قاعدة بديلة لأستاذية العالم: كيف يُربي الإخوان المسلمين جيل تمكين أوروبي؟

قاعدة بديلة لأستاذية العالم: كيف يُربي الإخوان المسلمين جيل تمكين أوروبي؟


22/11/2020

سامح فايز

«إن الإرهابي كان مصيبا فيما فعل»، عبارة رددها أطفال فرنسيون، من أصول عربية، في العاشرة من عمرهم، خلال دقيقة الصمت على المعلم المذبوح صاموئيل باتي، والتي ألزمت بها كل المدارس الفرنسية طلابها وقت الحادث، عبارة أثارت قلق مدير المدرسة، ما استدعى إبلاغ الشرطة، والتي بدورها وجهت استدعاءا للأطفال للاستماع لهم. حتى وإن كان مجرد استدعاءا، لا اعقتالا أو سجنا، فالمسألة تحتاج إلى رؤية أعمق من مجرد القراءة العابرة!

وزارة التربية الوطنية في فرنسا غردت على موقع “تويتر”:”إنهم “برروا القتل” بحجة أنه “ممنوع المس بالرسول مضيفين بأنهم يقتلون أستاذهم في حال رسم الرسول في كاريكاتور”.

مسألة قد تراها المؤسسات الفرنسية غريبة الأطوار، غير أنها بديهية في المجتمعات العربية، التي تشهد انتماء ألاف الأطفال والمراهقين للمجموعات المتطرفة، التي كانت بذرة تنظيمات مثل القاعدة وداعش والجماعة الإسلامية، على أرضها، مجرد طلبة في الثانوية العامة، يحضرون حلقة دينية بأحد مساجد حي عابدين بالقاهرة، وقتها كان ينظر إليهم على أنهم مجرد مراهقين، أو شباب في مقتبل العمر، غير أن العالم عرف منهم فيما بعد أسماء، أيمن الظواهري، ورفاعي سروري، وآخرون، نشروا السلفية الجهادية في العالم حتى أصبح مصيرا صعب الفكاك منه في أغلب الدول العربية، وهى المسألة التي باتت أوروبا على أبوابها الأن[1]!

نظرية الأجيال داخل جماعة الإخوان

الحديث عن نظرية الأجيال داخل الجماعة، والتي أسس لها حسن البنا ربما تفسر ما آلت إليه الأوضاع في أوروبا أو كادت، بداية من جيل التمكين، ثم جيل التنفيذ، فجيل الانتصار، سعيا لأستاذية العالم كما أراد البنا[2]، مسألة قد يظن البعض أنها خيالية، على الرغم من رؤيتنا لها واقعا حقيقيا في المنطقة العربية، لمسنا أثاره بعد أحداث الربيع العربي، 2011، ووصول الإخوان إلى مقعد الحكم في بعض تلك البلدان، على رأسها مصر، قبل أن يثور الشعب المصري، غير أن النسخة العربية من كتاب «أرواق قطر»، للصحفيين الفرنسيين جورج مالبرونو (صحيفة لو فيجارو)، وكريستيان شينو (إذاعة فرانس أنتير، تحدثت عن أهم مشروع فكري لجماعة الإخوان في الغرب، تموله الدوحة تحت مسمى «الغيث»، ويتم تنفيذه من خلال العمل الاجتماعي بهدف نشر المنهج الأيدولوجي والعقائدي لأفكار حسن البنا وسيد قطب، ومشروع «دولة الخلافة» التي يسعى التنظيم لإقامتها من خلال اختراق الدول العربية والغربية.

كتاب أوراق قطر  يحيلنا إلى عشرات الوثائقيات التي ضبطتها السلطات السويسرية في نوفمبر 2001، خلال مداهمة فيلا في مدينة «كامبيون»، مملوكة لرجل الأعمال المصري البريطاني يوسف ندا، الأمين العام السابق للتنظيم الدولي للإخوان، والتي عرفت في دوائر مكافحة الإرهاب باسم «المشروع السري»، أو «المشروع السري للإسلاميين لغزو الغرب»، تمت صياغته في ديسمبر 1982، ومكون من 14 صفحة باللغة العربية، تحت عنوان «نحو استراتيجية عالمية للسياسة الإسلامية.. منطلقات وعناصر ومستلزمات إجرائية ومهمات».

أكدت تلك الوثائق على ضرورة اعتماد مفهوم التمكين للإخوان في أوروبا، وأن ذلك يستلزم وجود مؤسسات تابعة للجماعة، مثل وسائل إعلام، وأحزاب سياسية، وكيانات اقتصادية، مثل البنوك، والشركات.

المشروع السري للتمكين الإخواني

تدشين المشروع السري للتمكين الإخواني في الغرب صادف في نفس العام إضرب العمال المسلمين في مصانع السيارات الفرنسية بين عامي 1982م و1983م؛ بسبب رغبتهم في تخصيص قاعات لهم لأداء الصلاة.

بعد شهورٍ من التظاهرات والاستنزاف المالي انصاعت الشركات لرغباتهم، حتى تلك اللحظة ربما لم ينتبه المجتمع الفرنسي لصعود الجالية المسلمة، وحاجاتهم إلى دور عبادة لم تكن متوفرة في باريس في تلك الفترة، انصياع الشركات جاء على الرغم من التصريحات المتتالية لعددٍ من المسؤولين الفرنسيين التي اتّهمت العمال بأنهم «مُجنّدون لضرب الاقتصاد الفرنسي من طرف جهاتٍ أصولية»، وكان أبرزها ما قاله جاستون ديفيري Gaston Defferre عُمدة مارسيليا، التي يقطنها أغلبية إسلامية كبيرة، بأن «كل مسلم يتردد على المساجد هو متطرف محتمل»، أو ما قاله جان لوبان رئيس الجبهة الوطنية الفرنسية بأن «العمال المهاجرين هم طليعة البربرية في هجومها على الغرب».

هجوم البربر لم يكن حكرا على ماكرون إذن، بعد أن غرد على موقع تويتر نوفمبر الجاري، أن العالم يعاني هجوم البربر، فقد تواترت العبارة قبل ثلاثة عقود، وهي تضم في طياتها شوائب العلاقة بين المستعمر الفرنسي وشعوب شمال أفريقيا.

بلغ الحضور الإسلامي في المجتمع الفرنسي ذروته عام 1989،  بعد ما دشّنت الجالية الإسلامية مظاهرات كبيرة ضد رواية سلمان رشدي «آيات شيطانية»، وبرزت قوة الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، أكبر مزوِّد للجالية الإسلامية في فرنسا بالأفراد، وجرت معركة «حجاب التلميذات».

فعلى الرغم من أن مجلس الدولة الفرنسي أكد في فبراير عام 1989م، حق كافة الطالبات المسلمات بارتداء الحجاب باعتبارها ضمن «حرية المعتقد التي يجب أن تكون مضمونة لكل فرد»، فإن عددا من المدارس شنّت حربا لا مبرر لها على الحجاب، فتم طرد الفتيات اللاتي أصررن على ارتدائه، كما وُضعت بعض القوانين المدرسية الداخلية التي تمنع دخولهم بغطاء رأس، وصرّحت الفيلسوفة الفرنسية إليزابيث بادنتر بأن قبول الحجاب في المدارس يُشبه التساهل مع هتلر في بدايات الحرب العالمية الثانية!”.

مخطط حسن البنا لأستاذية العالم

ما حدث في فرنسا، وما يحدث في أوروبا على وجه العموم، هو نفس المخطط الذي أسس له حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان، في المنطقة العربية؛ عندما أدركت الجماعات الدينية في العموم أهمية العمل على تجنيد الشباب والأطفال؛ ذلك لأن الشاب يملك عقلاً لمّ يتشكّل بعد، ومن السهل السيطرة عليه.  وذلك تطبيقا لحديث نبوي روج له الاخوان على إنه حديث صحيح، والخاص بقول الرسول «نصرني الشباب وخذلني الشيوخ» في حين أنه لا سند له.

تتبع جماعة الإخوان أسلوبا مختلفا في ضم الشباب واحتوائهم تحت لوائها[3]، تتكون الجماعة من أسر صغيرة تعداد كل أسرة من خمسة إلى عشرة  أفراد، ولكل أسرة نقيب، وللنقباء أسر أيضا، وهى مجموعات تمثل كل عدد منها تشكيل معين يعلو في الهيكل التنظيمي، ثم فصيل، وشعبة، ومنطقة، وتلك الأخيرة تماثل في الهيكل الإداري للحكومات المحافظة الأن، وهكذا حتى تنتهي بك المسألة لمكتب الارشاد الذى يتحكم في إخوان مصر والعالم.

حسن البنا في بداية الدعوة كان يهتم بتكوين أواصر اجتماعية مع كل شاب داخل الإخوان، بل كان يوفر من وقته أسبوعيا يوما يقضيه مع أسرة إخوانية، بحيث يغطى الأسر في جميع أنحاء مصر على مدار العام، وكان يهتم بأدق التفاصيل الشخصية للشاب، ويعرف عنه كل أخباره الاجتماعية، ويهتم بمستواه الدراسي، ويحثه على التفوق. ومثل البنا للشباب حينها الأب الروحي

ولأن الجماعة  تؤمن أن تلك المرحلة هى مرحلة التكوين، أي تكوين الشاب المسلم والفتاة المسلمة، واللذان يمثلان البذرة للدولة الإسلامية، فقد اتبعت الجماعة نظام أن يتزوج الإخواني من فتاة إخوانية؛ لتكوين الأسرة المسلمة، التي تكون نواة للدولة الإسلامية في المرحلة التالية من المخطط الذي كان يحلم به حسن البنا، ألا وهو إنشاء دولة الخلافة الإسلامية، تلك الخلافة التي تسبب قتلها  عام 1924 في إنشاء جماعة الإخوان. وهكذا صارت العلاقة بين شباب الإخوان وقادتهم ليست علاقة فكر وتنظيم ورأى نسبي قد يتغير أو يثور عليه بعضهم، إنما المسألة علاقات اجتماعية وأواصر عائلية ونسب وأسرة وأزواج وزوجات وذرية تتناسل جيل بعد جيل لتكون مفرخة تخرج من يحمل الجماعة على كتفه حتى نهاية الخليقة، ولهذه الأسباب يعيش الإخوان، ويموت أخرون

أستطاعت جماعة الإخوان أو ما يعرف بجماعات الإسلام السياسي أن تؤسس مجتمعات بديلة، تسير بالتوازي مع شعوب الدول التي يتواجدون فيها، وتؤسس مناطق نفوذ، وتخترق المؤسسات والنقابات، وتفرز أفكارها الخاصة، التي تجد طريقها إلى العقول، حتى تصبح مسألة جماعات الإسلام السياسي معضلة لا فكاك منها، هذا ما حدث في معظم البلدان العربية، وهذا ما يحدث في أوروبا وأمريكا وبعض دول أسيا الأن!

جيل التمكين الأوروبي

أحد أعمدة تنفيذ ذلك المخطط، اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF) ، الممثل الرسمي للتنظيم الدولي للإخوان في فرنسا، التي قسمها إلى 8 قطاعات إدارية، ويضم أكثر من 250 جمعية إخوانية، ويشرف على عدد من المؤسسات والكيانات والمراكز الإسلامية التابعة للتنظيم.

ويوجد مقر «اتحاد المنظمات الإسلامية»، الذي عدل اسمه إلى “مسلمي فرنسا” (M D F)، في المنطقة الصناعية بـ”كورناف”، ويعد الفرع الفرنسي من اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا.

تأسست النواة الأولى لـ اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا في مارس (أذار) 1983 على يد مجموعة من طلاب المشرق العربي، هم المصري أحمد محمود، المولود في محافظة المنيا عام 1947، والتونسي عبدالله بن منصور، والعراقي زهير محمود، المولود في الموصل عام 1952، والسوري محمد خلدون باشا، المولود عام 1955، واليَمَني عبد الرحمن بافاضل، المولود في حضرموت عام 1948. بعد عام من تأسيسه، ضم الإتحاد 31 جمعية إسلامية، تنتمي أصول أعضائها إلى تركيا ودول المغرب العربي، وزادت توسعاته في مطلع التسعينات.

أصحاب الاتحاد يتكتمون على مصادر تمويلهم، وتغمض الدولة الفرنسية أعينها عن التمويل نظرا لتحقيق بعض مصالحها استيراتيجيا واقتصاديا. علما أن الأموال كانت تأتيهم غالبا عن طريق هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية التي يسيطر عليها الإخوان، وعبر مؤسسة الأعمال الخيرية لعمارة المساجد، وعن طريق الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، التي أطلق فكرتها يوسف القرضاوي، أحد مرجعيات الإخوان.

إسلام أردوغان

قطر ليست الدولة الوحيدة التي تسعى إلى تغيير ديمغرافيا المجتمعات الأوروبية، والفرنسية على وجه الأخص، الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان،  يعتزم هو الآخر افتتاح مدارس تركية في فرنسا، وذلك بعد أن زار مسؤولون أتراك المدارس الثانوية الفرنسية في تركيا خلال شهر أبريل 2019 بقصد «الاعتراض على الأساس القانوني لتعليم الأطفال الأتراك في هذه المؤسسات».

توغل الفكر المتطرف بين أوساط أطفال الفرنسيين المسلمين من أصول عربية واجهه رد فعل منذ اللحظة الأولى، أبرزها حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف، أو ما أصبح «التجمع الوطني»، بعد تغيير الاسم، في محاولة من الحزب للتنصل ظاهريا من الاتهامات الملتصقه به، بالعنصرية ومعاداة السامية، من ذلك أن الحزب يدعوا باستمرار إلى ضرورة توقف فرنسا عن فتح أبوابها للمهاجرين المسلمين، وتوقفها عن إعطائهم دون قيد أو شرط كافة حقوق المواطنة.

الروائي والمترجم عادل أسعد الميري، يعيش بين فرنسا والقاهرة منذ ثلاثة عقود، قال في كتابه «وهم صاغرون – حكايات عن أقباط مصر»، الصادر عن دار «ميريت» يناير 2020، أنه قد ظهر مؤخرا في فرنسا كتاب انتشر سريعا يقول مؤلفه، إنه نظرا للزيادة السكانية الكبيرة في الجالية المغاربية المسلمة، بسبب وجود ما بين أربعة أو خمسة أطفال في الأسرة المغاربية، مقابل أقل من طفلين اثنين فقط لا غير في الأسرة الفرنسية، فإنه يتوقع لو استمرت السياسات الحالية دون تغيير، قبل حلول عام 2050، أن تصبح فرنسا دولة ذات أغلبية مسلمة، وبالتالي ستنتخب الأغلبية المسلمة المتوقعا رئيسا مسلما للدولة الفرنسية.

يضيف الميري في كتابه:”ظهر بوضوح تام فشل سياسة التعددية الثقافية، التي حاول دول أوروبية عديدة تطبيقها، متمثلة في مبدأ قبول الآخر، ومحاولة إدماجه في المجتمعات الأوروبية، مع تقديم كل فرص الحياة الكريمة له، مثل التعليم والصحة والسكن والمواصلات، في دول الرفاهية الإجتماعية، مثل السويد، والدنمارك، فإذا بمواطني الأقليات العربية في هذه الدول، يزدادون تقوقعا على أنفسهم، ويرفضون الإندماج مع مواطني هذه الشعوب، ويرفضون قبول قوانين مواطني هذه الدول، ويرفضون التعليم المتاح في هذه الدول، خوفا ممكن يمكن أن يتعلمه أولادهم في هذه المدارس، مما يعتقدون أنه قد يكون مناقضا لمبادئ الشريعة الإسلامية”.

مجتمعات أوروبية على نهج الإخوان

هنا يكون البديل، أمام المهاجرين، هو المراكز الإسلامية، التابعة لجماعات الإسلام السياسي، سواء كانت سنية أو شيعية، إيرانية أو تركية، المهم أنها في النهاية تساهم بخلق مجتمع موازي، من المؤكد يصعب تفكيكه بمجرد الطريق الأمني، أو ترحيل بعض المتطرفين، أو حبس البعض، وهى نفس الأزمة التي تعاني منها دول المنطقة العربية، وشمال وجنوب الصحراء في أفريقيا!

توصية

تأسيس مجتمعات أوروبية أصولية موازية للمجتمعات الوطنية، أسرها الفكر المتطرف المتأثر بدعوة جماعة الإخوان المسلمين، هو أخطر ما تواجهه أوروبا بالفعل في الوقت الحالي، ويواجهه العالم عموما؛ لم تتصور دول أوروبا في بداية دعمها لتنظيمات الإسلام السياسي أن البندقية ربما يعاد توجيهها إلى صدورهم، سواء استغل الإخوان، في رحلة سيطرتهم على الغرب، الحريات الأوروبية المطلقة، المبنية على أرضية علمانية، أو استغلت الحكومات الغربية جماعة الإخوان، من أجل السيطرة على الجاليات المسلمة في بلادها، أو استخدام منظمات الإسلام السياسي كورقة ضغط في معاركها مع الحكومات العربية، أيا كان السبب في تغلغل أفكار الإخوان المتطرفة في النسيج المجتمع الأوروبي، فإن أوروبا ألان في حاجة إلى إعادة تقييم للمشهد بشكل جدي، بل ربما الاستفادة من تجارب بعض المجتمعات العربية في مواجهة الإرهاب، نفس المجتمعات التي هاجمتها الدول الأوروبية سابقا بحجة تحجيم الحريات، واعتقال جماعات معارضة، وخلق قوانين مقيدة للحريات، علما بأن هذه القوانين هى ما لجأ إليه الغرب الأوروبي مؤخرا، سواء في فرنسا، أو النمسا، من أجل تحجيم الخطر الإخواني!

عن "مركز الإنذار المبكر"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية