قبل زفافهما بأيام: الطائرات الإسرائيلية تغتال حلم أنس وشيماء

قبل زفافهما بأيام: الطائرات الإسرائيلية تغتال حلم أنس وشيماء


20/05/2021

الساعة الواحدة فجر يوم الأحد، 16 أيار (مايو) الجاري،  دويّ انفجارات هائلة طالت شارع الوحدة، وسط مدينة غزة، وعلى الفور انتاب الشاب أنس اليازجي قلقاً كبيراً، دفعه للاطمئنان على خطيبته، شيماء أبو العوف، لكنّ القلق ازداد عندما اتصل بها وكان هاتفها مغلقاً، ليعاود الاتصال مجدداً على والدتها وشقيقاتها، لكن دون إجابة، الأمر الذي  زاد خوفه عليها، ودفعه للمشي على الأقدام من حيّ الشجاعية، شرق قطاع غزة، إلى شارع الوحدة، ليطمئن عليها.

الاحتلال الإسرائيلي وأد حلم أنس وشيماء بعد عامين ونصف العام من الخطوبة والانتظار، وحوّل فرحتهما الكبيرة، والتي خططا لها طوال فترة خطوبتهما إلى حزن كبير

وبعد نصف ساعة متواصلة من السير على القدمين، وصل أنس إلى منزل شيماء، لكنّه لم يستطع الالتقاء بها، أو إخبارها بآخر تجهيزات فرحهما؛ فقد كانت جثة هامدة ملقاة على الأرض، جراء استهداف طائرات الاحتلال منزل عائلتها دون سابق إنذار، لتزفّ شهيدة إلى جنان الخلد، قبل موعد زفافها في الحياة الدنيا.

"شيماء ستكون سيدة الحور العين"، "سنلتقي بالجنة، إن شاء الله"، هذه العبارات، وغيرها كانت حاضرة على لسان أنس، الذي تعرض لصدمة قوية بعد استشهاد خطيبته، فبكى بكاءً شديداً، وهمس في أذنيها قائلاً: "سأبقى أحبك إلى الأبد، وذكرياتك الجميلة لن تغيب أبداً".

أحلام لن تحقق

يقول أنس اليازجي، لـ "حفريات": "شيماء رفيقة دربي، وأحلامي، كنا نحلم سوياً، ونخطط لمستقبلنا ومستقبل أطفالنا بعد الزواج، فهي كانت شريكتي في كلّ شيء بنينا بيتنا طوبة طوبة، وكانت لا تفارقني أبداً، وأنهينا كافة استعدادات الفرح، وكنا ننتظر انتهاء الحرب، لتحديد موعده، وتحقيق الأحلام التي حلمناها سوياً، لكنّ قدر الله أقوى منا جميعاً، فاختارها لتكون عروسة بالجنة بدلاً من أن تُزف بالدنيا".

شيماء أبو العوف

يضيف ودموعه تعتلي محياه: "كلّ ليلة، عندما يستهدف مكان في مدينة غزة، أتواصل معها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الليلة التي استشهدت بها، أخبرتني أنّ القصف بالقرب من منزلهم، واختفت فجأة، وأرسلت لها رسالة ولم تصل، انقطع الاتصال بيننا، وبادرت بالاتصال فكان هاتفها مغلقاً، ولا أحد من عائلتها يجيب، فتأكدت أنّها ليست بخير".

اقرأ أيضاً: بيان من الأونروا حول منع إسرائيل وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة

يواصل حديثه: "عندما وصلت إلى منزل شيماء وجدت أشلاء على الأرض، وأخرى تحت الركام، بدأت أصرخ عليها بأعلى صوتي علّها تجيب، وتخبرني أنّها بخير، ولم تتعرض للأذى، وعندما وجدت شقيقتها على قيد الحياة اطمأن قلبي، وبعد انتشالها من تحت الركام وجدتها مبتسمة، وكأنني أراها تتبسم للمرة الأولى، ولكنّها لم تستطع التحدث معي، ربما أرادت من خلال ابتسامتها الجميلة أن تخبرني بأنها ذاهبة إلى مكانٍ أفضل".

حزن كبير

الاحتلال الإسرائيلي وأد حلم أنس وشيماء بعد عامين ونصف العام من الخطوبة والانتظار، وحوّل فرحتهما الكبيرة، والتي خططا لها طوال فترة خطوبتهما إلى حزن كبير، وأصبح وحيداً بعد أن فقد الفتاة التي من المفترض أن تُزف إليه عروساً بعد فترة قصيرة.

وتحولت العمارة السكنية التي تحتوي جدرانها على ذكريات وأحلام الشابة شيماء إلى كومة من الركام، بعد استهداف عدداً من العمارات السكنية في شارع الوحدة، وسط قطاع غزة، ما أدّى الى استشهاد 43 مدنياً، بينهم 25 شهيداً من عائلة أبو العوف، حيث تحوّلت تلك المنطقة المأهولة بالسكان إلى منطقة مهجورة تعجّ بها رائحة الموت.

أثناء توديع جثمان شيماء

ميساء، شقيقة شيماء، إحدى من نجوا المجزرة الإسرائيلية، كانت تتناول وجبة العشاء مع عائلتها، وفور الانتهاء صعدت إلى الطابق العلوي لتأخذ قسطاً من الراحة، وبعد دقائق معدودات دنت طائرات الاحتلال الإسرائيلي إلى أدنى مستوى لها من الأرض، وألقت الصواريخ المتفجرة على المنزل المكون من ثلاثة طوابق ليسوَّى بالأرض.

بعد إنقاذ ميساء وإخراجها من تحت الركام وجدت شقيقتها شيماء على الأرض، حاولت إمساك شعرها بقوة، علّها تصرخ وتشعرها أنّها ما تزال على قيد الحياة، لكنّ المحاولة باءت بالفشل لأنّ روحها صعدت إلى السماء.

ذكريات جميلة

تقول ميساء، بصوت تملؤه الحسرة والألم، في حديثها لـ "حفريات": "كنا مجتمعين على مائدة الطعام نتناول العشاء ونتناقش بتفاصيل فرح شيماء، وماذا سوف نفعل بعد انتهاء الحرب، ولم نكن نخطط لإطلاق صواريخ أو نصنع المتفجرات، فنحن مدنيون عُزل نتواجد داخل منزلنا قصف منزلنا المليء بالذكريات الجميلة، وفقدت شقيقتَي شيماء وروان، وعدداً  من  أفراد العائلة".

تقول ميساء، بصوت تملؤه الحسرة والألم، لـ "حفريات": "كنا مجتمعين على مائدة الطعام نتناول العشاء ونتناقش بتفاصيل فرح شيماء، وماذا سوف نفعل بعد انتهاء الحرب

تضيف: "ما أزال، حتى الآن، أعيش صدمة كبيرة، فلم أتخيل أنني سأعيش بقية عمري دون شيماء وروان، اللتين قضيت معهما طوال سنوات حياتي، ولم أفارقهما ولو للحظة واحدة، فالاحتلال الإسرائيلي، الذي يتغنى بالسلام، ينزعج من عيش الفلسطينيين بأمان، فهو يرتكب المجازر بحقّ المدنيين، ويتذرع بوجود مقاومين بالأماكن التي يستهدفها لتبييض صورته أمام العالم.

أحلام تحت الركام

تتابع: "الاحتلال الإسرائيلي دمر منزلنا بالكامل، وأزهق أرواح من نحيا بضحكاتهم، ونأنس بوجودهم معنا؛ شتت شملنا وفرقنا إلى الأبد، وحرمنا أن نرى شيماء عروسة ترتدي فستانها الأبيض، وحرم روان من تحقيق حلمها، وإكمال دراستها لتكون طبيبة تعالج المرضى، فكافة أحلامنا أصبحت تحت الركام، وأيامنا الجميلة أصحبت مجرد ذكريات من الصعب استرجاعها".

الاحتلال الإسرائيلي دمر منزلهم بالكامل

وطالبت ميساء محكمة العدل الدولية، والمجتمع الدولي وكافة المؤسسات الحقوقية، بضرورة محاسبة الاحتلال الإسرائيلي على ارتكابه المجازر بحق المدنيين وهدم المنازل، والأحياء السكنية على رؤوس ساكنيها، وقتل النساء والأطفال بدون ذنب.

ومنذ بدء العدوان على غزة، الإثنين 10 أيار (مايو)، دمر الاحتلال الإسرائيلي عدة أبراج وبنايات سكنية، بشكل كامل، ما تسبب بتشريد مئات العائلات؛ فقد تعمّد استهداف المدنيين بشكل مباشر ودون إنذار مسبق، الأمر الذي زاد أعداد الضحايا، إضافة إلى شطب عائلات بأكملها من السجل المدني.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية