قادة الإخوان يتصارعون... وشباب الجماعة يدفعون الثمن

قادة الإخوان يتصارعون... وشباب الجماعة يدفعون الثمن


14/10/2021

أزمة جديدة تعصف بتنظيم الإخوان في تركيا بعد تفجر الخلافات بين جبهتي الصراع (منير وحسين) بسبب انتخابات مكتب التنظيم بأنقرة والرابطة العامة للمصريين بالخارج التي شهدت طعوناً كثيرة في نتائجها وإجراءاتها، أعقبها تراشق إعلامي بين قيادات الإخوان، واتهامات متبادلة، وتشكيك في الولاءات، هذه الخلافات يعدّها المراقبون زلزالاً داخلياً لن يتم ترميم نتائجه بسهولة، نظراً لأنها تأتي في وقت يعلن فيه شباب الجماعة المحكوم عليهم بمدد طويلة رغبتهم في التصالح والاعتراف بشرعية النظام الحاكم، لاكتشافهم أنّ أعمارهم تضيع سدى، وأنّ القادة قد تسببوا في كل هذه الخسائر، في اعتراف لأول مرّة بالهزيمة والعودة باللائمة على القيادات، وذلك في خطاب نشره الإعلامي بقناة الشرق هيثم أبو خليل على صفحته على "فيسبوك".

...

كانت الانتخابات قد أطاحت بالأمين العام السابق للتنظيم محمود حسين ومجموعته نهائياً من مكتب الإخوان في تركيا، وجرى تنصيب عناصر موالية لإبراهيم منير.

لم يحتمل محمود حسين إبعاده عن منصبه ونفوذه، فقرر الطعن بالانتخابات، وشنّ حملة  على نائب المرشد إبراهيم منير ومجموعته إعلامياً، فردّ منير بتحويل محمود حسين و6 من أعضاء المكتب للإيقاف إلى حين التحقيق معهم فيما نُسب إليهم من إهدار للأموال والخروج على التنظيم والتمرد ومحاولة إدارة عملية انقلابية على قيادته الشرعية.

 

عمرو فاروق: إنّ مجموعة حسين، رغم أنها لم تسمّ نائباً للمرشد، إلا أنهم يجهزون "محمد البحيري" لتولي منصب نائب المرشد، فهو يحظى بثقل دولي وقبول في التنظيم العالمي

 

وشملت لائحة القياديين الموقوفين الأمين العام السابق للجماعة وعضو مكتب الإرشاد محمود حسين، ومسؤول رابطة الإخوان المصريين بالخارج محمد عبد الوهاب، وعضو مجلس الشورى العام ومسؤول مكتب تركيا السابق همام علي يوسف، وعضو مجلس الشورى العام مدحت الحداد، وعضو مجلس الشورى العام ممدوح مبروك، وعضو مجلس الشورى العام رجب البنا.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في ليبيا.. كيف بدأت الحكاية؟

لم يعترف محمود حسين الأمين العام السابق ولا مجموعته بهذه القرارات، وعقب تلك القرارات، قاموا بإجراءت عدة خلال الأيام الماضية مع قيادات داخل مصر وخارجها في محاولة لإقناعهم بإصدار بيان بإعفاء منير، وهو ما تم بالفعل، فقد أعلنت الجماعة عبر صفحاتها التي يسيطر عليها محمود حسين ومجموعته أنّ مجلس شورى الإخوان اجتمع ووافق على إعفاء نائب المرشد من منصبه، مع الاكتفاء بملفاته الخارجية، ولا دخل له بالقطر المصري، وقد أعلن هذا المتحدث الرسمي طلعت فهمي، ولم يسمِّ نائباً جديداً أو قائماً بالعمال، ممّا يعني فراغاً في السلطة وإدارة الجماعة، وهذا ما دفع إبراهيم منير إلى الخروج في مقطع مصور ينفي قانونية ما حدث، ويؤكد بقاءه في منصبه وممارسة قيادة الجماعة.

وقد تعالت أصوات ترفض ما أعلنه طلعت فهمي لعدم قانونية الاجتماع، فلا يحق للموقوفين أن يعقدوا اجتماعاً ويعلنوا عزل نائب المرشد والقائم بالأعمال، منهم على سبيل المثال محيي عيسى القيادي السابق في الإخوان، الذي كتب على صفحته: "الفصل الأخير من نهاية جماعة أصابت وأخطأت، وكان آخر فصولها دراماتيكياً، فقد دمّرت نفسها بأيدي أبنائها، ووقف الأعداء يتفرجون، مبروك عليكم محمود حسين المرشد العاشر للجماعة".

اقرأ أيضاً: ازدواجية الإخوان واعتلال الميزان في قضايا حقوق الإنسان

وحول مستقبل الجماعة وتأثير الصراع على بنية التنظيم قال عمرو فاروق الكاتب والباحث في الجماعات الأصولية: إنّ القرارات الأخيرة التي خرجت من داخل جماعة الإخوان تكشف بوضوح أنّ ثمة صراعاً عنيفاً بين كتلتين تريد كل واحدة منهما السيطرة على الجماعة، ففي تصريح لـ"حفريات" أوضح فاروق أنّ تنظيم الإخوان يمر اليوم بأخطر أزمة بين قيادة الجماعة، فمجموعة الأمين العام للجماعة  "محمود حسين" تحاول القضاء على خصمها "إبراهيم منير" نائب المرشد والقائم بالأعمال، من خلال تشكيل جبهة قوية وتعبئة الصف تنظيمياً وإصدار قرارات ضد نائب المرشد، الذي سبق أن أوقفهم وأحالهم إلى التحقيق.

 

منير أديب: العديد من شباب الإخوان، سواء من المحكوم عليهم أو من الهاربين خارج البلاد، يشعرون بأنهم ضحية قرارات قادة الجماعة الخاطئة

 

ويرى فاروق أنّ قرارات مجموعة محمود حسين بعزل نائب المرشد إعلامية أكثر منها حقيقية، فحسب المتحدث الرسمي طلعت فهمي أنّ مجلس شورى الجماعة قام بإعفاء نائب المرشد، ومن المعلوم أنّ مجلس شورى الإخوان عددهم 118، المتبقي منهم 23، وأنّ المجلس اجتمع اجتماعاً قانونياً بنسبة حضور بلغت 75%، ممّا يعني أنّ الحضور لم يتجاوز 17 عضواً، وقال أيضاً: إنّ التصويت كان بنسبة 85% لصالح إعفاء نائب المرشد، أي أنّ 14 عضواً فقط هم من وافقوا على عزل منير، وهو رقم لا يكفي لعزل نائب المرشد.

...

ويتوقع الباحث في شؤون الجماعات الأصولية أنّ مجموعة حسين، رغم أنها لم تسمّ نائباً للمرشد، إلا أنهم يجهزون "محمد البحيري" لتولي منصب نائب المرشد، فهو يحظى بثقل دولي وقبول في التنظيم العالمي، غير أنه لن يتمكن من الحصول على المنصب نظراً لأنّ تحركات محمود حسين الهدف منها تعطيل إدانته باختلاسات مالية.

ويرى في الوقت نفسه أنّ هذه الإجراءات ستتسبب بالمزيد من التصدع في التنظيم، وربما يغادر عدد كبير من شباب الإخوان الجماعة، فحجم الاتهامات غير الأخلاقية التي تطول الجانبين يفوق قدرات الشباب على تحملها أو تجاوزها والبقاء في التنظيم.

اقرأ أيضاً: نماذج قادها التحريض الإخواني إلى الهلاك.. تعرف إليها

ويضيف فاروق: تاريخياً كثيراً ما تعرضت الجماعة للخلافات الداخلية واتهامات متبادلة، ولكنّ إحساس أعضاء الجماعة بها كان ضعيفاً، بينما الذي نشر الخلافات بين الصف الإخواني هي قوة "السوشيال ميدا" وسرعة انتشار الخبر وامتلاك كلا الفريقين أدواته الإعلامية التي يشوّه كل منهما خصومه بها.

ويرى فاروق أنّ تحركات مجموعة محمود حسين وإعلانهم عزل منير لن تغير من الأمر شيئاً، فهو ما زال الرجل القوي في التنظيم، الذي يحظى بقبول تنظيمي واسع، لأنه جاء بتأييد من التنظيم الدولي ومن إخوان السجون، وهو مسيطر على كافة المؤسسات التي تكونت خارج تركيا، مثل مراكز الدراسات والمنصات الإعلامية، والمحافظ المالية للجماعة، أمّا مجموعة محمود حسين، فهي مجموعة مفلسة، وكل أدواتها الإعلامية تسيطر عليها المخابرات التركية، وفي ظل التقارب المصري التركي أصبحت أضعف ممّا كانت عليه، ولا يمكنها أن تكون رقماً في معادلة ترجيح طرف على طرف.

لا يتوقع الباحث في الجماعات الأصولية أن يتوقف الصراع على المشهد الأخير وإعلان إعفاء منير، "فربما يلوذ إبراهيم منير ببيان موقع من شخصيات إخوانية تؤيده، أو يستخدم تسريب خطاب من إخوان السجون يجدد الثقة فيه، لكنّ الأرجح عقد لجنة للمصالحة، ربما يكون على رأسها يوسف القرضاوي ومحمد أحمد الراشد، تنهي هذا الصراع بعملية تبادلية وتقاسم السلطة في الجماعة، أو على أقل تقدير ضمان محمود حسين عدم محاكمته إخوانياً على خلفية اتهامه باختلاس أموال الجماعة".

اقرأ أيضاً: فساد الإخوان مجدداً.. وقائع دامغة تكشف زيف الشعارات

وفي السياق ذاته، يرى منير أديب، الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أنّ صراعات القيادة في ظل ضغط عدد كبير من الشباب على التنظيم للقيام بتسوية ما مع الدولة، سيسبب تصدعاً في التنظيم، ففي تصريحات لـ"حفريات" أوضح أديب أنّ العديد من شباب الإخوان، سواء من المحكوم عليهم أو من الهاربين خارج البلاد، يشعرون بأنهم ضحية قرارات قادة الجماعة الخاطئة، التي تسببت في إشعال معارك لا مبرر لها، سواء مع الشعب أو مع مؤسسات الدولة، وزجت بهم في السجون، وكانوا ينتظرون أن يقوم القادة بمسؤولياتهم تجاه أبنائهم من الجماعة، وأن يدركوا متطلبات اللحظة الراهنة من تكاتف لحلّ أزمة الجماعة، لا أن يدخلوا في صراع على المناصب.

اقرأ أيضاً: هل تتحول كابول إلى عاصمة جديدة للإخوان؟

ويرى أديب أنّ الخلافات بين قطاعات الشباب وبين قيادات الجماعة كبيرة وعميقة، فالشباب غير راضين عن سياسة التصعيد مع الدولة، لهذا طالب العديد منهم البحث عن تسوية لحلّ أزمة المسجونين، لكنّ القيادة فاجأت الجميع، فبدلاً من بحث سبل للتسوية أو للتهدئة، إذا بهم يدخلون في صراعات على المناصب، مع تراشق واتهامات أحبطت الشباب والكثير من مؤيدي الجماعة.

اقرأ أيضاً: ليبيا: هل وفّرت جماعة الإخوان ملاذات آمنة للمرتزقة التشاديين

يسرد أديب تطور الصراع بين جناحي الصراع بقوله: "إنّ جناح محمود حسين أدرك أنّ انفراد إبراهيم منير بالقرارات وتشكيله لجنة معاونة قد تطيح بهم تنظيمياً، ثم يتم فضح ممارساتهم المالية، فاستندوا على أنّ العرف العام المستقر في التنظيم أنّ المرشد العام لجماعة الإخوان يجب أن يكون مصرياً، وإبراهيم منير بريطاني من أصول مصرية، فبدؤوا التحرك لسحب سلطاته كنائب للمرشد وقائم بالأعمال، فعاجلهم منير بقرار إيقافهم وتحويلهم إلى التحقيق، فعقدوا اجتماعاً لمجلس شورى الجماعة لإعفائه من منصبه، وبالفعل أعلن المتحدث الرسمي طلعت فهمي إعفاء منير من منصبه، فردّ عليهم نائب المرشد ببيان صدر يوم أمس الأربعاء بفصلهم من الجماعة.

ويتوقع أديب أنّ ثمة آثاراً سلبية قادمة على الجماعة، فهناك تذمر ممّا يحدث قد يتحول إلى تمرد يطول كافة تشكيلات الجماعة، ممّا يهدم بنية التنظيم، فضلاً عن سقوط مشروع الإخوان الأخلاقي الذي بشّروا به، فقيادات الإخوان التي يفترض فيها أن تكون قدوة في طهارة اليد، تتبادل الاتهامات حول اختلاسات أموال الجماعة، وعدم العدل في توزيع المخصصات المالية للمسجونين، فمن يرضى عنهم محمود حسين تصلهم الأموال، ومن يعترض لا يصله أي إعانة مالية، إضافة إلى اتهامات سابقة لم يتمكن محمود حسين من تبرئة نفسه منها، مثل تسجيل عقارات مالية بأرقام كبيرة باسمه وباسم أبنائه وأبناء مجموعته المقرّبة.

يتوقع أديب أن يكون هذا الصراع سبباً في القضاء على الجماعة بأيدي أبنائها هذه المرّة، نظراً لامتلاك كل طرف أدوات الصراع داخل الجماعة ذاتها، الذي سيتحول إلى صراع ديناصورات لا منتصر فيها؛ ممّا يعني أنّ الانهيار والانتهاء قادم لا محالة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية