"قطار الخليج": هل يوحّد الاقتصاد ما فرّقته السياسة؟

"قطار الخليج": هل يوحّد الاقتصاد ما فرّقته السياسة؟


كاتب ومترجم جزائري
29/12/2021

ترجمة: مدني قصري

"المنطقة كلّها ستتّحد وتتعاون معاً لتشكيل مجلس تعاون خليجي واحد. سيكون خط سكة الحديد نافعاً ومفيداً ومثمراً للجميع"، هكذا قال مبتهجاً عمر هيثم أبو عائشة، شاب سعودي يعمل في مجال الاتصالات. يُذكر أنّ شبكة السكك الحديدية للركاب والشّحن، التي ما تزال، حتى يومنا هذا، مشروع لامع تُخطّط للتعرج بين السهول الصحراوية الرتيبة لشبه الجزيرة العربية، من أقصى شمال دول الخليج إلى سلطنة عُمان على ساحل المحيط الهندي، ويربط الخطّ في طريقه المملكة العربية السعودية والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة. على عكس الظواهر، ليس "قطار الخليج" مشروعاً إقليمياً، لكنّه تجمّعٌ للبنية التحتية للسكك الحديدية الوطنية. في دولة الإمارات العربية المتحدة هناك أوّل جزء جنوب- شمال ناجز بطول 264 كم، ينقل بالفعل الكبريت إلى ميناء الرويس. وفي هذا السياق أعلنت شركة الاتحاد للقطارات عن إحراز تقدّم في بناء الخطّ الشرقي الغربي لربط ميناء الفجيرة بالغويفات على الحدود السعودية، حيث يتمّ ربط شبكة الإمارات بخطوط شركة السكك الحديدية السعودية.

إلى جانب الرسالة المهمّة بأنّ إطلاق شبكة سكك حديدية بين دول الخليج سوف يصبح رمزاً لها، فإنّ المشروع، قبل كلّ شيء، فرصة "محورية" لبعض دول الخليج

توحيد البنى التحتية الوطنية أمرٌ لا يخلو من كمٍّ من التحديات. في هذا السياق يتذكّر أوليفييه لو بير، مدير النقل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى البنك الدولي: "لقد قدّمنا ​​المشورة بشكل أساسي بشأن التنسيق الفني بهدف اعتماد ممارسات مشتركة بين البلدان الستّ، على سبيل المثال اختيار نظام الإشارات نفسه لتجنّب تغيير القاطرة على الحدود". بتكليف من الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي (GCC)، حتى كانون الأول (ديسمبر) 2016، للمساعدة في تصميم المشروع أوصت المنظمة الدولية بإسناد العملية إلى مُشغّل سكك حديدية واحد بدلاً من ستة كيانات مستقلة.

عُمان تترصد الفرص

إلى جانب الرسالة المهمّة للاتحاد الاقتصادي الإقليمي التي مفادها أنّ إطلاق شبكة سكك حديدية بين دول الخليج سوف يصبح رمزاً لها، فإنّ المشروع، قبل كلّ شيء، فرصة "محورية" لبعض دول الخليج، خاصة سلطنة عُمان، بحسب تحليل محمود الوهيبي، وهو مخطِّط عمراني عُماني مشارك فاعل في وضع خطة التنمية للبلد، آفاق 2040. إنّ تسهيل حركة الشحن عبر شبه الجزيرة العربية سيعزّز بالفعل ظهور محاور بديلة لاستيراد البضائع التي تهدف إلى خدمة سوق إقليمي يضمّ حوالي 60 مليون نسمة، وللتصدير اليومي لملايين البراميل من الذهب الأسود إلى آسيا.

إقرأ أيضاً: انطلاق المفاوضات بشأن اتفاق للتجارة الحرة بين دول الخليج وبريطانيا

وبحسب محمود الوهيبي؛ فإنّ إنشاء سكة حديد إقليمية "سيغيّر الديناميكيات اللوجستية للمنطقة"، وسيرقَى بالموانئ العُمانية المفتوحة على المحيط الهندي إلى مرتبة بوّابة أسواق الخليج. تتميز موانئ السلطنة، مثل الموانئ السعودية الواقعة على ساحل البحر الأحمر بكونها تقع خارج مضيق هرمز. الممرّ المائي الضيق يربط الاقتصاد العالمي بميناء جبل علي الإماراتي، الميناء العالمي الحادي عشر والمركز اللوجستي الحالي للخليج.

كَلّفت عملية إعادةُ الصادرات بين دبي ودول الخليج حوالي نصف إجمالي التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي، عام 2017، لكنّ الحرس الثوري الإيراني يهدّد بانتظام بإغلاق هذا الممرّ البحري الإستراتيجي لزعزعة استقرار أسواق الطاقة العالمية. يدفع هذا الظلّ الذي يلوّح في الأفق إلى رفع رسوم التأمين المفروضة على السفن المُبحرة نحو ميناء جبل علي، والتي تقدّر مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي للإمارة في دبي بنسبة 24٪، بعد هجوم تموز (يونيو) 2019 على ناقلتَي نفط تحملان بتروكيماويات قبالة الإمارات العربية المتحدة زادت تكلفة تأمين كلّ ناقلة نفط في المضيق عشرة أضعاف.

وقّعت شركة أمريكية مذكرة تفاهم، عام 2020، مع جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي (MBZUAI) للتعاون في فكرة جعل الإمارات العربية المتحدة مركزاً لتطوير تقنية "هايبرلوب" 

ومع ذلك، على الرغم من فرصة تعزيز موقعها في قلب الطرق البحرية في العالم وترقية نفسها كبوابة على  الخليج فقد اعترفت عُمان، عام 2016، بتعليق الدراسات الجارية لبناء خطّ السكة الحديدية، البالغ طوله 2135 كيلومتراً، والمخصّص لربط موانئ صلالة والدقم وصحار بدولة الإمارات العربية المتحدة المجاورة وسوقها الذي يضمّ ما يقرب من 10 ملايين مستهلك. ولم يُلغَ المشروع بل "تأخر فقط"، على حدّ تعبير محمد الشعيلي، مسؤول الاتصال بوزارة النقل، والذي أضاف: "لأنّ دول الخليج الأخرى قرّرت وقف العمل في المشروع"، وتجدر الإشارة إلى أنّ افتتاح أوّل طريق عابر للحدود يربط بين عُمان والمملكة العربية السعودية، في تشرين الأول (ديسمبر) 2021، ينبئ بتسريع عملية نقل البضائع على هذا المحور، مما يعزز في الواقع الأهمية الإستراتيجية للموانئ العُمانية.

إنّ الطبيعة التعاونية للمشروع تجعله عرضة للتأثر سلباً بشكل خاص بالقرارات الوطنية وخفض الميزانيات المقرّرة استجابةً لانفجار العجز العام في دول الخليج في أعقاب انخفاض أسعار النفط في 2014-2016. وساهمت الأزمة الاقتصادية الناتجة عن جائحة "كوفيد -19" العالمية في إضعاف الماليات العامة للدول الأكثر ضعفاً اقتصادياً.

إقرأ أيضاً: "قمة الرياض": أمن دول الخليج لا يتجزأ... لكن ماذا عن قطر؟

وبحسب محللين، يبدو أنّ أفق إنشاء شبكة سكك حديدية واحدة لدمج الدول الست في دول مجلس التعاون الخليجي غير مؤكد"، كما يحلّل كريستيان كوتس أولريتشسن. وفقاً لهذا الباحث، المتخصص في قضايا الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس، في هيوستن بالولايات المتحدة، يمكن مع ذلك أن ترى النور أجزاءٌ معيّنة من "قطار الخليج"، على أساس مصالح اقتصادية نوعية محدّدة.

أمام هذه المعاينة يشير أوليفييه لو بير إلى لاعقلانية بعض الأجزاء التي ليس فيها ترابط إقليمي. ويعلّق في إشارة إلى الجوانب الفنية: "لا يكون جزء خطّ السكك الحديدية في قطر منطقياً إلا إذا كان متصلاً بالشبكة السعودية". أكثر من أيّ مشروع عملاق آخر قيد التطوير في المنطقة يتطلب خطّ سكة حديد دول مجلس التعاون الخليجي رؤية مشتركة.

هناك أيضاً الأهمية المتزايدة التي توليها دول الخليج لقضية المناخ هي التي تمنح بوادر أمل لانفجار اتحاد يتجاوز خطوط الصدع. قبل مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين لتغير المناخ (COP26) الذي عقد في إنجلترا في خريف عام 2021 التزمت دولة الإمارات العربية المتحدة بتحقيق حياد الكربون بحلول عام 2050. وتبعتها المملكة العربية السعودية والبحرين بهدف مماثل لعام 2060، حيث تلتزمان فعلياً بوضع حلول في العقود القادمة لتقليل أو تعويض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO2). وهذا سياق يستعيد فيه القطار الخليجي اهتمام صنّاع القرار الخليجيين. في الواقع إذا كانت القاطرات الإماراتية تعمل حالياً بالديزل فهي مجهزة تقنياً للعمل بالكهرباء عندما يحين الوقت، وترى شركة الاتحاد للقطارات أنّ شبكة السكك الحديدية على شواطئ الخليج العربي تساعد في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في النقل من  70 إلى 80٪، مقارنة بالسلاسل الحالية من الشاحنات الملوثة التي تسير على الطرق السريعة. "قطار الخليج" هو ناقل محتمل لتقليل "البصمة الكربونية لمجموعة CCG"، يضيف أوليفييه لو بير. وقدرت دراسة جدوى أجرتها أمانة مجلس التعاون الخليجي عام 2009؛ أنّ خط السكك الحديدية داخل "CCG" يمكن أن ينقل 29 مليون طن من البضائع سنوياً ("ازدهار السكك الحديدية في دول مجلس التعاون الخليجي لتوسيع طرق التجارة" «GCC rail boom to widen trade routes»، "عرب نيوز"، تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، أو ما يقرب من نصف البضائع المنقولة عبر حدود دول مجلس التعاون الخليجي الست.

إقرأ أيضا: بلدانُ آسيا الوسطى في عصر دولة طالبان

وفيما وراء جعل نقل البضائع أنظف؛ فإنّ السكك الحديدية الإقليمية تهدف أيضاً إلى خدمة حركة الركاب، بالتالي، تسهيل حركة نقل ملاءمة للبيئة في منطقة تحتكر فيها السيارة الخاصة والنقل الجوي فعلياً التنقلات عبر الحدود. اللهم إلا إذا حلّ مشروع إطلاق خطة "Virgin Hyperloop" لمركبات ذات الرفع المغناطيسي محلّ مشروع القطار التقليدي، الذي ظلّ قيد الدراسة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، وقّعت الشركة الأمريكية الناشئة مذكرة تفاهم، عام 2020، مع جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي (MBZUAI) للتعاون في فكرة جعل الإمارات العربية المتحدة مركزاً لتطوير تقنية "هايبرلوب"  "hyperloop"؛ فهل ستكون الجاذبية نحو التقنيات المستقبلية والحاجة إلى إعادة ابتكار نماذجها المجتمعية عالية التمرين هي المحرك الذي سيدفع لتجاوز الانقسامات السياسية؟

الهامش

الهايبرلوب (Hyperloop):  نظام نقل عالي السرعة، وهو عبارة عن دمج أنابيب منخفضة الضغط خالية من الهواء تربط بين محطتين. وداخل هذا الأنبوب كبسولات ركاب تندفع بسرعات عالية على وسادة هوائية مضغوطة، ولا تحتك بجدران الأنبوب بفعل حقل مغناطيسي يولّده مُحرِّك كهربائي يستمد قوته من الطاقة الشمسية.

تستطيع كلّ كبسولة حمل نحو 20 راكباً، ويمكن إطلاق كبسولة للركاب كل 30 ثانية في الخط الواحد دون أيّة مشكلة أو خطر لاصطدام الكبسولات ببعضها أو خروجها عن المسار، كما توجد مسافة آمنة بين كل كبسولة والأخرى تبلغ خمسة أميال.

سرعة "الهايبرلوب" تفوق سرعة الصوت، وتسير بسرعة 1220 كم في الساعة، أي أنّها تستطيع أن تقطع المسافة ما بين نيويورك بالولايات المتحدة والعاصمة الصينية بكين في ساعتين، وبين لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو في 35 دقيقة، بمتوسط سرعة 962 كم/ ساعة).

لا يتأثر الهايبرلوب بالأحوال الجوية أو بحالة الطقس، حيث ستكون الكبسولات في مأمن من الرياح والجليد والضباب والمطر داخل أنابيب النقل، وهو ما يوفر سلامة أكبر للركاب مقارنة بوسائل النقل الأخرى.

ولا يتأثر الهايبرلوب بانقطاع التيار الكهربائي؛ فكلّ كبسولة تحمل اثنين أو أكثر من بطاريات الليثيوم آيون، وهو ما يضمن وصول الكبسولة لوجهتها. كلفة صناعة الـ "هايبرلوب" أقلّ بكثير من تكلفة صناعة قطار سريع عادي.

مصدر الترجمة عن الفرنسية (بتصرّف)

orientxxi.info/magazine

https://orientxxi.info/magazine/le-train-du-golfe-une-voie-semee-d-embuches,5241

الصفحة الرئيسية