في ذكرى اغتياله: هكذا أنقذ غسان كنفاني الحكاية عن فلسطين

في ذكرى اغتياله: هكذا أنقذ غسان كنفاني الحكاية عن فلسطين


08/07/2019

كان غسان كنفاني أشخاصاً كثيرين في هيئةِ رجلٍ واحد، فهو المدرس والكاتب والمفكر والمسؤول السياسي المناضلُ والعاشق، لذا فإن ذكرى اغتياله السابعة والأربعين التي تحل اليوم، تظل رمزيةً؛ لأنها لم تستطع إنهاء حياة الفلسطيني الأول في مسيرة أدب المقاومة.

اقرأ أيضاً: غسان كنفاني: رواية لم تكتمل
سيرة غسان حافلة بمثل ما هي سيرةٌ فلسطين، حيث الحب والوطن والحياة والموت، بللت جميعها قلمه ليكتب بحبرٍ امتزج بمشاعر وأفكار الفلسطينيين والعرب والعالم أجمع بحق قضيةٍ لا تموت، يدافع عنها صاحب المقولة الشهيرة "شيء مضحك أن يضع الإنسان نفسه في سيارة مستفيداً من الحضارة، ثم تبقى المسافة بينه وبين إنسانيته معطلة تماماً".

كان غسان كنفاني أشخاصاً كثيرين في هيئةِ رجلٍ واحد

الطريق الوعر
بالكاد وُجدَ في هذه الحياة يوم التاسع من نيسان (إبريل) 1936، حيث كاد يموت مختنقاً أثناء ولادة أمه له. لكن غسان المولود في عكا؛ نجا مؤقتاً، ليختبر ألم الوجود لاحقاً. فالطفل الذي ما إن كبر حتى دخل مدرسة (الفرير) في مدينة يافا الفلسطينية، ما لبث أن خرج منها بعد سنواتٍ قليلة على دراسته الابتدائية، حيث أسهم "قرار تقسيم فلسطين، واعتداءات الصهاينة على مدينة يافا، ومن ثم عكا في 1947 ولاحقاً في 1948" إلى تهجير عائلة غسان مع عائلاتٍ فلسطينيةٍ عديدة نحو لبنان أولاً، ومن ثم إلى سوريا، وفقاً لكتاب "اليوميات: مختارات من دفتر غسان كنفاني" الصادرة عن دار "راية" في 2018.

كتب كنفاني القصة القصيرة لأنه كان يعرف مصير الحكايات التي لا نكتبها: إنها تصبح ملْكاً لأعدائنا

هكذا، بدأ كنفاني طريقه وعراً؛ لأنه منذ البدايةِ أبعده عن الوطن، لاجئاً، وربما مشرداً، وباحثاً مع عائلته عن حياةٍ أخرى مؤقتة، فغالباً ما بحث الفلسطينيون في بداية الاحتلال الصهيوني عن حيواتٍ لا تدوم بعيداً عن الوطن. وبالفعل لم يبتعد غسان في دمشق عن فلسطين، فبعد إنهائه دراسته الثانوية هناك، ومن ثم مرحلة الدراسة الجامعية، حيث درس اللغة العربية وآدابها في جامعة دمشق، كان بحلول العام 1955 منضماً إلى "حركة القوميين العرب" وذلك بعيْد انتقاله للتدريس في دولة الكويت، إذ كان في ذلك الوقت قارئاً نهماً يمهل الكتابة إلى حين. لكن لم تطل به المدة حتى بدأ عمله في "صحيفة الحرية كمحرر، ثم انتقل إلى صحيفة (المحرر) ليصبح كاتب مقالاتٍ تلفت الانتباه، بعد ذلك، اختار غسان طريق القصة القصيرة، فكتب في الكويت أولى قصصه: القميص المسروق". بحسب الموقع الرسمي لكنفاني على شبكة الإنترنت.
سيرة الشجر والفكرة والناس
شهرته ككاتبٍ رافقته منذ البداية، فأخذ يكتب قصصه تباعاً، ورغم أنّه لم يستلهم شيئاً خارج إطار فلسطين، إلا أنّه كان، برأي العديدين، أول كاتبٍ فلسطيني، ومن أوائل الكتاب العرب، الذين جعلوا من قضاياهم وحقوقهم مسألةً عالميةً في الأدب، بعيداً عن الخطابة والالتزام السطحي، فتشهد قصصه "سيرة الشجر والمدينة والقرية والفكرة والناس على مختلف طبقاتهم الاجتماعية وثقافتهم، كما أنه يتعامل مع الإنسان زمنياً في مختلف مراحله، ولا يسقط الوعي إسقاطاً، كنفاني يتعامل مع الوعي الذي يعطيه إياه الإنسان ويمنحه إياه الزمان والمكان والأم البسيطة والرجل المثقف، والخائن القذر، والحزبي الغارق في الالتزام ..." بحسب ما تراه الكاتبة منار حسن فتح الباب، في دراستها عن أدب غسان وأسلوبه الروائي، ونشرت عن "هيئة قصور الثقافة المصرية" في 2003.

اقرأ أيضاً: 10 حقائق قد لا يعرفها الكثيرون عن غسان كنفاني
ولا يمكن بأي حال، اختزال تجربة كنفاني الروائية والقصصية على شدة تنوعها وعمقها وجمالها الأدبي والوجودي والإنساني، فصاحب "أرض البرتقال الحزين"، و"ستة نسور وطفل"، و"كعك على الرصيف"، كان كونيَ التفكير بحسب ما يقوله أصدقاؤه، ويريد أن يكتب كل الحكايات، خصوصاً عن فلسطين، لأنه، كما رأى الروائي إبراهيم نصر الله في ذكرى غسان السادسة والأربعين العام الماضي، "الحكاية التي لا نكتبها، حكايتنا التي لا نكتبها، أتعرف ماذا يكون مصيرها؟ اسمح لي يا غسان، أن أسألك، أسألك من قلبي، فأمامك يمكن أن أصرخ أو أجنّ وألا أحسّ بإحراج، لأنني أحدِّثك أنتَ، لأنك منا؟ هل تعرف ما مصير الحكايات التي لا نكتبها؟ إنها تصبح ملْكاً لأعدائنا!".

من أعمال كنفاني

الموت يزور رجلاً لا يموت
بالترافق مع مسيرته الروائية والأدبية والفكرية، أخذت توجهات كنفاني النضالية تتضح بصورةٍ أكبر في نهاية الستينيات، فلم يكتف بالكتابة، إذ أصبح "عضواً غير منتظم في المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومن بيروت نسج علاقاتٍ واسعة مع الثوريين العالميين وليس الفلسطينيين والعرب فقط، كما تصدر العديد من الأحداث السياسية كناطقٍ إعلاميٍ حول العمليات المتعلقة باختطاف الطائرات من قبل الجبهة الشعبية من أجل المطالبة بتحرير أسرى فلسطينيين سواء في الأردن عام 1970، وحادثة الطائرات هناك، أو في قلب (إسرائيل) قبل ذلك، في حادثة اختطاف طائرة إلعال في 1968 واتهم غسان بالتخطيط لتلك الأخيرة" وفقاً لمجلة الآداب اللبنانية في عددٍ عن غسان صدر عام 1973.

شكل غسان كنفاني خطراً على الرواية الصهيونية عن فلسطين من كل نواحيها وكان لا بد للعدو أن يسلب حياته

شكل الكاتب إذاً، حياةً حافلةً حوله، سياسياً وأدبياً، وإنسانياً بالطبع، فهو من عشق الكاتبة الشهيرة غادة السمان، وتبادل معها رسائل حبٍ خالدة تعد من أجمل ما كتب حول الحب في القرن العشرين، وهو الزوج الذي تزوج لاحقاً من الدنماركية آني هوفر، وبقي مخلصاً في علاقاته للحب مهما كانت نتائجه، بل إنّ المرأة طالما تمتعت في أعماله "بشخصيةٍ صلبةٍ ومميزة مهما كان دورها" وفقاً للموقع الرسمي للكاتب.
لقد كتب غسان في صحفٍ عديدة، وتنوعت مقالاته، وله أكثر من ثمانية عشر كتاباً وعدة مسرحياتٍ وروايات وكتاباتٍ ساخرة باسمٍ مستعار، اشتهر منها الكثير كروايات "أم سعد" و"ما تبقى لكم" و"عائد إلى حيفا" ومجموعات قصصية مثل "القميص المسروق" و"موت سرير رقم 12" وكذلك مسرحيته المعروفة "القبعة والنبي". ولعل موت كنفاني، لم يكن مقروناً بأن الموت يجهل أنه يهاجم رجلاً لا يموت، بل يكمن في أنه كان، وفقاً للشاعر الفلسطيني محمود درويش، رجلاً "موجوداً في الريح، وعلى سطوح منازل الجيران، وفي ملفات التحقيق... رجلاً كان يشبه الوطن، والوطن يشبهه". ولذلك، شكل اغتياله من قبل الموساد الصهيوني من خلال تفجير سيارته في بيروت عام 1972، محاولةً صهيونية لسلب حياة غسان كنفاني، الذي شكل خطراً على الرواية الصهيونية بجميع أبعادها، فهو المحرض على الحب قبل كل شيء، وهو الرجل الذي لم يترك للأعداء فرصةً للاستيلاء على أية حكايةٍ عن فلسطين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية