قاضٍ عراقي: عناصر داعش ليسوا بشراً بل آلات للقتل

قاضٍ عراقي: عناصر داعش ليسوا بشراً بل آلات للقتل


23/07/2018

ترجمة: علي نوار


يمتلك القاضي العراقي رائد حميد المصلح بين يديه مستقبل عشرات الآلاف من الجهاديين الذين تجري محاكمتهم بمحكمة نينوى. لكن المصلح يؤكّد أنّ المحاكمات عادلة وتتوافر بها جميع الضمانات.

يحاكم المصلح هؤلاء الذين بسطوا نفوذهم على مدينة الموصل، الواقعة بشمال العراق؛ حيث سيطروا على المدارس والمستشفيات والجامعات، وأقدموا على اغتصاب آلاف النساء والطفلات، وحوّلوا حتى القاصرين إلى تهديد على الإنسانية، واضعين بنادق الكلاشنيكوف بين أيديهم ومحرّضين إياهم على القتل بدون أدنى شفقة. لا تزال صور هذه المذابح ماثلة في الأذهان بعد، وكذلك في السجلّ المحفوظ على حاسبه الآلي الشخصي، تصبح لدى رئيس قسم مكافحة الإرهاب في محكمة نينوى الجنائية فكرة واضحة عمّا يجب أن يؤول إليه مصير قيادات ما يعرف باسم تنظيم الدولة الإسلامية الجهادي (داعش).

فتيات عراقيات أمام حائط مدرسي مع رسوم إعدام السجناء من قبل داعش (رويترز)

يتساءل القاضي "أي مجتمع هذا يقبل استضافة منعدمي القلب هؤلاء؟ إنهم ليسوا بشرا. هم آلات للقتل ولا يستحقّون فرصة أخرى للحياة لأنّهم يمثّلون خطراً. تقول لهم فحسب إنّ هذا كافر فيشرعون في قتله دون أن يفكّروا ولو للحظة واحدة. ليس لديهم الحق في أي شيء آخر بخلاف المشنقة. يستحقون الموت"، وذلك بنبرة صارمة حاسمة تخلو من أي تردّد لدى حديثه عن المعتدين الذين تسبّبوا في قدر هائل من الإيذاء بحق الشعب العراقي وباقي العالم. مستطرداً "نتلقى انتقادات كثيرة من أوروبا بسبب أحكام الإعدام، لكن هذا نابع من كونهم ليسوا من عانى من هذه المذابح ولا من يضطر لمحاكمة كل هؤلاء القتلة"، وذلك رداً على سؤال حول "أخلاقية" هذا النوع من العقوبات.

القاضي العراقي رائد حميد المصلح

أجرت صحيفة (الكونفدنسيال) مقابلة مع المصلح أبرز خلالها الصعوبات التي تقابل عملية محاكمة إرهابيي تنظيم داعش، بعد تحرير المعقل الرئيس للجهاديين وهي مدينة الموصل قبل عام؛ حيث كشف "الجزء الأصعب بالنسبة لي كإنسان، هو الاستماع إلى الضحايا، مثل هؤلاء الأطفال الذين بالكاد يبلغون السابعة من عمرهم لكنهم أطلقوا النار وقتلوا أقرانهم، مثل هاته الفتيات اللاتي لم يتجاوزن التاسعة من أعمارهن وأجبرن على العبودية لقيادات إرهابية، واللواتي اغتصبن وتركن حوامل، أو النساء اللاتي تشعر أسرهن بالخزي والعار من انتمائهن إليها؛ لأنهنّ كنّ يشبعن الرغبات الجنسية لمتطرّف ما قسراً"، يسرد ذلك بنبرة يشوبها التوتّر بينما يحرّك فأرة حاسبه بحثاً عن مقطع فيديو لفتاة إزيدية خرج بنفسه بحثاً عنها في مدينة أخرى من المحافظة بعد معرفته بحالتها المأساوية.

يحاكم المصلح هؤلاء الذين بسطوا نفوذهم على مدينة الموصل وسيطروا على المدارس والمستشفيات والجامعات

يوضح المصلح حزيناً "بيعت هذه الفتاة في سوق نخاسة لأحد أمراء الحرب الجهاديين كان عمره 60 عاماً، لديّ ابنة في نفس عمرها وهي فتاة لا تعرف شيئاً عن الحياة"، قبل أن يظهر صوراً للفتاة بينما تقصّ باللغة العربية كيف أنّها اضطرت للادعاء بأنّها مواطنة تركية كي تتمكن من الفرار إلى الدولة المجاورة برفقة "مالكاتها"، وهنّ النساء الأجنبيات اللواتي تزوجن من قيادات رفيعة المستوى في تنظيم (داعش) وحظين بها كأمة. انتقلت هذه الفتاة منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2017 إلى وصاية عمّها الذي تم تسليمها إليها بعد إجراء تحليل للحامض النووي الوراثي (دي إن إيه). فقد قتل والدها على أيدي الجهاديين، بينما لا تزال والدتها في مكان غير معلوم، ويعلّق القاضي "وبناء على المعلومات المتوافرة بحوزتي، فإنها متوفية كذلك".

مراسم مختلفة لكل حالة

وفقاً للإحصاءات التي تخصّ المحافظة التي يعمل فيها هذا القاضي، فقد ألقي القبض منذ تحرير الموصل على 13 ألف و133 شخصاً يشتبه في انخراطهم بصفوف القتال التابعة لتنظيم أبو بكر البغدادي، منهم 686 قاصراً، و127 امرأة عراقية و636 أجنبية، من مختلف الجنسيات وينتمين لدول آسيوية وأوروبية. وبعد إجراء التحقيقات اللازمة، تم إرسال ألفين و54 شخصاً للمحاكمة بتهم جنائية في نينوى، فيما تقرّر إطلاق سراح ألفين و226 آخرين لعدم كفاية الأدلّة ضدهم.

حكم بالإعدام بتهمة الإرهاب في وزارة العدل ببغداد، في 29 يونيو، 2018 ( رويترز)

يوضّح القاضي "تنصّ اللوائح على إرسال جميع الأجانب إلى بغداد بحيث يكونوا أقرب لسفارات بلدانهم الأصلية واستكمال التحقيقات هناك حول مدى تورّطهم في الإرهاب"، إلا أنّه لم يكشف عن العدد الإجمالي للأشخاص غير العراقيين المقبوض عليهم. لكنه انتهى من محاكمة ألف و373 شخصاً في نينوى، عوقب بعضهم بالإعدام، وآخرين بالمؤبد، والبعض الآخر بمدد مختلفة من السجن. وبين هؤلاء توجد 12 امرأة، التفّ حبل المشنقة حول أعناق بعضهن.

أقدموا على اغتصاب آلاف النساء والطفلات وحوّلوا القاصرين إلى تهديد على الإنسانية محرّضين إياهم على القتل

أما مصير الأصغر سنّاً فيكون الإيداع بمراكز إعادة التأهيل؛ حيث يخضعون لإجراءات وطرق علاج مختلفة يضعها أطباء أطفال وخبراء في علم النفس، لكنهم لا يتعرّضون للعقاب بموجب القانون 76/1983، حسبما أشار القاضي. ويضيف أنّ معاملة "أبناء الجهاديين" تتطلّب كخطوة أولى التواصل مع أولياء أمورهم، وفي الكثير من الأحيان يتبيّن وفاة أجدادهم. "تحتاج محاكمة الأطفال إعداداً خاصاً، فيكون من الضروري حضور طبيب نفسي وأخصّائي اجتماعي، وهناك قاض خاص مكلّف بنظر هذا النوع من القضايا. يعزل الأطفال تماماً عن البالغين ووسائل الإعلام. نسعى لإعادة إدماجهم في المجتمع ومساعدتهم في طيّ هذه الصفحة. تعريضهم بهذه الصورة لا يساعد بأي حال".

اقرأ أيضاً: تاريخ التعذيب: هل التوحش طبيعة بشرية؟

ويؤكد القاضي أنّ وضعاً مماثلاً يسري على النساء، حيث يقول "كل ما نفعله هو تطبيق القانون، سواء الآن أو منذ أعوام. نتحلّى بالمنطق. تستطيع هؤلاء اللاتي انخرطن في القتال، سواء بتأثير من الأب أو الأخ أو الزوج، إثبات أن وليّ أمرها هو من أجبرها على ذلك، ويصفح عنهن القانون؛ لأنّهن بنظر التشريع غير مسؤولات عن مثل هذه الأفعال. نحترم ما ينص عليه القانون العراقي لكن من المهمّ أولاً التحقّق من أنّ هؤلاء النساء لم يتبنّين نفس أيديولوجية رجالهن".

"لا مجال للرحمة" مع مرتكبي المذابح

يشدد المصلح "نحن لا نحاكم على عجلة. تستغرق محاكمة كل هذا العدد من الأشخاص، بما فيهم النساء والأطفال، عدة أشهر، نستمع إلى الشهود ونسعى وراء الأدلّة، ونضع نصب أعيننا الضرر الواقع. الإعدام ليس عقوبة تفرض بهذه الكثرة، بل توقّع على القيادات العليا فحسب. لا تتجاوز نسبة أحكام الإعدام 13% من إجمالي العقوبات الموقّعة"، مجيباً بذلك على الانتقادات حول تطبيق عقوبة الإعدام. بل أنّه ضرب مثلاً بأحد عناصر الجماعة الإرهابية والذي كان يعمل طاهياً، مشيراً إلى أنّ العقوبة الموقّعة بحقّه كانت "السجن 10 سنوات فقط".

لقطة من فيديو دعاية لداعش يظهر عملية إعدام في نينوى

لكن القاضي عاد واستدرك بالقول إنّ هؤلاء الذين أدينوا بارتكاب "مذابح" بحق الإزيديين، وهي أقلية دينية كردية في العراق، "لا مجال للصفح عنهم. فقد أضرّت جرائمهم بكرامة الكثير من النساء الإزيديات. اعتبروهنّ كافرات لا يستحققن الإنسانية. أقدموا على اغتصابهن وبيعهن في أسواق العذارى. فيما لا تزال أخريات في عداد المفقودات. كانت هذه جرائم ضد الإنسانية". مبرزاً أنّ الكثير من الطفلات الإزيديات، الذين يكنّ لهم تنظيم داعش كراهية كبيرة، فقدن ذويهن وما تزال صورهن على جدران مبنى المحكمة الجنائية في الموصل انتظاراً لأن يتعرف عليهن أحد أفراد الأسرة.

تحتاج محاكمة الأطفال إعداداً خاصاً بحضور طبيب نفسي وأخصّائي اجتماعي وقاض خاص

ويقرّ القاضي "تظهر المشكلة عندما لا يريد أعمامهن وأخوالهن أو أبناءهن استضافتهن باعتبار أنّهن وصمة وفقدن شرفهن بعد تعرّضهن للاغتصاب. رأيت حالات كثيرة لفتيات يخشين تسليمهن إلى عائلاتهن خوفاً من قتلهن بسبب اغتصابهن جنسياً أو حملهن. هذه القضايا صعبة جداً من المنظور النفسي لذا نطالب كلاًّ من الحكومة والمنظمات غير الحكومية أن تشارك في هذه العمليات القضائية، نحن بحاجة لمساعدتهم وإنسانيتهم من أجل إعادة ترميم كل ما ألحق به (داعش) ضرراً". كاشفاً أنّه أمر بتشكيل لجنة للتعامل مع ملف الإزيديين لأن حالاتهم "ليس من السهل" التعامل معها، ملاجئ الأيتام والمنظمات التي تأسّست عموماً لمعالجة ضحايا الجهاديين غير كافية على الإطلاق. مشيراً "من المؤلم رؤية كيف أنهم لم يعودوا يريدون الاقتراب من المسلمين. اعتقد أنّ خوفهم مبرّر".

اقرأ أيضاً: من أسرار توحش الجهاز الأمني لتنظيم داعش

ويختتم القاضي العراقي حديثه بالتأكيد "لكن الجانب الإيجابي في هذا التحدي المتمثّل في إنفاذ العدالة هو أنّ تنظيم داعش أسدى لنا صنيعاً دون أن يدرك ذلك بعد أن خلف وراءه مقاطع فيديو وصوراً لجرائمه، والتي دأب على بثّها في أعقاب ما اعتبر أنه انتصار. عمليات الإعدام موثّقة ويبدو فيها القتلة سافري الوجوه. يجب أن يظهروا الآن ويدفعوا ثمن الجرائم التي ارتكبوها. سنفعل ذلك، رغم الحملة التي تشنّها أوروبا ضد العدالة العراقية والتي تدّعي أننا نحكم بالإعدام على القتلة دون محاكمة عادلة"، قبل أن يطفئ حاسبه ويرحل عائداً إلى الموصل كي يواصل بيد حديدية عن طريق العدالة تطبيق القانون على جميع من أقسموا يوماً ما الولاء للبغدادي.


مقابلة أجرتها الصحفية إيمان رشيدي مع القاضي العراقي، صحيفة (الكونفدنسيال) الإسبانية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية