قنبلة غول في حضن أردوغان تفجر الطريق لـ2023

قنبلة غول في حضن أردوغان تفجر الطريق لـ2023


27/06/2019

نتذكر تماماً كيف انفصل الرجلان، عبدالله غول الاقتصادي والسياسي والرئيس الحادي عشر للجمهورية التركية، ورجب طيب أردوغان، الرئيس الثاني عشر للجمهورية، لم يكونا حليفين؛ بل كانا شريكين في الفكر والحزب والسياسة والطموح أيضاً، حتى قفز أردوغان إلى الرئاسة، مستبعداً عبدالله غول من الماراثون الأردوغاني الطويل.

اقرأ أيضاً: تداعيات خسارة أردوغان في إسطنبول.. كيف نقرأ الحدث؟

بقي غول صامتاً مدة طويلة حتى انتهى به المطاف إلى الحائط، فلم يقبل أن يكون "دمية"، أو مجرد قلم يدون إملاءات أردوغان، ولا خاتماً رسمياً يمهر به قرارات أردوغان في الاستحواذ على السلطة، وذلك عبر تمرير تعديلات دستورية تنقل البلاد من "الشكل البرلماني" إلى "الشكل الرئاسي" الذي ينصب أردوغان سلطاناً مدى الحياة، لكن غول كان أكبر من حسابات أردوغان، وأكبر من توقعاته، لقد قال كلمته ومضى "كي أتولى المنصب -يقصد منصب رئيس الوزراء حين عرض عليه في 2014-  يجب أن أمارس صلاحيات رئيس الوزراء كاملة غير منقوصة"، وهذا ما لا يوافق هوى أردوغان.

يعتبر غول حزب العدالة والتنمية بيتاً قديماً أصابه عطب كثير لا يصلح معه الترميم والخير في بناء بيت جديد

كان غول ساخطاً فعلاً، وإن بدا طيلة فترات سابقة صامتاً، كان يقرأ الطريق بحذافيره ويعرف كيف يفكر أردوغان، وأنّه حين رفض بشكل قاطع أن يكون "حجر شطرنج" في لعبة أردوغان السياسية، كان يدرك أنّ القطيعة التي تتشكل بينهما حاسمة ولها ما بعدها.

انتقد غول أشياء كثيرة في أردوغان، ليست دكتاتوريته فحسب، بل قناعاته وممارساتها وتطبيقاتها أيضاً، لم يكن راضياً عن قرار إعادة انتخابات إسطنبول، وأثبتت الإعادة أنّه كان على صواب، وأخطأ أردوغان، لكن الأخير كالعادة، أعاد إنتاج الموقف بما يشبه الروح الرياضية، يبارك لخصمه علانية ويلعن في العتمة الحظ، فإسطنبول ليست سهلة، ولا مدينة في الهوامش السياسية لخريطته الانتخابية، إنها معقل رئيس وكبير، لكنه في المحصلة خسرها.

عاد عبدالله غول من جديد، وكأنّه خرج أمام أردوغان مثل الرصد، أو سيبدو هاجساً ووسواساً قهرياً، خاصة وأنّه يجمع الحلفاء القدماء الخصوم الهادئين الحاليين لـ"أردوغان"، ويعيد إنتاج اللعبة التركية من جديد.

اقرأ أيضاً: إسطنبول "تصفع" أردوغان

بالنسبة لعبدالله غول فإنّ حزب "العدالة والتنمية" بيت قديم، أصابه عطب كثير، جدران متهالكة، وسطح لا يمسك ماءً، ينز على رؤوس ساكنيه، لا يصلح معه الترميم والإصلاح، والخير في بناء بيت جديد، إنّه الحزب الجديد إذن، يرشح له وزيراً كبيراً ونائباً لرئيس الوزراء سابقاً أيضاً ومن أتباع أردوغان "علي بابان".

ليس هو فحسب، بل من المحتمل أن يلحق بركب غول عقل أردوغان الاستراتيجي السابق، ووزير الخارجية السابق ورئيس الوزراء السابق "أحمد داود أوغلو"، الذي صرح بأنّه أعطى فرصة جيدة لأردوغان وحزبه كي لا ينحاز لغيره، لكن أردوغان فعلها، كما فعل ذلك بكثير من العقول الاستراتيجية التركية، التي أجبرها على الصمت، لكن دائماً هنالك نهاية للصمت، فالصوت كلما كان محبوساً أكثر خرج كما لو أنّه قنبلة، وحتماً فإنّ خبراً من نوع تشكيل حزب جديد في تركيا يعد قنبلة في حضن أردوغان الذي ظنه طويلاً حضناً دافئاً.

اقرأ أيضاً: هكذا خسر أردوغان إسطنبول مرتين

تركيا اليوم لن تكون هي تركيا نفسها ما بعد نيسان (أبريل) المقبل، بعيد الانتخابات المحلية في آذار (مارس) 2020، ولن تكون كذلك هي نفسها في موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2030، ما لم تحدث مفاجأة من مفاجآت أردوغان، مثل أن يطيح بهؤلاء الخصوم الذين أصبحوا خصوماً علنيين، فقد سبق وأن نصح الرئيس المصري الراحل محمد مرسي بأن الإطاحة بالخصوم هي أول طريق النجاح في السلطة، وليس ببعيد أن يطبق ذلك، ولن تنقصه الأسباب، فالأسباب أيضاً صناعة، في عالم تحكمه الصناعة، من صناعة الأعداء إلى صناعة السياسة إلى صناعة السلطة إلى صناعة الديكتاتورية.

سيكون بمقدور الحزب الجديد أن يشكل طريقاً ثالثاً في تركيا بين حزب العدالة والتنمية ومعارضيه

وبرهان ذلك -أنّ أردوغان قد يفعلها- أنّه حين حاول عبدالله غول الترشح للانتخابات الرئاسة الأخيرة، 2018، أصبح عدواً رسمياً، فلجا أردوغان إلى محاولة اختراع قوانين وشروط تمنع غول من الترشح، فمثلاً وكي يغتال غول، سياسياً وشعبياً، أوعز أردوغان لنائب الرئيس العام لحزب "العدالة والتنمية"، نعمان كورتولموش، بأن يعلن "غول" الذي أسس الحزب أساساً، خائناً لمجرد التفكير بخوض الانتخابات.

حزب جديد في تركيا أردوغان ليس خبراً سعيداً للسلطان أردوغان، إنّه معضلة تضاف إلى معضلة التحالفات التي يقيمها كل من حزب الشعب الجمهوري وحزب السعادة، فهل سيكون بمقدور الحزب الجديد الانفتاح على معارضي حزب "العدالة والتنمية" وأردوغان إلى هذا الحد من البراغماتية الجديدة؟ أعتقد ذلك، على الأقل، سيكون بمقدور الحزب الجديد أن يشكل طريقاً ثالثاً في تركيا بين حزب "العدالة والتنمية" ومعارضيه، طريقاً سيكون سهلاً على سالكيه الإيمان به خاصة ممن هم يؤمنون بخط أردوغان الفكري لكنهم يكفرون بمساره السياسي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية