كيف تبدو مذكّرات نوال السعداوي في سجن النساء؟

كيف تبدو مذكّرات نوال السعداوي في سجن النساء؟


08/11/2021

مثل كل من أقدموا على كتابة سيرهم الذاتية، يذكر للدكتورة نوال السعداوي أنّها امتلكت الجرأة النفسية والذهنية والأدبية للإقدام على تدوين سيرتها الذاتية، وبغض النظر عن المآخذ التي يمكن أن نقف عليها أو يقف عليها غيرنا في هذه السيرة، شكلاً أو مضموناً. ومع ضرورة التذكير بأنّ هذا الضرب من الكتابة ما زال عزيزاً جداً، قديماً وحديثاً، غرباً وشرقاً، فإنّ إصرار الدكتورة نوال السعداوي على الولوج إلى سيرتها الذاتية، من باب سجن النساء في مجتمع محافظ، يمثل مغامرة تستحق التقدير دون ريب.

اقرأ أيضاً: حلت نوال السعداوي.. ولكن من أعطاهم صكوك الغفران؟!

ومثل كل السّير الذاتية، فإنّ (مذكّراتي في سجن النساء) يمثّل مقترحاً موجهاً من الكاتبة إلى القارئ كي يدلي برأيه دون لف أو دوران، وخاصة على صعيد مصداقية السيرة وتماسكها وأسلوبها. ولعلّ أول المآخذ على هذه السيرة يتمثل في التناقض الصارخ بين منطوق مقدمتها التي تؤكد فيها الكاتبة أنّها كانت على الدوام خارج دائرة الإعلام والعمل السياسي، ومنطوق متنها الذي يؤكّد عبر العديد من الوقائع والتفاصيل، أنّ اعتقالها قد كان محصلة نشاطها الإعلامي والسياسي على صعيد التصدي لاتفاقية كامب دافيد ومقاومة التطبيع مع إسرائيل. كما يتمثل ثاني المآخذ في تضخيم مشهد الاعتقال والإسهاب حد الإطناب في سرد تفاصيله، رغم أنّ الكاتبة تتطوع بعد ذلك لإعلامنا بأنّها لم تكن المعتقلة الأولى، بل إنّ هناك العديد من المعتقلين والمعتقلات الذين سبقوها إلى سجن القناطر الخيرية.

إصرار الدكتورة نوال السعداوي على الولوج إلى سيرتها الذاتية من باب سجن النساء في مجتمع محافظ يمثل مغامرة تستحق التقدير دون ريب

على أنّ ثالثة الأثافي في هذه السيرة، تتمثل في أنّ نوال السعداوي تمر برفيقاتها اللواتي سبقنها إلى المعتقل – ولا يقل شأنهن الفكري والأدبي والنضالي عن شأنها بل ربما يزيد- مرور المتجاهلين، فقد اكتفت بالإشارة إلى الاستقبال الحافل الذي خصّتها به كل من: صافيناز كاظم ولطيفة الزيات وأمينة رشيد، لتشرع بعد ذلك في الحديث عن عنبر النساء السياسيات البالغ عددهن 14 معتقلة، بوصفه ملعبها الخاص الذي يتلوّن ويتشكّل وفقاً لمنظورها هي وليس وفقاً لمنظور السرد الموضوعي المتوقع؛ فهي التي تفكر وهي التي تعاني وهي التي تتمرّد وهي التي تفرض على إدارة السجن ما تريد، وأما صافيناز كاظم الإسلامية التقدّمية التي سبق لها أن اعتقلت بتهمة الانتماء للفكر الماركسي مرتين ومنعت من الكتابة والنشر لأكثر من عشر سنوات - رغم أنها تعد بإجماع الباحثين من ألمع نقاد المسرح في النصف الثاني من القرن العشرين، ناهيك بأنها التحقت بالصحافة وهي ما تزال طالبة كما بادرت للسّفر إلى أمريكا على نفقتها الخاصة وعادت بالماجستير في النقد المسرحي- فإنها تختفي من السيرة تماماً، كما تختفي معها رائدة الرواية النسوية في مصر لطيفة الزيات، ورائدة الترجمة عن الفرنسية أمينة رشيد.

اقرأ أيضاً: أبرز 10 قضايا مثيرة للجدل فجرتها نوال السعداوي

وعلى نحو صادم جداً، تبتكر الكاتبة واقعاً موازياً، تسند فيه أدوار البطولة المحسوبة لامرأة سلفية تدعى (بدور) وامرأة ماركسية تدعى (فوقية). ولا تدّخر وسعاً لإعلاء حضورها الطاغي على أنقاض تناقضات هاتين الشخصيتين الافتراضيتين المتهاويتين، وهما على الأرجح تمثّلان كلاً من صافيناز كاظم وأمينة رشيد - أو لطيفة الزيّات- اللواتي يمتلكن سيراً سياسية وفكرية وأدبية، من شأنها اختطاف الأضواء من نوال السعداوي التي نفّذت لعبة تغييبهن وإحضارهن في سيرتها، على نحو ساذج جداً ومكشوف، وكأنها تقول في أحسن الأحوال للقارئ العاتب: هذه سيرتي وحدي فلتكتب كل منهن سيرتها بعيداً عني!

اقرأ أيضاً: العنف اللغوي... ردود الفعل على وفاة نوال السعداوي

وكان يمكن لنوال السعداوي التي لم تنفك طوال هذه السيرة، عن تذكير القارئ بأنها الصوت الأعلى للمرأة، أن تحتفي برفيقاتها في النضال والإبداع والمعاناة، من خلال المبادرة لإفراد كل واحدة منهن بفصل يبرز مسيرتها، بدلاً من استغراقها في ما لا يُعدّ ولا يُحصى من التأمّلات المكرورة التي ضخّمت صفحات الكتاب حتى بلغت 270 صفحة، والتي أوهمتنا بأن مدة الاعتقال قد طالت شهوراً وشهوراً لنكتشف ونحن على مشارف الختام أنها ناهزت الشهرين.

كان يمكن لنوال أن تحتفي برفيقاتها في النضال والإبداع والمعاناة، من خلال المبادرة لإفراد كل واحدة منهن بفصل يبرز مسيرتها، بدلاً من استغراقها في ما لا يُعدّ ولا يُحصى من التأمّلات المكرورة

وإذا سلّمنا للدكتورة نوال السعداوي بأنّ هذه المذكّرات المسهبة جداً، قد كتبت فعلاً وأصلاً على الورق الصحي (ورق التواليت) أثناء اعتقالها عام 1981، وإذا افترضنا أنها روجعت ونقّحت لاحقاً؛ فلماذا تأخرت في نشرها حتى عام 2019، رغم أنها لم تدّخر وسعاً قبل ذلك، لنشر ما هو أكثر خطورة وتحدياً؟ ولماذا أبقت في هذه المذكرات على ما يشبه المديح للرئيس الراحل حسني مبارك، رغم أنه أُجبر على التنحّي عن الرئاسة لأسباب لا تقل سوءًا عن الأسباب التي أدت إلى مقتل السادات؟ ولماذا أصرّت على إفراد نفسها على نحو احتفالي وإنشائي بالخروج من المعتقل لمقابلة الرئيس الراحل حسني مبارك الذي قرأ رسالتها التي لم ترسلها وسمع مداخلتها التي نقلتها الصحف مشفوعة بالصور، ثم فاجأتنا بعد ذلك بحقيقة أنّ صافيناز كاظم هي الوحيدة التي قد خرجت معها، ولكن دون كلام أو أدوار؟ فهل تصادمت كاتبتنا مع زميلاتها في المعتقل واتسع الشرخ بينها وبينهن، إلى درجة أنّها ألغت حضورهن كليّاً وفضّلت - بدلاً من ذلك- الإسهاب في تصوير نساء القاع في سجن القناطر الخيرية؛ بدءًا بالقاتلات والسارقات، مروراً بالمومسات، وليس انتهاء بمروّجات المخدّرات؟! ولماذا بدا أسلوبها السردي مهزوزاً وحافلاً بالأخطاء اللغوية؟ وأما الأخطاء المطبعية الكثيرة فإنّ دار النشر هي التي تبوء بوزرها دون ريب!




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية