كيف اختلف مشروع عبدالمتعال الصعيدي لإصلاح الأزهر عن غيره؟

كيف اختلف مشروع عبدالمتعال الصعيدي لإصلاح الأزهر عن غيره؟


25/08/2019

بعد ثورة 30 يونيو التي أنهت حكم الإخوان في مصر، كانت جامعة الأزهر، دون كلّ الجامعات المصرية، عصيّة على الهدوء، كما ظهر في أعمال الشغب والتخريب التي ارتكبتها مجموعة لا يُستهان بها من الطلبة، وهو ما عكس مدى التوغل الشديد للجماعات الإسلامية، خاصّة من السلفية والإخوان المسلمين، وهو ما طرح ضرورة إصلاح الأزهر وتطوير مقرّراته الدراسية، التي حمّلها البعض المسؤولية عن انتشار جماعات العنف بين طلاب الجامعة، ولا شكّ في أنّ إصلاح الأزهر دعوة قديمة في الفكر المصري الحديث، بدأت على يد الإمام محمد عبده وتلاميذه، وكان الشيخ عبد المتعال الصعيدي أحد أهم المصلحين الذين كتبوا حولها في ثلاثة كتب من مؤلَّفاته التي تجاوزت الخمسين.
   
الأزهر في العصر العثماني
عاش العالم الإسلامي، منذ القرن السادس الهجري، تحت حكم العثمانيين، ورغم قوة هذه الدولة، على المستوى العسكري، واستمرارها أكثر من أربعة قرون، إلا أنّ العالم الإسلامي كان يعاني تحت وطأتها حالة من الجمود والتخلف الفكري، كانت هذه المرحلة هي مرحلة الشروح الفكرية على الأعمال الكبيرة التي ظهرت في الحضارة الإسلامية، في عصور الازدهار، وفي ظلّ هذه الأجواء، لم يختلف الأزهر عن الحياة الثقافية السائدة في تلك الفترة.

اقرأ أيضاً: حدّ الردّة في اجتهاد الشيخ عبد المتعال الصعيدي
لهذا لم يكن في الأزهر على هذا العهد عالم يضاهي علماء السلف في سعة الاطلاع، واتساع الأفق العلمي، كما يقول الصعيدي، وإنما كان هناك علماء قلَّت بضاعتهم في العلم، فلا يعرفون إلا قشوراً لا تنهض بأمة، ولا تقوم بدولة، وقد انقطعوا في عزلة عن العالم، فلا يشعرون به، ولا يشعر بهم، ولا يتعدى تفكيرهم جدران الأزهر الذي صار عندهم كلّ شيء في الدنيا.

مشروعية تعلّم العلوم من بلاد "الكفر"

لعلّ من أبرز جهود إصلاح الأزهر؛ ذلك الجهد الذي قام به الشيخ عبد المتعال الصعيدي (1894 – 1966)؛ حيث انتقد قانون إصلاح الأزهر، الذي صدر العام 1342هـ، ورأى أنّ إصلاحات هذا القانون لا تكفي لإصلاحه، وحاول أن يردّ على الجامدين الذين يقولون إنّ تعلّم علوم الدين فيه الكفاية، وإنّ اشتغالنا بغيرها تضييع لها، وهذا كلام يراه الصعيدي بعيداً عن الحقيقة، فيقول: "وحتى لو فرضنا أنّ هذه العلوم كفرية، كما يظنّ البعض، ولكنّها صارت سلاحاً قوياً في يد الخصم، به يصول ويجول على الديانات، أليس من الواجب أن نعرف ما هو السلاح كي نقابله بمثله، ونردّ كيدَ حاملِه في نحره، نعم يجب علينا ذلك، ويجب أن نلبس لهذا العصر لباسه، ونخلع عنا ذلك الثوب الخلق، فلكل زمان حال ولكل عصر دولة ورجال، ونرفض ذلك الزمن الذي كان العلم فيه وقفاً علينا".

اقرأ أيضاً: من صفحات التجديد: الشيخ الصعيدي وتطبيق الحدود
حاول الصعيدي أن يكشف كيف أنّ الإسلام كدين لا يتعارض مع الأخذ بهذه العلوم والمعارف؛ فالإسلام، عنده، أقرب الأديان إلى المعارف المدنية؛ لأنّه أول دين لا يتعارض مع حكم العقل، ولا يرفض أيّ إصلاح يأتي من ناحيته.
أسباب الجمود
يكشف الصعيدي أهمّ أسباب الجمود في الأزهر، في تلك الفترة؛ فيرى أنّ أهمّها: التقيّد في العقائد بمذهب الأشعري، فيتربى الطلاب في الأزهر على الجمود على هذه العقيدة، وهذا الجمود على عقيدة الأشعري يجعل الأزهريين لا يطيقون أن يروا مخالفاً لهم؛ لأنّهم يرون أنّ كلّ من يخالفها فاسق آثم، مع أنّ في العقائد مسائل كثيرة فيها مجال للاجتهاد.

دعوة إصلاح الأزهر قديمة في الفكر المصري الحديث بدأت مع محمد عبده وتلاميذه كالشيخ عبد المتعال الصعيدي

وثاني هذه الأسباب، وفق الصعيدي، التقيد في الفروع بالمذاهب الأربعة المشهورة، فيتربّى الطلاب في الأزهر على الجمود عليها، مع أنّ هناك مذاهب فقهية غيرها، وقد يكون فيها من الأحكام ما يكون أصلح للعمل بها، وثالث هذه الأسباب؛ المبالغة في تقديس أسلافنا وعلومهم؛ فالأسلاف عند أهل الأزهر أعلى من أن يؤخذوا بنقد، وعلومهم لا يذكر بجانبها علوم غيرهم، ولا يمكن أن يسمح الزمان بمثلهم، أو مثل علومهم؛ لذلك يجب أن نقضي على الأسباب التي أدّت بنا إلى ذلك الجمود العلمي والديني، لتتسع عقول أهل الأزهر للبحث والنقد، ولا نقابل أيّ رأي جديد بالإنكار والاعتراض، وهكذا يدعو الصعيدي إلى ضرورة إقرار التسامح، وحقّ الاختلاف، ورفض الجمود على عقيدة أو مذهب فقهي، ورفض تقديس الأسلاف؛ لأنّ ذلك يعيق التفكير الحرّ.

اقرأ أيضاً: الأزهر وأوكسفورد.. بداية واحدة ومآلات مختلفة
ويطالب الصعيدي بضرورة إطلاق العنان لأفكار الطلاب كي يفكّروا، ولا نقيدهم بحفظ الكتب والشروع، حتى نحررهم من أسر التقليد؛ لأنّه سبب تأخّر التعليم في الأزهر، ويقول عن طريقة الحفظ والتلقين للشروح: إنّ "تلك الطريقة التي اتبعها المتأخرون في التعليم، وهي بدعة الاعتماد على المتون، فقيدوا بها المؤلفين والمعلمين، وجعلوا همّهم أن يخدموها بمؤلفاتهم، وأن يكون همّهم أن يتفهموا ألفاظها، ويحصّلوا مسائلها، فضاع الاعتناء بجواهر العلوم، وحلّ محلّه الاعتناء بالألفاظ والمتون، وكان هذا ما دعاه لضياع العلوم، وانحطاط المتأخرين عن المتقدمين".
العلوم المدنية لتجديد الخطاب الديني
سعى الصعيدي إلى تمدين الأزهر؛ عبر المناداة بضرورة تعلّم الدنيا؛ كالفلك والرياضة والطبيعة؛ وذلك لأنّ هذه العلوم توسع مداركنا في التأمل الكوني الذي دعا إليه القرآن الكريم، ويرى الصعيدي أنّ تعلّم هذه العلوم ضرورة لمواجهة الإلحاد، وذلك لأنّ الإلحاد قوي في زمانه، وأنّ الملحدين غلبوا رجال الدين بسبب معاداة رجال الدين لهذه العلوم؛ لذا أصبح تعلّم رجال الدين لهذه العلوم ضرورة للدفاع عن العقيدة.

دعا الصعيدي إلى ضرورة تعلم علوم الفلسفة النظرية كعلم الاجتماع والاقتصاد والتاريخ الطبيعي والآثار والجيولوجيا

ويرى الصعيدي أنّ هذه العلوم تقدمت في أوروبا، وليس هناك في الإسلام ما يمنع من أخذ العلم من غير المسلم، وثنياً كان أو أوروبياً كتابياً، وأنّ إرسال البعثات الأزهرية إلى الأقطار الأوروبية من الواجب الذي لا يسوغ إهماله.
ومن جانب آخر؛ دعا الصعيدي إلى ضرورة تعلم علوم الفلسفة النظرية، كعلم الاجتماع والاقتصاد، والتاريخ الطبيعي، والآثار، والجيولوجيا، لما فيها من صلاح الدنيا؛ ذلك لأنّ الإسلام قد عني بالدنيا عنايته بالآخرة، كما أنّ دراسة العلوم الفلسفية مفيدة؛ لأنّ أيّة معارضة يتلقاها الدين تأتي من ناحية العلوم الفلسفية، فيجب أن ندرس هذه العلوم لنعرف هذه المعارضة التي تأتي من ناحيتها، وذلك لنوسع أفق ثقافتنا، ما يمكننا من النهوض بحماية العقيدة الإسلامية، والدفاع عنها بالوسائل الحديثة التي تستخدم في معارضتها.

الصفحة الرئيسية