قمة "الاعتدال" العربية تجدد موقفها المعلن من القدس.. وماذا بعد؟

القمة العربية

قمة "الاعتدال" العربية تجدد موقفها المعلن من القدس.. وماذا بعد؟


16/04/2018

على وقع الضربة الصاروخية التي نفّذتها أمريكا بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا، على سوريا، وغياب النظام العربي الرسمي عنها، مقابل حضور فاعل في غرف القرار الدولية لكل من تركيا وإيران، والمخططات الأمريكية لإنهاء القضية الفلسطينية، في إطار ما بات يعرف بـ"صفقة القرن"، وجوهرها السلام الاقتصادي والقدس عاصمة لإسرائيل و"شطب" قضية عودة اللاجئين، انعقدت القمة العربية في السعودية أمس تحت عنوانين، شكّلا قاسماً مشتركاً في كلمات الملوك والرؤساء العرب وهما: القضية الفلسطينية والتأكيد على حل الدولتين ورفض قرار الرئيس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ورفض التدخلات إلايرانية والتركية في الدول العربية، بسوريا والعراق واليمن ولبنان، بما في ذلك إقامة قواعد عسكرية،  وهو ما يشكل اعترافاً رسمياً عربياً بأنّ الأمن القومي العربي مخترق، والإجماع على ضرورة استعادته.

القمة عكست موازين القوى العربية ومراكز ثقل القرار ممثلاً بالسعودية ومصر؛ اللتين حددتا مسبقاً أنّها قمة دول الاعتدال العربي

الإجماع العربي بالتركيز على القضية الفلسطينية، واتخاذ موقف "معلن" برفض الخطة الأمريكية وما ستفضي إليه "صفقة القرن" الأمريكية، ربما كان محاولة للتغطية على "الغياب" العربي عن التعامل مع القضية السورية والتأثير فيها، فيما بدت بعض المسائل قضايا هامشية أمام تحديات الأمن القومي العربي وانهيار المبادئ الأساسية لهذا الأمن، كقضية خلاف قطر مع جيرانها الخليجيين ومصر، بعد مضيّ ما يقارب العام على أزمتها، واختزال مفهوم الضربة الأمريكية الأوروبية لسوريا بأنّها جاءت على خلفية استخدام النظام للكيماوي ضد شعبه.

القمة عكست موازين القوى العربية، ومراكز ثقل القرار العربي، ممثلاً بالسعودية ومصر؛ اللتين حددتا مسبقاً مسارات القمة، وأنّها قمة دول الاعتدال العربي؛ حيث غابت طروحات ومقاربات الممانعة العربية التاريخية ممثلة بسوريا والعراق وقطر والجزائر وليبيا الجريحة، دون أن يغيب خطابها تجاه فلسطين، وكان واضحاً أنّها ستذهب باتجاه التركيز على القضية الفلسطينية، وإرسال رسالة لكل من إيران وتركيا "اللتين تقفان في محور مضاد لكل من الرياض والقاهرة وابوظبي"، بضرورة وقف التدخل في الشؤون العربية، وهو ما تم التعبير عنه في البيان الختامي للقمة؛ حيث تقاسمت القضية الفلسطينية، والتدخلات الإيرانية والتركية في الدول العربية قراراته وتوصياته التسع والعشرين، وتجلّى ذلك بإطلاق اسم القدس على هذه القمة، والتبرع السعودي للقدس ومنظمة الأونروا المعنية باللاجئين الفلسطينيين، لإدامة قضية العودة التي تلغيها مضامين "صفقة القرن"، فيما لم يأتِ البيان الختامي على ذكر دولة قطر من قريب أو بعيد، في إشارة واضحة إلى أنّ ما يشغل النظام العربي الرسمي قضايا أكثر أهمية من خلاف قطر مع جيرانها، وركّز البيان على قضايا تدخل إيران في اليمن ودعمها الحوثيين وتهديد أمن السعودية، ومرّ بعبارات برتوكولية على أزمات السودان وليبيا والعراق.

القمة نجحت في تحديد أولويات العرب المستقبلية بقضيتي فلسطين من جهة، ومواجهة التهديد الإيراني من جهة أخرى، في ظلّ إدراك بانتصار المقاربة التي تقول إنّه لا يمكن الذهاب في مشروع مواجهة إيران دون إنجاز حل عادل للقضية الفلسطينية، وأن إنجاز هذا الحل، سينعكس أيضاً على جهود مواجهة الإرهاب، ومع ذلك فإنّ مضامين قرارات القمة وتوصياتها ستبقى مجرد قرارات، وخاصة ما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية، ما لم تُترجَم على أرض الواقع، خاصة وأنّ الرئيس الأمريكي يخطط لحضور حفل افتتاح مقر السفارة الأمريكية في القدس في الخامس عشر من أيار (مايو) المقبل، في ظلّ انحياز لا يخفيه مع أقطاب إدارته الجديدة لإسرائيل، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول حدود جدية الموقف العربي الرسمي بمواجهة مخططات "صفقة القرن"، خاصة بعد التصريحات العربية، التي فُهم منها استعداد جهات عربية للتعاطي والتفاعل مع هذه الصفقة، كما هي مطروحة من قبل "كوشنير"، غير أنّ هذا القرار حدّد بالنهاية سقفاً وخطوطاً حمراء للنظام العربي أمام الشعوب العربية، حول الحد الذي يمكن أن يقبل به.

نجحت القمة في تحديد أولويات العرب المستقبلية بقضيتي فلسطين من جهة، ومواجهة التهديد الإيراني من جهة أخرى

لم يكن مستغرباً أن تتخذ القمة العربية قرارات ضد التدخل الإيراني والتركي في الدول العربية، لكن قرار القمة الخاص بالقضية الفلسطينية، وتأكيده على القرارات الدولية ومبادرة السلام العربية، بما فيها الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية في القدس، كان لافتاً ويعكس واقعية سياسية في القرار العربي، غابت عنها مفردات التخوين والعمالة والخطابات النارية، قياساً لقمم عربية سابقة، عنوان هذه الواقعية التأكيد مجدداً على قبول العرب بالسلام مع إسرائيل وفق مبدأ الأرض مقابل السلام، وليس السلام مقابل السلام، كما تطرح إسرائيل، وهوما ينبئ بهجوم دبلوماسي عربي، مؤكد أنّه سيسهم في إنتاج ضغوط على أمريكا تدفعها لإعادة النظر في "صفقة القرن" وتعديلها، خاصة وأنّ القوى الدولية الفاعلة "روسيا والصين والاتحاد الأوروبي"، إضافة إلى بريطانيا، ترفض الحلول التي تقدمها تلك الصفقة، بينما تؤيد أوروبا التوجهات الأمريكية الخاصة بإجراء تعديلات على الصفقة النووية مع إيران، والتي يرجح أن يتم الإعلان عن الموقف الأمريكي منها، خلال الشهر المقبل، والواضح أنّ القمة العربية مع قرارات الرئيس ترامب بممارسة المزيد من الضغوط على إيران.

*كاتب أردني وخبير بالأمن الإستراتيجي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية