كيف أخرجت الدراما المصرية فلول داعش من جحورهم؟

كيف أخرجت الدراما المصرية فلول داعش من جحورهم؟


27/04/2022

سيطرت على منصات التواصل الاجتماعي في مصر خلال الأيام الماضية نقاشات حادة حول بعض الأعمال الدرامية التي تناولت الإرهاب، في مقدمتها مسلسل "بطلوع الروح"، للمخرجة كاملة أبو ذكري والمؤلف محمد هشام عبية، إلى جوار مسلسلات "جزيرة غمام"، للمخرج حسين المنباوي والمؤلف عبد الرحيم كمال، والجزء الثالث من "الاختيار"، للمخرج بيتر ميمي والمؤلف هاني سرحان.

الجدل حول مسلسل "الاختيار" بدأ منذ عرض حلقاته الأولى؛ نتيجة الجانب الوثائقي الذي سيطر على المسلسل، وعرض مقاطع فيديو تسجيلية تكشف الكثير من أسرار فترة حكم الإخوان، ومسعى الجماعة لحكم مصر حتى إن كان السبيل الدخول بالقاهرة إلى حرب أهلية.

ثم دخل في سباق الجدل مسلسل "جزيرة غمام"؛ نتيجة الجدل حول مشهد مناظرة حدثت في الحلقة 19 من العمل، بين رجل دين متشدّد وآخر صوفي، رأى البعض أنّها تخالف عقيدة أهل السنّة والجماعة. ولحقهما مسلسل "بطلوع الروح"، الذي بدأ عرض حلقاته في النصف الثاني من شهر رمضان، واشتعل الجدل حول المسلسل بعد اعتراض أحد الشيوخ على مشهد جلد سيدة داخل العمل الدرامي، لافتاً إلى أنّ جلد النساء في الإسلام لم يكن بتلك الطريقة، متهماً المسلسل بمحاولة تشويه صورة الدين في عقول الناس.

الصراع الذي أشعلته دراما رمضان ليس وليد ذلك العام، بيد أنّ القاهرة قررت مواجهة التطرف بالدراما بالتوازي مع المواجهة الأمنية، تحديداً منذ موسم رمضان 2017، والذي شهد بدايات عرض أعمال درامية تناولت ما عاشته مصر والمنطقة العربية من تطرف وإرهاب على خلفية الانهيار الأمني، بعد كانون الثاني (يناير) 2011، وتصاعد الاهتمام بذلك النوع من الدرامي على مستوى الكم أو الكيف في الأعوام التالية، مثل مسلسلات: كلبش، والاختيار، وأبو عمر المصري، ووضع أمني، والسهام المارقة.

الدراما مرآة المجتمع

مؤلف مسلسل بطلوع الروح، السيناريست محمد هشام عبية، يرى أنّ أبرز أسباب الجدل الدائر حول اهتمام صناع الدراما العربية بتقديم تلك النوعية من الأعمال، هو صعود الجماعات الدينية المتطرفة للحكم في مصر وتونس ودول مجاورة، بعد عام 2011، ما  جعلها تتصدر المشهد.

محمد هشام عبية: قرار وقف عرض "غرابيب سود" ربما تأثر بالجماعات الدينية في السعودية، وهي مسألة لن تحدث الآن

يضيف عبية، في تصريح لـ "حفريات": "بعض تلك الجماعات أخذت شكلاً أكثر عنفاً، مثل داعش، لذلك كان من الطبيعي أن تتناول الدراما تلك الظاهرة، لأنّها مؤثرة جداً في الناس والمجتمع وحياتهم اليومية، وصولاً لتغير الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية".

مسلسل "بطلوع الروح" ليس العمل الدرامي الأول الذي تناول داعش والأحداث التي شهدتها سوريا والعراق، بل سبقه، عام 2017، المسلسل السعودي "غرابيب سود"، الذي توقف عرضه على قنوات الشركة المنتجة فجأة دون استكمال حلقاته. والمسلسل يحكي قصصاً مختلفة عن مجموعة من النساء قررن الانضمام لداعش لأسباب مختلفة، ورغم أهمية القصة المقدَّمة إلا أنّ العمل فنياً لم يكن على المستوى المتوقع بالمقارنة  مع حجم الإنتاج.

السيناريست هشام عبية يرى أنّ توقف العرض ربما يكون نتيجة تنفيذ المسلسل في بعض أجزائه على عجالة، وربما كان ذلك السبب في خروج العمل بشكل غير مرضٍ: "خروجه أيضاً بشكل مستفز للجمهور، والذي بطبعه محافظ، ويرى أيّ ظهور لشخص ملتحٍ يمسك سلاحاً، أو منتقبة تحمل سلاحاً، مسألة غير مقبولة".

الأزمة الكبرى في التعامل مع القضايا المتعلقة بالجماعات الإرهابية تعود إلى أنّ الإسلام السياسي استطاع على مدار سنوات الخلط بين الجماعات وفكرة الدين

يضيف عبية: "لكن ما حدث في "بطلوع الروح" أنّ هناك متغيرات جديدة، مثلاً: "غرابيب سود" من إنتاج قناة سعودية، ولم تكن المملكة قد أخذت بعد تلك الخطوات الأخيرة مع الانفتاح على الآخر، إلى جانب رفع سقف الحريات".

يشير عبية إلى أنّ قرار وقف عرض "غرابيب سود" ربما تأثر بالجماعات الدينية في السعودية، وهي مسألة لن تحدث الآن: "بالتأكيد استفدنا من تغير المناخ خلال السنوات الأخيرة، واستفدنا أيضاً من المحاولات التي قدمها "غرابيب سود"، وقدمتها الدراما المصرية التي تناولت تلك المسألة، بالتالي، أصبح الجمهور مؤهلاً لتقبّل أعمال بذلك الشكل نفسه".

مدخل إنساني لقراءة داعش

ذلك الحجم من الأعمال يمثل تحدّياً، لأنّ السؤال الذي يستحضره المشاهد هنا هو: ما الجديد الذي سيقدّمه العمل؟ وهي المسألة التي شغلت ذهن مؤلف مسلسل "بطلوع الروح".

يوضح محمد هشام عبية: "لقد شاهدنا قبل ذلك أعمالاً عن داعش، لذلك كان التحدي أن نجد مدخلاً مختلفاً عمّا تمّ تناوله من قبل، وتلك وظيفة الفنّ؛ لأنّ الأفكار كلّها تكاد تكون تم تناولها من قبل، بالتالي؛ كيف نقدمها بشكل جديد ومختلف وجذاب؟".

يستكمل عبية: "قررت أنّ  مدخلي للعمل سيكون إنسانياً، وليس نقاشاً وجدلاً دينياً؛ لأنني أولاً لست مهيئاً لذلك، وغير مشغول به أيضاً، ولأنّني أرى أنّ مسألة مناقشة شخص في مسألة ممارسته للقتل والذبح على أساس ديني مسألة ضدّ الفطرة والمنطق، بالتالي قررت عدم خوض العمل من مدخل الخيار الديني أو البوليسي، وأنّ يكون اختياري إنسانياً في الأساس".

مسلسل "بطلوع الروح"

توظيف الصورة التلفزيونية في القنوات الفضائية لبثّ قضايا الإرهاب وأثرها في الجمهور كان مجالاً مهماً للباحثين، في محاولة لإدراك فاعلية الدراما في مواجهة التطرف الديني.

ينوّه عبية إلى أنّ الدراما تترك أثراً للجمهور صاحب القابلية للتغيير "مثل الجمهور العادي المنتمي للطبقة الوسطى، من لديه مساحة للتفكير وعقله لم يشوَّه بالكامل من الأفكار المتطرفة".

لم يتوقع عبية ذلك القدر الكبير من الهجوم: "كنت أتوقع الهجوم، لكن ليس بهذا العنف، ومن أحد الأشياء الصادمة أنّ أحد الأشخاص قدّم فيديو هجومياً ضدّ المسلسل من داخل مسجد".

أخطاء درامية مدخل للنقد

الهجوم على الأعمال الدرامية التي تناولت الإرهاب لم يكن في أغلبه مجرد هجوم مجرد، لكن تحدث أغلبه عن أخطاء معرفية أو بحثية، كمدخل إلى نقد العمل ككل، وهي المسألة التي دفعت الدراما المصرية إلى إعادة بعث مهنة الباحث المسؤول عن مراجعة الصورة الدرامية مع المخرج، وهي مهنة عرفتها الدراما المصرية في النصف الأول من القرن العشرين، ثم غابت لسنوات، قبل أن تعود مرة أخرى بعد عام 2011.

الباحث في شؤون الإسلام السياسي، علاء عزمي، كان مسؤولاً عن الشقّ البحثي في مسلسل "بطلوع الروح"، في محاولة من صنّاع العمل لتدقيق التفاصيل المتعلقة بفترة إقامة داعش لما يشبه الدولة في الداخل العراقي والسوري.

يرى عزمي يرى أنّ الأزمة الكبرى في التعامل مع القضايا المتعلقة بالجماعات الإرهابية تعود إلى أنّ الإسلام السياسي استطاع على مدار سنوات الخلط بين الجماعات وفكرة الدين، بالتالي، عندما نهاجم تلك الجماعات نفاجَأ باتّهامنا بأنّنا نهاجم الدين.

يوضح علاء عزمي في تصريح لـ "حفريات": "ما نقابله اليوم هو نتيجة غياب مشاريع راسخة لمواجهة الإسلام السياسي منذ بداياته، بالتالي، إذا كان لدينا مشروع قومي راسخ ضدّ الإسلام السياسي نستطيع خلال السنوات المقبلة القضاء عليهم".

يضيف عزمي: "مشهد الجلد في المسلسل، والذي نفّذته الفنانة إلهام شاهين، حصل على مساحة انتقاد أكبر، بحجة أنّه لم يقدَّم بشكل شرعي، لكن في حقيقة الأمر أنّني لم أقدّم مشهد جلد طبقاً للحدود الشرعية، لكن ما قدمته هو عقوبة إدارية كانت تنفَّذ فعلياً داخل داعش ولها أصل داخل التنظيم".

مسلسل "جزيرة غمام"

يوضح عزمي أنّ تنظيم داعش كان يتعامل بأكواد معينة، "مثلاً: العقوبات الناتجة عن حدود يتم تنفيذها في الساحة يوم جمعة، ويحضرها القاضي الشرعي وشخص من الحسبة وآخر من الشرطة، مع وجود طبيب وبعض الشروط لتنفيذ المسألة. لكن، مثلاً، إذا شاهدوا امرأة تسير في الشارع ترتدي نقاباً شفافاً، أو لم تلتزم بالزيّ الشرعي، هنا فإنّ المسؤول عن الضبطية الممنوحة لبعض أعضاء الشرطة، من الرجال والنساء، تحقّ له معاقبة المخالف وتنفيذ عقوبات إدارية وقتية، وهي مجرد إهانة للشخص أكثر منها عقوبة حدية".

يشير عزمي إلى أنّ ما قُدّم في مسلسل "بطلوع الروح" هو شيء قليل بجوار ما حدث بالفعل: "في شبه جزيرة سيناء مثلاً؛ قتل تنظيم داعش 300 شخص داخل مسجد الروضة وهم يقيمون الصلاة".

مؤلف مسلسل "بطلوع الروح" لـ"حفريات": "كنت أتوقع الهجوم، لكن ليس بهذا العنف، ومن أحد الأشياء الصادمة أنّ أحد الأشخاص قدّم فيديو هجومياً ضدّ المسلسل من داخل مسجد

ينوّه عزمي إلى أنّه، ومع هدوء الأوضاع أمنياً في أغلب الدول المتضررة من وجود داعش "أدركنا الدور الكبير والمهم للحلول الأمنية في المواجهة"، مستطرداً: "لكنّ أفكار داعش، للأسف، ترسّخت بشكل كبير وأصبح للتنظيم مشجعون ومريدون، وتحوّلت التنظيمات الإرهابية، مثل داعش، من الصراع على الأرض إلى صراع خفيّ وفردي، مثل الذئاب المنفردة، بالتالي، أصبحت الظاهرة أكثر خطورة في الوقت الحالي؛ لأنّها أصبحت مستترة بعكس الاستعراض الدرامي الذي حدث في بدايات صعودها".

حديث عزمي يحيلنا إلى دور الدراما في كشف زيف تلك الجماعات، وتصحيح المفاهيم لدى المشاهد: "بالتراكم نستطيع التغيير؛ يجب أن تكون هناك مشروعات متكاملة، يجب أن يكون هناك إصرار طول الوقت على تقديم ذلك، وحتى قبل أن نصل إلى ذلك التراكم، فالدراما هنا كالحجر الذي ألقِي في الماء الراكدة واستطاع لفت الانتباه".

عودة دور الباحث للدراما

الحديث عن دور الباحث ومدى أهميته بدأ قبل سنوات، وهي المسألة التي أكّدها الباحث الرئيس لمسلسل "جزيرة غمام"، أيمن عثمان، في إشارة إلى أنّ المسألة لا تقتصر على مجرد البحث التاريخي فقط، كما هو في مخيلة الناس.

يوضح أيمن عثمان، في تصريح لـ "حفريات": "إذا شاركت في عمل نفسي يجب أن أكون باحثاً في المنطقة نفسها، المسألة نفسها إذا كان العمل قانونياً؛ فالباحث هنا يجب أن يكون مستشاراً قانونياً، وإذا كان العمل يخص شأن المرأة سيكون الباحث هنا في شؤون المرأة".

أيمن عثمان: الباحث هو عين المخرج في صنع المحاكاة

يضيف عثمان: "عام 1955، حدث أن قدّمت مسرحية اسمها "سر السفاحة ريا"، للفنانة نجمة إبراهيم؛ في استثمار لنجاحها في فيلم "ريا وسكينة"، وكانت الدراما في العمل نفسية لدرجة أنّها استعانت بطبيب وباحث نفسي، اسمه الدكتور محمد فتحي، أما فيلم "ريا وسكينة" نفسه فاستعان صنّاع العمل بباحث كبير اسمه لطفي عثمان، ورغم أنّ الفيلم تم تصويره في الخمسينيات، لكنّه أعطانا شكل المجتمع السكندري سنة 1920، ووضع اسم الباحث بشكل مميز على تتر العمل".

نستطيع أن نقول إنّ الباحث هو عين المخرج في صنع المحاكاة: "أنا، كباحث، عندما أعمل على مسلسل يجب أولاً أن أعرف الزمن الذي تدور فيه الأحداث، فلا يستطيع باحث أن يلعب الدور في جميع الأزمنة التاريخية مجتمعة؛ إذا كان العمل الدرامي في حقبة تاريخية معينة فيجب أن يكون الباحث متخصصاً في تلك الفترة، لذلك أنا، مثلاً، لا أقبل العمل إلا في دراما تدور في فترات من بداية الحملة الفرنسية وحتى التاريخ المعاصر. الباحث بالنسبة للمخرج هو العين، والشخص الذي يستطيع منح المعادل البصري للحدوته والتفصيلة، ويمتدّ شغل الباحث ليس للتصحيح التاريخي فقط، أو المراجعة التاريخية، لكنّ عمله يصل إلى شكل الملابس والاكسسوار، ويجب أن تكون عيناه لمّاحتين تاريخياً، تنتبهان لما لا ينتبه إليه آخرون".

يرى أيمن عثمان أنّ الجدل الدائر حول الدراما المتعلقة بالإرهاب ليس وليد اللحظة، بل يمتد إلى أقدم من ذلك بكثير: "مثال لذلك مسلسل "العائلة"، من بطولة الفنان محمود مرسي، وهو أحد المسلسلات التي شكّلت عقولنا، وفي ذلك الوقت لم تكن "السوشيال ميديا" قد ظهرت بعد، بالتالي، التفاعل بين الناس حول العمل كان في الشارع، عن طريق رؤية ردّ فعل الناس". مضيفاً: "أذكر أنّ المسلسل، بعظمته، بكمية الرسائل المقدمة من خلاله عن الجماعات المتطرفة، وللأسف، وقفت أمام مشهد واحد لو أزيل من السياق الدرامي لم يكن ليؤثر، وهو المشهد المتعلق بالحديث عن عذاب القبر، وأذكر أنّ مساجد كثيرة بدأت بالحديث عن ذلك المشهد، وتركت رسالة موجودة كانت في منتهى العبقرية، فتمّ تشويه عمل جبار كبير جداً من خلال مشهد واحد، وكان صنّاع العمل في ذلك الوقت من الذكاء أن ينهوا ذلك الالتباس بعدها بحلقة أو حلقتين، بعرض مشهد يقرّ بأنّ الأمر متروك للعلماء والفقهاء".

مواضيع ذات صلة:

الدراما المصرية.. كيف لعبت دوراً في استراتيجية مكافحة الإرهاب؟

الدراما الوطنية والإرهاب

جرعة سياسية تسيطر على دراما رمضان 2022



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية