قصة أكاديمي هرب من السجون الإيرانية

قصة أكاديمي هرب من السجون الإيرانية


07/02/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

مواطن إيرانيّ بريطانيّ حُكم عليه بالسّجن لمدّة تسعة أعوام وثلاثة أشهر في إيران بتهمة التّعاون مع "قوّةٍ دوليّةٍ معاديةٍ" قام بتهريب نفسه خارج إيران، عبر الحدود الجبليّة الغَدّارة للبلاد، ويعيش الآن في لندن.

في مقابلةٍ مع "الغارديان"، أوضح كميل أحمدي أنّه لم يكن أمامه خيار سوى الفرار بعد قضاء ما يقرب من 100 يوم في سجن إيفين، بما في ذلك فترة وحشيّة في الحبس الانفراديّ أثناء استجوابه.

أُدين أحمدي، وهو عالم أنثروبولوجيا اجتماعيّة كشفت أبحاثه عن مدى انتشار تشويه الأعضاء التّناسليّة الأنثويّة في إيران، بالتّآمر مع قوى أجنبيّة معادية

يقول: "بمجرّد أن تمّ الحكم عليّ، كنت أمام أحد خيارين: أن أبقى ولا أرى عائلتي وطفلي البالغ من العمر 4 أعوام حتّى يبلغ 14 عاماً، أو أن أخاطر بالفرار".

أُدين أحمدي، وهو عالم أنثروبولوجيا اجتماعيّة كشفت أبحاثه عن مدى انتشار تشويه الأعضاء التّناسليّة الأنثويّة في إيران، بالتّآمر مع قوى أجنبيّة معادية في تشرين الثّاني (نوفمبر) 2020، من بين تهمٍ أخرى، لكن أُطلق سراحه بكفالةٍ في انتظار الاستئناف. كما تمّ تغريمه أكثر من 500.000 جنيه إسترلينيّ.

يقول إنّه بالنّظر إلى الطّريقة الّتي تؤيد بها المحاكم الإيرانيّة عادةً الحكم الأوّل وبسبب الدّافع السّياسيّ للمحاكمة، لم يكن لديه الكثير من الأمل في أن ينجح في مرحلة الاستئناف، وهي وجهة نظرٍ تمّ تأكيدها عندما رُفض الحكم غيابيّاً.

ويضيف أحمدي أنّه لا يعرف بعد ما إذا كان المسؤولون الإيرانيّون قد أدركوا أنّه فرّ من البلاد.

عابراً الحدود بين ضبابٍ وثلوجٍ

لقد هرب حاملاً حاسوبه المحمول فقط ونسخاً من الكتب والمقالات الّتي نشرها، عابراً الحدود بين ضبابٍ وثلوجٍ بعمق 1.5 متر ومتهرّباً من دوريّات الحدود الإيرانيّة. ويُذكَر أنّه تمّ تشديد أمن الحدود منذ اغتيال العالم النّوويّ الإيرانيّ محسن فخري زاده في طهران العام الماضي.

يقول: "إنّني كرديّ من حيث الإثنيّة وأعرف بعض الطّرق، لكن الأمر كان خطيراً للغاية". ويضيف: "كان عليّ أن أحاول عدّة مرّات".

اتّبع أحمدي المسارات الّتي يستخدمها الحمّالون الجبليّون الّذين يتهرّبون من العقوبات الّتي فرضتها الولايات المتّحدة لنقل الكحول وقطع غيار السّيّارات والأدوية والسّجائر والسّلع المهرّبة من العراق وتركيا. لكن الطّرق محفوفة بالمخاطر: فقد أطلق حرس الحدود النّار مؤخّراً على مهرّبٍ كان يحملُ أربعة إطارات على ظهره، بينما تجمّد عدد آخر من المهرّبين حتّى الموت.

اقرأ أيضاً: الإعدام الوشيك لأكاديمي سويدي يعمّق توتر العلاقات الأوروبية الإيرانية

يقول إنّه خشي أن يواجه، إذا تمّ القبض عليه، المزيد من الأعوام في السّجن، لكن كان عليه المجازفة. "لقد هرّبت نفسي من إيران بدافع اليأس. شعرت أنّه ليس لديّ خيار أو طريقة أخرى للمغادرة. فقد مُنعت من السّفر. وتمّت ملاحقتي وصدر حكم بحقّي".

مزاعم عن سوء سلوكٍ جنسيٍّ

يزعم آخرون أنّ قصّته أكثر تعقيداً وأنّه، قبل أيّام من المحاكمة، قد ظهرت مزاعم عن سوء سلوكٍ جنسيٍّ خطيرٍ من قِبل أحمدي على حسابٍ على موقع إنستغرام. وكانت قد بدأت في إيران في ذلك الوقت صورة مصغّرة من حركة #أنا_أيضاً، ويجدر الّذكر أن بعض القصص الواردة في هذا السّياق مجهولة المصدر.

أدّت المزاعم في النّهاية إلى إقالته من منصب رئيس جمعيّة علم الاجتماع الإيرانيّة، ويقول منتقدوه إنّ الكشف عن المعلومات ربما ساهم في قراره الفرار بكفالة.

من جانبه، يصرّ أحمدي على أنّ المزاعم غير صحيحة. "أجد هذه المزاعم مزعجة للغاية. وكما قلت في ذلك الوقت، أتحمّل المسؤولية الكاملة عن أفعالي، لكنّني لا أقبل أيّاً من هذه الادّعاءات. ولا علاقة لها بالتّهم الّتي وجّهتها إليّ المحكمة والّتي دفعتني للهروب من أجل العودة إلى العيش بأمانٍ مع عائلتي".

ويُعدّ أحمدي واحداً من عددٍ قليلٍ من البريطانيّين الإيرانيّين، بما في ذلك نازانين زاغاري راتكليف، الّتي تمّ اعتقالها في إيران واحتجازها على ما يبدو لأغراض التّفاوض.

وُلد أحمدي في بلدة نجادة متعدّدة الثّقافات الّتي يسكنها الأكراد والأتراك، في محافظة أذربيجان الغربيّة بإيران، وغادر إيران متوجّهاً إلى المملكة المتّحدة عندما كان في الثّامنة عشرة من عمره، لكنّه عاد في عام 2010 لرعاية والده المسنّ.

وتمّ القبض عليه لأوّل مرّةٍ في 11 آب (أغسطس) 2019 بعد عودته من مؤتمرٍ للأمم المتّحدة حول حقوق الإنسان في إثيوبيا، والّذي حضره بصفته خبيراً في تشويه الأعضاء التّناسليّة الأنثويّة وزواج الأطفال. وأعلنت عائلته عن اعتقاله بعد يومين.

الحرس الثّوريّ احتجزه جزئيّاً

ويَعتقد أنّ الحرس الثّوريّ احتجزه جزئيّاً بسبب عمله البحثيّ وأيضاً لأنّ إيران كانت تبحث عن أصولٍ بريطانيّةٍ للاستيلاء عليها انتقاماً من مشاة البحريّة البريطانيّة الّذين ساعدوا في الاستيلاء على السّفينة الإيرانيّة جريس 1 قبالة جبل طارق في 4 تمّوز (يوليو) 2019. وتمّ الاشتباه في انتهاك السّفينة لعقوبات الاتّحاد الأوروبيّ بنقل النّفط إلى سوريا.

كميل أحمدي: في البداية كنت مصرّاً على أنّني لن أغادر إيران. كنت مقاتلاً طوال حياتي، ولكن الآن يجب أن أغيّر ساحة المعركة

وقد اتُّهم رسميّاً بمحاولة تدبير تغييراتٍ اجتماعيّةٍ وثقافيّةٍ في الجمهوريّة الإسلاميّة من خلال الضّغط لرفع سنّ زواج الأطفال والتّرويج للمثليّة الجنسيّة وإقامة قناة تواصلٍ مع قوى أجنبيّة.

"بحلول الأسبوع الأوّل من الاستجواب، تمّ الإفراج عن السّفينة البريطانيّة، لكن لم يكن لديّ أيّ وسيلة وصول إلى الإعلام. كنت في الحبس الانفراديّ. ومن ثمّ، كان المحقّقون مصدر المعلومات الوحيد. وذات يوم، جاء هذا الرّجل وكان سعيداً جدّاً. وقال 'شكراً. شكراً جزيلاً. لقد استعدنا سفينتنا. وأعتقد أنّك أحدثت فرقاً هنا. ولذلك، شكراً لك على هذا، ولكن لا يزال أمامنا طريق طويلة لنقطعها معك'. وقلت 'إذاً، ما علاقة ذلك بي؟' فقال 'واو، يا رجل. أنت بريطانيّ وتساوي الكثير. فبريطانيا هي مهد حقوق الإنسان، ولذلك فأنت بالطّبع تساوي الكثير بالنّسبة إليهم'".

ويقول أحمدي إنّه تعرّض للمضايقات لفترةٍ طويلةٍ قبل اعتقاله بعد أن أصبح هدفاً للحرس الثّوريّ الّذي بدأ في الاعتراض على أبحاثه حول تشويه الأعضاء التّناسليّة الأنثويّة وزواج الأطفال والزّواج المؤقّت والإثنيّة والعلاقات المثليّة وثنائيّة الجنس.

هاتفه اختُطف في الشّارع

ويقول إنّ هاتفه قد اختُطف في الشّارع وبعد فترةٍ وجيزةٍ تمّ اختراق كافّة حساباته، بما في ذلك رسائل البريد الإلكترونيّ الخاصّة به. ووجد نفسه ممنوعاً من المشاركة في الفعاليات أو أُلغيت ندواته في الّلحظات الأخير، خاصّةً بعد أن أجرى مقابلات إعلاميّة ودُعي لتقديم عرضٍ لمجموعةٍ من النّواب الإيرانيّين لرفع سنّ زواج الأطفال من 13 إلى 15 عاماً.

اقرأ أيضاً: إيران: إفلاس الإصلاحيين وتوحش الحرس الثوري

وتمّت الموافقة على مشروع قانون لرفع السّنّ بأغلبيّةٍ في البرلمان ولكن بعد فترةٍ وجيزةٍ تمّ حظره من قِبل الّلجنة القانونيّة. ويمكن أن ينخفض ​​العمر الفعليّ لزواج الأطفال إلى تسعة أعوام بإذنٍ من الوالد والمحكمة.

ويصرّح أنّه منذ ربيع عام 2019 بدأت المضايقات ضدّه، وكان يعدّ نفسه للاعتقال. لكن عندما حدث ذلك كان الواقع لا يزال يشكّل صدمة.

يقول: "يبدو الأمر كما لو أنّهم كانوا مستعدّين منذ شهور أو أسابيع. إنّهم جيّدون جدّاً في ذلك، ويتمّ تدريبهم على ما يجب القيام به في كلّ مرحلة. يعرفون ماذا يفعلون وكم من الوقت سيستجوبونك ومتّى بالضّبط يفعلون ذلك".

ويضيف: "لقد بدؤوا معي في غرفةٍ صغيرةٍ جدّاً جدّاً تشبه القبر تقريباً، حيث كانت هناك ثلاث بطّانيات جيش، واحدة كغطاء وواحدة للنّوم والأخرى كوسادة. ولمدّة 24 ساعة، كان هناك ضوء ساطع فوق الرّأس ومصحف ومُهر يصلّي عليه الشّيعة وهاتف للاتّصال بالحرّاس من أجل أخذي إلى المرحاض. ما من ضوءٍ طبيعيٍّ وتُفتَح نافذة في باب السّجن يتمّ إدخال الطّعام من خلالها. هذه طريقة التّواصل الوحيدة مع العالم الخارجيّ. والسّجن هادئ بشكلٍ لا يصدّق وعلى نحو يصيب المرء بالجنون. لا تعرف شيئاً عن الوقت ولا تعرف ما الّذي سيحدث بعد ذلك".

ويتابع: "عندما يتمّ إخراجك للذّهاب إلى المرحاض أو قضاء نصف ساعة في الهواء النّقيّ أو الاستجواب، تكون معصوب العينين. وبعد ذلك، يصبح استجوابك شريان حياتك، ويصبح الوضع حزيناً إلى حدّ أنّك تريد أن يتمّ استجوابك أكثر لأنّ هذه هي الطّريق الوحيدة الّتي يمكنك من خلالها التّواصل مع إنسانٍ آخر. حاولوا جاهدين تصويري كشخصٍ أرسله البريطانيّون إلى إيران وجنّدته قوى أجنبيّة لمحاولة التّأثير على أشخاص معيّنين في الحكومة".

وكأنّها قصر باكنغهام

ويقول أحمدي إنّهم نقلوه بعد شهرٍ تقريباً إلى غرفةٍ أكبر قليلاً حيث أمكنه السّير في دائرة. "كان بها مرحاض وشعرت وكأنّها قصر باكنغهام".

وتمّ تأجيل قضيّته بسبب تفشّي كوفيد-19. يقول: "في المحاكمة، كان أبو القاسم سلافاتي، القاضي في العديد من قضايا حقوق الإنسان المثيرة للجدل، متعالياً جدّاً، ويمكن أن تستنتج من استجوابه أنّه اتّخذ قراره. بالرّغم من أنّه حصل على كلّ كتبي وأبحاثي، فإنّه لم يهتمّ بالبحث فيها. في الواقع، لم يكن لديه معرفة بالعلوم الاجتماعيّة، ولم يكن هناك خبراء يُسمح لهم بتقديم رأيٍ مهنيّ. والأشياء الوحيدة الّتي كانت تهمّه هي جنسيّتي المزدوجة وعدد الأعوام الّتي أمضيتها في المملكة المتّحدة والجامعات الّتي التحقت بها. كان الغرض الأساسيّ من الاستجواب هو ربطي بالغرب وأنّني قد تسلّلت كجزءٍ من محاولةٍ لتغيير طريقة الحياة الإسلاميّة".

ويضيف: "في لحظةٍ ما، عرفت أنّني في ورطة. وفي لحظةٍ ما، في السّجن، جاء كبير المحقّقين عبر الممرّ - وكنت أعرف أنّه هو من صوت خطواته - وكان يُصدر صوتاً بشفتيه. وقال 'كميل أنت لذيذ. أوّلاً، أنت كرديّ،  وثانياً، أنت من أصول سنّيّة، والأهم أنّك بريطانيّ وتبحث في مواضيع حّساسة. يمكننا المساومة بك. أنت تعرف كيف تسير الأمور'".

لكنّه يقول إنّه كان ما زال يعتقد أنّه سيخرج بتحذيرٍ أو نوعٍ من السّجن مع إيقاف التّنفيذ.

اقرأ أيضاً: المعارضة الإيرانية: المآزق والمطالب

لكن سلافاتي وجده مذنباً وحُكمه، الّذي أفرج عنه أحمدي، يُظهر تماماً كيف كان النّظام معارضاً أيديولوجيّاً لعمل أحمدي في مجال تشويه الأعضاء التّناسليّة الأنثويّة والزّواج المبكّر للأطفال ومدى اقتناعهم بأنّه يعمل لصالح قوى معادية.

وقال سلافاتي إنّ أحمدي قد تلقّى دورات في جامعات حيث "نظَّمت هذه الدّورات معاهد ومراكز تخريبيّة ذات صلة بخدماتٍ تجسّسيّة". وأضاف سلفاتي أنّه من الممكن "أن تكون أجهزة التّجسّس قد استثمرت في أشخاص مثل كميل أحمدي وقامت بتعليمهم وتدريبهم لاختراق جمهورية إيران الإسلاميّة بعد عددٍ من الأعوام".

رفع سنّ زواج الأطفال

ومن خلال عقد اجتماعاتٍ مع نواب إيرانيّين للسّعي لرفع سنّ زواج الأطفال، وجد سلافاتي أنّ أحمدي قد سعى لتقويض إيران.

وقال سلافاتي في حكمه: "بشكلٍ عامّ، يمكن القول إنّ زيادة سنّ الزّواج للأطفال هي إحدى استراتيجيّات العدوّ لإضعاف وتقويض نظام الأسرة؛ والسّيّد كميل أحمدي أحد القادة في تنفيذ هذه الاستراتيجيّة في إيران".

يقول أحمدي: "عندما سمعت طول مدّة العقوبة ظننت أنّها مزحة. لم أعتقد قطّ أنّهم سوف يحكمون عليّ بـ 10 أعوام. لقد صدم الجميع".

ويضيف: "في البداية كنت مصرّاً على أنّني لن أغادر. كنت مقاتلاً طوال حياتي، ولكن الآن يجب أن أغيّر ساحة المعركة. وفكّرت فقط فيما عليّ فعله. كنت أعرف أنّه إذا تمّ إلقاء القبض عليّ وأنا أحاول الهروب، فسيكون الأمر متاحاً لكافّة أنواع التّفسير وأنّني على النّحو الّذي أظهروني به وتمّ إنقاذي على يد قوةٍ أجنبيّةٍ وأقوم بنقل البيانات إلى الخارج".

يقول إنّه يودّ أن يكون له دور في المساعدة في إقامة حوار.

يقول: "النّظام الإسلاميّ تديره أقلّيّة صغيرة، ممنّ يسمّون بالمتشدّدين، لكن هذا الجيل من القادة يتلاشى. معظم النّاس، أولئك الّذين لا يكسبون لقمة العيش من السّياسة العليا والفساد، ليسوا إصلاحيّين أو أصوليّين، ولكنّهم أناس يريدون رؤية التّغيير. هناك بصيص من الأمل بعد أعوامٍ من المشقّة والعقوبات الّتي تركّع النّاس وتشلّ الاقتصاد".

ويضيف: "إذا استؤنفت المفاوضات، فمن المهمّ للغاية أن يُسمع المجتمع المدنيّ الإيرانيّ وجماعات المعارضة في قضايا مثل حقوق الإنسان. لم ينتج عن الصّراع والتّعصّب أيّ شيءٍ جيّد، وأنا أقول ذلك عن تجربةٍ شخصيّة".

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

https://www.theguardian.com/world/2021/feb/03/academic-jailed-in-iran-pulls-off-daring-escape-back-to-britain-kameel-ahmady



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية