قصف سوري هستيري لدرعا: ماذا يخبىءالصراع في الجنوب؟

قصف سوري هستيري لدرعا: ماذا يخبىءالصراع في الجنوب؟


06/09/2021

احتدمت المعارك العنيفة بين قوات النظام السوري، من جهة، والمعارضة المسلحة، في مدينة درعا، جنوب سوريا، من جهة أخرى، على خلفية تعثر لجان التفاوض في الوصول لاتفاق نهائي حول تسليم كامل السلاح، وإنهاء وجود المقاتلين والمسلحين المحليين، بالرغم من التهدئة التي تقودها روسيا، منذ بضعة أيام، والتي تهدف إلى استئناف المفاوضات بين اللجنة الأمنية، التابعة للنظام في دمشق، وممثلين عن وجهاء وأعيان المنطقة.

وتتضمن بنود الاتفاق الجديد بين الطرفين، برعاية موسكو، وقف إطلاق النار، ونقل المقاتلين من المعارضة المسلحة للشمال السوري، ثم إجراء تسويات للمطلوبين، بالإضافة إلى السماح للشرطة العسكرية الروسية الدخول لدرعا البلد.

مآلات فشل التفاوض في درعا

ولا تعدو المعارك في الجنوب السوري كونها أمراً جديداً أو مباغتاً؛ إذ إنّ المنطقة سبق وشهدت موجات متفاوتة من الصراع بين قوى وأطراف متباينة، بالرغم من نجاح موسكو في تجميد المعارك المسلحة والعسكرية، عام 2018، إثر اتفاق خفض التصعيد، غير أنّ المنطقة المتاخمة للأردن وإسرائيل تقع تحت وطأة الهدوء الحذر، طوال الوقت، كما تبعث الأوضاع الميدانية القلقة فيها بمخاوف جمة، وبخاصة ما يتصل بالتمدد الإيراني، ناهيك عن التنافس بين حلفاء "الأسد"، وتحديداً بين موسكو وطهران.

منتصف الشهر الماضي، حذر مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، غيير بيدرسون، من تنامي "الأعمال العدائية" في جنوب سوريا، وشدد، خلال اجتماع افتراضي من جنيف لمجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة للمساعدة الإنسانية، على ضرورة السماح بوصول "المساعدات الإنسانية بشكل فوري وآمن ودون عوائق إلى جميع المناطق والتجمعات المتضررة"، كما طالب بضرورة إنهاء "الوضع الشبيه بالحصار".

اقرأ أيضاً: روسيا تستهدف ميليشيا تابعة لتركيا في سوريا... ما القصة؟

وقال المبعوث الأممي" إنّ "تصاعد الأعمال العدائية، بما في ذلك القصف العنيف والاشتباكات البرية الكثيفة، أودى بحياة مدنيين وألحق أضراراً بالبنية التحتية المدنية"، لافتاً إلى أنّ "آلاف المدنيين اضطروا للفرار من درعا البلد. ويعاني المدنيون نقصاً حاداً في الوقود وغاز الطهو والماء والخبز، والمساعدة الطبية لمعالجة الجرحى نادرة الوجود. وهذا وضع مقلق".

ما مصير المسلحين المحليين بدرعا؟

بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإنّ قوات النظام والفصائل الموالية لها قامت بتنفيذ قصف "هستيري" بالصواريخ والأسلحة الثقيلة على أحياء درعا البلد، وأوضح المرصد، أمس (الأحد)، أنّ القصف، الذي تنفذه قوات الفرقة الرابعة والفصائل الموالية لها، جاء في أعقاب "خروج وفد من عشائر حوران من أحياء درعا البلد، بعد اجتماعه، مطلع الأسبوع، برفقة اللجنة المركزية بضباط روس وإجراء مفاوضات جديدة".

كشفت وكالة "سبوتنيك" الروسية، أنّ المقاتلين والمسلحين المحليين في درعا طالبوا بخروج جميع رافضي اتفاق درعا البلد وبإيصالهم إلى الأراضي التركية بشكل طوعي

وأفاد المرصد الحقوقي، ومقره لندن، أنّه بالرغم من المهلة التي منحها النظام للمسلحين للخروج، حتى عصر (الأحد)، لكن قواته قد نفذت تلك الهجمات المسلحة المباغتة والعنيفة، بينما كانت هناك "حافلات تنتظر حتى تدخل لمنطقة "الجمرك القديم" بغية نقل المسلحين الرافضين للتسوية إلى الشمال السوري".

وتعرضت أحياء درعا البلد المحاصرة للقصف بأكثر من 50 صاروخاً من نوع أرض  أرض، رغم التهدئة الروسية، نهاية الأسبوع الماضي، وقد جرى تدشين ثلاث نقاط أمنية مشتركة، بين الأمن العسكري واللواء الثامن التابع للفيلق الخامس، في أحياء درعا البلد.

وتابع المرصد السوري: "(الفرقة الرابعة) لقوات النظام أطلقت النار (السبت) على وفد عشائري قرب منطقة البحار بدرعا البلد، وعلى شخصيات من اللجنة المركزية في حوران، دون وقوع خسائر بشرية".

"الأسد" يفرض الحلول الأمنية

ثمة من يتهم أطرافاً دولية، ومنهم تركيا وقطر، تحاول عرقلة جهود التسوية، لجهة منع التوصل إلى أفق سياسي للحل، وصيغة نهائية السلام، الأمر الذي يترتب عليه تنامي الأعمال العسكرية في درعا، بحسب الناشط السياسي والحقوقي السوري مصطفى عبدي.

اقرأ أيضاً: المدنيون ضحايا العنف في عفرين السورية.. ما الجديد؟

ويضيف عبدي لـ"حفريات": "وهذا الأمر يبدو واضحاً من خلال وسائلهم الإعلامية التي تواصل بث الفتنة، وتضخيم وتشويه الأحداث. كما أنّ هذه الاطراف وقفت خلف الكثير من اتفاقيات التهجير، وساهمت في عمليات التغيير الديمغرافي بالمنطقة؛ إذ إنّها تواصل تهجير من تبقى من سكان درعا إلى المناطق التي تحتلها تركيا في شمال سوريا، وبالفعل وصلت مجموعتان، حتى الآن، بغية استخدامهم كورقة ابتزاز جديدة، أو حتى إعادة تعبئتهم وتجنيدهم كمرتزقة في الميلشيات المدعومة من أنقرة، كما فعلت مع الذين سبقوهم".

الناشط السياسي والحقوقي السوري مصطفى عبدي

كما أنّ النظام السوري ما يزال يعتقد أنّه قادر على فرض الحلول الأمنية والعسكرية التي يجدها مناسبة، من وجهة نظره، وفقاً للناشط السياسي والحقوقي السوري، بينما يرفض التحاور مع الممثلين الحقيقين للشعب، والذين يطرحون حلولاً واقعية وعملية، غير أنّ "الأسد" يفضل الحوار مع جهات محلية ترهن قراراها لدى قوى خارجية، مثل المجموعات المدعومة من إيران.

اقرأ أيضاً: كارثة إنسانية تهدد سوريا... هل تستخدم تركيا المياه سلاحاً؟

يتفق والرأي ذاته، مركز الإمارات للسياسات، والذي يرى أنّه لفهم الواقع الميداني المعقد في محافظتي الجنوب السوري (السويداء ودرعا)، يتوجب الإشارة إلى دور كل الأطراف، المحلية والأجنبية، التي ساهمت في تصعيد التوتر هناك؛ ففي السويداء، التي تتباين التوجهات والولاءات فيها من حيث التبعية للنظام السوري، في ظل مطالبة البعض بالالتزام فقط بحماية المنطقة ذات الطابع السكاني الدرزي، ثمة ما يدعى بـ "قوات الكرامة" وتشمل فصائل محلية رئيسية في المحافظة، مناهضة لحكومة دمشق، ويعمل وفق نهجها فصائل أخرى صغيرة.

الناشط السوري مصطفى عبدي لـ"حفريات": هناك أطراف تعرقل جهود التسوية، لجهة منع التوصل إلى أفق سياسي للحل، ما يترتب عليه تنامي الأعمال العسكرية في درعا

وفي المقابل هناك "قوات محلية أخرى في المحافظة ذاتها تعمل لمصلحة حكومة دمشق وتؤيدها، على رأسها "قوات الدفاع الوطني" والأخيرة تتلقى دعماً من النفوذ الإيراني في سوريا".

وتقتصر الأطراف المحلية في درعا ذات العلاقة المتوترة مع السويداء على فصيل "اللواء الثامن" التابع لـ "الفيلق الخامس"، والذي يندرج ضمن مرتبات قوات الجيش السوري النظامي، غير أنّه يتلقى دعماً روسياً مباشراً، وهو الفصيل الذي كانت عناصره وقيادته تتبع المعارضة المسلحة في درعا قبل أن توقع اتفاقاً للمصالحة برعاية روسية، في تموز (يوليو) عام 2018.

ويلفت مركز الإمارات إلى أنّ المنطقة الجنوبية من سوريا تحتل في العقل السياسي الإيراني "أهمية جيوإستراتيجية بالنسبة لمصالحها، وخط جبهة متقدم لأيّ مواجهة عسكرية محتملة مع إسرائيل، وفق ما تروج له ضمن مشروعها "المقاوم" المزعوم، وقد أقدمت، في فترة سابقة، على عمليات شراء واسعة للأراضي والممتلكات، وشاركت في الإشراف على معبر نصيب الحدودي مع الأردن، فضلاً عن إطلاقها حركة تشيع نشطة في مناطق عدة من الجنوب السوري".

ويردف المركز: "كما تحاول إيران إثبات تحديها للروس، رغم كل ما تعانيه من ضغوط؛ إذ تدرك روسيا أنّ بقاء الحضور الإيراني (المرفوض في سوريا) سيؤدي إلى تأخير مرحلة إعادة الإعمار، بل وسيسهم في تحجيم دور موسكو في الساحة السورية بالتوازي مع زيادة التوغل الإيراني داخلها".

وإلى ذلك، كشفت وكالة "سبوتنيك" الروسية، أنّ المقاتلين والمسلحين المحليين في درعا "طالبوا بخروج جميع رافضي اتفاق درعا البلد وبإيصالهم إلى الأراضي التركية بشكل طوعي"، كما أنّ "اللجنة الأمنية في المحافظة وافقت على طلبهم رغم نقض المسلحين للاتفاق".

بيد أنّ وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، أعلنت عن بدء تسليم أسلحة، وتسوية أوضاع عدد من مسلحي درعا البلد بمركز للتسوية في حي الأربعين بالمدينة، لافتة إلى أنّه "سيتم فتح عدة مراكز تسوية في حي درعا البلد لتسوية أوضاع المسلحين وتسليم السلاح للجيش السوري".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية