كيف تبدو إيران من الداخل في ظل الضغوط الأمريكية؟

أمريكا وإيران

كيف تبدو إيران من الداخل في ظل الضغوط الأمريكية؟


30/05/2019

ظهر النظام الإيراني منسجماً تماماً، ومتراص الصفوف في مواجهة الولايات المتحدة. هذه حقيقة واقعة، لكنّها لا تُعدُّ مؤشراً إيجابياً بالنسبة لطهران؛ لأن انسجام النظام ببساطة هو نتيجة عمليات الإقصاء والتفكيك والعزل التي جرت منذ عام 2009 للتيارات السياسية التي تمتلك وجهات نظر مغايرة عن التحالف الحاكم داخل النظام. بات النظام الإيراني من لون واحدة بعد اقتلاع الإصلاحيين، وبعد إقصاء طيف أحمدي نجاد، وحظر أنشطة اليسار الثوري التقليدي تماماً. لقد خرج من دائرة النظام كل من يمكنهم تقديم حلول أو مقترحات من خارج "الصندوق الثوري"، وبات الجميع يردّدون ما يعتقدون بأنّه سيُعجبُ خامنئي والحرس.

أحد الأهداف الرئيسة من فرض العقوبات الأخيرة على قطاع الصلب الإيراني إثارة السخط بصفوف الطبقة العاملة الكبيرة في طهران

في المقابل، يبدو من الواضح تماماً أنّ إدارة ترامب تعاني من الانقسام حول مسألة ما يتوجب فعله تجاه إيران. فالرئيس ترامب أوضح بأنّه لا يرغب في خوض حرب مع إيران. أما وزير الخارجية، مايك بومبيو، فيقود مجموعة ممن يرغبون بإطاحة النظام الإيراني عبر مواصلة "أقصى درجات الضغط"، لكنَّ هدفهم النهائي يبقى رضوخ النظام الإيراني دون استخدام القوة العسكرية، بينما يقود مستشار الأمن القومي جون بولتون مجموعة "الراغبين في تغيير النظام"، والتي يُعتقَد بأنّها تُفَضِّلُ استخدام القوة العسكرية ضد إيران. وعلى الجانب الآخر، يستغل الحزب الديمقراطي الانطباع السائد حول عدم تناغم السياسة التي تنتهجها إدارة ترامب تجاه إيران للقول بعدم فاعلية هذه السياسات. ويأمل الديمقراطيون أن يتمكنوا من استغلال الانطباع العام بأنّ إدارة ترمب عازمة تماماً على الدخول في حرب غير مبررة مع إيران لتعزيز شعبيتهم.

اقرأ أيضاً: كلهم ضد الحرب مع إيران إلا... تركيا!

 إدارة ترامب تعاني من الانقسام حول مسألة ما يتوجب فعله تجاه إيران
وبعيداً عن موضوع الحوار، فقد أشار ترامب إلى أنّ العقوبات تؤتي ثمارها؛ إذ جعلت الشعب ممتعضاً من النظام السياسي، وأنّ هناك احتجاجات أسبوعية تؤكد هذا الامتعاض. ويبدو أنّ أحد الأهداف الرئيسة من فرض العقوبات الأخيرة على قطاع الصلب الإيراني هو إثارة السخط في صفوف الطبقة العاملة الكبيرة في إيران. ولا شك أنّ فرض العقوبات على قطاع الصلب سيزيد من معدلات البطالة بين صفوف عمال القطاع الكبير الذي يعد من بين أهم مصادر العمالة في القطاع الصناعي، والذي تدهورت فيه الأوضاع بشكل فعلي.

يحاول الإيرانيون التكيف مع الوضع الراهن عبر التركيز على دول الجوار

ولا تزال احتجاجات عمال قطاع الحديد والصلب في كانون الأول (ديسمبر) 2018 حاضرة في الذاكرة؛ حيث جرى اعتقال العشرات منهم في الأهواز وأصفهان آنذاك. هذه الأيام تعالت الدعوات في واشنطن علناً لفرض المزيد من العقوبات التي ترمي إلى تعبئة الطبقة العاملة في إيران من قبل بعض المنظمات الأكثر مناهضةً لطهران، مثل "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات". ويدور في خلد صناع القرار في واشنطن استحضار نماذج تاريخية عدة في آليات وسبل تغيير الأنظمة السياسية. وفي السنوات الأخيرة، اعتادت العديد من المنظمات المناهضة لإيران، مثل؛ مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات"، إجراء مقارنة بين إيران، وما حدث في بولندا في ثمانينيات القرن الماضي إبان العهد السوفياتي،  كانت "حركة التضامن" البولندية التي أنهت حكم الشيوعية في بولندا مشروعاً لتعبئة الطبقة العاملة بالدرجة الأساس، تلقّت الحركة دعماً كبيراً آنذاك من الولايات المتحدة قبل أن تنجح في مسعاها، وقد تنجح مثل هذه الخطة في إيران، وهناك ما يدعو للاعتقاد بذلك اليوم؛ إذ حدث 1700 احتجاج للعمال في إيران خلال العام الماضي فقط، ومع بعض الدعم المالي ومساندة وسائل الإعلام والمنظمات الأجنبية، يُمكن أن تُشكّل الاضطرابات العمالية في إيران تحدياً كبيراً للنظام في طهران.

اقرأ أيضاً: إيران والخليج... هل يُلدغ المؤمن من جحر مرتين؟
في القطاع النفطي تعاني طهران كثيراً، لم تغادر أي ناقلة نفط إيرانية مضيق هرمز طوال أيار (مايو) الجاري؛ ما يمكن أن يستدل به على توقف الصادرات البحرية للنفط. وقد أشارت مصادر دولية إلى أنّ صادرات النفط في أيار (مايو) انخفضت إلى نحو ٥٠٠ ألف برميل في اليوم، لتكون عند حدها الأدنى منذ عام ٢٠١٢. فيما أكدت مصادر مطلعة أنّ إيران تدّخر نحو ٦٦ مليون برميل من خام النفط في مخازنها، وناقلات نفطها في شطآن الخليج، دون أن تجد لها زبائن. وتفيد الأرقام بأنّ تركيا والهند وكوريا الجنوبية أوقفت بالكامل استيراد النفط الإيراني. فيما أكدت مصادر مطلعة أنّ الصين طلبت من شركاتها النفطية وقف استيراد النفط من إيران في تطور مهم على صعيد سوق النفط الإيراني.

في القطاع النفطي تعاني طهران كثيراً
أما أفغانستان فقد بيّنت الأخبار أنّها منعت استيراد الوقود من إيران، إلا أنّ مصاد إيرانية نفت الخبر دون أن تعلق مصادر أفغانية رسمية عليه. وبينما أشارت مصادر عراقية إلى حصول العراق على إعفاءات من العقوبات الأمريكية المفروضة على قطاع الطاقة الإيرانية، بدا واضحاً أنّ المنتجات الإيرانية اختفت تقريباً الأسواق العراقية. أما في الداخل الإيراني، وفي خطوة مثيرة للجدل قامت الحكومة برفع أسعار الغاز الذي تستهلكه السيارات بنسبة ٣٢ في المائة. وعلى الصعيد نفسه قالت مراكز رصد الملاحة إنّ إيران أوقفت منذ بدء أيار (مايو) نظام التعقب، والملاحة لكل ناقلات النفط التابعة لها؛ ما ينذر بقرار التحول إلى تصدير النفط بطريقة خفية.

جميع المعطيات تشير إلى تجذر الأزمة الاقتصادية في إيران واستمرارها

يحاول الإيرانيون التكيف مع الوضع الراهن عبر التركيز على دول الجوار، ودول ما يعرف بمحور المقاومة الإيراني. أشارت مصادر خبرية إلى أنّ إيران عاودت صادرات النفط إلى سوريا بعد توقف لشهرين أدى إلى أزمة وقود في سوريا؛ إذ أكدت مصادر أنّ ناقلات نفط إيرانية رست في موانئ سورية حاملة خام النفط. بالإضافة إلى ذلك، أكد رئيس وزراء العراق السابق أياد علاوي أنّ العراق لن يلتزم بالحظر الاقتصادي الأمريكي، وهو ما قاله صراحةً وزير الخارجية العراقي في تصريح جريء أعقب زيارة ظريف. كما أنّ سوق الأسهم الإيرانية أكدت أنّها نجحت في إبرام أول صفقة لبيع النفط في سوق البورصة بعد أكثر من عشر محاولات فاشلة لبيعه خلال الأشهر الأربعة المنصرمة. ووفق البورصة فإنّ الصفقة تمت حول عرض 50 ألف برميل من خام النفط، مقابل سعر مقترح بنحو 63.5 دولار للبرميل فيما تم بيعه مقابل 61.68 دولار، وذلك في إطار جهود الحكومة لإشراك القطاع الخاص في بيع النفط من أجل الالتفاف على العقوبات.

السيولة النقدية بلغت مع نهاية العام الإيراني المنصرم نحو 1881.8 ألف مليار تومان
ومن جهة أخرى، أعلنت وزارة الاقتصاد أنّ التضخم الشهري في إيران وصل خلال الشهر الثاني من العام الإيراني إلى ٣٤ في المائة، فيما وصل معدل التضخم السنوي في الشهر نفسه قياساً إلى الفترة نفسها من العام الماضي إلى نحو ٥٣.١ في المائة. وفيما أشارت مصادر في وزارة الصناعة إلى أنّ ما بين ٨٠ و١٥٠ ألف سيارة متوقفة في مخازن شركات إنتاج السيارات؛ بسبب نقص في قطع غيارها، فإنّ أرقاماً صدرت عن وزارة الصناعة أمدت أنّ واردات أجهزة النقال انخفضت بنحو ٨٦ في المائة خلال العام الإيراني المنصرم قياساً إلى العام السابق عليه. وأظهرت النتائج التي تصدرها وزارة العمل عن أداء شركاتها أنّ صندوق تقاعد التأمين الاجتماعي أكبر صناديق التقاعد في إيران دخل بالفعل مرحلة الإفلاس.

اقرأ أيضاً: الملف الإيراني على رأس القمم الثلاث في مكة
أما إقليمياً، فإنّ الخبر الأبرز على الصعيد الاقتصادي جاء من قطر التي أعلنت غرفتها التجارية أنّها ستقلص تعاونها التجاري مع إيران، نزولاً عند مقتضى العقوبات، لينحصر التبادل التجاري على الغذاء والدواء. بينما أعلنت السلطات الأفغانية إلغاء رخصة البنك الإيراني الوحيد في هذا البلاد بعد ضغوط دولية في مجال التعاون المالي مع إيران.
جميع المعطيات تشير إلى تجذر الأزمة الاقتصادية، واستمرارها؛ إذ أشارت أرقام رسمية إلى أنّ السيولة النقدية بلغت مع نهاية العام الإيراني المنصرم نحو 1881.8 ألف مليار تومان، مسجلة ارتفاعاً بنحو 23 في المائة مقارنة بالعام السابق، وذلك رغم جهود الحكومة في كبح جماح حجم السيولة؛ ما ينذر بالوقوع في مزيد من التضخم. فيما أكدت مصادر رسمية انخفاضاً في مبيعات العقارات بنحو 37 في المائة في الشهر الثاني من العام الجاري، قياساً إلى الفترة المشابهة من العام الماضي. بينما شهد القطاع تضخماً في المواد الاستهلاكية خلال فترة الشتاء وصلت إلى نحو 63 في المائة قياساً إلى الشتاء السابق.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية