حصر لها، تجد "الثورة الإيرانية" نفسها على أرضية مهتزة للغاية

هذه الأعوام الأربعون لم تكن سهلة على الإيرانيين، والظروف الحالية، بما في ذلك العقوبات القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة، والأحداث السيئة التي تشهدها المنطقة، ومكابرة قادة البلد، كلها تشير إلى أنّ الأعوام القليلة القادمة قد تكون أكثر صعوبة.

منذ أيامها الأولى؛ قدمت الجمهورية الإسلامية حالة مشهدية من العنف والخوف؛ فالمحاكمات الصورية والإعدامات الجماعية أعقبت صعود الخميني إلى السلطة، كما اقتحم طلاب متشددون السفارة الأمريكية في طهران، واحتجزوا 52 دبلوماسياً أمريكياً كرهائن، لمدة 444 يوماً، وقام الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، بغزو إيران، مما أدى إلى اندلاع حرب دامت ثمانية أعوام، أدّت أكثر من أي شيء آخر إلى تفاقم الانقسامات الطائفية التي ما تزال تطارد المنطقة.

لكن، رغم كلّ هذا، فإنّ المفهوم الإيراني المهتز للحكم بالقانون الديني كان مدعوماً بالعناية بمزيد من الاهتمامات الدنيوية، مما وسّع سلطة النظام داخل حدوده الخاصة؛ فابتاع القادة قدراً من ولاء الجماهير باستخدام ثروة البلاد النفطية الهائلة لتمويل مجموعة واسعة من الخدمات العامة، لكنّ هذا لا يعني بالضرورة أنّ الإيرانيين قد ابتاعوا نظام الاعتقاد الذي وفّر أساساً للنظام.
وقد حظي رعاياه الأكثر ولاء، الذين غالباً ما كانوا الأكثر تضرراً من الحرب مع العراق، بمعاملة قوامها المحاباة، في حين سُحق المنشقون عن النظام بالإعدامات أو السجن أو النفي.

اقرأ أيضاً: كيف سرقت عمامة الخميني أحلام الإيرانيين؟
كان هذا النهج عديم الرحمة يتعارض مع الميول الطبيعية لواحد من أكثر مجتمعات الشرق الأوسط تعليماً وتعقيداً، لكنّ النظام بقي قادراً على الحياة؛ بسبب تفاهم غير معلن: فهو دعم مستوى معيشة متخم بالوصول الحر تقريباً إلى المرافق العامة، وموارد الغذاء الأساسية، والرعاية الطبية، والتعليم، ولم تكن هذه الموارد هي الأفضل في العالم، ولكنها لم تكن رثّة أيضاً، والناس يحسنون حياتهم أينما وكيفما أمكنهم ذلك، وعندما أتيحت الفرصة، رحل الكثيرون للحياة في الخارج.

اقرأ أيضاً: هل الخمينية تحتضر؟
ومع مرور الأعوام، بقيت السلطات، في الغالب، بعيدة عن الحياة الشخصية للناس، خاصة عندما أدركت أنّهم يستطيعون الاستفادة من عادات جرى حظرها رسمياً؛ ..، وأطباق الأقمار الصناعية، والآن الوصول إلى الإنترنت، من المحظورات الرسمية، أو مما يقع في باب ما هو مقيد، لكنّ السوق السوداء الخاصة بكل محظور يجري التحكم فيها من جانب أشخاص يعملون مع النظام.
وما نتج عن هذا النفاق؛ هو مجتمع مطواع علانية، لكنّه غير هياب وراء الأبواب المغلقة، وكلّما استمر البترودولار في التدفق، كلما كان من السهل السيطرة عليه، تمرّ إيران مجدداً بأوقات عصيبة، وستخبرك إدارة ترامب بأنّ العقوبات قد دفعت النظام مرة أخرى إلى حافة الهاوية، لكن هذه ليست القصة الكاملة.

النظام الإيراني الحالي مسؤول بشكل مباشر عن محنة النساء والأقليات العرقية والدينية

الواقع؛ هو أنّ المجتمع الإيراني يتعرض لضغوط من جميع الاتجاهات، المحلية والأجنبية.
وما لا يخبرك به المسؤولون الإيرانيون؛ هو التفاوت المتزايد في الثروة، فساد مجتمع مشروط بالبحث عن الرقم واحد.
تكفي هذه الحقائق لجعل الإيرانيين من أكثر الشعوب المتخلَّى عنها على الأرض، إنّ العقوبات والتوبيخات القادمة من واشنطن، التي عادة ما تكون جاهلة بقدر ما هي مخادعة، تزيد من التحديات التي يواجهها الإيرانيون العاديون، وفي هذه الأثناء؛ يستفيد النظام، المفلس أخلاقياً، وشركاؤه الهادئون في المجتمع الإيراني.

اقرأ أيضاً: المعارضة في إيران الخميني: الموت أو الصمت
والنظام الحالي مسؤول بشكل مباشر عن محنة النساء، والأقليات العرقية والدينية،..، كذلك يمكننا أيضاً أن نلقي باللائمة بشأن الكثير من التدهور البيئي على النظام وجشع أعضائه.

...ينبغي علينا أن نسعى إلى رؤية أصوات إيرانية مستقلة وشفافة وأصيلة وتمثيلية بشكل كامل، تشارك في الجدل حول مستقبل السياسة الأمريكية تجاه طهران، وفي الوقت الحالي، لا نرى هذه الأصوات.


المصدر: جايسون رضائيان، الواشنطن بوست

الصفحة الرئيسية