قيس سعيد يقصقص أجنحة النهضة

قيس سعيد يقصقص أجنحة النهضة


10/10/2021

مختار الدبابي

غيّر الرئيس التونسي قيس سعيد أداءه بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو، ولم يعد يكتفي بتوجيه الردود على من ينتقدونه بشكل فج أو يبالغون في التقليل من تأثيره الداخلي والخارجي. الآن بدا الأمر مختلفا، وخاصة في العلاقة مع حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي، فقد بدأ خطة واضحة لقصقصة أجنحتها بشكل هادئ ودون ضجيج، وذلك قبل مواجهتها سياسيا بشكل كامل.

وخلال الأسابيع الأخيرة تحررت المؤسستان الأمنية والقضائية من الضغوط السياسية، واستعادتا دورهما في فتح الملفات القديمة التي تم تناسيها، أو تلافيها بشكل واضح بسبب التوازنات السياسية وتجنبا للصدام مع الحكومات السابقة وحزامها السياسي والبرلماني، وكان محوره حركة النهضة وحليفاها قلب تونس وكتلة ائتلاف الكرامة التي مثلت واجهة للتصعيد استفادت منها النهضة بشكل واضح خاصة عند طرق قضايا تجد الحركة ورئيسها حرجا في إدارتها بشكل واضح مثل الصدام مع قيس سعيد واستهدافه بشكل مباشر وبأسلوب يخرج عن اللباقة والتقاليد بين المؤسسات الحاكمة.

لعب ائتلاف الكرامة دوره في استهداف قيس سعيد بخطابات مباشرة ومركزة، وبخطاب يغيب عنه احترام موقعه الاعتباري في الدولة ضمن خطة كانت النهضة وأذرعها تديرانها من وراء الستار من أجل الحط من اعتبار الرئيس سعيد وشعبيته ونظافة يده، خاصة أنه ظل لأشهر يحتل موقعا متقدما في استطلاعات الرأي، ما يجعله تحديا جديا لحركة تريد استعادة لعبة تحريك المشهد من وراء ستار، وهي اللعبة التي أفسدها قيس سعيد بسبب ما بدا أنه نقص خبرة وعدم معرفة بالغرف المظلمة للسياسة كما يصفها هو بنفسه.

وحين استوت الأمور لقيس سعيد كان ائتلاف الكرامة هدفا مباشرا بسبب مواقفه الحادة وخروجه عن تقاليد الخلاف السياسي، لكن الهدف المقصود هو النهضة والغنوشي الذي أغلق أبواب التواصل مع قيس سعيد منذ الأيام الأولى لاستلام الأخير مهمة الرئاسة، وبناء دبلوماسية موازية هدفت إلى تقويض دوره وحصره في مربع بروتوكولي ضيق.

ويمكن النظر إلى موضوع قناة الزيتونة كونها واحدة من ساحات المواجهة التي بدأها قيس سعيد مع النهضة، خاصة أن القناة أغلقت كل هامش للمناورة وحولت شاشتها إلى معركة كسر عظم مع الرئيس سعيد من خلال برنامج يستفيد منه كل من يقدر على أن يرفع صوته أكبر بانتقاد رئيس الجمهورية والتطاول على صفته الاعتبارية والمس من شخصه من خلال ترديد أوصاف مستفزة وهم يعرفون أن الرجل لا يقدر على إخفاء موقفه ويرد مباشرة ودون حسابات أو مناورة.

ورغم أن المعركة ما تزال هادئة ودون ضجيج وتتعامل مع مسائل واضحة، لكن مراقبين للشأن التونسي يعتقدون أن الأمر قد يتطور إلى مواجهة، خاصة أن حركة النهضة باتت تصدر كل يوم أو اثنين بيانا تخصصه للرد على مواقف الرئيس سعيد وأي خطوة يتخذها، وكأن لا برنامج ولا خطط لها سوى قيس سعيد.

وفيما تلعب الحركة لعبة التحرك الإعلامي على نطاق واسع خاصة على مواقع التواصل في الداخل وفي مؤسسات إعلام خارجية عربية وغربية، فإن قيس سعيد يرد على الأرض من خلال رفع الغطاء وتبديد الضغوط السابقة التي تحول دون لعب المؤسسة القضائية المدنية والعسكرية لدورها، ومساءلة كل جهة أو شخص يمس من الذات الاعتبارية لرئيس الجمهورية. وبالنتيجة، فإن المعركة مفتوحة وقد لا تتوقف عند التفاصيل الجزئية وردود الفعل المدروسة وتنفتح على ما هو أكبر إن لم تفض جهود التهدئة إلى نتيجة.

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن التصعيد في الخطاب والحملات الإعلامية يخدم الرئيس أكثر من خلال زيادة شعبيته، وظهور أنصاره بخطاب راديكالي صدامي يطالب بمواقف أكثر تصلبا تجاه خصوم الرئيس وعلى رأسهم النهضة، وتسمع دعوات إلى حل بعض الأحزاب ومنعها من الترشح في أي انتخابات قادمة، ودعوات أخرى تحث على المواجهة الأمنية والقضائية تحت عناوين الحرب على الفساد وتهديد الأمن والاستقرار.

كما أن التصعيد الإعلامي يقود يوما بعد آخر إلى تحديد ملامح الفرز السياسي بين أنصار الرئيس وخصومه. ورغم أن وجوها سياسية تعارض تأويلات الرئيس سعيد للفصل ثمانين وتقف ضد “الدستور الصغير” الذي أصدره يوم الثاني والعشرين من سبتمبر، والذي يجعله صاحب السلطة المطلقة في الحكم، إلا أنهم يرفضون أن يكونوا خلال الفرز في صف حركة النهضة أو يقدموا لها خدمة مجانية بمعارضة الرئيس. وهو وضع يجعلهم ينسحبون إلى الواجهة الخلفية ويكتفون ببيانات وانتقادات محدودة، مع تأكيد نأيهم عن النهضة وتجارب حكمها قبل الخامس والعشرين من يوليو.

إلى الآن، كل الذين يعلنون وقوفهم ضد رؤية الرئيس للحل الدستوري يعلنون في الديباجة تحميلهم مسؤولية ما جرى ويجري لحركة النهضة. ويلتقي في هذا الموقف قياديون مستقيلون من حركة النهضة في قائمة الـ131 الأخيرة، أو حتى من استقالوا قبل ذلك.

وكانت مقابلة عبداللطيف المكي الأخيرة، الوجه الأبرز في قائمة المستقيلين، واضحة، حيث حمل راشد الغنوشي مسؤولية “تعبيد السجاد الأحمر” لما أسماه بالانقلاب، في إشارة إلى إجراءات قيس سعيد يومي الخامس والعشرين من يوليو والثاني والعشرين من سبتمبر.

لقد قصقصت حركة النهضة أجنحتها بنفسها من خلال ترك الغنوشي “الفاتق الناطق” داخل الحزب، حيث شتت الأنصار وزاد من عدد الأعداء.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية