قضية اللاعب عمرو وردة: هل ما جرى تحرش أم عرض وطلب؟

التحرش

قضية اللاعب عمرو وردة: هل ما جرى تحرش أم عرض وطلب؟


30/06/2019

خلال السنوات الماضية حدث تحول تدريجي في وعي المصريين تجاه قضية "التحرش"، وأصبح من المقبول اجتماعياً كشف حالات الانتهاك الجنسي والتشهير بالمتحرش، ونشطت العديد من النسويات لربط "التحرش" وانتهاك حرية النساء في الحيز العام وأماكن العمل بالهيمنة الذكورية التي يسهر المجتمع على حمايتها.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن أول معاهدة دولية بشأن العنف والتحرش في العمل؟

إلا أنّ المسارات التي اتخذتها واقعة "عمرو وردة" فتحت النقاش حول شكل العلاقة بين الرجل والمرأة في مصر، ومتى تخرج هذه العلاقة من "العرض والطلب" إلى التحرش؛ خاصة أنّ اللاعب قدم اعتذاراً إلى الجهاز الفني للمنتخب وإلى جماهيره ولم يعتذر للعارضة المصرية أو المكسيكية.

 

وفي الوقت الذي أدان فيه العديد من النشطاء عمرو وردة على اعتبار أنه "متحرش" وأنه استغل "اختلال ميزان القوة لصالحه كلاعب مشهور ضد ضحاياه" ظهرت بعض الأصوات الخافتة التي تطالب بـ"تعريف التحرش" حتى لا يتحول الموضوع إلى محض نصرة للهوية النسائية والتحزب لها؛ خصوصاً أنه لا يوجد أي استخدام لـ "فرق القوة" بين الطرفين.

ولفت مراقب (رفض ذكر اسمه، نظراً للتشنج الحاصل حول المسألة، حسب قوله) لـ"حفريات" إلى أنه ليس هناك أي وسيلة للتأكد مما إذا كانت "المحادثة الجنسية" هي الأولى بين اللاعب والعارضة؟ وماذا سبقها وماذا تلاها؟ مشيراً إلى أنّ العارضة قالت في المحادثة "أنا لا أستطيع، وليس لا أريد" و"أنا لست وحدي، وليس أنا أرفض مبدئياً" وبالتالي يمكن أن تكون هناك علاقة افتراضية قديمة بين الطرفين.

اقرأ أيضاً: كيف وحّدت حملة "مين الفلتان" اللبنانيات على مواجهة التحرش؟

وأشار إلى أنّ قضية التحرش الإلكتروني مشكوك فيها طالما أنّ جميع الأطراف قادرون بشكل متساوٍ على استخدام خيار "البلوك" (حذف الطرف الآخر) لافتاً إلى أنّ كون عمرو وردة له تاريخ قديم بالتحرش في اليونان والبرتغال لا يعني تلقائياً أنه تحرش في هذا الموقف بالذات.

وأكد أنّ الانشغال بهذه القضايا المطاطة غير الواضحة وجعلها قضايا الرأي العام يسيء لضحايا التحرش الحقيقيين؛ ففي البطولة نفسها تعرضت "فتيات مغربيات" للتحرش أمام الملعب ولم يعبأ أحد بهن، وهن غريبات وضعيفات ولا يستطعن فعل شيء أمام قطيع من الذكور.

وشدد على ضرورة تناسب العقوبة مع الفعل، متسائلاً: هل أنزل وردة أذى بالفتاة المكسيكية أو المصرية يساوي إنهاء مستقبله المهني؟ مضيفاً "هذا من أبسط قواعد العدالة منذ ما قبل حمورابي؛ وحتى في أقسى الأنظمة القانونية هنالك تقدير لحجم الفعل، وبعد قضاء العقوبة يسمح للفرد بالعودة للمجتمع، أما إنزال الحرمان الأزلي على شخص نتيجة لفعل، فهو عقوبة غير متناسبة، وتدل على انعدام تام للمنظور الأخلاقي والقانوني لحساب تحزب أيديولوجي لهوية نسوية مفترضة، وبالتالي يصبح أي رأي آخر جريمة".

اقرأ أيضاً: الظهور العلنيّ للنساء.. جدل الحداثة والطبقة والتحرش!

وشغل اللاعب عمرو وردة، لاعب نادي "أتروميتوس" اليوناني وخط وسط المنتخب الوطني، حديث الرأي العام في مصر، بعدما قامت عارضة الأزياء الأمريكية من أصل مصري "مريهان كيللر"، عبر حسابها على "انستجرام" باتهام وردة وزملائه في المنتخب المصري ومحمود حمدي "الونش" واتهمتهم بتركهم الاستعدادات لبطولة الأمم الإفريقية (مصر 2019) والتفرغ لمشاهدتها وإرسال رسائل لها.  ونشرت كيللر فيديو يثبت ما حدث واستبعدت أن يكون الأمر صدفه لأنه تم مشاهده "ستوري" لها بنفس اللحظة من قبل لاعبين آخرين بمعسكر المنتخب وهما: أيمن أشرف وأحمد حسن "كوكا".

وعقب نشر الفيديو انقسم رواد موقع التواصل الاجتماعي حول الواقعة؛ واتهم البعض العارضة بالرغبة في "الشهرة" على حساب لاعبي المنتخب، فيما أدان الآخرون وردة وطالبوا باستبعاده من قائمة المنتخب الوطني، خصوصاً أنّ الواقعة، كما ذكروا، لم تكن الأولى لوردة الذي تم استبعاده من منتخب الشباب في بطولة تونس 2013 بسبب اتهامه بالتحرش بفتاة فرنسية أثناء معسكر المنتخب هناك، وفي 2017 تم فسخ عقده في ناديه بالبرتغال بسبب تحرشه بزوجات لاعبين بالفريق.

اتحاد الكرة المصري أعلن، الجمعة، تخفيض عقوبة إيقاف وردة واستبعاده من معسكر الفراعنة لتستمر حتى نهاية الدور الأول فقط

وخلال الأزمة أعلنت الفتاة تلقيها تهديدات من وردة، وهو ما نفاه مدير المنتخب إيهاب لهيطة مؤكداً أنّ الفتاة لم تقدم أي دليل على مزاعمها، وهو ما وضع اللاعب في موقف محرج أمام جماهير المنتخب.
وقبل أن تهدأ العاصفة، نشرت عارضة الأزياء المكسيكية "جيوفانا فال" على موقع التدوين "تويتر" مقطع فيديو يتضمن محادثات جنسية معها، ولاقى الفيديو رواجاً بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي؛ وعلى إثره قرر الاتحاد المصري لكرة القدم برئاسة هاني أبو ريدة، استبعاد اللاعب من معسكر المنتخب قبل مواجهة المنتخب الوطني مع منتخب الكونغو، والتي انتهت بهدفين لصالح مصر.

اقرأ أيضاً: هذه الدول سنّت قوانين تعاقب المتحرشين
وفي وقت لاحق، أعلن اتحاد الكرة المصري، الجمعة، تخفيض عقوبة إيقاف عمرو وردة واستبعاده من معسكر الفراعنة لتستمر حتى نهاية الدور الأول فقط.

نشرت عارضة الأزياء المكسيكية "جيوفانا فال" مقطع فيديو يتضمن محادثات جنسية معها

وفي سياق موازٍ، شكرت عارضة الأزياء المكسيكية "جيوفانا فال" مواطنها خافيير أغيري المدير الفني للمنتخب المصري، بعد استبعاد اللاعب عمرو وردة من منتخب بلاده، وقالت عبر حسابها الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "خافيير أغيري شكراً، لأنك لم تخذلني".
لكنّ فال انتقدت قرار العفو، بعد صدوره، وكتبت عبر حسابها الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي" تويتر": "الوقت لا يمحو أنه قد ضايق العديد من النساء وسيستمر في فعل ذلك لأنه يعلم أنه لن يعاقب".

اقرأ أيضاً: هل نفهم التحرش فعلاً؟
وفي سياق الجدل الذي سبق قرار العفو، تقدم أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية، ببلاغ إلى النائب العام، ضد وردة، يتهمه فيه بـ"الظهور في صورة مشينة تضر بسمعة جيله في منتخب مصر من خلال أحد الفيديوهات الجنسية".
وفي موازاة ذلك، استغل اللاعب أحمد المحمدي، قائد المنتخب الوطني، إحرازه الهدف الأول في مباراة مصر والكونغو، في رفع القميص رقم 22 الخاص بعمرو وردة، في إشارة إلى دعمه لزميله في مواجهة قرار الاستبعاد، وهو ما أثار جدلاً عاصفاً على مواقع "السوشيال ميديا" بين مؤيد ومعترض.

تغريدة اللاعب محمد صلاح حول القضية

إلى ذلك كتب نجم نادي ليفربول الإنجليزي ولاعب المنتخب المصري محمد صلاح بالإنجليزية عبر حسابه على "تويتر": "يحب التعامل مع النساء بأقصى احترام"، مضيفاً: "لكنني أؤمن أيضاً بأن العديد ممن يرتكبون الأخطاء قادرون على التحسن نحو الأفضل ولا يجب أن يتم إرسالهم مباشرة إلى المقصلة"، الأمر الذي تسبب في حملة هجومية على اللاعب الدولي.

وبحسب الموقع الرياضي المصري "في الجول" فإنّ لاعبي منتخب مصر طلبوا الاجتماع بالجهاز الفني ورئيس الاتحاد أبو ريدة، الخميس، للمطالبة بإعادة النظر في قرار استبعاد وردة من قائمة المنتخب؛ حرصاً على مستقبله المهني.

فهم الظاهرة
وحول ظاهرة التحرش وأهمية فهمها، قال الباحث المصري مجدي عبد الهادي لـ "حفريات" إنّ مشكلة التحرش مُلحة في مصر لكنها تأخذ حيزاً من القدر النفساني لدى النشطاء على حساب قضايا أخرى لا يريدون التطرق إليها، فيصبح من السهل مواجهة التحرش على أنه ظاهرة بدلاً من نتاج لأسباب أخرى تمس مجتمعات عربية وغير عربية؛ فيصبح الطرح بخصوص مشكلة التحرش على أنه إرث وهاجس عقيم للرجل المصري، أو العربي، دون حصر القضية في عناصر مثل التمدن أو الطبقية أو قمع النظام، وإن كانت الدولة تستخدم هذا الطرح أيضاً لكي تتنصل من القضية.

محمد صلاح متضامناً مع وردة: العديد ممن يرتكبون الأخطاء قادرون على التحسن نحو الأفضل ولا يجب إرسالهم إلى المقصلة

وأضاف عبد الهادي أنه من السذاجة تبني طرح يقول إنّ الذكورية شيءٌ متفشٍ وثقافي ووجوده دليل على أزمة الموضوع وثقافة عقيمة لدى المجتمع العربي والمصري، هذا طرح مفلس في رأيي؛ فليس هناك من يقول إنّ نتيجة معدلات الاغتصاب دون حساب في الجيش الأمريكي أو في حرم الجامعات الأمريكية مشكلة "أمريكية" و"ٌقضية" بل على العكس تنصب أمريكا نفسها على أنها تصون حقوق المرأة حول العالم.

وأكد الباحث أنّ الخطاب الذي يصنف التحرش كجريمة، وهو الخطاب الليبرالي، متناقض ذاتياً بعدم وضعه معايير محددة لها مثل أي جريمة أخرى، وباستخدامه عملياً لأساليب شعبوية غير قانونية، مثل "الوصم" و"التجريس" (التشهير) وما شابه، إلى درجة أنه أصبح هناك اكتفاء بتجريس "السوشيال ميديا"، ولو بدون أدلة، وعدم اللجوء إلى القضاء والمطالبة بعقوبات على أساس هذا التجريس الذي لم تسنده أدلة تم تمحيصها؛ لأن أي دليل لا بد من فحصه من جهة قانونية وفنية لحسم صحته وصلاحيته من عدمها، ولإعطاء المتهم فرصة الدفاع عن نفسه، بالذات مع التباسات المفاهيم حول التحرش صريح والعنف في العلاقة؛ للوصول إلى توصيف دقيق للجريمة وبالتالي العقوبة.

ولفت عبد الهادي إلى "تناقض الآليات الشعبوية مع المنطق الليبرالي القانوني لجريمة التحرش، فبدلاً من عقوبات محددة سلفاً، بغض النظر عن وضع مرتكب التحرش المهني، نجد عقوبات مهنية لم يقرها قانون ولا دستور، بل فقط خضوع من المؤسسات للشعبوية النسوية" مضيفاً "بالطبع ليس منطقياً أن كل الجرائم لا تنهي المستقبل المهني للمواطن، بينما التحرش وحده كفيل بذلك؛ الموضوع إذاً أخلاقي وانتقامي أكثر منه قانوني لتقليص الجرم واستعادة الحقوق".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية