قواعد الفكر الإخواني (40): كيف استخفّت الجماعة بفكرة الدولة والحزبية والدستور؟

الإخوان المسلمون

قواعد الفكر الإخواني (40): كيف استخفّت الجماعة بفكرة الدولة والحزبية والدستور؟


16/10/2018

منذ بروز جماعة الإخوان في المشهد المصري كلاعب سياسي في العام 1984، وحضورها اللافت في مناشط نقابية وجامعية، ثم دخول بعض مرشحيها للبرلمان وتحالفها مع غريمها التاريخي حزب الوفد، ثم حزب العمل الاشتراكي من بعدها، نجح التنظيم في تحسين صورته الذهنية في المجتمع المصري، مستفيداً من المظلومية التي روّجها عن الحقبة الناصرية، كما استفاد ببراغماتية معهودة من حالة التعبئة ضد جماعات العنف، التي أقدمت على قتل الرئيس السادات، فضلاً عن جملة المتغيرات الإقليمية والدولية التي ضربت المنطقة والعالم في هذه المرحلة، وفي هذا السياق نسي الكثيرون حقيقة الجماعة وطبيعة أفكارها المعادية للدولة الوطنية، وفي القلب من ذلك موقف الجماعة الحقيقي من القانون والدستور.

نجح التنظيم بتحسين صورته الذهنية في المجتمع المصري مستفيداً من المظلومية التي روّجها عن الحقبة الناصرية

أدرك حسن البنا مبكراً أن محاولة طرح صيغة دولة الخلافة، أو الدولة الإسلامية التي تتغذى على التجربة التاريخية والفقه السلطاني، وتستعيد نفس شكل الخلافة القديم أمر غير قابل للتحقق أو التمرير، ومن ثم حاول أن يقدم قراءة مراوغة كشأن كل كتاباته، تستبطن صورة هذه الدولة القديمة لكنها تبهر الأبصار بأضواء الدولة المدنية الحديثة.

ناور البنا عبر الادعاء بإيمانه بأن "القواعد الأساسية التي قام عليها الدستور المصري لا تتنافى مع قواعد الإسلام، وليست بعيدة عن النظام الإسلامي ولا غريبة عنه، بل إن واضعي الدستور المصري رغم أنّهم وضعوه على أحدث المبادئ والآراء الدستورية وأرقاها، فقد توخوا ألا يصطدم أي نص من نصوصه بالقواعد الإسلامية".

ويحاجج من قدموا أفكار البنا باعتبارها تمثل الفكر السياسي للرجل ولجماعته، بأن تصوراته فيما يتعلق بممارسة السلطة في الدولة الإسلامية تضمنت ما يلي:

الإيمان بوحدة السلطة؛ فلا توجد سلطة مدنية وأخرى دينية؛ وذلك لقناعته بأن سلطة الحاكم في الدولة الإسلامية لا تشبه في مفهومها السلطة الدينية الثيوقراطية التي عرفتها أوروبا في العصور الوسطى.

قدم البنا قراءة مراوغة تستبطن صورة الدولة الدينية وفق رؤيته في سياق الدولة المدنية الحديثة

ويرد على ذلك موقف الجماعة الفعلي، عندما استشرفت، وإن شئنا الدقة عندما اتفقت مع الجانب الأمريكي منذ وقت مبكر في أوائل الألفية الجديدة، على أن يكونوا هم البديل الآمن لنظام الحكم المصري، فقدموا في العام 2004 ما سُمي بمبادرة الإصلاح السياسي التي كانت أساس برنامج حزبهم فيما بعد، والتي أكدت أنهم لا يؤمنون بسلطة مدنية، بل يعتبرون أن هذه السلطة بحاجة الى سلطة دينية تمارس الوصاية عليها والتوجيه، من خلال هيئة دينية أعلى من المحكمة الدستورية العليا التي تمثل المرجعية الأعلى في دولة مدنية تقوم على القانون والدستور.

اقرأ أيضاً: ترويج الأوهام لاستلاب العقول

الأمر الذى تأكد لاحقاً عندما وصلت الجماعة بعد ثورة 25 يناير إلى أعلى درجات الصعود السياسي والأغلبية البرلمانية، التي مكنتها من صياغة دستور "ولاية الفقيه" كما أسماه البعض وقتها، باعتباره يكرس لدولة ولاية الفقيه السنية، على غرار النموذج الشيعي الإيراني، والتي يدير مقدراتها رجال الدين بشكل أسوأ مما عرفته أوروبا في العصور الوسطى.

وليس أدل على عدم قناعة الإخوان بمفاهيم وشكل الدولة المدنية وبناها، من مشهد رئيس حزب الحرية والعدالة الذي كان يستعد للترشح لمنصب رئيس الجمهورية، ومرشد الجماعة يحله من بيعته لكي يتمكن من مباشرة دوره الجديد، لم يصرف هذا المشهد وعي الشارع المصري أن يهتف بسقوط المرشد في 30 حزيران (يونيو) 2013 وليس بسقوط الرئيس مرسى.

اقرأ أيضاً: كيف صنع نظام الأسر مجتمع الجماعة الموازي؟

كان الشارع مدركاً تلك الحقيقة التي لم يدركها كثيرون، من أن من يحكم مصر هي هيئة كهنوتية دينية تسمى مكتب الإرشاد والمرشد العام، وليس محمد مرسي وحزبه أو حكومات حتى الحزب الذي، بالمناسبة كان مجرد كيان هامشي وشكلي تديره لجان الجماعة، إلى حد أن البعض تندّر على الحزب ووصفه بأحد أقسام لجنة نشر الدعوة بالجماعة، إلى هذا الحد استخفت الجماعة بفكرة الدولة والحزبية والدستور.

لذلك لم يكن البند الثاني لما اعتبره البعض دليلاً على إيمان الإخوان بالحكم الدستوري، والذي يدعي القبول بصيغة الحكم الدستوري النيابي واعتبره الأقرب إلى الإسلام، باعتباره يضمن تحقيق المبادئ الثلاثة التي يقوم عليها نظام الحكم الإسلامي، وهي: مسؤولية الحاكم ووحدة الأمة واحترام إرادتها.

اقرأ أيضاً: هل الإخوان قوم عمليّون؟

فلم يكن عملياً سوى ذر للرماد في العيون، فلم يحترم الإخوان تلك المبادئ التي ادعوا الدفاع عنها، فلم تكن مسؤولية الحاكم في عهدهم القصير تجاه الأمة، بل كانت تجاه الجماعة التي قيل عن بعض ملامح تغول سلطتها أن الإعلان الدستوري الذي حصّن قرارات الرئيس المرتقبة من أي طعن أمام أي جهة، قد صدر من مكتب الإرشاد وتسلمه المتحدث باسم الرئيس مرسي وأذاعه، ليتابعه مرسي شأنه شأن كل الناس ودون أن يعرض عليه حتى، كان مرسي يتصرف بوصفه الأمين على مشروع الجماعة، وليس على مقدرات الشعب المصري الذى يجهل بنظرها الإسلام ومعنى الدولة وفقه.

ليس أدل على عدم قناعة الإخوان بمفاهيم الدولة المدنية من مشهد المرشد وهو يحلّ مرسي من بيعته

ولأن المجتمع جاهل بالإسلام، كما يعتقد حسن البنا وتعتقد جماعته، فلم تكن تؤمن كما ادعت في فكرها السياسي "الإقرار بضرورة وجود معارضة سياسية في ظل النظام الإسلامي، وفي الوقت ذاته تأكيد اختلاف وظيفتها وتباين أهدافها التي تسعى إلى تحقيقها، عن وظيفة وأهداف المعارضة في ظل الديمقراطية المعروفة في الغرب، وألا يكون الوصول الى السلطة هدفاً من أهداف المعارضة في النظام الإسلامي، إلا في حالة واحدة فقط؛ وهي أن تفقد السلطة القائمة شرعيتها". يظهر هذا النص أن الإخوان كانوا يعتقدون أن دور المعارضة أن تقبع في المساجد، لتلهج بالدعاء لله أن يوفق سلطة الإخوان بوصفها تحكم باسم الله وتتوخى تحقيق مفهومها عن الشريعة!

بقيت الجماعة تحتقر المعارضة وتعتبرها خيانة وشوكة في خاصرة الدولة، وطابوراً خامساً موالياً للغرب الذي لم تعادِه أبداً كما ادعت، بل ظلت أمينة على تحقيق أهدافه في تفريق الأمة وتهديد وحدتها، عبر أطروحات الدولة الدينية التي تميز بين مواطنيها، ليس على المعتقد الديني فحسب، بل على المعتقد السياسي أيضاً.

اقرأ أيضاً: جذور الحاكمية عند حسن البنا

لا يمكن الحديث عن تصور الجماعة للعلاقة مع الدولة المدينة والقانون والدستور فقط بمناقشة أفكار البنا، دون الحديث عن الشطر الثاني الأبرز والأعمق تأثيراً، وهو أفكار سيد قطب؛ الذي يعد صاحب النموذج التوحيدي لمفهوم الحاكمية تأثراً بالمودودي، لكنه ذهب أبعد بالطبع حيث طور الأبعاد العقدية والتوحيدية في المفهوم، بحيث طغت على غيرها من الأبعاد التي يتضمنها.

قدم قطب الحاكمية أو الحاكمية العليا، كما يسميها في إطار معاني الألوهية، وتبعاً لذلك فإن مفهومه عنها أنها نزع السلطان الذي يزاوله الكهنة ومشيخة القبائل والأمراء والحكام ورده إلى الله، السلطان على الضمائر والعشائر، على واقعيات الحياة والمال والقضاء، والسلطان في الأرواح والأبدان.

بقيت الجماعة تحتقر المعارضة وتعتبرها خيانة وشوكة في خاصرة الدولة

ويلاحظ بعض الباحثين أنه لا خلاف ولا تمايز في فكرة الحاكمية بين المودودي وقطب في الحقيقة والجوهر؛ إذ إنّ صياغة قطب ترجع في أصلها الى المعاني نفسها التي أسسها المودودي، بالرغم من أنّ الأخير طرح فكرته في إطار مشروع تأسيس دولة باكستان الإسلامية وصوغ دستورها، أما قطب فطرح فكرته في إطار مواجهة ما يسميه بالجاهلية المعاصرة التي كانت تعني لديه الدولة الوطنية في مصر.

أوجد المودودي رابطة عضوية بين الحاكمية القانونية والحاكمية السياسية، دون أن يسقط مجال الاجتهاد الإنساني في التشريع، الذي يبقى مقيداً بتصوره عن الحاكمية.

اقرأ أيضاً: كيف استغل حسن البنا الشباب؟

تحت وقع هذه المفاهيم والمعاني تشكلت الرؤية السياسية للإخوان، وهي رؤية مأزومة مرتبكة تلفيقية لا تنتمى لتربة بعينها، منزوعة من سياقات بعيدة عن مصر والعالم الإسلامي، لكنها شكلت تصور الإخوان للدولة والقانون والدستور، وشكل النظام السياسي الذى لم يعد الشكل البرلماني هو الأقرب له، كما كان اعتقد أو كتب البنا، بل سعى الإخوان للنزوع نحو صلاحيات النظام الرئاسي، الأمر الذي فعله أيضاً بعد ذلك بعقود رجب طيب أردوغان، الذى أسس لنظام رئاسي يحتفظ فيه بكل الصلاحيات، مؤكداً أن وعي كل الإسلاميين مسكون بالاستبداد حتى لو ادعوا طوال الوتت الإيمان بقيم الديمقراطية والشورى.

الصفحة الرئيسية