قواعد الفكر الإخواني (12): العداء التاريخي للديمقراطية

الإخوان المسلمون

قواعد الفكر الإخواني (12): العداء التاريخي للديمقراطية


13/02/2018

للإخوان تاريخ طويل من التنكر لقيم الديمقراطية والمؤسسية إلا إذا جاءت على هواهم وفي صالحهم بوضعهم في السلطة، لذلك هم آخر من يحق له الحديث عن الشرعية التي أهدروها عبر تاريخهم.

الميت بين يدي مغسِّله

عندما خرجت جموع الشعب المصري في 30 حزيران (يونيو) 2013 ضد حكم الإخوان، لم تنطق بسقوط الرئيس الإخواني محمد مرسي؛ بل لخص نداؤها "يسقط يسقط حكم المرشد" حقيقة مستقرة في الضمير الجمعي للمصريين بأنّ مرسي لم يكن سوى قناع لمكتب الإرشاد، الذي كان الحاكم الفعلي للبلاد طوال عام صدرت خلاله العديد من القرارات التي هدمت شرعية هذا النظام، وكان أخطرها إصدار إعلان دستوري يحصن قرارات الرئيس من أي طعن عليها أمام أي جهة قانونية أو دستورية.

للإخوان تاريخ طويل من التنكر لقيم الديمقراطية والمؤسسية إلا إذا جاءت على هواهم وفي صالحهم

انطلقت دعاية الإخوان المضادة لعزل مرسي بالانتصار لقضية شرعية الحاكم المنتخب بشكل ديمقراطي، فهل كان الإخوان صادقين في حرصهم على الديمقراطية والشرعية؟ استعراض تاريخ يظهر أنها لم تؤمن عبر مراحلها بالديمقراطية أو المؤسسية، ولم تعرف شرعية سوى شرعية المرشد المستبد الذي يضع بيده كل الخيوط التي يحرك بها الجميع كالدمى، وهو ما عبر عنه د.خميس حميدة وكيل الإخوان في تحقيقات 1954 حين قال: "المرشد كان كل شيء والباقي فترينات"، لم يكن مستغرباً إذن أن يقول مدرب بالقسم السياسي للجماعة أثناء دورة تأهيل سياسي لنواب مرشحين للانتخابات البرلمانية في العام 2010 "الرمز الإخواني ينبغي أن يكون كبالون مملوء بالهواء مربوط بخيط بيد المرشد يحركه كيف يشاء"، وقديماً وصف ثالث مرشدي الجماعة عمر التلمساني علاقته بحسن البنا بأنها كانت كعلاقة الميت بين يدي مغسِّله.

 

 

مدرسة البنّا الاستبدادية

أسس حسن البنّا الجماعة لتعبر عن مشروعه الشخصي في حكم مصر، ثم القفز منها لحكم العالم تحت راية الخلافة التي كان يحلم بها، وقد توسل لذلك بعبقرية في التنظيم والاستبداد والتأثير في الأتباع الذي كان يحرص على استهوائهم عبر صورة الإمام التقي النقي المتجرد من أهواء الدنيا.

لم يشرك البنّا أحداً من إخوانه في كتابة قانون الجماعة، أو لوائحها التنظيمية التي أحكم بها سلطته على التنظيم والأعضاء.

انطلقت دعاية الإخوان المضادة لعزل مرسي بالانتصار لشرعية الحاكم المنتخب عبر الديمقراطية التي ينكرونها

في 20 شباط (فبراير) 1938 عقد البنّا ما سمّاه المؤتمر العام الأول الذي لم تسبقه جلسات إعداد أو مناقشات بين الأعضاء، فقد أعد المرشد كالعادة أجندة المؤتمر بالتعاون مع خلصائه، ليعلن من هذا المؤتمر أخطر قرارات، تؤكد تحول الإخوان من جمعية دعوية الى حزب سياسي دون إعلان الحزبية، لكنه حزب له طابع خاص حيث الإرادة الطاغية للمؤسس الذي أكد طابع قراره بتحريم انتساب الأعضاء منذ هذه اللحظة إلى أي حزب سياسي، مبرراً ذلك بأنّ الإسلام لا يقبل الشراكة.

حتى ذلك الوقت لم يكن الأعضاء يعلمون شيئاً عن توجهات تلك الجماعة سوى أنها جمعية أهلية دعوية تهتم بمكارم الأخلاق ومساعدة الفقراء والمحتاجين، ولأنّ المرشد سيطر بشكل كامل على عقول الأعضاء عبر حالة من الاستلاب العاطفي مستعيناً بقدراته الخطابة والطقوس الجماعية من ذكر وصلاة، فقد بدا الطريق ممهداً ليسلك بهم المرشد أي سبيل يختاره، دون أن يقطع معه أحد من الأعضاء برأي أو مشورة، فهم جنود وهو القائد الذي يأمر فيسمعون ويطيعون تقرباً إلى الله.

لم يشرك البنّا أحداً في كتابة قانون الجماعة أو لوائحها التي أحكم بها سلطته على التنظيم

حرص البنّا على أن يتولى تشكيل هيئات الجماعة الصورية بنفسه، فهو المرشد الذي بقي في منصبه حتى مماته لعشرين عاماً دون أن تتحدث اللائحة عن انتخاب غيره أو عزله، فهو الإمام بملامح سلطان يمنح السلطات والشرعية كما تقرر اللائحة التي حرص على كتابتها بنفسه، كما حرص على أن يحتكر أيضاً اختيار مكتب الإرشاد أو ما يسمى مجلس الشورى العام.

التهليل لحل الأحزاب

لم يكن البنّا يعتقد أنه سيموت بهذه السرعة، فلم يشرع في إعداد بديل يتولى قيادة الجماعة، لذا تقدمت مجموعة النظام الخاص التي لا تعرف سوى القتال والعمل السري لملء الفراغ؛ حيث اختارت نهجاً يخلط السرية بالعلنية؛ يخفي الاستبداد خلف ستارة رقيقة من المؤسسية والديمقراطية، التي لم تخجل الجماعة من الدعوة لها علناً والانقلاب عليها سراً.

هللت الجماعة لقرار مجلس قيادة الثورة بحل الأحزاب الذي صدر في العام 1953، مادامت هي مستثناة من ذلك، وعندما شملها القرار فيما بعد عادت ترفع شعار الدفاع عن ديمقراطية لم تؤمن بها يوماً.

 

 

دكتاتورية اختيار المرشد

لم تنتخب الجماعة مرشدها أبداً بشكل صحيح؛ بل كانت إرادة المجموعة النافذة من رجال النظام الخاص هي من تصنع المرشد على عينها بالكولسات في الظلام، وعندما مات البنّا وضعت المستشار حسن الهضيبي مرشداً لتحسن صورتها باختيار قاضٍ ثم قادت الجماعة فعلياً من وراء ظهره، وعندما مات الهضيبي اختارت التلمساني لنفس الأسباب، بعد أن بقيت تعمل عبر مرشد سري لثلاث سنوات كاملة، وعندما مات اختارت أن تضع رجلاً ضعيفاً هو محمد حامد أبو النصر ليدير الجماعة في الخفاء مصطفى مشهور صقر الجماعة ورجل النظام الخاص الغامض، الذي بايعه أعضاء النظام الخاص مرشداً بعدها فيما عرف ببيعة المقابر.

هلّلت الجماعة لقرار مجلس قيادة الثورة بحل الأحزاب عام 1953 بعدما استثنيت من ذلك

وعندما مات مشهور أتوا بمأمون الهضيبي الذي رحل بعدها بعامين، ليرث منصبه محمد مهدي عاكف الذي كان يتمتع بجرأة كبيرة في إبداء آرائه التي لم يستطع فرضها على الدائرة النافذة التي كانت تحكم الجماعة وتقرر مصيرها، لذا فشل في تصعيد عصام العريان إلى عضوية مكتب الإرشاد رغم حقه في ذلك وفقاً للائحة، أو منع تلك الدائرة من إبعاد عبدالمنعم أبو الفتوح أو تزوير انتخابات 2009، التي كشف تزويرها د.إبراهيم الزعفراني عضو مجلس الشورى العام، الذي أعدّ مذكرة تطالب بالتحقيق فيما جرى في تلك الانتخابات، مما يؤكد على مسار مناقض للديمقراطية والشفافية درجت عليه الجماعة وأصبح جزءاً من طبيعتها، التي تعذرت في البداية بأجواء العمل السري، وهو ما لم تتحرر منه بعد حصولها على شرعية كاملة كجماعة سمح لها بتأسيس حزب سياسي.

 

 

حزب لا ينتخب رئيسه

لم تنجز الجماعة لائحة طوال عام ونصف توفرا لها بعد ثورة 25 يناير 2011، وظلت تتذرع بدعاوى مختلفة خوفاً من قيود إدارية أو ديمقراطية تحيط بحركتها، وهي التي أدمنت العمل السري في الظلام، وعندما سُمح لها بتأسيس حزب، تم تشكيله من الأعضاء العاملين ممن يحظون بثقة القيادة، ولم يسمح لأعضاء المؤتمر العام للحزب الذي انتخب من بين الأعضاء العاملين بانتخاب نواب الحزب بالمحافظات أو رئيس الحزب أو وكلائه.

لم يتحدث أحد منهم عن أنّ رئيس الحزب محمد مرسي الذي رشح لاحقاً رئيساً للجمهورية عن حزبه، لم ينتخبه أعضاء حزبه نفسه، ولم يمتلك الرجل تلك الشرعية التي تشدق بها لاحقاً بأنّ "دونها الرقاب"، على حد تعبيره.

مرشح الرئاسة الإخواني محمد مرسي عن حزب الحرية والعدالة تولى رئاسته دون انتخاب من الأعضاء

فاقد الشيء لا يعطيه؛ الديمقراطية قيم قبل أن تكون ممارسة، فهل كان من الممكن أن يحترم الإخوان قيمة الديمقراطية أو التعددية الحزبية التي لم يؤمنوا بها هم أو مرشدهم، الذي كان يصف الأحزاب بأنها "سُبة هذا الوطن".

لذلك لم يكن غريباً أن ترفض الجماعة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وأن تهدد بإشعال الوطن كما فعلت العام 2013، فقد أدركت بحدسها أنّ قدراتها التنظيمية لم تعد كما كانت في السابق، وأنّ أي انتخابات حقيقية ستطيح بها للأبد من الحياة السياسية، لذا فضلت أن تشعل النار في نفسها وفي الوطن بدل أن تخضع نفسها من جديد لرأي الشارع، الذي أدرك زيف دعاواها وانكشافها الأخلاقي والسياسي الكامل.

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية