قصة الاستبداد والجزرة.. لماذا تفشل تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي؟

قصة الاستبداد والجزرة.. لماذا تفشل تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي؟


02/06/2019

ترجمة: علي نوار


بعد مرور ثلاثة عقود على طلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، و15 عاماً منذ بدء المحادثات، تصل تركيا اليوم إلى أبعد مسافة وصلت لها عن بروكسل. فإذا كانت هذه العملية منذ بدايتها تتّسم بالتعقيد الشديد، فإنّها بلغت اليوم نقطة ميّتة تماماً.

طلبت تركيا عضوية النادي الأوروبي في عام 1963 حين أصبحت دولة شريكة للسوق الأوروبية المشتركة

خرج مرشّح الحزب الشعبي الأوروبي لرئاسة المفوضية الأوروبية، الألماني مانفريد فيبر، في آذار (مارس) الماضي بتصريحات قال فيها: "لا يمكن أن تصبح تركيا دولة عضو في الاتحاد الأوروبي". كما طلب البرلمان الأوروبي نفسه هذا العام وقف المفاوضات بعد تجميد أموال مُخصّصة للبلاد، باعتبار أنّها لا تلتزم بالشروط المُحدّدة. ومن قبل، دعت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، عام 2017 ثم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في 2018، ونظيره النمساوي، سباستيان كورتس، العام الجاري لإنهاء عملية المفاوضات التي دخلت في حالة من الركود المقارب للوفاة منذ فترة.

اقرأ أيضاً: صحيفة بريطانية: أردوغان يعتمد هذه الآلية لاستعادة إسطنبول

فرضت النزعة الاستبدادية لدى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، نفسها على النقاش الذي تسبب في إحداث الشقاق مطلع القرن الجاري داخل الاتحاد الأوروبي، بين من كانوا يرون انضمام تركيا ذا أهمية إستراتيجية، وبين من كانوا يتخوّفون من منح عضوية كاملة لدولة إسلامية تتمتع بكثافة سكانية عالية ولديها حدود ضمن الأكثر سخونة على وجه الكوكب، الأمر الذي كان يعني احتمالات اختلال موازين القوى.
ويؤكد إدواردو سالدانيا، مدير مؤسسة (الأوردن مونديال) البحثية، "مستحيل، بلا شك"، مستنداً إلى مزيج الاستبدادية وعدم اهتمام أوروبا.

مرشّح الحزب الشعبي الأوروبي لرئاسة المفوضية الأوروبية، الألماني مانفريد فيبر

احتياج متبادل

لكن ورغم غطرسة أردوغان أيضاً، إلّا أنّ العلاقة لم تصل قط إلى مرحلة الانهيار. ومن أجل إنهاء عملية الانضمام، فلا بُدّ من موافقة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في ظل تأييد بعض الدول مثل؛ اليونان وبلغاريا وقبرص لتطلّعات تركيا الأوروبية.

كما أنّ أنقرة ما تزال تواصل مساعيها بالترويج للفكرة، وإبراز محاسنها، وتناشد الأوروبيين دراسة النتائج الجيوسياسية لهذا القرار، بدءاً من الهجرة ووصولاً إلى التهديدات الأمنية، مروراً بشيخوخة المجتمعات الأوروبية.

اقرأ أيضاً: تركيا ـ أردوغان قلقة... لماذا؟

وكتب وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو: "نعود من جديد إلى محاولة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. بروكسل بحاجة لأنقرة بنفس الدرجة التي تحتاج فيها أنقرة إلى بروكسل. لن ننتظر 30 عاماً أخرى"، وذلك خلال رسالة نشرتها مطبوعة (بوليتيكو) الشهر المنصرم.

هل فشلت سياسة الجزرة؟

طلبت تركيا عضوية النادي الأوروبي في عام 1963، حين أصبحت دولة شريكة لما عُرف وقتها بـ (السوق الأوروبية المشتركة). وفي 1987، تقدّمت تركيا رسمياً بطلب الانضمام كعضو كامل وقرّرت بروكسل الجلوس إلى مائدة المفاوضات مع الأتراك في 2005. عنونت صحيفة "إيكونوميست" وقتذاك "الأتراك قادمون" مفردة تحليلاً عن مزايا وعيوب هذه الخطوة، كانت الأمور تبدو أنّها تسير على نحو جيد.

فرضت النزعة الاستبدادية لدى أردوغان نفسها على النقاش الذي تسبب في إحداث الشقاق مطلع القرن الجاري داخل الاتحاد الأوروبي

توضّح الخبيرة في مؤسسة (معهد إلكانو الملكي) البحثية الإسبانية، إلكه تويجور "طلب الاتحاد الأوروبي في 2005 إلى تركيا إجراء إصلاحات وامتثلت الأخيرة لها. لم نكن نعلم ما إذا كانت ستحصل على العضوية أم لا، إلّا أنّ العملية كانت تسير بصورة أفضل مما هي عليه حالياً. توقّف كل شيء الآن، كانت هناك إرادة في السابق، لكنّها لم تعد موجودة لدى أي طرف".

بيد أنّ المشكلات بدأت في الظهور إلى السطح وأخذت العملية تتجّه نحو الخمول لا سيما بعد وضع التكتّل الأوروبي لعدّة معايير كشروط لدخول تركيا. تصرّح تويجور لصحيفة (الكونفدنثيال) الإسبانية "العضوية هي كجزرة في نهاية طريق محاولات الدول للانضمام، أمّا إذا أزلت الجزرة ولم تمنح أيّ حوافز على الإطلاق .... ".

في عام 2013، بدأت المرحلة الأكثر شمولية في حكم أردوغان بالظهور في صورة أزمات

التحول نحو الاستبداد

في عام 2013، بدأت المرحلة الأكثر شمولية في حكم أردوغان بالظهور في صورة أزمات مثل؛ القمع الحكومي إثر احتجاجات بيئية. وفي 2016 حدث الانقلاب العسكري المثير للجدل ضد الرئيس التركي الذي أعلن حالة الطوارئ وشنّ حملة تطهير طالت موظفين حكوميين وعسكريين وقضاة وصحفيين.

العنصر الأيديولوجي يزيد من صعوبة فكرة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي

وبحلول العام 2017 أكّد أردوغان تباعده النهائي عن المعايير الأوروبية بإصلاحات دستورية ليجمع في يديه سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية واسعة. جلبت مساعي أردوغان نحو تحويل نظام الحكم في تركيا إلى النظام الرئاسي، الأمر الذي أُقرّ بصعوبة بالغة في استفتاء، رفض لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوروبي.

وذهبت أنقرة أيضاً خطوة إضافية في الأسابيع القليلة الماضية، بعدم قبولها نتيجة الانتخابات البلدية في مدينة إسطنبول، حيث فازت المعارضة. كما أنّ تقارب أردوغان مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أدّى لدق ناقوس الخطر في أوساط حلف شمال الأطلسي (ناتو)، بينما استمرّ الرئيس التركي في توجيه لائحة طويلة من الاتهامات المستمرة ضد الاتحاد الأوروبي.

اقرأ أيضاً: هل انقلب أردوغان على الديمقراطية؟

تقول أستاذة الدراسات العربية والإسلامية والدراسات الشرقية بجامعة (أوتونوما) في مدريد، كارمن رودريجيث: "وصلنا بالفعل إلى درجة عدم تقبّل فوز المعارضة في انتخابات، هنا ندخل في مرحلة نظام لا ينتمي لفئة الديمقراطية الفعّالة مثلما كان حتى الآن، الأمر الذي يعني استحالة تداول السلطة".

انفصال لا يحدث أبداً

إنّ ابتعاد تركيا عن الجوهر والمعايير الأوروبية، الشرط الرئيس من أجل قبول عضويتها في الاتحاد الأوروبي، يضع البلاد في موقف غير واضح المعالم من المنظور الجيواستراتيجي. فأنقرة التي تحاول بشكل حثيث وضع موطئ قدم لها في أوروبا وأخرى في آسيا، تبتعد شيئاً فشيئاً عن الغرب، الشيء الذي تعترف به بارجين ينانج الصحفية في جريدة (حرييت) واسعة الانتشار، لمطبوعة (الكونفندنثيال).

اقرأ أيضاً: مجلة أمريكية تصف أردوغان بــ "المرعوب".. لماذا؟!

تضيف المحللة تويجور "نعلم أنّ تركيا في مرحلة انتقالية، لكننا لا نعرف إلى أين تذهب"، منتقدة ضعف اهتمام الاتحاد الأوروبي بوقف تحول أردوغان إلى مستبدّ. موضّحة "السياسة الخارجية المثلى للاتحاد الأوروبي وأهم نقاط قوّته هي الانضمام، لكنّها تستند دائماً إلى وعد بأنّك ستصبح عضواً في نهاية المطاف".

إذن لماذا لم تنتهِ العلاقة تماماً؟ يبرز في المقام الأول الحاجة لوجود حالة من الإجماع على فكرة إنهاء ملفّ انضمام تركيا بشكل نهائي، وفي المرتبة الثانية تأتي المصالح السياسية والاقتصادية لكلا الطرفين والمتشابكة بصورة كبيرة للدرجة التي لا يمكن معها تجاهلها؛ فأوروبا هي الشريك التجاري الأهمّ لتركيا، وتركيا هي بوابة الدخول لبعض مسارات الهجرة البرية في المنطقة.

اقرأ أيضاً: أردوغان لا يفكر في التخلي عن السلطة قبل 2023

يشير الباحث إدوارد سولير إلى أنّ "كلا الطرفين يشعران بقدر هائل من الإحباط. إلّا أنّ الاتحاد لا يكترث بشأن تركيا إذا سارت الأمور معها على غير ما يرام، حتى مع خروج أردوغان للتأكيد على ذلك مراراً وتكراراً. يهتم الاتحاد الأوروبي بتركيا مستقرة، ويدرك الجانبان جيداً أنّ هناك قدراً كبيراً من التعاون والاستثمارات على المحكّ"، لافتاً الانتباه إلى أنّ هشاشة الاقتصاد التركي ستظل ضمانة لعدم تدمير كافة الجسور بين الجانبين.

في ظل هذا المشهد؛ حيث لا يحدث فك الارتباط أبداً ولا وجود للالتزام بما تسفر عنه المفاوضات في الأفق، حتى في الأيام التي كانت الرؤية خلالها أيسر، يعتقد الخبراء أنّ هناك بدائل أخرى أكثر إبداعية على غرار ما جاءت به نتائج قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي والذي فتح آفاقاً جديدة بالنسبة لأردوغان والاتحاد.

علاقة مفتوحة

تقول تويجور "في رأيي أنّ الـ (بريكست) من شأنه أن يمهّد الطريق أمام علاقات من نوع آخر، فإذا تمّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فسوف يفتح ذلك المسار أمام نموذج جديد، ربما يشمل التجارة والتنسيق في ملفات الاقتصاد والحدود وإلخ. كما أنّ نموذجاً قد يظهر، من المحتمل ألّا يكون قابلاً للتطبيق بحذافيره في الحالة التركية، رغم أنّه يفتح الطريق".

إنّ ابتعاد تركيا عن الجوهر والمعايير الأوروبية الشرط الرئيس من أجل قبول عضويتها في الاتحاد الأوروبي

وتؤكّد الخبيرة أنّ هذا الوضع الجديد "سيجري تحديده" سواء آجلاً أم عاجلاً، ليس من قبل تركيا فحسب، بل من منطلق آلية المشروع الأوروبي كذلك. "فالاتحاد الأوروبي وصل لأقصى درجات التوسّع، والامتداد كي يشمل دولاً صغيرة في منطقة البلقان من شأنه أن يكلّفه الكثير، لكن بالنسبة للدول الأكبر فإنّ الأمر لن يكون بهذه الدرجة من السهولة".

هناك عامل آخر يزيد من صعوبة فكرة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الملفات الأكثر عملية وضرورية، ألا وهو العنصر الأيديولوجي. فبينما يفكّر الاتحاد الأوروبي في خروج بصورة لائقة من المأزق التركي، سيتحول الأمر على الأرجح بالنسبة لأنقرة إلى دافع للشعور بالضغينة.

يستطرد سولير "إن لم يطلبوا هم (تركيا) ذلك، فستكون مشكلة إحباط وتتعلق بالكرامة باعتبار أنّهم كانوا يعاملون كشريك من الدرجة الثانية"، معتبراً أنّه من المهم بشدة تقديم أي حلّ كمسار موازٍ -وليس وضعاً موازياً- لهدف العضوية الكاملة. باختصار، مجال تتمتّع فيه تركيا بصوت ووجود وليس حقّ التصويت.

من المحتمل ألّا تكون تركيا حالياً في صدارة أولويات الاتحاد الأوروبي الذي يستنفر قواه للتعامل مع أحد أبرز شركائه، وبالتزامن مع تزايد الأصوات المشككة في الاتحاد بطول وعرض الإقليم. لكن عدم النظر إلى المشكلة لن يحلّها.


المصدر: مقال حول فشل تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي للصحفي خابيير بوكانيجرا نشر بجريدة (الكونفدنثيال) الإسبانية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية