كورونا يحوّل بيت لحم الفلسطينية إلى مدينة أشباح

كورونا

كورونا يحوّل بيت لحم الفلسطينية إلى مدينة أشباح


12/03/2020

أسواق شبه خالية وشوارع بدت فارغة من المارة والمركبات، ومحلات تجارية مغلقة، هكذا بدت مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية المحتلة، بعد أيام من إعلان السلطة الفلسطينية وجود إصابات بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، ليصيب المدينة المحاصرة بالمستوطنات وجدار الفصل العنصري بالشلل التام، بعد مغادرة السياح، وإغلاق المساجد والكنائس، بعد حملات التعقيم التي شهدتها.

شارع المهد ومحاله التجارية باتت تدفع ثمن الخوف من تفشي فيروس كورونا، وكلّ شيء في المدينة أصبح محل شكّ

وأصدر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في الخامس من آذار (مارس) الجاري، مرسوماً رئاسياً بإعلان حالة الطوارئ في جميع الأراضي الفلسطينية لمدة شهر، اعتباراً من تاريخه، لمواجهة فيروس (كورونا)، كما منع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد إشتية كلّ مظاهر التجمهر والتجمع، بالإضافة إلى إلغاء كامل حجوزات السياح.

وجاء المرسوم الرئاسي بعد أن صدم الفلسطينيون بإعلان وزيرة الصحة، مي الكيلة، وجود سبع حالات، أظهرت نتائج الفحوصات المخبرية أنّهم يحملون فيروس كورونا، بعد زيارة وفد سياحي يوناني بيت لحم، قبل اكتشاف إصابتهم بالفيروس بعد مغادرتهم المحافظة، لتعاود السلطات الفلسطينية فحص من خالطهم الوفد لتظهر النتائج بحملهم الفيروس.

أعلنت الحكومة الفلسطينية، في 10 آذار (مارس) الجاري، ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا

وأعلنت الحكومة الفلسطينية، في 10 آذار (مارس) الجاري، ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا، من خلال تسجيل 3 إصابات جديدة في مدينة بيت لحم، لترتفع حصيلة الإصابة بالفيروس إلى 30، كما سجلت أول إصابة بالفيروس في مدينة طولكرم.

وبيّن محافظ بيت لحم، اللواء كامل حميد؛ أنّ الساعات القليلة ستشهد مغادرة 70 سائحاً إلى بلدانهم، وبذلك ستصبح بيت لحم خالية من السياح في كل ّفنادق المدينة، موضحاً أنّ حركة المواطنين شبه متوقفة في بيت لحم، فيما تنتشر حواجز أمنية في عدة نقاط لمنع الحركة إلا للضرورة القصوى، حيث تم تعطيل الدوام في جميع المؤسسات الرسمية، وإغلاق جميع المساجد والكنائس والمتنزهات، ووقف كافة الأنشطة في المحافظة.

اقرأ أيضاً: أطباء وهميون يعالجون كورونا بـ "اليانسون" و"الخلطات السرية"

وأشار إلى أنّ هناك ما لا يقل عن 2000 مواطن يجب أن يكونوا في الحجر الصحي المنزلي، محذراً أصحاب العمل من أن يستقبلوا أيّ شخص من المحجورين بيتياً، والأشخاص أنفسهم المبلغين بالحجر من الخروج من أماكن الحجر.

وفي سياق الإجراءات الوقائية التي اتخذتها السلطة الفلسطينية، قال وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، حسام أبو الرب، في 9 آذار (مارس) الجاري؛ إنّ الوزارة باشرت بعملية تعقيم كافة المساجد والمرافق التابعة لها بمختلف المحافظات، كإجراء وقائي لمواجهة انتشار فيروس كورونا.
وفوجئ من كُتب على هويته أنّه يسكن بيت لحم بمنعه إسرائيلياً من الدخول إلى مدينة القدس، أو الأراضي المحتلة عام 48، وأغلبهم من العمال الفلسطينيين، الذين يقتات أغلبهم من عملهم اليومي.

مدينة أشباح

بدوره، يقول إلياس سابا (٣٩ عاماً)، وهو صاحب محل لبيع التحف الشرقية والمنحوتات الخشبية بشارع المهد ببيت لحم: "الأزمة الحالية تشتد على أصحاب محال التحف والمنحوتات الخشبية، التي كانت تعج بالناس قبل تفشي فيروس كورونا ومغادرة السياح الأجانب لها إثر ذلك"، مبيناً أنّ "معدّل الزائرين اليومي للمحل لا يتجاوز 20 زائراً، وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه حالياً، واستمرّ قرار منع دخول السياح نهائياً، فذلك يعني أنّ بيت لحم ستتحول فعلاً إلى مدينة أشباح، تخلو من رونقها وجمالها المعهود".

 

 

ويضيف سابا، الذي كان يرتدي كمامة طبية وقفازات في يديه أثناء حديثه لـ "حفريات": "شارع المهد ومحاله التجارية باتت تدفع ثمن الخوف من تفشي فيروس كورونا، وكلّ شيء في المدينة أصبح محل شكّ وريبة لدى جميع السائحين والمواطنين أيضاً، وتبقى الخشية مما ستحمله الأيام المقبلة، فالخوف يعمّ جميع أركان المدينة، وكأنّ حظراً للتجوال فرض عليها، في مشهد يدل على فقدان الحركة الدؤبة التي كانت تشهدها المنطقة قبل عدة أسابيع".

اقرأ أيضاً: ترامب: كنت سأجري فحصاً لكورونا والطبيب قال لا داع لذلك

ولفت إلى أنّ "المدينة باتت تنشد ظهور السائحين والمواطنين من جديد بين أزقتها"، مشيراً إلى أنّ "الأسابيع الأولى من شهر آذار (مارس) الجاري تسببت بخسائر مالية، قدرت بأكثر من 5 آلاف شيكل إسرائيلي (1600 دولار أمريكي)، على الرغم من تقديم الكثير من العروض والتنزيلات المغرية، لتشجيع الزبائن والسياح على النزول وشراء ما يحتاجون إليه من تحف وهدايا، ولكن دون جدوى، الأمر الذي أدى إلى تسريح عدد من العمال من المحل؛ بسبب تراجع نسب المبيعات".

خوف وقلق شديدان

ولم يكن حال المواطن، سمير مهيوب (34 عاماً)، من بلدة بيت ساحور ببيت لحم، وهو صاحب أحد محلات "السوبر ماركت" بالمدينة، بأفضل من غيره، إذ أبلغ "حفريات" بأنّ "حالة القلق الشديد التي تعيشها محافظة بيت لحم بعد الإعلان عن إصابة عدد من سكانها بفيروس كورونا، دفع المواطنين في المدينة إلى التهافت لشراء المواد التموينية والغذائية، كإجراء احترازي، تجنباً لانتشار الفيروس في مناطق أوسع وتسجيل إصابات جديدة بينهم".

اقرأ أيضاً: التعتيم الإيراني حول كورونا مفضوح دولياً

وبيّن سمير أنّ الشرطة الفلسطينية قامت بنشر الحواجز العسكرية، وإغلاق مداخل المدينة، ومنعت الدخول والخروج منها إلا في الحالات الضرورية والطارئة، "خوفاً من نقل الفيروس بين محافظات الضفة الغربية"، مؤكداً أنّ معظم عائلات بيت لحم تفضل البقاء في بيوتها، نتيجة الضغوط النفسية الكبيرة التي يواجهونها، كما خلت المحال من زبائنها، ولم تتمّ رؤية المارة إلا في حالات نادرة، وتجدهم يسيرون إلى جانب الطرق، مسرعي الخطى، خوفاً من احتكاكهم بمواطنين قد يكونون مصابين بالفيروس".

اقرأ أيضاً: حكاية الرواية التي قيل إنها تنبأت بفيروس كورونا قبل 39 عاماً!

ويأمل مهيوب أن تستقرّ الأمور سريعاً، وأن تعود الحياة إلى طبيعتها قريباً، ليستطيع المصلون، المسلمون والمسيحيون، الوصول إلى كنيسة المهد ومسجد عمر بسلام وأمان، وأن تعود الأنشطة الاقتصادية، والمؤسسات التعليمية إلى فتح أبوابها من جديد، للتخلص من الحالة النفسية السيئة التي يعانيها السكان حالياً في بيت لحم.

 

 

السير على الأقدام

من جهته، يقول المواطن مهران جعار، من بلدة العبيدية قضاء بيت لحم: "بيت لحم شبه خالية إلا من بعض المارة، الذين لا تتجاوز أعدادهم أصابع اليد الواحدة، بعد أن تمّ إغلاق جميع مداخلها"، مشيراً إلى أنّه بات يخشى أن يستقل وسائل النقل العمومية، خوفاً من انتقال فيروس كورونا إليه، وأنّه يفضل السير على الأقدام، دون الاختلاط أو التعامل مع أيّ شخص، كإجراء احترازي، تجنباً لانتقال العدوى إليه".

اقرأ أيضاً: هل الأطفال محميون من الإصابة بفيروس كورونا؟

ويضيف جعار (46 عاماً)، وهو يرتدي قناعاً طبياً على وجهه وقفازات في يديه، لـ "حفريات": "نتيجة للظروف الحالية لم أخرج من المنزل سوى مرتين خلال الأسبوع، للتزود بالمواد الغذائية والتي تكفي عائلتي لأسبوع تقريباً، لتقليل حركة التنقل في المدينة، مع الحرص على عدم ملامسة الأسطح والأشخاص، تجنباً لنقل العدوى بفيروس كورونا".

 

 

مبادرات طبية توعوية

ويرى الدكتور موسى طبيلة، أحد المشاركين في مبادرة "بيت لحم توحدنا"، لمواجهة خطر فيروس كورنا، في حديثه لـ "حفريات": أنّ "المبادرة تقوم على تقديم النصائح والإرشادات الصحيحة والدعم النفسي للمواطنين حول أعراض الفيروس، عبر صفحة تم تخصيصها على تطبيق "واتساب"، لمحاولة طمأنة السكان، بعد حالة الهلع التي أصابت كافة أرجاء بيت لحم بعد انتشار فيروس كورونا في أحد فنادقها".

صاحب محل في بيت لحم لـ"حفريات": إذا استمر قرار منع دخول السياح ستتحول المنطقة إلى مدينة أشباح

وبيّن طبيلة أنّ "فيروس كورونا سريع الانتشار والعدوى، والوقاية منه تكون بالمحافظة على النظافة الشخصية من خلال تعقيم اليدين باستمرار، وعدم ملامسة الأسطح، وغسل اليدين جيداً بالماء والصابون، وتجنب التواجد في الأماكن المكتظة، وعدم ملامسة الأنف والأعين والفم، فمن الممكن أن تكون سبباً في انتشار الفيروس".

وأثنى طبيلة على إعلان السلطة الفلسطينية حالة الطوارئ في أنحاء الضفة الغربية المحتلة كافة، لتجنب انتقال العدوى بالفيروس بين مدن الضفة، مبيناً أنّ الأمر يتوقف أيضاً على مدى التزام المواطنين بالمدينة بالقرار، خاصّة أنّ المستشفيات الحكومية الفلسطينية غير مؤهلة على الإطلاق لاستقبال عدد كبير من المصابين بالفيروس في حال انتشاره على نطاق واسع.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية