كيف أصبحت المعارضة الإيرانية في تركيا ورقة للمقايضة السياسية؟

كيف أصبحت المعارضة الإيرانية في تركيا ورقة للمقايضة السياسية؟


26/04/2021

ثمة تهديدات جمّة باتت تشكل ضغوطاً هائلاً على المعارضة الإيرانية الموجودة في تركيا، مؤخراً؛ إذ إنّ الأخيرة لم تعد ملاذاً آمناً لهم، في ظلّ استمرار حملات التوقيف المتكررة، وتسليم عدد منهم لطهران بواسطة قبل قوات الأمن التركية، إضافة إلى اختطافهم وملاحقتهم من عناصر تابعين للمخابرات الإيرانية، كما حدث مع الرئيس السابق لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز، حبيب أسيود، والذي تعرض للاختطاف، نهاية العام الماضي، ثم ما لبثت الحكومة الإيرانية أن أعلنت عن القبض عليه.

ملف استضافة المعارضين الإيرانيين، رغم ما يسببه من توترات، إلا أنّه سرعان ما يتم استخدامه كورقة للمقايضة بينهما على مجموعة من القضايا

وخلال العام الماضي، ذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية، أنّ هناك نحو 33 إيرانياً تمّ ترحيلهم إلى إيران من تركيا، من بينهم سعيد تمجيدي ومحمد رجبي، اللذين صدرت بحقّهما أحكاماً بالإعدام على خلفية مشاركتهما في الاحتجاجات الشعبية، عام 2019.

وبحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية؛ ففي الشهر الحالي نيسان (أبريل)، تمّ توقيف الناشط السياسي الإيراني الكردي، أفشين سهراب زاده، والذي سبق وتعرض للسجن لمدة سبع سنوات بإيران، قبل أن يتمكّن من اللجوء إلى تركيا، عام 2016؛ إذ جرى اعتقاله أثناء تواجده داخل مركز شرطة مدينة إسكيشهير، بغرض الحصول على أوراق سفر للخارج، لكنّه فوجئ بلائحة اتهامات ضدّه، تتصل بـ "تهديد الأمن القومي التركي".

واللافت أنّ عملية اعتقال الناشط السياسي الإيراني الكردي تبدو حيلة لترحيله إلى إيران، كما تكرّر مع آخرين غيره، بحسب محاميه محمود قاشان، والذي أوضح أنّ "وضع أفشين سهراب زاده، المفترض أنّه يحظى برعاية وحماية، تبعاً للقوانين الدولية والتركية كلاجئ، يتمّ تجاهله".

اقرأ أيضاً: المعارضة الإيرانية: المآزق والمطالب

وتشير الصحيفة البريطانية، إلى أنّه في اليوم ذاته الذي تعرض فيه سهراب زاده إلى الاعتقال "احتُجز أربعة آخرون من طالبي اللجوء الإيرانيين؛ وهم: ليلى فرج، وزينب الصحافي، وإسماعيل فتاحي، ومحمد بوركباري، في دنيزلي، بسبب مشاركتهم الظاهرة في الاحتجاجات الأخيرة ضدّ انسحاب تركيا من اتفاقية دولية تحمي النساء من العنف الأسري"، موضحة أنّ هناك قرابة الـ "67 ألف إيراني، من بينهم 39 ألف لاجئ، يعيشون في تركيا، كما يسافر ملايين السياح الإيرانيين سنوياً إلى تركيا من دون الحصول على تأشيرة".

سياسة أنقرة باتجاه توظيف المعارضة

وبينما تحاول أنقرة، طوال الوقت، نفي الاتهامات الحقوقية التي تلاحقها بخصوص تورّطها في تسليم عناصر من المعارضة الإيرانية للحكومة في طهران، إلا أنّ رئيس الفرع الإيراني لمنظمة الشرطة الدولية (الإنتربول)، البريجادير جنرال هادي شيرزاد، قال، الأسبوع الماضي: إنّ "أنقرة سلّمت طهران ميلاد حاتمي"، والمعروف بأنشطته الإعلامية المعارضة للنظام والحكومة في طهران، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بينما تتهمه طهران بـ "غسل الأموال والاحتيال فيما يتعلق بالمقامرة عبر الإنترنت".

الباحث المصري في العلوم السياسية الدكتور مصطفى صلاح لـ "حفريات": تتميز العلاقات التركية الإيرانية بقدرتها على تجاوز الأزمات التي تعصف بمسار تعاونهما

وتابع رئيس الفرع الإيراني لمنظمة الشرطة الدولية: "تمّ تسليم ميلاد حاتمي ويواجه تهماً تتعلق بجرائم الإنترنت والاحتيال وغسل الأموال".

ويلفت الباحث المصري في العلوم السياسية، الدكتور مصطفى صلاح، إلى أنّ الموقف التركي من المعارضة الإيرانية يتأثر تبعاً لمحددات سياسة وإقليمية، كما أنّه يتقاطع والمصالح القائمة بين طهران وأنقرة، ويوضح لـ "حفريات": "تتميز العلاقات التركية الإيرانية بقدرتها على تجاوز الأزمات التي تعصف بمسار تعاونهما، ولعل آخرها الخلافات حول الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، والاتهامات المتبادلة بين الجانبين في العراق، وهو ما تسبّب في توتر العلاقات الدبلوماسية بينهما، مؤقتاً".

الباحث المصري في العلوم السياسية مصطفى صلاح

وقد شهدت العلاقات بين طهران وأنقرة أيضاً تصعيداً كبيراً، بعد أن أعلنت السلطات التركية أنّ النظام الإيراني استخدم الأراضي التركية لتصفية المعارضين لها، إثر حادثة اغتيال مسعود مولوي وردنجاني، في 28 آذار (مارس) العام الماضي، بحسب صلاح؛ إذ أعلنت تركيا إنّ "هناك تورّط لبعض القيادات الاستخباراتية الإيرانية داخل القنصلية الإيرانية في اغتيال وردنجاني المعارض الإيراني في تركيا، والذي تمّ اغتياله، في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2019، بعد أكثر من عام على مغادرته إيران، غير أنّ هذه الأحداث لم تتسبّب في توتر العلاقات بينهما على المستوى البعيد".

التقارب الإيراني التركي

ورغم ذلك، ظلت تركيا تستضيف الأحزاب والشخصيات المعارضة للأنظمة السياسية في المنطقة، وكذا تقديم مختلف الدعم المالي والسياسي لجهة "استخدامهم في تعزيز نفوذها والمقايضة بهم أمام حكوماتهم ودولهم، لتحقيق مصالحها السياسية والبراغماتية؛ ولعل استقبال تركيا لجماعة الإخوان الإرهابية من أبرز الأمثلة على هذه السياسة، أي أنّ تركيا تعتمد على هذه الأداة ضمن أدوات أخرى تحقيق سياساتها الخارجية في المنطقة، خاصة المعارضين الإيرانيين؛ لأنّ طهران تشترك مع أنقرة في كثير من الملفات والأزمات الإقليمية وبينهما صراع ممتدّ على النفوذ"؛ يقول صلاح.

ويرى الباحث المصري في العلوم السياسية؛ أنّ "ملفّ استضافة المعارضين الإيرانيين، رغم ما يسببه من توترات، إلا أنّه سرعان ما يتم استخدامه كورقة للمقايضة بينهما على مجموعة من القضايا المختلف عليها بين الجانبين".

يتفق والرأي ذاته، الباحث في العلوم السياسية بجامعة مونتريال، وحيد يوجيسوي، الذي يرى أنّ العلاقات الثنائية بين أنقرة وطهران شهدت "دفعة كبيرة منذ محاولة الانقلاب، عام 2016، ومنذ ذلك الحين، وبينما أصبح سلوك السياسة الخارجية التركية يتمركز، بشكل متزايد، حول صيانة بقاء حزب العدالة والتنمية في السلطة، فقد خلق أيضاً فرصاً للتقارب مع إيران. وفي حين أنّ الحرب الأهلية السورية قد أحدثت في السابق انقسامات حادة في الشرق الأوسط بين إيران وتركيا، فإنّ أنقرة لم تعد تبشر بالإطاحة بالأسد في أعقاب محاولة الانقلاب، وبدأت في التعاون المباشر مع إيران وروسيا وسوريا للتوصل إلى حلّ للصراع".

اقرأ أيضاً: المعارضة الإيرانية تفضح مرتكبي مجزرة 1988

ويؤكد، في دراسته التي حملت عنوان "التقارب الأخير بين إيران وتركيا: هل هو راسخ أم علاقة مواءمات؟"، الصادرة عن المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية؛ أنّ "أزمة قطر والاستفتاء على استقلال كردستان العراق في سياق المناخ السياسي ما بعد الانقلاب في تركيا قد خلقت أسساً قوية لتطوير العلاقات بشكل كبير بين أنقرة وطهران، كما تعززت هذه الدفعة في العلاقات الثنائية بسبب ما يحمله كلا البلدين من مشاعر المظلومية لأسباب تخصّ كلاً منهما تجاه إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في الولايات المتحدة، وتزايد ميل أنقرة إلى الانجذاب إلى مجال النفوذ الروسي".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية