كيف أنهك بروتوكول الخليل العاصمة الاقتصادية للفلسطينيين؟

كيف أنهك بروتوكول الخليل العاصمة الاقتصادية للفلسطينيين؟


24/03/2022

ما يزال "بروتوكول الخليل"، منذ توقيعه قبل ما يزيد عن 25 عاماً بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ينهك الفلسطينيين في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، بفعل التضييقات الإسرائيلية المستمرة التي أفرغها الاتفاق على أوضاعهم الحياتية والاجتماعية والاقتصادية، بعد أن قطعت سلطات الاحتلال أوصال المدينة بالبوابات الحديدية، والمكعبات الإسمنتية، بإغلاق العديد من المحال والورش التجارية، وإقامة العديد من البؤر الاستيطانية في قلب الأحياء السكنية الفلسطينية.

اقرأ أيضاً: الجزائر وفرنسا وتركيا: آلام الماضي وأطماع المستقبل

ووقعت السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي "بروتوكول الخليل"، في 15 كانون الثاني (يناير) 1997، والذي تم بموجبه تقسيم المدينة إلى منطقتين: (H1) والتي تشكّل 80% من المساحة الكلية لمدينة الخليل وتخضع للسيطرة الفلسطينية، ومنطقة (H2)، وتشكّل 20% من مساحة الخليل، وبقيت تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، وتشمل البلدة القديمة والمسجد الإبراهيمي.

اقرأ أيضاً: هل توقيع اتفاقية أمنيّة مع تركيا وراء استقالة رئيس وزراء قطر؟

وتعدّ محافظة الخليل قلعة الاقتصاد الوطني والعاصمة الاقتصادية للدولة الفلسطينية المستقلة، وهذا ما أكّدته الإحصاءات الاقتصادية الصادرة عن جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، والتي بيّنت أنّه يوجد في محافظة الخليل 17 ألف و200 منشأة اقتصادية، وهو يمثل أعلى معدل بالنسبة لمحافظات الوطن.

وقعت السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي "بروتوكول الخليل"، في 15 كانون الثاني (يناير) 1997

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة- أوتشا، يوجد في محافظة الخليل (جنوب الضفة الغربية) 22 مستوطنة إسرائيلية، إضافة إلى 15 بؤرة استيطانية، و4 مستوطنات صناعية، يقطن هذه المستوطنات حوالي 19 ألف مستوطن إسرائيلي.

 

اقرأ أيضاً: فيلم "صالون هدى" يثير جدلاً واسعاً في فلسطين ومطالبات بمقاطعته.. ما القصة؟

وفي 21 نيسان (أبريل) عام 2020، صادق المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية -أفيخاي مندلبليت، على قرار يقضي بمصادرة أراضي الحرم الإبراهيمي من دائرة الأوقاف الإسلامية وتوظيفها للمشاريع التهويدية والاستيطانية تحت ذريعة التطوير والتوسع.

 

اقرأ أيضاً: حماس عندما تطلب الدعم ولو من الصين

ومنذ عام 1994، يُقسّم الحرم الإبراهيمي، الذي يُعتقد أنه بُني على ضريح نبي الله إبراهيم، عليه السلام، إلى قسمين، قسم خاص بالمسلمين، وآخر باليهود، إثر قتل مستوطن يهودي 29 شخصاً أثناء تأديتهم صلاة الفجر، في 25 شباط (فبراير) من العام ذاته.

أثر اقتصادي مدمّر

وأشارت دراسة اقتصادية للمجلس النرويجي للاجئين، عام 2019، إلى أنّ "الأثر الاقتصادي للإجراءات الاحتلالية في مدينة الخليل مدمر، وقدّرت أنّ إجمالي الخسائر، المباشرة وغير المباشرة، الناتجة عن إغلاق المحلات التجارية بأوامر عسكرية في المدينة، منذ إغلاقها عام 1994، تقدر بنحو 485 مليون دولار، أي ما يعادل 1.6 مليون دولار شهرياً تكبدتها البلدة القديمة".

الكارثة الكبيرة كانت بتوقيع السلطة الفلسطينية على بروتوكول الخليل وتقسيمها إلى منطقتين، حيث حجّم ذلك من قدرة الفلسطينيين على الحركة في معظم المناطق بالخليل، وتحديداً التاريخية منها

كما ذكر المجلس؛ أنّ ثمانية من كلّ عشرة بالغين يعيشون في البلدة القديمة في الخليل عاطلون من العمل، وأنّ 75% من العائلات هناك تعيش تحت خطّ الفقر، وبحسب دراسة أجرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بلغ متوسط الدخل الشهري للأسر الفلسطينية، في منطقة "H2"، ما يقارب 700 شيكل شهرياً فقط (ما يعادل 200 دولار).

وتنتهك الإجراءات الإسرائيلية "بروتوكول الخليل"، خاصّة المادة 8، التي تلزم الطرفين بالحفاظ على "حياة طبيعية في جميع أنحاء مدينة الخليل.

وكانت إسرائيل قد طردت، في 31 يناير (كانون الثاني) 2019، 65 مراقباً دولياً من فريق الوجود الدولي المؤقت في الخليل (TIPH)، حيث كانت الجهة الدولية الوحيدة التي تتيح وجوداً وقائياً مصرحاً له بالوصول إلى أيّ جزء من المدينة سيراً على الأقدام، منذ عام 2015، وكانت لديها قنوات مباشرة للتعامل بشكل عاجل مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.

آثار كارثية

ويرى الناشط في تجمع المدافعين عن حقوق الانسان عماد أبو شمسية، خلال حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ "ما تبقّى من بروتوكول الخليل هو فقط التزام السلطة الفلسطينية بالاتفاقات الموقّعة بينها وبين الجانب الإسرائيلي، في حين ما يزال الاحتلال ينتهك بشكل يومي هذه الاتفاقية، عبر اقتحام المناطق التي تخضع تحت السيطرة الفلسطينية، أو المسماة بمنطقة (H1)، وكذلك اقتحام المناطق الفلسطينية الأخرى التي تم تقسيمها"، مبيناً أنّ "الإحصائيات الصادرة عن منظمات صهيونية تبيّن وجود ما بين 450 إلى 500 مستوطن يعيشون فقط في ثمانية بؤر استيطانية تقع في قلب مدينة الخليل".

أبو شمسية: ما تبقّى من بروتوكول الخليل هو فقط التزام السلطة الفلسطينية بالاتفاقات الموقّعة بينها وبين إسرائيل

وبيّن أبو شمسية؛ أنّ "بروتوكول الخليل ترك آثاراً كارثية، بتقسيم المدينة إلى منطقتين، هما H1 وH2، وكذلك مكّن الاحتلال من سرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية، تحديداً في منطقة "H2"، التي تشكل ثلث مدينة الخليل، وتسيطر عليها السلطات الإسرائيلية، والتي تعمل على بناء المزيد من المستوطنات على أراضيها".

 

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: تضييق في تركيا وتصعيد في ليبيا وفضيحة لحماس في السودان

ولفت إلى أنّ "البروتوكول عمل على قتل الحياة التجارية في قلب مدينة الخليل، بعد أن تمّ إغلاق عدة مناطق كتل رميدة ومنطقة شارع الشهداء، وكذلك إغلاق ما يقارب من 552 محلاً تجارياً بفعل أوامر عسكرية صهيونية، وتأثر ما يقارب ألف و800 محل تجاري آخر في البلدة القديمة بالإجراءات والتضييقات الإسرائيلية، وهو الأمر الذي فاقم من نسب الفقر بين السكان الفلسطينيين".

متحف للأبرتايد

أبو شمسية أكد أنّ "الاحتلال الإسرائيلي يقيم 20 حاجزاً في مدينة الخليل، بالإضافة إلى قيامه بأكثر من 103 إغلاقات في مساحة لا تتعدى 1500 متر مربع بالمدينة، وهو بذلك يقيم ما يسمى بمتحف للأبرتايد والفصل العنصري بالمدينة، وبالتالي منع التواصل الاجتماعي بين الأهالي والسكان، تحديداً في المناطق التي تم تقسيمها، والتي يتم إغلاقها بشكل مستمر".

الناشط عماد أبو شمسية لـ"حفريات": تأثر ما يقارب ألف و800 محل تجاري في البلدة القديمة بالإجراءات والتضييقات الإسرائيلية، ما فاقم من نسب الفقر بين السكان الفلسطينيين

وأوضح الناشط الفلسطيني: "هناك تقصير واضح من قبل السلطة الفلسطينية في تعزيز صمود السكان في داخل المناطق المقسمة بمدينة الخليل، وكذلك هناك قصور واضح من قبل المؤسسات الأهلية والحقوقية والتي يقع عليها دور أكبر في توثيق انتهاكات الاحتلال، وعلى السلطة أن تعدّ منطقة "H2" منطقة منكوبة من أجل مجابهة الاستيطان، والتمييز العنصري التي يرتكبها الاحتلال في داخل المدينة".

التضييق على حركة السكان

بدوره، قال الناطق باسم شباب ضدّ الاستيطان، في الخليل محمد زغير لـ "حفريات"، إنّ "الكارثة الكبيرة كانت بتوقيع السلطة الفلسطينية على بروتوكول الخليل وتقسيمها إلى منطقتين، حيث حجّم ذلك من قدرة الفلسطينيين على الحركة في معظم المناطق بالخليل، وتحديداً التاريخية منها، في حين نجد أنّ المشاريع التي تقدم للسلطة والبلديات جلّها تتمّ في المنطقة H1، والتي تزخر بالجامعات والمدارس والحدائق، في حين تختف تلك المظاهر من المنطقة المصنفة H2، والتي تحرم من تلك المشاريع التطويرية".

الناطق باسم شباب ضدّ الاستيطان، في الخليل محمد زغير: التقسيمات الحالية فكّكت من أواصر الترابط بين العائلات بالخليل

وتابع بأنّ "التقسيمات الحالية فكّكت من أواصر الترابط بين العائلات بالخليل، وبات كثيرون منهم لا يستطيعون التواصل مع أقاربهم أو التنقل بسهولة وبأريحية مطلقة، أو حتى التفكير في تزويج أبنائهم أو بناتهم في تلك المناطق، خاصة الواقعة في المنطقة "H2"، للفصل العنصري الكبير التي يتعرض له السكان فيها، حيث أغلق الاحتلال بعد توقيع البروتوكول واندلاع انتفاضة الأقصى، عام 2002، شارع الشهداء، ومنطقة وادي الحصين، ومحيط الحرم الابراهيمي، وقسّم المدينة إلى أربعة أقسام، لقطع التواصل في هذه المناطق، والتضييق على السكان، ودفعهم للجوء نحو الطرق الالتفافية للوصول إلى الأحياء الأخرى بالمدينة".

تدمير الحياة الاقتصادية

ولفت زغير إلى أنّ "البروتوكول ساهم في تدمير الحياة الاقتصادية وإغلاق الآلاف من المحال التجارية في شارع الشهداء وسط مدينة الخليل، في حين لا تجد المحال المتبقية أيّ إقبال عليها، بفعل الإغلاق الإسرائيلي للطرق المؤدية إليها، وبالتالي فهي لا تختلف كثيراً عن المحال التجارية الأخرى التي أوصدت أبوابها، حتى باتت البلدة القديمة بالخليل مدينة أشباح، بعد كلّ هذه الإجراءات العنصرية والتعسفية الصهيونية، وارتفاع أعداد المستوطنين واعتداءاتهم على السكان بالبلدة".

 

اقرأ أيضاً: هل تخدم حماس أهداف طالبان على الحدود الإيرانية؟

زغير أوضح؛ أنّ "مطالباتنا المستمرة للسلطة الفلسطينية بالتواجد الأمني في المنطقة H2، للمحافظة على الأمن العام، لم تلقَ آذاناً مصغية من قبل الساسة في السلطة، حيث يوجد تقصير كبير من قبل الأخيرة في متابعة ملف مدينة الخليل، وكان الأجدر بها عدم التوقيع على هذا البروتوكول، والذي نصّ على فتح أهم شوارع المدينة وهو شارع الشهداء بعد ستة أشهر من توقيعه، إلا أنّ الشارع ما يزال مغلقاُ حتى يومنا هذا".

وبيّن الناطق باسم شباب ضدّ الاستيطان؛ أنّ "الخليل تعدّ من أقدس المدن الدينية عند اليهود؛ لذلك نجد سابقاً أنّ أغلب المرشحين الإسرائيليين في الانتخابات كانوا ينادون باسم الخليل، والتي شهدت على مدار سنوات زيارات لأعضاء كنيست من اليمين المتطرف، حيث توجد مؤسسات استيطانية قوية حول العالم تقوم على تقديم الدعم المالي للمستوطنات والمستوطنين بالخليل".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية