كيف انعكست إقالة بولتون على سياسات ترامب الخارجية؟

كيف انعكست إقالة بولتون على سياسات ترامب الخارجية؟


19/09/2019

قوبلت إقالة المستشار الثالث للأمن القومي للرئيس دونالد ترامب، جون بولتون، التي تمّ الإعلان عنها عبر تغريدة، كما هو الحال بالنسبة إلى سلفَيه السابقَين، بوصفها تعكس مزاجية الرئيس الأمريكي، الذي يبدو أنّه لم يستقر بعد على التشكيلة النهائية لفريقه، رغم مرور ما يقارب الثلاثة أعوام على تسلّمه موقع المسؤولية الأولى في أمريكا، وقرب دخوله بمرحلة "البطة العرجاء"، في ظلّ التفرغ للانتخابات القادمة، والتي يبدو أنّها تشكل البوصلة الأساس في قرارات الرئيس، وتطلّعه لجمع أكبر كمّ من الصور التي يمكن استخدامها في الحملة الانتخابية، وإبعاد ومهاجمة كلّ ما يمكن أن يحول دون ذلك؛ من أشخاص، أو مؤسسات إعلامية وفدرالية مختلفة.

لم يكن بولتون راضياً عن السياسات الخارجية للرئيس الأمريكي تجاه ملفات؛ كوريا الشمالية وإيران وحركة طالبان

ضمن هذا الفهم، يمكن تفسير القرار غير المفاجئ لترامب بإقالة بولتون، المعروف بأنّه "صقوري" ويقف على يمين ترامب، والذي لم يكن راضياً عن السياسات الخارجية للرئيس الأمريكي، تجاه ملفات "كوريا الشمالية، وإيران، وحركة طالبان"، خاصّة ما يتردّد حول دور بولتون في إفشال اجتماع قمة أمريكية مع الفرقاء الأفغانيين "الحكومة وطالبان"، كانت ستعقد في أمريكا، وما يتردّد حول لقاء مرتقب بالرئيس الإيراني، حسن روحاني، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، التي ستعقد قريباً في نيويورك، وهو ما يطرح سؤالاً جوهرياً حول مرجعيات سياسات ترامب وتكتيكاته في صناعة قراراته، وفيما إذا كانت فروقات بينه وبين بولتون.

اقرأ أيضاً: من بين دخان أرامكو.. بولتون حين ينظر بسخرية إلى ترامب
لم تغب مصطلحات مثل "التفاوض والصفقة" عن قاموس ترامب، منذ تولّيه السلطة ومعالجته لكافة الملفات الخارجية، وهي مصطلحات مرتبطة بخلفيّته التجارية، والقطاعات التي عمل فيها، القائمة على المفاوضات، وصولاً للصفقات، وكان ترامب وفياً لمعتقداته، التي أسقطها على السياسة، وإذا كان في اتفاقاته الاقتصادية يستخدم أرصدته المالية؛ ففي السياسة استبدلها بالقوة العسكرية "الجبارة" لأمريكا، للتلويح بها أمام الخصوم، وصولاً إلى المفاوضات، ولاحقاً الصفقات، فيما "بولتون" القادم من خلفيّة أمنية وصقورية، يؤمن باستخدام القوة، لا التلويح بها لإخضاع الخصوم، وبأنّه لا وجود لصفقات أو مفاوضات، سواء مع كوريا الشمالية، أو مع طالبان، أو مع الحرس الثوري الإيراني، وميليشياته التي قتلت أمريكيين في لبنان والعراق وأمريكا اللاتينية.

اقرأ أيضاً: بولتون و"العمل المستحيل" مع ترامب: كوريا وإيران أم شاربه الكث؟
لعلّنا لا نبالغ إذ نقول؛ إنّ تداعيات غياب "بولتون" عن مطبخ صناعة القرار الأمريكي، لن تكون ذات تأثير يذكر على السياسات الأمريكية، ارتباطاً بأسباب إقالته، فبوجود بولتون عقد الرئيس الأمريكي قمَّتَين مع رئيس كوريا الجنوبية، وعقدت أمريكا 11 جلسة حوار مع حركة طالبان في قطر، فيما تواصلت المفاوضات، المباشرة وغير المباشرة، مع طهران، والتي مهّدت للقاء محتمل بين الرئيسَين، ترامب وروحاني، ترتبط احتمالات عقده من عدمه بمخرجات المبادرة الفرنسية من جهة، وتطورات الصراع بين الإصلاحيين بقيادة روحاني، والمتشدّدين بقيادة المرشد خامنئي، والخلاف حول شروط إيران بأن تكون أيّة مفاوضات بعد رفع العقوبات، وهو الأمر الذي ترفضه الولايات المتحدة؛ حيث تتطلع لمفاوضات على غرار مفاوضاتها مع كوريا الشمالية؛ أي مفاوضات مع استمرار العقوبات، وربط إمكانية رفعها كلياً أو جزئياً بنتائج تلك المفاوضات.

لم تغب مصطلحات مثل "التفاوض والصفقة" عن قاموس ترامب منذ تولّيه السلطة ومعالجته الملفات الخارجية وهي مرتبطة بخلفيّته التجارية

بعيداً عن المبالغات والرومانسية السياسية التي تعد أحد أبرز مظاهر الخطاب السياسي والإعلامي في الشرق الأوسط، وربط السياسات بالأشخاص، وتجاوز حقيقة أنّ هناك مؤسسية ودولة "عميقة" تحكم الولايات المتحدة، فإنّ أولى تداعيات غياب بولتون؛ هي أنّنا سنكون أمام فريق أمريكي أكثر تجانساً تجاه قضايا الشرق الأوسط، ورسالة لليمين المتشدّد في إسرائيل بضبط اندفاعاته، فيما غياب بولتون سيكون "عبئاً" جديداً على إيران، التي يفترض أن تلتقط رسالة هذه الإقالة بما يشكّل دافعاً لديها لبدء مفاوضات مع أمريكا، بعيداً عن "التشدّق" بأنّ "صمودها" كان سبباً بالإطاحة ببولتون، خاصة أنّ الطامحين بضربة ساحقة لإيران، لا يترددون بالاعتراف بأنّ غياب بولتون شكّل خسارة لهم.
وفيما يتعلق بملفات الشرق الأوسط الأخرى (سوريا، والعراق، وتركيا، واليمن)، إضافة إلى القضية الفلسطينية و"صفقة القرن"، وقضايا الإرهاب؛ فمن غير المرجَّح أن تشهد تغييرات مهمّة، خاصة أنّها مرتبطة بسياسات ثابتة ومستقرة، قبل تولّي بولتون مسؤولياته، وهو ما يعزز احتمالات أن تكون شخصية مستشار الأمن القومي الجديد، شخصية من خارج اليمين الأمريكي، وأن تكون أقرب للفريق الأمريكي الحالي (الخارجية والبنتاغون)، والاستخبارات، خاصّة أنّ شخصية مثل بولتون أدّت الدور المطلوب منها؛ بإثارة "الرعب" لدى الخصوم، لإيصالهم إلى التفاوض، وربما عقد الصفقات لاحقاً، وهو ما كان يطمح إليه الرئيس ترامب في مرحلة سابقة، وقد انتهت تلك الحاجة بقرب تفرغه لإدارة حملته الانتخابية، وحاجته إلى أكبر كمٍّ من الصور التي يصافحه فيها الخصوم لعرضها على الناخب الأمريكي، وإقناعه بأنّه الأقدر على تحقيق متطلبات الأمن القومي الأمريكي، داخل أمريكا، وحفظ مصالحها الإستراتيجية من وراء البحار.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية