قانون المواطنة الجديد.. هل تشهد الهند ظهور نظام للفصل العنصري؟

قانون المواطنة الجديد.. هل تشهد الهند ظهور نظام للفصل العنصري؟


15/03/2020

ترجمة: علي نوار


يمتلك الخطاب الشعبوي أدوات عديدة في جعبته، لكن أهمّها هي خلق جانبين اثنين؛ "نحن" الأرقى والأفضل في مواجهة "هم" الأخطر والأدنى منزلة، وتحوي هذه الرسالة في طياتها الكثير من نقاط القوة في الانتخابات، لكن آثارها الجانبية تتمثّل في نتائج غير مرجوّة مثل شرعنة العنف والتحريض عليه، ويتجلّى ذلك بكل وضوح في سقوط عشرات القتلى خلال الأيام الأخيرة في نيودلهي عاصمة الهند، نتيجة الاستقطاب الذي زرعت السياسة بذوره.

اقرأ أيضاً: الهند وخطر"قانون الهجرة"
فعلى رأس أكبر دولة ديمقراطية في العالم؛ يوجد رئيس الوزراء ناريندرا مودي، الذي بدأ ولايته عام 2014، ثم حصل على ولاية ثانية بعد انتخابات أجريت عام 2019، فاز فيها بأغلبية كاسحة وبنسبة فاقت حتى تلك التي حصل عليها في المرة الأولى، ومن اللافت للانتباه أنّ مودي يبني خطابه السياسي بالكامل تقريباً على جزئية الحاجة لدولة ذات طابع قومي، يتراجع فيها أبناء الأقليات ليصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية.
 رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي

الهند تحيد عن مبادئ المهاتما غاندي
يقع أصل الدولة الهندية نفسه في الخلفية التاريخية؛ فهي الدولة التي قامت على الأراضي التي احتلّها البريطانيون، ومن منطلق بسيط للغاية لكنّه كارثي في الوقت ذاته؛ يتعيّن على المسلمين جمع أغراضهم والرحيل إلى باكستان التي تسكنها أغلبية مسلمة، بينما يبقى في الهند هؤلاء الذين يعتنقون الهندوسية والبوذية فقط، ورغم هذا الشقاق، إلّا أنّ الكثير من الجهود بذلت وكان غاندي نفسه منخرطاً فيها لضمان علمانية الدولة الهندية واحترام الديانات الأخرى الموجودة في البلاد.

يبني مودي خطابه السياسي على جزئية الحاجة لدولة ذات طابع قومي يتراجع فيها أبناء الأقليات ليصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية

إلّا أنّ هذا الأمر أدى لإثارة الضغائن وتراكمها على مرّ الأعوام، قبل أن يتمخّض عن ظهور كيانين؛ أولهما هو "المنظمة الوطنية للمتطوعين"؛ وهي جماعة شبه عسكرية تضمّ في عضويتها 6 ملايين متطوع، حصلوا على دورات تدريبية بهدف الدفاع عن نقاء الهند، على حد وصفها، وارتكبت وقائع عديدة من إعدام المسلمين أو أشخاص وجهت لهم تهمة تناول لحوم الأبقار، أمّا الكيان الثاني فهو "حزب الشعب الهندي"، ذو الخلفية القومية والذي يتبنّى خطاباً قومياً صرفاً، ويتكوّن من سياسيين يدعون علناً وبلا مواربة لقتل المسلمين الذين يعتبرونهم خونة.
والمثير للفضول هنا؛ أنّ "مودي" كان منخرطاً في صفوف التنظيمين، فقد كانت هذه هي آراؤه في السابق حيال النزعة القومية، وموقفه حيال الاقتتال بين الهندوس والمسلمين، وعندما كان حاكماً لولاية جوجارات عام 2002، اندلعت موجة من العنف راح ضحيتها 3 آلاف شخص، على الأقل، وكان موقف مودي وحكومة الولاية وقتها هو عدم التدخل في النزاع.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن العلاقات العربية الهندية تاريخياً؟
واليوم، في ظل وجوده على رأس الدولة الهندية، عمل مودي على سنّ سياسات في نفس الإطار، مثل ذلك القانون الذي يستهدف تأكيد هوية المواطنين والذي يحرم المسلمين من اكتساب الجنسية الهندية. وتنشط كل من "المنظمة الوطنية للمتطوعين" و"حزب الشعب الهندي" هذه الأيام على تعميق هذا الشقاق، الأمر الذي يُنذر بدخول العملاق الآسيوي في حقبة مظلمة تتّسم بقتل كل من تشير له الدولة بأصابع الاتهام كـ"عدو"، فالاستقطاب قاتل.
عام 2002 اندلعت موجة من العنف راح ضحيتها 3 آلاف شخص

مودي شغوف بإشعال النيران
الحقيقة أنّ مودي، صاحب التوجّهات القومية الهندوسية المتشددة، ربما اكتشف هوساً بإشعال الحرائق منذ إعادة انتخابه رئيساً لوزراء الهند في العام الماضي، وهو ما كانت نتيجته زيادة حدّة الاحتقان الطائفي عن طريق سنّ قوانين تعزّز التمييز تجاه المسلمين أو تبنّي إجراءات ذات سند قانوني مشبوه؛ على غرار إلغاء الحكم الذاتي في إقليم كشمير. وقد نتج عن هذه التراكمات اندلاع أسوأ موجة عنف منذ 3 عقود في نيودلهي، راح ضحيتها عشرات القتلى والمصابين، فضلاً عن إحراق 4 مساجد، وتدمير عدد من المنازل والمحال التجارية، وكل ذلك في ظل سلبية شديدة من قبل قوات الأمن وغضّ الطرف عن الاعتداءات الهائلة بحق المسلمين.

تسود المخاوف من ظهور نظام للفصل العنصري في الهند على غرار ذلك الذي شهدته جنوب أفريقيا حتى مطلع التسعينيات

وكانت أولى الخطوات التي اتخذها مودي، بعد فوزه في انتخابات نيسان (أبريل) من العام المنصرم، بفضل حملة انتخابية ظهر فيها عامل معاداة الأجانب بوضوح، هي إلغاء الاعتراف بوضع الحكم الذاتي الذي يتمتّع به إقليم كشمير، بالتزامن مع حملة عنيفة من القمع ضد مسلمي هذا الإقليم حيث يمثّلون أغلبية، والذي تتنازع الهند وباكستان السيادة عليه؛ إذ خاضتا من أجله 3 حروب، علاوة على سباق تسلّح وآخر نووي، ثم كانت الخطوة الثانية لمودي؛ بتوقيع قانون المواطنة الذي ينصّ على منح الجنسية لأي مهاجر لا يحمل أوراقاً، ووافد من دول المنطقة شريطة عدم انتمائه لمجتمع المسلمين.
ورغم أنّ موجة العنف الأخيرة تزامنت مع زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للهند، إلّا أنّ الأخير كال المديح لمودي؛ الذي ينتمي لفئة الزعماء القوميين الشعبويين، والتي يُصنّف ضمنها أيضاً ترامب نفسه ونماذج أخرى مثل الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، والفلبيني رودريجو دوتيرتي.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى تاريخ العلاقة التركية الباكستانية.. ماذا عن الهند؟
ومن المؤكّد أنّ الطريق الذي يسلكه رئيس الوزراء الهندي قد يضع بلاده على شفا هاوية سحيقة؛ فالهند دولة معقّدة للغاية، يعتنق أغلب سكانها، البالغ عددهم مليار و200 مليون نسمة، الديانة الهندوسية بنسبة 80 بالمئة، لكنّها تتضمن أقلّيات أخرى تعتنق معتقدات مختلفة، من بينهم المسلمون الذين يصل تعدادهم إلى 200 مليون شخص، لذا فإنّ محاولة جعل هؤلاء مواطنين من الدرجة الثانية يعني انتهاكاً للمبادئ الديمقراطية التي قامت على أساسها الهند، ويضع العملاق الآسيوي سادس أكبر اقتصاد في العالم على قمّة منحدر ينزلق نحو انعدام الاستقرار والعنف الذي لا نهاية له.
إنّ مودي لا يحكم ضد المسلمين بل ضدّ مصالح الهند كلّها، التي يدّعي أنّه يحافظ على قوّتها بينما يتخّذ في الوقت ذاته إجراءات تلفّ مستقبلها الديمقراطي والاقتصادي في حالة من الضبابية.
 الطريق الذي يسلكه رئيس الوزراء الهندي قد يضع بلاده على شفا هاوية سحيقة

هل تشهد الهند ظهور نظام للفصل العنصري؟
تسود المخاوف في الهند من ظهور نظام للفصل العنصري، على غرار ذلك الذي شهدته جنوب أفريقيا طوال عشرات الأعوام حتى مطلع التسعينيات، وذلك على خلفية أعمال العنف الدموية التي دارت أحداثها بالعاصمة نيودلهي قبل أسابيع، وهو ما تظهر بوادره بالفعل في عدم تمكّن أبناء الأقلّيات والطبقات الأفقر من الحصول على منازل بالأحياء التي يتمنّون العيش فيها، وسط انتقادات حادة من نشطاء حقوق الإنسان.

تسبّبت عمليات النزوح الناجمة عن الفيضانات أو تجميل المدن أو الأحداث الرياضية الكبرى في المزيد من طرد وعزل الفقراء

وكانت نيودلهي في الأيام الماضية، مسرحاً لأعمال عنف واشتباكات طاحنة بين الهندوس والمسلمين؛ بؤرتها في الأحياء الشمالية الشرقية من المدينة، وهي أسوأ اشتباكات شهدتها العاصمة الهندية منذ عقود، حيث راح ضحيتها ما لا يقل عن 40 شخصاً، فضلاً عن مئات المصابين، كما تم إجبار عدد كبير من الأشخاص على النزوح بعد تعرّض منازلهم للحرق، وقد مثّل المسلمون أغلبية النازحين، بينما سقط هندوس بين قتيل وجريح.
ومن المحتمل أن يتقرّر اعتماد نظام الفصل بين الأديان في المدينة التي يبلغ تعداد سكّانها 20 مليون نسمة، وهو النهج المتّبع بالفعل في مدن هندية أخرى؛ مثل مومباي وأحمد أباد، حسبما كشف "ميلون كوتهاري"؛ خبير الإسكان وحقوق الإنسان.
وقال كوتهاري، في تصريحات أدلى بها لمؤسسة "تومسون رويترز"؛ "نرصد بشكل عام اتجاهاً نحو انعزال الأقلّيات في المدينة بعد أعمال العنف الأخيرة، بسبب الخوف وتزايد الشعور بعدم الأمان، كما أنّ سلطات المدينة تعمل في بعض الأحيان على إعادة تخطيط الأحياء المجاورة بحيث تعزّز سياسة الفصل هذه".
وأضاف؛ "مع مرور الوقت؛ تستمر المدن المنعزلة في الظهور بسبب العمليات السياسية، والتخطيط والتنظيم؛ اللذين يدفعان نحو المزيد من الفصل بين المجتمعات، ويؤدّيان إلى إفقار الفقراء أكثر، ويجعلان من مهاجمة الأقليات المستضعفة مهمة أكثر سهولة".
ويوضّح كوتهاري أنّ عمليات النزوح الناجمة عن الفيضانات أو تجميل المدن أو الأحداث الرياضية الكبرى؛ مثل دورة ألعاب دول الكومنولث عام 2010 في دلهي، ودورة الألعاب الأوليمبية في ريو دي جانيرو عام 2016، تسبّبت في المزيد من طرد وعزل الفقراء.

لطالما كانت نيودلهي الوجهة الأساسية للمهاجرين الوافدين من الولايات المجاورة
ولطالما كانت نيودلهي الوجهة الأساسية للمهاجرين الوافدين من الولايات المجاورة، لكنّهم يعيشون في وحدات سكنية غير قانونية بسبب ارتفاع أجور المنازل.
وكما هو الحال في مدن هندية أخرى، توجد أعراف خارج نطاق القانون، وأحكام مسبقة تمييزية ضد الأقليات الدينية وحتى الأشخاص العزاب، وكذلك الذين لديهم تفضيلات بعينها في الغذاء أو يمارسون مهناً معينة.
وقد دفعت الاشتباكات الدامية التي نشبت في مومباي بين عامي 1992 و1993 ثم في مدينة أحمد أباد عام 2002، المسلمين للرحيل إلى أحياء مشتركة في ضواحي المدن، حسبما أكّد دارشاني ماهاديفيا؛ الأستاذ بجامعة أحمد أباد.
ويقول ماهاديفيا؛ "إنّ المسلمين الفقراء على وجه الخصوص يختارون العيش في أحياء مجاورة للمناطق التي يسكنها المسلمون لأنّهم يشعرون بالخوف وغياب الأمان".

تعاني الأحياء التي يسكنها أبناء الأقليات من تردّي مستوى البنية التحتية وعدم ملاءمة الوحدات السكنية في أغلب الأحيان

ويتابع؛ "الدوافع السياسية تلعب هي الأخرى دوراً في تطبيع فكرة الفصل العنصري وتقسيم الأحياء وفقاً لمعتقدات قاطنيها الدينية"، مشيراً إلى القانون في ولاية جوجارات، غرب الهند، والذي يُجرّم بيع وتبادل المسلمين والهندوس مقتنياتهم فيما بينهم خاصة في المناطق ذات الحساسية.
وفي أغلب الأحيان، تعاني الأحياء التي يسكنها أبناء الأقليات من تردّي مستوى البنية التحتية وعدم ملاءمة الوحدات السكنية، كما أنّ المقيمين يعانون صعوبات في الحصول على قروض من المصارف بل وحتى إيجاد سيارة أجرة.
من جانبها، تؤكد الكاتبة والصحفية غزالة وهاب، عبر شبكة "تويتر" الاجتماعية، أنّ خيار العيش في "حي منعزل أو مختلط" كان قراراً صعباً بالنسبة للكثير من المسلمين.
وتكشف وهاب، التي نزحت أسرتها من حي منعزل إلى منطقة "هندوسية" أكثر حداثة، بعد تدهور الأوضاع بشدّة في الحي القديم، أنّ أغلب العائلات تخاطر باحتمالية تعرّض منزلها للحرق مقابل الحصول على حياة أفضل.
وتختتم الكاتبة الصحفية؛ "لا يمكن وصف ما يحدث هناك بالحياة، إنّه بالكاد يلامس مفهوم الوجود".


مصادر الترجمة عن الإسبانية:

https://bit.ly/2wIhKdi
https://bit.ly/2W15lfh
https://bit.ly/2TSfqIG



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية