قراءة في الموقف السعودي من حكومة دمشق

قراءة في الموقف السعودي من حكومة دمشق


22/12/2021

 تلقفت قوى معارضة سورية وأخرى عربية، لا سيّما تلك المحسوبة على عواصم عربية وإسلامية ناصبت العداء للقيادة السورية منذ بدء الأزمة السورية عام 2011،  ولا ترى حلاً في سوريا إلّا بإقصاء الحكومة الحالية، تلقفت تصريحات مندوب المملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة التي شنّ فيها هجوماً غير مسبوق على القيادة السورية، تمّ تفسيره بأنّ السعودية ترفض وبشدّة محاولات التطبيع مع حكومة الأسد وإعادته إلى الجامعة العربية، بما في ذلك القمة العربية المقرر عقدها العام القادم في الجزائر.

اقرأ أيضاً: ما دلالات ومضامين الانفتاح العربي على دمشق؟

هناك تباين في موقف النظام العربي الرسمي تجاه المقاربة التي تقودها المملكة الأردنية والإمارات العربية المتحدة، والمتضمنة العودة التدريجية لنظام الأسد إلى الجامعة العربية ومنها إلى المجتمع الدولي، وفي تفاصيل المواقف من تلك المقاربة يبدو واضحاً أنّ المملكة العربية السعودية لا تعارض عودة نظام الأسد، ولكنّها على غرار مواقف أمريكية وأوروبية تشكك في تلك الخطوة، وتربطها بمدى استجابة القيادة السورية لمطلب "طرد" إيران من سوريا، وهو ما يفسّر عدم اتخاذ الرياض موقفاً مباشراً من الجهود الأردنية والإماراتية، التي يرجح أنّها ما كانت لتتمّ إلّا بتنسيق مع الرياض وعواصم عربية أخرى. وقد بات في حكم المؤكد مشاركة القيادة السورية في القمة العربية القادمة، والتي ربّما لا تكون بمشاركة شخصية من الرئيس الأسد.

أصبح واضحاً أنّ الموقف العربي الرسمي اليوم، في غالبيته، مع مقاربة إعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية

لقد أصبح واضحاً أنّ الموقف العربي الرسمي اليوم "في غالبيته" مع مقاربة إعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، وقد تأسست هذه المقاربة في إطار القوى الدولية، بما فيها أمريكا التي توقفت منذ عام 2016 عن هدف "إسقاط النظام السوري" بمرجعيات عدم وجود بدائل مقنعة للنظام، علاوة على تعدد سيناريوهات ما بعد الأسد، وفي مقدّمتها تحويل سوريا إلى صومال جديدة بقيادة الحركات الجهادية الإسلامية، وقد تردد أنّ أوساطاً أمريكية طرحت حينها ضرورة الاستفادة من تجربة احتلال العراق وإسقاط "نظام صدام حسين"، والفوضى التي اجتاحت العراق حتى اليوم.

إقرأ أيضاُ: زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق: عودة سوريا إلى فضائها العربي

المشهد السوري اليوم، وبمعزل عن المناورات السياسية والضغوطات العسكرية والسياسية التي تمارس على الأسد، إلّا أنّ الجوار العربي لسوريا "الأردن ولبنان والعراق" ينفتح على سوريا من بوابة الاقتصاد ومشاريع الطاقة الإقليمية غير البعيدة عن إسرائيل، فيما اللقاءات الأمنية بين الأجهزة الأمنية العربية والسورية تتواصل في دمشق وعواصم عربية، بالتزامن مع تنسيق تركي مع الحكومة والأجهزة الأمنية السورية، يتمّ الترتيب لها عبر القناة الروسية، ومؤكد أنّ الرياض والقاهرة غير بعيدتين عن تلك الاتصالات واللقاءات.

تصريحات مندوب السعودية في الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، تعكس مواقف الرياض غير المطمئنة والواثقة بالتغيير في نهج القيادة السورية، وتحديداً علاقاتها مع إيران والميليشيات الإيرانية؛ لأنّ القيادة السورية، علاوة على علاقاتها الوثيقة مع طهران، فإنّها تتحالف مع الميليشيات الإيرانية في لبنان، ومع الحشد الشعبي العراقي وفصائل عراقية موالية للمرشد الأعلى للثورة، بالإضافة إلى جماعة الحوثي في اليمن التي تمارس إرهاباً منظّماً بتوجيهات إيرانية ضد المملكة العربية السعودية.

تصريحات مندوب السعودية في الأمم المتحدة تعكس مواقف الرياض غير المطمئنة والواثقة بالتغيير في نهج القيادة السورية، وتحديداً علاقاتها مع إيران

وعليه، فإنّ سياقات ومرجعيات الموقف السعودي التي عبّر عنها "عبدالله المعلمي" غير معزولة عن سياقات الموقف السعودي من لبنان بسحب سفير الرياض من بيروت ووقف الدعم للحكومة اللبنانية بعد سيطرة حزب الله اللبناني على الدولة اللبنانية، غير أنّ الموقف تجاه سوريا يتضمن رسائل مشفرة من الرياض لدمشق بشروطها لإعلان الرياض قبولها بحكومة الأسد، وعنوانها إخراج إيران من سوريا ووقف التعاون مع طهران، وهو ما تدركه دمشق، فيما العبارات التي وردت على لسان المعلمي لرفض القبول بالأسد "الإرهابي والقاتل" تتضمّن رسالة بأنّ السعودية لديها ملفات ضغط على دمشق يمكن أن تستخدمها لعرقلة عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية والمجتمع الدولي، من بينها جرائم حرب تشمل القيادة السورية بالقتل والإرهاب واستخدام الأسلحة الكيماوية والتهجير القسري... إلخ. وهو الموقف نفسه الذي تمارسه أمريكا وبريطانيا وفرنسا في التعامل مع الملف السوري وإبداء مواقف من التطبيع مع الحكومة السورية، وضرورة ألّا يكون الموقف الدولي سابقة في "شرعنة" القبول بأنظمة سياسية مارست "تنكيلاً" ضد شعوبها.

إقرأ أيضاً: وزير الخارجية الإماراتي في دمشق.. ما أهمية الخطوة ودلالات توقيتها؟

وفي الخلاصة، فإنّ الهجوم الذي شنّه المعلمي على القيادة السورية، إضافة إلى ارتباطه بسياقات الاستراتيجية السعودية تجاه إيران وتدخلاتها الإقليمية، فإنّها ما لم تقترن بخطوات سعودية أخرى، من بينها موقف الرياض تجاه مشاركة دمشق في القمة العربية القادمة، ستبقى مواقف تؤكد إمساك الرياض بالعصا من منتصفها، وتخيّر دمشق بين عمق وانفتاح عربي أمامها، أو استمرار الحصار والضغوط في حال استمرار تحالفها مع طهران. 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية