قصة اليهود العرب.. كيف سقطوا في قبضة الصهيونية؟

تحقيقات

قصة اليهود العرب.. كيف سقطوا في قبضة الصهيونية؟


26/09/2018

اليهود؛ اسم يحمل العديد من المعاني، فهو مثير للجدل سياسياً، خصوصاً بعد قيام دولة الاحتلال، ومثير تاريخياً؛ بسبب الخلافات الدينية بين اليهود والمسلمين، لكنّ العصر الحديث شهد وجود المواطنين من اليهود العرب، الذين يشتركون في اللغة والعديد من التقاليد والعادات مع العرب والمسلمين، ومنهم المصري والعراقي والمغربي والسوري، غير أنّ الجدل يستمر بسبب ذهاب العديد من هؤلاء للعيش في دولة الاحتلال.

كان اليهود العرب حتى انقضاء الحرب العالمية الأولى رافضين للحركة الصهيونية وأفكارها عموماً

ويشكّل العام 1948؛ لحظة فاصلة في تاريخ هؤلاء اليهود، تماماً مثلما شكّل لحظة فاصلة لدى العرب المسلمين، ومنذ ذلك التاريخ، تنتشر الروايات والاتهامات المتنوعة لليهود العرب؛ فالبعض ينكر أنهم عرب أصلاً، والبعض يتحدث عن روايات إسرائيلية مفبركة عنهم، فيما يشير العديد من الباحثين والمؤرّخين، إلّا أنّ اليهود، إذا تمّ اعتبارهم أقلية، فإنّ رأي العرب فيهم سوف يبقى ضبابياً، ولن ينصفهم أحد.
السؤال الأساسي لا يكمن في إنصافهم من عدمه؛ بل يتمحور حول نقطة محدّدة: أين كان اليهود العرب قبل دولة الاحتلال؟ وأين صاروا بعدها؟ وهل تنصلوا من عروبتهم؟ وماذا حلّ بهم اليوم، وهم الكفّار عند بعض المسلمين، والعرب عند المؤرخين، والإسرائيليون أصحاب الحقّ عند الصهاينة؟!
تناقص أعداد اليهود في المجتمعات العربية منذ عام 1948 وحتى 2014

إسرائيليون كانوا عرباً
اليهود العرب؛ مصطلح يشير إلى اليهود الذين ينحدرون من أصول عربية، ممّن عاشوا في البلاد العربية كسكان أصليّين، لا رعايا أو وافدين، وكان تصنيف اليهود العرب، ظهر بوضوح أكثر بعد قدوم يهود غربيّين إلى الوطن العربي، بعد احتلال فلسطين العام 1948.
وفي كتابها "يهود البلاد العربية" تقول المؤرخة الفلسطينية، الدكتورة خيرية قاسمية: إنّ "اليهود العرب انتموا إلى جميع الطبقات؛ فمنهم فلاحون وبدو، فقراء وأغنياء وتجار وحرفيون، ومنهم فنانون وكتّاب ومغنون، جميعهم عرب".
كما تشير قاسمية إلى "استلام بعضهم مناصب تشريعية وجهوية في القرن التاسع عشر، وفي بدايات القرن العشرين"، وتؤكّد الباحثة أنّهم "كانوا، حتى انقضاء الحرب العالمية الأولى، رافضين للحركة الصهيونية وأفكارها عموماً، بسبب صعوبة احتكاك يهود الغرب مع اليهود العرب أولاً، ولأنّ اليهود العرب كانوا بمأمن من الحرب في بلدانهم".

كان اليهود العرب يعدّون العراق جنتهم ومصر مكانهم بعد أن تاهوا في التاريخ، والخليج كان أرضاً حمتهم إلى أن جاءت الصهيونية

لكنّ اليهود العرب، لم يكونوا متساوين في الدول العربية جميعها؛ فقد كانت ظروفهم مختلفة باختلاف البلد الذي يقيمون فيه، ووفق السياسات الاستعمارية المتبعةٍ من بلدٍ لآخر، وكانت كلّ من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، تعمل جميعاً على جعل مصطلح الأقليات والطوائف، واقعاً ملموساً في المجتمعات العربية الغضّة حديثاً؛ بسبب خروجها الجديد من سطوة الإمبراطورية العثمانية، واصطدام أفكارها القومية والاستقلالية بالاستعمار.
ومع ظهور الاحتلال الصهيوني؛ أصبحت (إسرائيل) مركزية لليهود في الوطن العربي والعالم، وكذلك مركزاً يطلق مجموعة دعاياتٍ منظمة، منها اضطهاد اليهود العرب، ومنها الوطن الموعود، والهولوكوست، محاولة جذب لكلّ يهودي إليها تقريباً، لتغيير الخريطة السكانية في فلسطين، قائلة إنّها المكان الوحيد الذي يصلح لأن يعيش اليهود فيه.
وأصرّت الدعايات الصهيونية، منذ العام 1948، على أنّ اليهود العرب كانوا جزءاً من ضحايا (هولوكوست عربي)، وبعد عقود من هذه الادعاءات، صار الكثير من اليهود العرب (إسرائيليين)، ومنهم من صار صهيونياً، من أمثال وزير الدفاع الصهيوني الأسبق "عمير بيريتس"، وهو مغربي، أو الحاخام "عوفاديا يوسف"، وهو عراقي، والزعيم الروحي لحزب "شاس" المتطرف، كذلك "سيلفان شالوم" وزير خارجية (إسرائيل) السابق، وأصوله تونسية، فكيف كان وضع اليهود في الوطن العربي قبل ظهور دولة الاحتلال؟

العراق جنّة اليهود
بحلول العام 1925؛ كان عدد اليهود العراقيين يقارب 90 ألف نسمة، مواطنون لهم حقوقهم ونشاطاتهم في جميع المجالات منذ القرن التاسع عشر، ويعيشون في أحياء خاصة، في بغداد وباقي مدن العراق، منهم أغنياء وتجار وصيارفة؛ حيث تشير الدكتورة قاسمية في كتابها إلى أنهم: "كانوا بارعين في الحِرَف وتجارة المجوهرات والتصدير والصيرفة، لدرجة أنهم تسببوا بإغلاق البريطانيين لمكاتبهم التجارية، مطلع القرن العشرين، بسبب كفاءة المصادر الوطنية العراقية اليهودية، في التعاملات التجارية والمالية".
كما أنّهم تمتعوا بقدرات تعليمية جيدة، واستخدموا اللغة العربية في التأليف العلمي والأدبي؛ حيث ظهر مثقفون وأدباء يهود عراقيون، مثل: سليم إسحاق، ونسيم سوميخ.

في معظم الدول العربية تمتع اليهود خلال القرن التاسع عشر بحقوق مدنية ودينية وسياسية طبيعية زعزعها العثمانيون والاستعمار

أما سياسياً؛ فإنّ يهود العراق كشفوا، العام 1921، تأييدهم للملك فيصل، وترحيبهم بحكمه؛ لأنّه رفع شعار "لا أطلب من أبناء العراق إلا أن يكونوا عراقيين"، كما أنّ المادة الأساسية في الدستور العراقي آنذاك: "العراقيون متساوون أمام القانون، بغضّ النظر عن العرق والدين واللغة"، أسهمت بمنحهم الثقة بمواطنتهم وحقوقهم، كما تمتعوا بحقّ التمثيل النيابي، وكانت لهم أربعة مقاعد نيابية بعد العام 1925، وبرز "ساسون حزقيل" وزيراً يهودياً للمالية، وعضو برلمان لأكثر من 13 عاماً في العراق.
هذا الوضع الطبيعي لليهود في العراق؛ تتحدث عنه كذلك مراسلات الحكومة البريطانية عن العراق، التي تقول باختصار "إنّ يهود العراق، حتى العام 1940، رفضوا التخلي عن مكانتهم الاقتصادية والاجتماعية والوطنية في العراق، التي يعتبرونها جنّتهم، وكانوا يعتبرون فلسطين أرضاً ليس فيها فرص اقتصادية وسياسية لهم"، وهذا الرأي سوف ينسحب عموماً على معظم اليهود العرب في البلدان العربية الأخرى.
من ناحية أخرى؛ سوف يعمل نشاط ما يسمى "الجمعية الصهيونية" في العراق، وفي العديد من الدول العربية، سواء بصورة سرّية أو علنية أحياناً، وذلك لصنع علاقات مشتركة، ثقافية وسياسية وتعليمية، وأخرى تحت غطاء خيري، لدعم اليهود تحت مسمى "القضية اليهودية"؛ التي سوف تبدأ بصنع الانقسام بين اليهود أنفسهم في الوطن العربي.

اقرأ أيضاً: اليهود في الخليج.. حين هربوا من تنكيل العثمانيين وصاروا مواطنين
وهنا؛ يرى الباحث والمؤرخ الفلسطيني، أحمد مصطفى جابر؛ أنّ "الحركة الصهيونية سوف تجعل من وجود اليهود في الدول العربية خطراً عليهم، بعدما كان وجودهم طبيعياً".
ويتحدث جابر، خلال بحثه المنشور العام 2014، عن مركز "الدراسات التطبيقية والاجتماعية": "اليهود العراقيون الذين ذهبوا إلى فلسطين، العام 1948، لم يتجاوزا ألفي يهوديّ، لكنّ هذا الرقم، سوف يصل إلى عشرات الآلالف، بفعل التغيرات في قوانين وسياسات الدول العربية لاحقاً، وبفعل الضعوطات الاقتصادية والدعاية الصهيونية".
وفي حال انسحب هذا على مختلف اليهود العرب في بلادهم العربية؛ فإنّ أسطورة أرض الميعاد، كانت قد بدأت بالصعود، لتخلّصهم من أيّ خطر حاق بهم منذ مطلع القرن العشرين، كما ادّعت الصهيونية، وكما يسّرت حوادث بحقّ اليهود، أوقعت فيهم قتلى وجرحى، مثل حادثة "الفرهود" المشهورة، وجرت العام 1941، وجاءت على هيئة أعمال نهب وقتل واسعة طالت اليهود في بغداد.

يهوديّ عراقي مغادر والوجهة نحو الصهيونية

مصر واليهودي التائه
بعدد يفوق 62 ألف يهودي، حتى نهاية الخمسينيات، وتنوّع في الطبقة الاجتماعية ومجالات العمل، إضافة إلى أسماء مشهورة مثل: ليلى مراد، كاميليا، وتوجو مزراحي، إضافة إلى سياسيين مرموقين، منهم: جوزيف قطاوي؛ الذي شارك القائد المصري الوطني، سعد زغلول، في الجمعية التشريعية المصرية، خلال عشرينيات القرن الماضي.
تمتّع يهود مصر، طوال القرن التاسع عشر، وحتى منتصف القرن العشرين، بحرية العبادة، وممارسة النشاطات الاجتماعية والثقافية، إضافةً إلى حضورهم القوي في قطاعات الصيرفة والتجارة والفنون والغناء، حتّى أنّ "اليهود الذين تعرضوا للاضطهاد في أي مكانٍ أو بلد عربي، أو غير عربي" كانوا، بحسب المؤرخة قاسمية، يلجؤون إلى مصر.

تركزت الدعاية الصهيونية على أنّ كلّ يهودي عربي معرض للخطر إلى أن يصبح (إسرائيلياً)

ويشير كلّ من الباحث أحمد مصطفى جابر، والباحث المصري في جامعة عين شمس، أنور زناتي، إلى أنّ اليهود المصريين "أصيبوا بالتوتر والحيرة إزاء صعود القومية المصرية العربية، التي كانت تناصبهم بعض العداء، إضافة إلى صعود جماعة الإخوان المسلمين، ممّا جعل انتماءات بعض اليهود السياسية تتحول إلى الاشتراكية والماركسية بشكل طفيف".
ويبدو أنّ يهود مصر تاهوا؛ حيث تشكّلت بين ظهرانيهم مطلع أربعينيات القرن الماضي، حركة مناهضة للصهيونية، مارست نشاطاتها قرابة العامين، في القاهرة والإسكندرية، غير أنّ نشاطات "الوكالة اليهودية" كانت مستمرة منذ الاستعمار الإنجليزي لمصر، وتحظى بدعاية ودعم ماليين من الاستعمار، إضافة إلى أنّه، وكما العراق، استثمرت الوكالة في أيّة حادثة استهدفت اليهود في مصر، مهما كانت صغيرة.
ولا يغيب تأثير ثورة تموز (يوليو) العام 1952 على وضع اليهود المصريين؛ إذ يجمع الباحثان على أنّ "الثورة ما إن انتهت بتولي الرئيس جمال عبد الناصر الحكم، حتى صار يزجّ بعشرات اليهود في السجون، تحت طائلة اتهامات بالتجسّس لصالح إسرائيل، والقيام بأعمال تخريب كان بعضها صحيحاً".
خلال الأعوام اللاحقة؛ هاجر العديد من اليهود المصريين إلى إسرائيل وغيرها، وتقلّص عددهم، حتى بداية التسعينيات من القرن الماضي، ليصل إلى 200 يهودي فقط، وفق الزناتي وجابر.

المغرب العربيّ كان موطناً
لتونس والمغرب والجزائر وضعها المختلف؛ هكذا يتحدث العديد من الباحثين في التاريخ والسياسة؛ فالاستعمار جعل المغرب العربي ينشغل بشؤونه الخاصة لمدة طويلة من الزمن، أما يهوده، المشهورون بمغاربيتهم وإفريقيتهم، فقد ربطهم قيام دولة الاحتلال بالشرق الأوسط مبكراً، وقادهم سراً أو علناً، إلى وطن جديد، عانى معظمهم من العيش فيه فيما بعد، وذهبت الوعود هباءً بشكل عام.
في فترات الاحتلال الفرنسي؛ مُنح اليهود الجزائريون حقوقاً مختلفة عن باقي الجزائريين، تمثلت في حقهم بالحصول على الجنسية الفرنسية مثلاً، وامتيازات العمل والسفر، وهو ما كان موجوداً في مراكش كذلك، دون أن تقوم "الحماية الفرنسية على المغرب"، أو الاستعمار الإسباني، بمنح اليهود حقّ التجنيس، لكنّ اليهود في المغرب والجزائر وكذلك تونس، كانوا هدفاً للاستعمار من أجل تشكيل قوة طائفية، وأقلية تنسلخ عن بيئاتها العربية والإفريقية.

وجوه ليهود عرب بقيت منهم ملامحهم فقط

تمثّلت الفروقات التي خدمت الاستعمار حينها، في رأي المؤرخة قاسمية، "بالفقر" الذي كان يسود أكثر بين يهود المغرب العربي، لكنّ حقوقهم الدينية والاجتماعية "لم تكن مقموعة"، وفق قولها.
من جهة أخرى؛ تؤكّد المؤرخة أنّ "يهود ليبيا رحّبوا بالاحتلال الإيطالي منذ بداياته"، وأنّ "اليهود لم يفعلوا ذلك جميعاً؛ بل فعلت ذلك فئات منهم كانت تخاف على حقوقها المدنية في ظلّ دخول الاحتلال".
عشرات آلاف اليهود سكنوا دول المغرب العربي، وتأثروا بدورهم بالوكالات الصهيونية، والمناداة بقيام (إسرائيل). وفي مطلع الأربعينيات؛ تكررت في دول المغرب العربي حوادث استهدفت اليهود، من قبل مسلمين وقوميين، مدفوعين عاطفياً وسياسياً بالعلاقات الضبابية بين اليهود والاستعمار، ما سهّل فكرة انتماء هؤلاء للصهيونية، كغطاء لتماسكهم الديني والاقتصادي والاجتماعي، وهو الدافع الذي كان يقود اليهود من أيّ مكان إلى أرض فلسطين.
الخليج موطنٌ لكلّ الديانات
حتى مطلع القرن العشرين، لم يكن اليهود العرب في الخليج يختلفون عن باقي العرب والمسلمين تقريباً، فهم سكان أصليون؛ تجار، صيادون، أصحاب مصارف وحظواتٍ اجتماعية، متمتعين كذلك بكامل حقوقهم، التي لم تنقص عن حقوق العرب في أي مكانٍ من الخليج والوطن العربي تقريباً.
وفي كتابه "اليهود في الخليج العربي"، الصادر عن دار "مدارك"، عام 2011، يقول الكاتب الكويتي، يوسف المطيري: إنّ "اليهود لجؤوا إلى دول، كعمان ومنطقة الأحساء في الحجاز، خلال القرن التاسع عشر، بحثاً عن الاستقرار وفرص العمل".
ويضيف المطيري: "جاء معظم هؤلاء هرباً من العراق، بسبب الخدمة العسكرية الإلزامية للعثامنيين، ولأسباب أمنية، بسبب عدم استقرار سياسات المسؤولين العثمانيين تجاههم"، ويذكر أنّ اليهود تواجدوا في عُمان والبحرين والأحساء والكويت منذ ما قبل القرن التاسع عشر، لكنّ أعدادهم كانت غير ثابتة، وفقاً للمطيري، وهي لا تزيد عن بضعة آلاف في كلّ بلد، وأحياناً أقل من ذلك.

أسهم صعود القوميات العربية والإسلاموية مطلع القرن الماضي، إضافة إلى الدعاية الصهيونية، في نبذ اليهود العرب وتشجيعهم ليصيروا إسرائيليين

ويؤكد المطيري؛ أنّ "الكويت كانت مكاناً مثالياً لاحترام الديانات، ومنح حقوقٍ متساوية أمام القانون والأمور الاقتصادية"، فانتعشت فيها ملكيات اليهود العرب من شركات تجارية متنوعة النشاطات.
واشتهرت في الخيج عائلات يهودية مثل: عائلة "محلب" في الكويت، و"النونو" في البحرين، التي ما يزال فيها يهود حتى اليوم، يتمتعون بحقوق المواطنة.
أما منطقة الأحساء؛ فقد شهدت اضطرابات ومعارك بين العرب والعثمانيين والبريطانيين، منذ عام 1914، ما أنهى الوجود اليهودي فيها مبكراً.
المطيري، يتحدث عن أسباب محددة، دفعت باليهود لمغادرة الخليج العربي، وتتركز في تشجيع اليهود الأجانب لليهود العرب لمغادرة بلادهم، لأسباب اقتصادية وأخرى سياسية، تمثلت بالدعوة إلى أوروبا وإلى فلسطين، مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، وشهد العام 1947 منع العديد من الدول الخليجية، كالسعودية والبحرين والكويت، أيّ يهوديّ من دخول أراضيها؛ بسبب "الغضب الشعبي" من قرار تقسيم فلسطين، بحسب المطيري.

 نساء يهوديات عربيات من الخليج العربي

الهروب من وإلى فلسطين
تواجد اليهود العرب في معظم أرجاء الوطن العربي؛ فيهود دمشق واليمن مشهورون أيضاً، بقدمهم وبأنّهم عرب، أما يهود فلسطين، فكانوا جزءاً من شعبها، إلى أن جاء الاحتلال أخيراً، فعمل على جعل كلّ يهوديّ صهيونياً، إنّ صحّ التعبير.
وفي كتاب "تفكيك الصهيونية"، لجياني فاتيمو، ومايكل ماردر؛ يتحدث المؤلّفان عن "ميتافيزيقيا" صهيونية، استغلت الاستعمار، وتشكل التيارات القومية والدينية في الدول العربية، من أجل خلق جوّ من عدم الاستقرار بشأن اليهود العرب، وخلق أجواء "هولوكوست" غير موجود، لكنّ شبحه يلاحق اليهوديّ العربيّ أينما كان.
وفي هذه الحالة؛ عملت الوكالة اليهودية، والحركات الصهيونية، والظروف العربية، لقيادة اليهودي التائه والخائف والمشرّد، بحسب الدعايات، إلى مكان يكون ملجأه الأخير والأمين، وكي يصل؛ يتوجب عليه الهروب إلى فلسطين قبل كلّ شيء.
ووفق ماردر؛ "فإنّ هذه خدعة أخرى بحقّ اليهود آنذاك"، تشبه الخدعة والجريمة التي ارتكبت بحقّ العرب الفلسطينيين في فلسطين، ولا يمكن بالطبع، إغفال أنّ العديد من اليهود ذهبوا إلى فلسطين بإرادتهم، وبفعل الرواية الهرتزلية التي ترسخت منذ نهاية القرن التاسع عشر.
ماذا حصل لليهود العرب في فلسطين؟
إنّ هذا ما تكشفه قصص اليهود العرب أنفسهم، ممن ذهبوا إلى دولة الاحتلال مبكراً، أو من أبنائهم وأحفادهم، فهؤلاء كانوا مواطنين من الدرجة الثانية، والثالثة في بعض الأحيان، وعملوا في أراضي الاحتلال كعبيد، أكثر منهم عمّال، بينما ما يزال كثيرون منهم يحتفظون بذكريات وحنين إلى بلادهم العربية.
ولا تغيب اللهجات العراقية والمغاربية والخليجية عن لكنة بعضهم، حتى اليوم.
اليهود العرب وتجارب التهميش:

حتى اليوم؛ يعاني العديد من اليهود العرب في دولة الاحتلال، من التمييز بالسكن، والتمييز المذهبي بفعل تنوع مذاهب اليهود المتشددة عموماً.
هؤلاء، وفق آراء الباحثين والمؤرخين العرب في هذا التحقيق، يتّضح أنّهم لم يغادروا بلادهم العربية لأسباب عقائدية غالباً؛ بل لأسباب سياسية، أو لأسباب تتعلق بانعدام الاستقرار، مثل فرض السلطات العثمانية التجنيد عليهم، أو زياً معيناً يجعلهم يبدون كأقليات، ومن ثم محاولات الاستعمار توظيفهم لمصلحته، ومنهم من استجاب، إضافة إلى توجّه الدول العربية نحو قوميات سياسية وإسلامية، تتشكل بصورة معادية لدولة الاحتلال، وتستجيب، ولو من غير قصد، للدعاية الصهيونية؛ التي ترى أنّ كلّ يهودي يبقى مهدّداً، حتى يصير "إسرائيلياً".
وتحوّل عشرات الآلاف من اليهود العرب، إلى (إسرائيليين)، منهم من تولى مناصب مهمّة مع الاحتلال، وغدا صهيونياً عدواً، ومنهم من انكمش واختفى، ذاب فيما يسمى الدولة الإسرائيلية، وآخرون، هاجروا نحو أوروبا وأمريكا، رافضين أرض الميعاد، بعدما اكتشفوا وهمها.
وغالباً، بحسب ما يرى المؤرخ "صموئيل أتينجر"، في كتابه "اليهود في البلاد الإسلامية"؛ فإنّ "أسطورة المكان لاحقت اليهود عبر التاريخ، لكنّ أوضاعهم الاجتماعية والدينية شهدت استقراراً في الوطن العربي عموماً، حتى بدأت الإمبراطورية العثمانية بالتخبّط، ثم رافقهم عدم الاستقرار بعد دخول الاستعمار وظهور إسرائيل".
ويتّضح أخيراً؛ أنّ اليهود كان لهم وطن في كلّ مكان عربي، وأنهم بدؤوا على الصعيد العربي، يشهدون حياة طبيعية، إلى أن أتت دعاية الوطن الواحد، الذي أخفى معظم آثارهم كعرب، وأعاد تعريفهم كمحتلين، غريبين عن محيطهم، وهو ما أضرّهم في أحيان كثيرة كذلك، وحاول تصدير صورة للعالم عن الوطن العربي؛ أنه وحش يقصي ويغتال الأقليات، ومن هذه الأقليات؛ اليهود العرب، الذين كانوا ذات يوم، يشبهون فلسطين وسوريا والعراق، أكثر مما يشبهون أيّ كيان غريب آخر.

الصفحة الرئيسية