قواعد الفكر الإخواني (37): هل الإخوان قوم عمليّون؟

الإخوان المسلمون

قواعد الفكر الإخواني (37): هل الإخوان قوم عمليّون؟


27/09/2018

تجاوزت مواهب مؤسس الجماعة، حسن البنا، في التنظيم قدراته في عالم الأفكار، كما يتجلى ذلك ببناء خطط إشغال دائم لعناصره تستهلك أعمارهم وأوقاتهم، في سبيل الخضوع لأحلامه، ومن ثم فقد زرع الرجل في عقول أتباعه بعض المسلّمات، التي صنعت تصوراً راسخاً اختزل السلوك العملي للمسلم في مواجهة أحكام دينه بالانتظام في صفوف الإخوان والعمل معهم، باعتبارهم قوماً عمليين غلّبوا العمل على القول، جرياً مع المنطق الإسلامي الذي يقرنهما معاً، "فلا خير في قول بلا عمل والإيمان لا يستقيم إلا إذا صدقه عمل صالح"؛ هذه المقولة الصحيحة نظرياً، لكن البنا جعل لها معنى خاصاً لا يستقيم سوى بما يتوافق مع منطقه الشخصي الذي ضمنه إحدى رسائله التي جعل لها عنواناً موحياً "هل نحن قوم عمليون؟".

اقرأ أيضاً: جذور الحاكمية عند حسن البنا

تزكية الجماعة

يفتتح البنا رسالته بطريقة بلاغية اختارها سبيلاً لحمل أفكاره، لكي تكسب في نفوس أتباعه التقديس اللازم فيقول "وبقي سؤال آخر يتردد كثيراً على أفواه الناس كذلك، كلما دعاهم داعٍ إلى تشجيع هذه الجماعة التي تدأب على العمل ليل نهار، لا تبتغي من أحد جزاءً ولا شكوراً، ولا تعمل إلا لله وحده ولا تعتمد في خطواتها إلا على تأييده ونصره، وما النصر إلا من عند الله وشعار كل العاملين فيها "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".

تجاوزت مواهب حسن البنا في التنظيم قدراته في عالم الأفكار كما يتجلى ذلك ببناء خطط إشغال دائم لعناصره

يركز البنا كالعادة على تزكية جماعته وأعضائها، وجعل اليقين في أنها تعمل لله، وتتخذ من منهاجه مسلّمة يبدأ بها حديثه، مادامت جماعته على الحق وله تعمل، مجسدة دور الجماعة المسلمة التي تحمل الدين بعد أن تركه الناس وتنصره بعد أن خذله الناس، حيث تتمسك هي بالعمل في مواجهة مجتمع من القاعدين المتخاذلين وفقا لتصوره.

وعلى عادته في خلط الدين بالتدين وجعلهما شيئاً واحداً، وإفراد الإخوان بالتمثيل الحصري للدين، يبدأ في توجيه النقد بل والتجريح إلى كل من يخالفه في عدم الانضواء تحت لواء جماعته أو حزبه، فيجعل السلوك العملي الوحيد في مواجهة الواقع أن تكون عضواً في جماعته، وإذا لم تستجب فأنت حتماً واحد من أصناف أطلق عليها سهامه في لغة متشنجة لا تستقيم مع نفسية من يقول إنه على الحق.

اقرأ أيضاً: كيف استغل حسن البنا الشباب؟

أسئلة مشروعة

ثم يستطرد قائلاً "هذا السؤال الآخر، أن يقول لك ذلك الذي تدعوه في استهانة وإعراض غالباً: وهل هذه الجماعة جماعة عملية؟ وهل أعضاؤها قوم عمليون؟".

وبقدر ما يبدو السؤال مشروعاً ولا يحتاج إلى مواجهته بسخرية أو استخفاف، كما يفعل البنا، فمن الطبيعي أن يسأل الناس عن السلوك العملي لهذه الأفكار التي تقمّصها أصحابها، ومن الطبيعي أن يسألوا ماذا سيفعل الإخوان لنصرة هذا الدين وتغيير هذا الواقع؛ ما تصورهم عن الحياة والكون وعلاقة الدين بالدولة، وأدوار المسلم الصحيحة وعلاقته بمن حوله، وغيره الكثير من الأشياء، كل هذا طبيعي في حركة تتصدى لدعوة الناس للانضمام إليها والعمل معها.

يفتتح البنا رسالته بطريقة بلاغية اختارها سبيلاً لحمل أفكاره لكي تكسب في نفوس أتباعه التقديس اللازم

لكن ذلك لا يمنع البنا من توجيه الاتهام لمن يسأل بأنه واحد من أربعة "وهذا السائل أحد أصناف من الناس: إما شخص متهكم مستهتر لا يعنيه إلا أمر نفسه، ولا يقصد من إلقاء هذا السؤال إلا أن يهزأ بالجماعات والدعوات والمبادئ والمصلحين، لأنه لا يدين بغير مصلحته الشخصية ولا يهمه من أمر الناس إلا الناحية التي يستغلهم منها لفائدته فقط، أو هو شخص غافل عن نفسه وعن الناس جميعاً فلا غاية له ولا وسيلة ولا فكرة ولا عقيدة، وإما شخص مغرم بتشقيق الكلام وتنميق الجمل والعبارات، وإرسال الألفاظ الضخمة ليقول السامعون إنه عالم وليظن الناس أنه على شيء وليس على شيء، وليلقي في روعك أنه يود العمل ولا يقعده عن مزاولته إلا أنه لا يجد الطريق العملي إليه، وهو يعلم كذب نفسه في هذه الدعوى وإنما يتخذها ستاراً يغطي به قصوره وخوره وأنانيته وأثرته، وإما شخص يحاول تعجيز من يدعوه ليتخذ من عجزه عن الإجابة عذراً للقعود وتعلّة للخمول والمكسلة، وسبباً للانصراف عن العمل للمجموع".

اقرأ أيضاً: بين الأمس واليوم..هل كانت الجماعة وفيّة لمبادئها؟

يهاجم البنا كل من يطرح هذا السؤال، ليس لردع الآخرين عن توجيه هذا السؤال المنطقى فحسب، بل ليرهب وعي الأعضاء عن أن يفكروا في مثل تلك الأسئلة الوجودية والمنطقية، التي ينسف طرحها ومحاولة الإجابة عنها منطق الجماعة الضعيف، ويبدو دهاء الرجل بأن لا يوجه هذا الكلام إلى الأعضاء بل إلى الآخرين على طريق "إياكِ أعني واسمعي يا جارة".

لا نبتغي الجاهلين!

يواصل البنا في رسالته ردع الإخوان وغير الإخوان في التعامل مع جماعته باعتبارها تنتمي لعالم النسبية، أو تخضع أفكارها لمنطق العقل أو حتى النص، بل يطرحها باعتبارها تجسد المطلق الذي تركه الناس وغيّبوه ويعيده هو إلى الواقع، رافعاً سوط الترهيب في وجوه الناس، متهماً من يتأخر عنه بالقعود والجبن والتمسك بالنظريات، على حساب السلوك العملي الذي ينخرط فيه هو وأتباعه، وهو يواجه النتيجة التي وصل إليها في عدم قناعة الكثيرين بأفكاره أو العمل معه بالقول "وليس لنا مع هذه الألوان من الناس قول وليس لهم عندنا جواب، إلا أن نقول لهم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين، وما لهؤلاء كتبنا ولا إياهم خاطبنا فقد أملنا فيهم الخير طويلاً وانخدعنا بمعسول دعاويهم وعذب ألفاظهم حيناً، ثم تكشف أمرهم عن وقت أضيع ومجهود عقيم وتعويق عن الطريق، ورأينا منهم ضروباً وألواناً وأصنافاً وأشكالاً جعلت النفس لا تركن إليهم، ولا تعتمد عليهم في شأن من الشؤون مهما كان صغيراً عليهم".

يركز البنا على تزكية جماعته وأعضائها وأنها تعمل لله وتتخذ من منهاجه مسلّمة لها

هل ثمة أكثر من هذه اللغة التي تكشف عن مكنون الرجل ومعتقده في الناس! ثم يعرج مواصلاً تزكيته لفريقه قائلاً "وهناك صنف آخر من الناس قليل بعدده كثير بجهده نادر لكنه ميمون"، هذا الصنف المفضل لدى البنا هم طائفة الإسلامويين، الذين عبر أحدهم وهو الشيخ محمد الغزالي عن شكره لله أن الله، عز وجل، سلب السلطة منهم قائلاً على مسمع من قياداتهم "الحمد لله أن ربنا سلب السلطة من الإسلاميين وإلا كانوا خربوا بيتنا"، ولقد فعلوا في أكثر من بقعة في العالم الإسلامي بعدما وعدوا الناس بالسمن والعسل.

يتابع البنا ادعاءاته بأخرى جديدة يتحدث فيها أنه يرحب بالفرد المفكر الذي يُعمل عقله، ويملك شجاعة التعبير عما يجول بخاطره، وهذه فرية عظيمة لمن قرأ تاريخ الجماعة وعلم ماذا تفعل في مواجهة من يفكر أو يطرح الأسئلة الصحيحة المحرجة، من قبيل كيف تفهمون الشريعة؟ كيف ستطبقونها؟ ما برامجكم للحكم؟ ورؤيتكم للعلاقات الدولية وحقوق الإنسان؟ وموقفكم من المرأة والديمقراطية؟ كلها أسئلة أجاب عنها الإخوان بالحال الذي كان أبلغ من أي مقال، حيث تبين للجميع موقفهم من كل تلك القضايا.

يقول البنا فيما استنكره على غيره "وهاأنذا أصارح كل الغيورين من أبناء الإسلام بأن كل جماعة إسلامية في هذا العصر، محتاجة أشد الحاجة إلى الفرد العامل المفكر وإلى العنصر الجريء المنتج، فحرام على من أنس من نفسه شيئاً من هذا أن يتأخر عن النفير دقيقة واحدة".

يدعي البنا الترحيب بالفرد المفكر الذي يملك شجاعة التعبير وهذه فرية عظيمة لمن قرأ تاريخ الجماعة

جاءت الرياح بما لا تشتهي سفن الجماعة؛ فكل من أنس في نفسه القدرة على التفكير الحر وامتلك شجاعة طرح الأسئلة الصحيحة، لم يجد بداً من تجنب أو الخروج من جماعة تتنكر لكل تلك القيم من حيث تدعي الدفاع عنها، جماعة لا تردد سوى الشعارات مدعية أنها وحدها من يتمسك بالسلوك العملي، وهي التي لم تقدم لنا حلاً لأي مشكلة سواء في عالم الأفكار والقيم، أو في إدارة الدول التي ابتليت فيها بالسلطة والقرار، حيث أكدت أنها سيدة الشعارات بامتياز، وأنها لم تكن يوماً جماعة عملية، ولم يكن أعضاؤها يوماً عمليين؛ بل سابحون في فضاء المرشد وتهويماته التي لم تصمد أمام الواقع.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية