قصة وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في السودان.. ماذا فعلوا؟

قصة وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في السودان.. ماذا فعلوا؟

قصة وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في السودان.. ماذا فعلوا؟


16/03/2024

في منتصف العام 1948، كانت نخبة صغيرة من السودانيين تعصب عمائمها بإحكامٍ شديد وبأسلوبٍ يختلف قليلاً عما هو شائع لدى السواد الأعظم من عامة الناس وأقرب إلى طريقة أهل صعيد مصر، تجتمع ليلة الخميس في منزل متواضع بإحدى ضواحي الخرطوم، وتنشد: "يا معشر الإخوان لا تترددوا عن حوضكم حيث الرسول محمد/ نادتكم الفردوس فامضوا نحوها في دعوة الإسلام عزوا واسعدوا". وكان ظن أهل الحي، إنّها في الغالب طريقة صوفيّة ما، رغم غرابة إنشادها، كانت هذه الخليِّة الأولى لجماعة الإخوان المسلمين السودانية، وهكذا ظلّت لأعوام طويلة إلى أن انضم إليها حسن الترابي، فقلب كل شيء رأساً على عقب، ولم يسلم من ذلك حتى اسمها.

قبل ذلك بأعوام، العام 1944 تحديداً، أرسل مؤسس الجماعة حسن البنا، فريقاً استطلاعيّاً إلى السودان برئاسة الأمين العام لجماعته عبد الحكيم عابدين ودليله الطالب السوداني في مصر آنذاك جمال الدين السنهوري، طاف معظم مدن البلاد مُبشراً بالجماعة شارحاً أفكار الإخوان، أعقب ذلك تكوين أول أسرة إخوانية (خليّة) في السودان مرشدها رجل اسمه علي طالب الله إلى أن أعلنت الجماعة عن نفسها العام 1954 بذات اسمها في مصر.
ظلت الجماعة متماسكة ونخبوية ومحدودة إلى أن انتخب حسن الترابي أميناً عاماً لها العام 1969

حقبة الترابي
منذ ذلك الوقت وإلى بروز جبهة الميثاق الإسلامي العام 1964 (تحالف الإخوان والسلفيين والطريقة التيجانية الصوفية)، من أجل خوض غمار الانتخابات النيابية، ظلت الجماعة متماسكة ونخبوية ومحدودة، إلى أن انتخب حسن الترابي أميناً عاماً لها 1969، فأحدث طفرة تنظيمية وفكرِّية مستفيداً من تعليمه في إنجلترا وفرنسا وتأثره بالفلسفات الغربية، فكان أن خرج عنه معظم الرواد الأوائل من مؤسسي الجماعة، مثل؛ الرشيد الطاهر، ومحمد صالح عمر، ومدني سبال، وجعفر شيخ إدريس، وعلي جاويس والشيخ برات الذي كان يكفّر الترابي.

اقرأ أيضاً: قطر والثورة السودانية.. كيف يقاوم السودان الجديد محاولات الدوحة زعزعة استقراره؟
لكن الترابي تمكّن ببراغماتيته المعروفة من أن يعقد مُصالحة مع نظام جعفر النميري ويحل جماعة الإخوان 1977، ويصبح وزيراً للعدل 1983 ويوعز لحليفه الجديد بضرورة تطبيق (الشريعة الإسلامية) الأمر الذي ألّب عليه الجماهير لاحقاً، فهبت عليه في انتفاضة 1985 وأطاحته عن السلطة، فيما أسس الترابي الجبهة القومية الإسلامية التي انقلبت على الديمقراطية بدعمٍ من الضباط الإخوان داخل الجيش السوداني بقيادة عمر البشير.

 

الانقلاب على الكل
وفي حديثه لـ "حفريات" اعتبر المحلل السياسي والباحث في حركات الإسلام السياسي حامد نورين، أنّ "جماعة الإخوان المسلمين بزعامة الترابي قبلت حلّ نفسها مقابل الصلح مع نظام النميري 1977، وتقرّب الترابي من النميري إلى أن أقنعه بتطبيق قوانين أيلول (سبتمبر) 1983 سيئة الصيت والتي أطلقوا عليها مجازاً قوانين الشريعة الإسلامية وسُمّي الترابي وزيراً للعدل ونائباً عاماً. إلا أنّ انتفاضة شعبية عارمة خرجت ضد النميري في نيسان (أبريل) 1985 بسبب تلك القوانين فأطاحت به.

الترابي تمكّن ببراغماتيته المعروفة من أن يعقد مُصالحة مع نظام النميري ويحل جماعة الإخوان 1977 ويصبح وزيراً للعدل

يتابع نورين: كان من حُسن حظ الترابي أنّ النميري زجّ به في المعتقل بعد أنْ تأكد أنّه ضلّله، فكان أن نجا بنفسه من المُحاكمة بعد الثورة الشعبية، فانتهز الفرصة ليؤسس حزباً سياساً جديداً باسم (الجبهة القومية الإسلامية) حصل على المركز الثالث في الانتخابات البرلمانية لعام 1985، وبرزت الجبهة كحزب أكثر عصرّية من جماعة الإخوان المسلمين خاصة فيما يتعلق بحق المرأة في التصويت والترشيح والدعاية الإعلامية والمؤسسات الاقتصادية والمالية والتسرب إلى الجيش والأجهزة الأمنية، إلى أن تمكنت من الانقلاب على الديمقراطية عبر ضباطها في الجيش بقيادة عمر البشير في حزيران (يونيو) 1989، لتستمر في حكم السودان إلى أن أطاحتها ثورة 19 كانون الأول (ديسمبر) 2018.

 

تاريخ من الانتهازية
يعتقد نورين أنّ الترابي لم يكن مفكراً بقدر ما كان سياسياً براغماتياً انتهازياً، استطاع أن يُبقي على علاقة ما بجماعة الإخوان في مصر، مع الاحتفاظ لنفسه بمساحة أكبر من الحركة في الفضاء السياسي والتنظير الفكري متجاوزاً المُرشدّية العامة في القاهرة.

ضغط الإخوان على الأحزاب السياسية السودانية فطردت نواب الحزب الشيوعي من البرلمان ومن سجل الأحزاب

وتمكن الترابي أيضاً، كما يقول نورين، من التخلص من خصومه داخل التنظيم، ومن خصومه السياسيين في الفضاء العام، فكان أن استغل الإخوان مداخلة لأحد الطلاب قيل إنه ينتمي للحزب الشيوعي خلال ندوة نظموها مساء الإثنين 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 1965، اعتبروا أنّ فيها إساءة لبيت الرسول، عليه السلام، فكان أن فجّروا الأمر في المساجد في الجمعة التالية، وسيّروا مظاهرات إلى البرلمان وطالبوا بحل الحزب الإلحادي، بحسب شعاراتهم حينها، وضغطوا على حزب الأمة الذي كان يحكم السودان والأحزاب الأخرى بضرورة إخراج الحزب الشيوعي من البرلمان وشطبه من سجل الأحزاب السياسية في السودان مرةً وإلى الأبد.
وافق الأمر هوى الأحزاب وقرّرت تصفية الحزب الشيوعي القوي وشديد التنظيم آنذاك، فاستدعت جماهيرها لمهاجمة دُور الحزب بالأسلحة البيضاء والحجارة وبأسلوب همجي، وصفه السكرتير العام للشيوعي حينها عبد الخالق محجوب بـ"عنف البادية".

اقرأ أيضاً: إخوان السودان يعودون مجدداً للمتاجرة بالشعارات الدينية.. فهل ينجحون؟
وحاصرت الجماهير الثائرة بفعل تحريض الإخوان مبنى البرلمان، فكان أن أصدر قراراً في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) بأغلبية 145 صوتاً ومعارضة 25 وامتناع عضوين، يقضي بحل الحزب الشيوعي وطرده من البرلمان وحظره من ممارسة العمل السياسي رغم مخالفة القرار للمادة 33 (8) من لائحة البرلمان والمادة (49) من الدستور.

 

الزهو الزائف
من جهته، يقول الباحث في الإسلام السياسي والأكاديمي عُثمان ضو البيت: "لعل الإخوان شعروا بزهو كبير عندما نجحوا في إقصاء الحزب الشيوعي من البرلمان، وعدّوا ذلك انتصاراً على أقوى الأحزاب السودانية وقتها، لكنهم ظلوا ينتظرون الوقت المناسب للقضاء على حزب آخر يعتبرونه المنافس الأشد خطراً عليهم من أجل الاستحواذ على الفضاء السياسي ذي المزاج الإسلامي".

اقرأ أيضاً: إخوان تونس وإخوان السودان

ويمضي ضو البيت موضحاً لـ"حفريات": أوعز الترابي للرئيس الأسبق جعفر النميري بإعدام محمود محمد طه زعيم الحزب الجمهوري بتهمة الردّة بعد أن عارض حزبُه ما سُمّي وقتها بقوانين الشريعة الإسلامية، فنُفذ حكم الإعدام بحقه يوم الجمعة 18 كانون الثاني (يناير) 1985، لكن لم تمض ثلاثة أشهر حتى تمت الإطاحة بالنميري نفسه، فكان أن تخلص الترابي من الرجلين بضربة واحدة، وهذا ما مهّد الطريق أمام حزبه الجديد (الجبهة القومية الإسلامية) فرصتهم سانحة للحصول على المرتبة الثالثة في الانتخابات البرلمانية عام 1986.

ضو البيت: أوعز الترابي للنميري بإعدام محمود محمد طه زعيم الحزب الجمهوري بتهمة الردّة

ويتابع ضو البيت: لكن أنفس الإخوان التواقة للسلطة لم تسعفهم على الصبر حتى الدورة الانتخابية التالية التي كان مُقرراً لها العام 1990، فانقضوا على الديمقراطية بليل وانقلبوا عليها في حزيران (يونيو) 1989، وظلوا في الحكم لثلاثين عاماً انقسموا خلالها إلى حزبين وحركة مسلحة، حزب المؤتمر الوطني بزعامة البشير، وحزب المؤتمر الشعبي بزعامة الترابي، وحركة العدل والمساواة التي أعلنت الحرب على الحكومة التي كانت جزءاً منها وكانت بزعامة الإخواني المتشدد خليل إبراهيم الذي قتل في بضربة جوية العام 2011 ليتولى القيادة بعده شقيقه الأكثر اعتدالاً جبريل.
يشير ضو البيت إلى أنّه خلال العقود الثلاثة من حكم الإخوان "شنوا حروباً داخلية في جنوب وغرب وشرق ووسط البلاد، ودعموا انفصال الجنوب عن الدولة الأم بعد أن أعلنوا عليه الجهاد لسنوات طويلة، ثم اتخذوا مواقف خارجية مبنية على الأيدولوجيا الإخوانية لا على المصلحة الوطنية العليا، فكان أن أعلنوا الجهاد (عن طريق الإنشاد فقط) على الولايات المتحدة وروسيا، وظلت الإذاعة والتلفزيون غارقان في الإساءة إلى كافة الزعماء في الإقليم وحول العالم".
الملالي البخلاء وثروة بن لادن وبيع كارلوس
يواصل ضو البيت حديثة لـ"حفريات" قائلاً: دعم الإخوان السودانيون نظام صدام حسين في حربه على الكويت، وتحالفوا مع ملالي طهران لضرب خاصرة المملكة العربية السعودية ودول الخليج، لكنهم ما إن تخلوا عن تحالفهم مع إيران من أجل الحصول على دعم مالي خليجي حتى وصفوا الفرس بالبخل والشح، فروّجوا أنّ الترابي أهدى خامنئي كتاب البخلاء للجاحظ في إشارة منه إلى بخل حكومة الملالي.

شُرد الموظفون من وظائفهم وحل محلهم الإخوان المسلمون فيما عرف بسياسة التمكين، واستشرى بعهدهم فساد مالي وإداري غير مسبوق

يستطرد ضو البيت: قبل ذلك استضاف الإخوان أسامة بن لادن ثم أبعدوه بعد أن نهبوا استثماراته في السودان، وأحضروا الثائر اليساري المعروف كارلوس إلى الخرطوم ثم خدّروه وسلموه إلى الحكومة الفرنسية بمقابل مالي بخس ووعود زائفة، وحاولوا اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، فكان أن توغل الجيش الأثيوبي داخل حدود السودان واستولى على منطقة الفشقة الزراعيّة الخصبة على الحدود المشتركة بين البلدين، فيما أعلنت مصر تبعية مثلث حلايب المتنازع عليه إلى سيادتها.
عاش السودانيون في ظل حكم الإخوان المسلمين أوضاعاً شديدة الصعوبة والتعقيد لم يعرفوها طوال تاريخهم

عود على بدء
عاش السودانيون في ظل حكم الإخوان المسلمين أوضاعاً شديدة الصعوبة والتعقيد لم يعرفوها طوال تاريخهم القديم والحديث، فضربت النساء بالسياط أمام الجمهور وفقاً لما كان يعرف بقانون النظام العام، وشُرد الموظفون من وظائفهم، وحل محلهم الإخوان المسلمون فيما عرف بسياسة التمكين، واستشرى في عهدهم فساد مالي وإداري غير مسبوق، حتى اضطروا في الأعوام الأخيرة من حكمهم إلى الاعتراف به.
كشفت تقارير عن فساد الدولة بأكملها، خاصة رئاسة الجمهورية ووزارة النفط والمعادن والمؤسسات ذات الصيغة الدينية كديوان الزكاة الذي تصدر قائمة المؤسسات الأكثر فساداً في الدولة لأعوان طويلة، علاوة على جمعية القرآن الكريم التي تم حلها مؤخراً.
هكذا حكم الإخوان السودان، فضرب الشعب الفقر والجهل والمرض وحلت الحروب في كل بقاعه، وسادت النزاعات العرقية العنصرية والجهوية في طول البلاد وعرضها، وخسرت البلاد كل علاقاتها الخارجية، ففي مرحلة كانت كل دول الجوار في عداء مع السودان، مصر وليبيا وتشاد، وأوغندا وأثيوبيا وارتيريا، وكل دول الإقليم وجل دول العالم، فقد صنفت السودان دولة إرهابية ومارقة، وترتب على ذلك عقوبات دولية لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية