كيف تحوّل أردوغان وأسرته لأكبر كارثة حلّت بتركيا؟

كيف تحوّل أردوغان وأسرته لأكبر كارثة حلّت بتركيا؟


18/10/2020

عام 2015؛ وقّع مجموعة من الأكاديميين الأكراد والأتراك، يعرّفون عن أنفسهم باسم "أكاديميو السلام"، على عريضة طالبوا فيها الحكومة التركية، بزعامة حزب العدالة والتنمية وأردوغان، باستئناف مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني، لتسوية القضية الكردية، إلّا أنّ أردوغان، الذي لم يكن قد كشف وقتها عن أقبح وجه له، كما هو الآن، أطاح طاولة المفاوضات، وانقضّ على السلام، بعد أن لجأ الأكراد إلى دعم حزب الشعوب الديمقراطي المعارض في مواجهة حزب العدالة والتنمية.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون ورقة أردوغان المحترقة على تخوم الصراع مع فرنسا

ولم يتورّع أردوغان بعدها عن اعتقال ومعاقبة كلّ فرد من هؤلاء الأكاديميين، لكنّ هذه الواقعة تحديداً، هي ما قلبت الموازين، وحوّلت رجل تركيا الأهم، أحمد داوود أوغلو، إلى المعارض الشرس، الذي لا يتورّع عن فضح أكاذيب الرئيس، في كلّ فرصة تسمح له.

أكبر مصيبة حلّت ببلادنا

بات أوغلو، أحد أشهر رموز المعارضة الحالية في تركيا، خاصة بعد أن تفاقمت أطماع الرئيس واتّسعت دائرة قمعه حتى شملت كلّ أطياف الشعب، وجميع تيارات المعارضين، لكنّ الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا في الوقت الراهن، إضافة إلى افتعالها النزاعات في محيطها الإقليمي، هو ما يدفع أوغلو إلى التنديد بتلك السياسات، التي تجرّ البلاد إلى حافة الهاوية؛ إذ صرّح المعارض البارز، في الحادي عشر من تشرين الأول (أكتوبر)، قائلاً: "أردوغان وعائلته أكبر مصيبة حلّت بتركيا"، مندّداً بتحويل الأسرة الحاكمة دولة بأكملها إلى شركة عائلية، تستفيد من ثروات البلاد، بينما يترك الشعب لمصيره المجهول، كما ندّد أوغلو بتحالف أردوغان مع اليمين القومي التركي، مشيراً إلى أنّه ذهب للتحالف مع حزب قومي وآخر يساري من أجل البقاء في السلطة. قاصداً حزبَي "الحركة القومية"، بقيادة دولت بهجلي، و"حزب الوطن" بقيادة دوغو برينجك.

وبحسب الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن التركي اللّيبي، محمد حسن عامر؛ فإنّ ملفات الفساد الخاصة بالأسرة الحاكمة في تركيا، تجعل النظام بأكمله في مأزق، وتدفع المعارضة إلى الاتّحاد في وجه الرجل الذي جعل بلادهم أحد أكثر الدول المنبوذة، بسبب تهوّر رئيسها، وتعدّياته التي لا تعدّ ولا تحصى.

تقرير: جمع أردوغان ببراعة بين السرقة والاستخدام المتهور للديون، بدلاً من استخراج شريحة من كعكة صغيرة موجودة بالفعل، وهي الطريقة التقليدية للفساد في معظم البلدان النامية

يقول عامر، لـ "حفريات" إنّ "تصريحات أحمد داود أوغلو المعارضة للنظام التركي، تقع في خندق علي باباجان، وزير الاقتصاد الأسبق، اللذين يشكّلان ضلعاً جديداً للمعارضة التركية؛ إذ تعدّ لتصريحاته أهمية كبيرة، لأنّها تصدر من شخصيات خرجت عن النظام الحاكم، كما أنّهما ليسا أيَّ شخصين، وإنّما داود أوغلو، الرجل الذي عُرف بأنّه مهندس سياسة تركيا الخارجية، وباباجان؛ الرجل الذي عُرف بأنّه مهندس الاقتصاد التركي، في فترة حكم العدالة والتنمية، وهذا ما يفسّر سقوط أردوغان، حالياً، على صعيد السياسة الخارجية وترهّله اقتصادياً، وحين يتحدّث داود أوغلو عن أردوغان وأسرته بهذه الدرجة، فهذا دليل على حجم ما وصل إليه النظام الحالي، من فساد وتمكين لأسرته، وتولية الثقات على الكفاءات، لدرجة لم يستطع الصديق السابق الصمت عليها، وكأنّه شهد شاهد من أهلهم".

الأسرة الحاكمة والإمبراطورية الجديدة

وشبهت وسائل إعلام مختلفة أردوغان بـ "السائر على نهج جمال مبارك"، في إشارة إلى نجل الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، الذي أحاطت به وعائلته قضايا الفساد والتهريب غير المشروع، كما هو حال النجل الأصغر لأردوغان "بلال".

 تعثّر حظّ أردوغان وعائلته، عام 2014؛ إذ افتتحت عائلته عامها بفضيحة مالية عن إخفاء ملايين الدولارات مجهولة المصدر، والتي أنكرها والده، واعتبرها إحدى مكائد الأعداء ضدّ النهضة التركية التي تُبنى على يديه، كان يُنظر إلى النظام الجديد لأردوغان في السابق على أنّه منارة للديمقراطية الموالية للغرب، وقد تمّ بناؤه من طبقة رجال الأعمال الموالية للحزب الحاكم؛ حيث سيّس حزب العدالة والتنمية مؤسسات الدولة التي تنظم تحصيل الديون والضرائب، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة والمشتريات العامة، ما أدّى إلى تآكل حكم القانون من أجل إعادة توزيع الموارد على الأحزاب الصديقة ونقل رأس المال من المعارضين إلى المؤيدين.

اقرأ أيضاً: لماذا يرفض أردوغان الانتخابات المبكرة؟

وفي تحقيق صحفي بعنوان "كيف للفساد أن يدمّر الديمقراطية: الحالة التركية تحت حكم أردوغان نموذجاً"، نشره موقع "investigativejournal"، كتب الصحفي التركي عبد الحميد بيليسي: "جمع أردوغان ببراعة بين السرقة والاستخدام المتهور للديون، بدلاً من استخراج شريحة من كعكة صغيرة موجودة بالفعل، وهي الطريقة التقليدية للفساد في معظم البلدان النامية؛ حيث سعى إلى توسيع الكعكة من خلال المديونية العامة والقروض الخارجية للشركات المرنة، وجعلت النتيجة عالم الأعمال والحلفاء والجمهور سعداء، وضمِن بذلك حصة أكبر لنفسه؛ لذلك ظنّ الشعب أنّه ربما يكون يسرق، لكن كيف ذلك في ظلّ بناء المطارات والمستشفيات والطرق والجسور الجديدة"؟

الصحفي محمدعامر لـ"حفريات": أسرة أردوغان عرفت البذخ في وقت يتمّ فيه إفقار الشعب. ويكفي مثلاً أنّ أمينة أردوغان، كانت تحمل حقيبة يد ثمنها 45 ألف دولار

وكانت كُشفت محادثة هاتفية مسرَّبة بين أردوغان ونجله بلال، ناقش الرئيس وابنه خلالها مبلغ الرشوة التي سيتمّ أخذها من رجل الأعمال ومالك شركة"SOM Petrol" ، ومقرها لندن، وتمتلك آبار النفط والغاز في مختلف البلدان وتحوّل مليارات الدولارات كلّ عام؛ حيث رأى أردوغان أنّ عرض صاحب الشركة البالغ 10 ملايين دولار غير كافٍ، وطلب من ابنه عدم القبول ما لم يقدم المبلغ الذي وعد به، وقال أردوغان لابنه: "يمكن للآخرين أن يأتوا به، فلماذا لا يستطيع؟."

بلال وإخوته

يتابع التحقيق سلسلة الجرائم المالية المرتكبة تحت مظلة الأسرة الحاكمة؛ حيث حصلت شركة "Turang Transit Transportation"، المملوكة أيضاً لرجل الأعمال نفسه، على عقد حكومي لبناء خط أنابيب بقيمة 11.5 مليار دولار، لنقل الغاز الطبيعي من إيران وتركمانستان إلى أوروبا؛ حيث تمّ دعم الاستثمار من قبل الحكومة، وأبرمت عقود الشركة معفاة من ضريبة القيمة المضافة ومختلف الضرائب والرسوم الأخرى.

ويعلّق عامر على فساد الأسرة الحاكمة بقوله: "الأسرة عرفت البذخ في وقت يتمّ فيه إفقار الشعب. ويكفي مثلاً أنّ السيدة الأولى، أمينة أردوغان، كانت تحمل ذات مرة حقيبة يد ثمنها 45 ألف دولار، وعندما سلّط أحد الصحفيين الضوء على ذلك تمّ اعتقاله، كما يبدو واضحاً سيطرة بلال، نجل أردوغان، على بعض الشركات والصفقات بشكل غير شرعي، وتكوين ثروة طائلة جراء ذلك. أيضاً أحمد، الابن الأكبر لرئيس تركيا، متهم من قبل في قضية مقتل إحدى الفنانات، وابنتاه، سمية وإسراء، لكلّ واحدة منهما قصّة لا تقل عن الشقيقين، وتكفي مشاركتهما في تهريب بعض الأموال، في قضية الفساد والرشاوى المشهورة عام 2013.

اقرأ أيضاً: أردوغان.. كارثة تركيا

كانت البداية في التورّط الفعلي لأردوغان، وهذا التحوّل الذي أصابه، عندما تورّط أعضاء حكومته في مخطط فساد، قاده رجل الأعمال التركي الإيراني، رضا ضرّاب، لكسر العقوبات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة ضدّ إيران، أمّا المرحلة الثانية من التحقيق في الكسب غير المشروع، في كانون الثاني (ديسمبر) 2013؛ فقد شملت عائلة أردوغان، مع ابنه بلال، المطلوب من قبل النيابة، ورغم غلق السلطات التركية للتحقيق في هذه الوقائع، فقد فتحت أمريكا تحقيقاً جديداً، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، اعترف ضرّاب، الذي وقف على منصة الشهود، بدوره في مخطط خرق العقوبات، وشرح كيف أدار بنك "خلق"، الذي يقع تحت إدارة الدولة التركية، عملية التلاعب من خلال وثائق مزورة، وأكّد ضرّاب أنّ أردوغان ورجاله كانوا على علم بهذا المخطط، ووافقوا عليه، بعد أن أمطرهم بوابل من الرشاوى التي ذهبت إلى حساباتهم الخاصة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية