كيف تدير إيران كثيراً من الأزمات في عناد ولا تخشى السقوط؟

كيف تدير إيران كثيراً من الأزمات في عناد ولا تخشى السقوط؟


كاتب ومترجم جزائري
01/03/2018

مما لا شكّ فيه، أنّ قوة النظام الإيراني، تكمن في عدم اكتراثه لمصالح شعبه، وهذا الواقع هو الذي يجعلها قوة لا أحد يمكنه التنبّؤ بتصرفاتها المستقبلية، ولا يمكن تقديرها أو إدراكها.

لقد أبرزت حركة التمرّد الشعبي الإيراني، في أوائل كانون الثاني (يناير)، حقيقة عدم شعبيّة الجمهورية الإسلامية، والانقسام العميق الذي بات يفصل الشعبَ الإيراني عن الملالي في السلطة. ومع ذلك، فمرة أخرى أثبت القمع السريع للمتظاهرين، من قبل قوات الأمن، قدرة الملالي على فرض سطوتهم بزرع الخوف.

الإصلاحي حسن روحاني ينقلب ضدّ المتظاهرين

في خضمّ هذه الأحداث، تضامن الرئيس الإصلاحي، آية الله حسن روحاني، الذي كان قد خيّب آمال الناخبين إلى حدّ كبير، بسبب عدم قدرته على تقديم أيّ انفتاح على الساحة السياسية، مع المتشددين في النظام الحاكم، لقمع المعارضين.

فبعد خمسة أعوام من وصوله إلى السلطة، أضحى سجل حسن روحاني مؤسفاً ومحزناً.

والحال، أنّه في اللحظة التي أصبح فيها الإنذار الجديد، الذي أعلنه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حول نهاية تعليق العقوبات الاقتصادية ضدّ إيران، يهدّد النظام الإيراني، بدأ البرنامج الباليستي للجيش الثوري (باسداران)، يثير أزمة دولية جديدة.

بعد خمسة أعوام من وصوله إلى السلطة، أضحى سجل حسن روحاني مؤسفاً ومحزناً

فساد وجفاف وتلوث

في قلب الجمهورية الإسلامية، تسبّب الأزمات الداخلية كوارث حقيقية؛ فالبلاد يكتسحها الآن فساد قادتها، فيما الجفاف والتلوث يشلّان السكان، وقمع الدولة يخنق المجتمع.

ومن بين الـ 100 بليون دولار، التي تمّ رفع الحظر عنها في أعقاب توقيع الاتفاق النووي، عام 2015، لم تستثمِر السلطة الحاكمة أيّ شيء في المشروعات الوطنية، ولم تتّخذ، حتى الآن، أيّ إجراء ملموس لإنعاش اقتصاد البلد، والآن لم يعد الأمل في تحسين جمهورية الملالي عن طريق الإصلاحات الداخلية، يُغري أيّ شخص.

بعد خمسة أعوام من وصوله إلى السلطة، أضحى سجل حسن روحاني مؤسِفاً ومُحزِناً

هذه الأحداث الأخيرة، كان يمكن أن تُحدث بعض الانفتاح في سياسات طهران الوطنية، و/ أو الدولية. لكن لا شيء من هذا القبيل حدث فعلاً.

لقد سحقت المظاهرات الشعبية سحقاً في حينها، ولم تبدِ السلطة أيَّ استجابة لمطالب معارضيها.

عناد الملالي

وبموازاة مع هذه الأحداث تلقّت السلطات الإيرانية، إنذار البيت الأبيض حول العقوبات المفروضة على البلاد بكامل اللّامبالاة، وقد أعلنت طهران أنّها لن تتراجع عن اتفاق عام 2015، وأنّ برنامجها الباليستي، الذي يسعى إلى أهداف دفاعية، غير قابل للتفاوض.

الملالي ماضون، وفي عناد تام، في ازدراء الجميع، وفي فرض قانونهم؛ فسواء تعلّق الأمر بالتهديدات الأمريكية، أو بعدم اليقين بشأن العقوبات الاقتصادية ضدّ إيران، أو بويلات الجفاف والتلوث، أو بالاضطرابات السياسية والاجتماعية المتفاقمة داخل الجمهورية الإسلامية، فلا شيء يبدو قادراً على زعزعة استقرار سلطة الملالي.

لكن، كيف يمكن للقادة الإيرانيين أن يتمسكوا على هذا النحو، بعنادهم وعجرفتهم على جميع الجبهات، وأن يرفضوا أيّ حلّ توفيقي، أو أيّ مفاوضات، دون أن يراودهم أيّ خوف من العواقب؟

تلقّت السلطات الإيرانية، إنذار البيت الأبيض حول العقوبات المفروضة على البلاد بكامل اللّامبالاة

ليست دولة مثل الدول الأخرى

لا بدّ من ملاحظة أنّ الجمهورية الإسلامية ليست دولة مثل الدول الأخرى؛ كلما ازدادت سلطتها إلا وانحازت سياستها الخارجية والسياسة الداخلية، كلّ منهما إلى الأخرى، وأصبحتا الدّعامتين اللتين تستند إليهما أيديولوجية السلطة التي تطمح إلى غزو العالم.

طموحات الملالي لا تتوقف عند الحدود الإيرانية

منذ القرن التاسع عشر، اعتقد رجال الدين الشيعة، أنّهم قادرون على تجاوز الانقسام الشيعي/ السنّي، وفرض حكمهم على العالم الإسلامي بأسره.

التوفيق بين الشيعة والسنة من أجل السيطرة على عالم مسلم موحد

على عكس علماء السنّة؛ سعى الملالي دائماً إلى التوفيق بين الشيعة والسنّة، من أجل السيطرة على عالم مسلم موحّد، بغضّ النظر عن أيّ انتماء ثقافي أو إقليمي أو وطني.

الملالي ليسوا مسلمين سذّجاً

لا شكّ في أنّ الطموحات التوسّعية لإيران الإسلامية، تجعلها مهدّدة للإيرانيين، ولبقية العالم على السواء.

لم يعد الأمل في تحسين جمهورية الملالي عن طريق الإصلاحات الداخلية يُغري أيَّ شخص

والأهمّ من ذلك؛ أنّ الملالي في طهران، على عكس الراديكاليين الإسلاميين، داعش وطالبان، ليسوا مسلمين سذّجاً؛ فهم يعرفون جيداً كيف يحبطون المبادئ التي يقف عليها العالم الحديث، ويعارضونها، لكنّهم يظلّون يراقبونها ويرصدونها.

إنّ الأزمات المختلفة مع المجتمع الدولي، لا تضعِف الملالي؛ بل تمنحهم، بدل ذلك، جواً زائفاً من القوّة التي صارت تغري، على الخصوص، شعوب العالم المضطهدة، على حساب الإيرانيين.

"مصالح الإسلام قبل مصالح الإيرانيين"

عند وصوله إلى إيران، تحدّث آية الله الخميني عن مصالح الإسلام، لكنّه لم يتطرّق لمصالح إيران على الإطلاق.

كان يقول "إنّ الإسلام يحتاج إلى دم"، (وللتذكير، كان الخميني عندما سُئل "متى تؤدّي فريضة الحج؟" قد أجاب: لن أدخل مكّة إلا فاتحاً).

تنفّذ جمهورية الملالي سياستها الخارجية، انطلاقاً من فرضية مفادها أنّ العالم ينتمي إليها، وفي مواجهة هذا المنطق، المختلف عن منطقها، لا تملك الدول الديمقراطية إلّا أن تصاب ببالغ الحيرة والدهشة، وعلى المدى القصير، تكمن قوة النظام الإسلامي في إيران في عدم اكتراثه بمصالح شعبه.

عند وصوله إلى إيران، تحدّث آية الله الخميني عن مصالح الإسلام، لكنّه لم يتطرّق لمصالح إيران

نظام يدير حروباً بالوكالة

وهذه القوة تحديداً؛ هي التي تجعل هذا النظام نظاماً لا يمكن توقّع ردود فعله وتفاعلاته، نظام تتعذّر السيطرة عليه، وهو ما يمنحه الفرصة لتوسيع سيطرته في المنطقة، واستثمار البترودولارات في شنّ حروب بالوكالة، في سوريا والعراق واليمن، وغيرها، وفي كلّ ما يجعله صامداً في مواجهة التهديدات الأمريكية.

لا شكّ في أنّ العقود الأربعة لوجود الجمهورية الإسلامية، تظهر أنّ قادتها يبذلون كلّ ما في وسعهم لتحقيق أهدافهم، ناهيك عن أنّهم يعتقدون أنّهم يستطيعون حلّ كل شيء، عن طريق الكيد والخديعة.

سياسة التخويف والإقناع

الدعّوة إلى الإرهاب، أو إلى الصداقة بين الحضارات وإعلان الحرب أو السّلام، والاتفاق النووي أو التهديدُ بتخصيبِ اليورانيوم، وغيرها من أساليب التخويف أو الإقناع، جميعها وسائل تبدو شرعية لجعل العالم ينحني لمتطلبات الملالي.

سيأتي يوم تؤدّي فيه سياسة الملالي المدمرة إلى سقوط حتمي لنظامهم المتسلّط

ثم إنّ الازدراء الشديد للعواقب المباشرة، وإهمال المصالح الوطنية، واحتقار وتجاهل الاعتبارات النفعية، والتعلّق بعالم مسلم وهمي، كلّ هذا يعطي الجمهورية الإسلامية طابعاً لا يمكن التنبؤ بملامحه وتصرّفاته القادمة بتاتاً، طابع أكثر إثارة للقلق ممّا يمكن أن يحدثه عدوان حقيقي مباشر.

والحال أنّ النقطة الحاسمة في الأمر؛ هي أنّ جمهورية الملالي تدير سياستها الخارجية على فرضية أنّ العالم ملك لها، وينتمي إليها وحدها.

سخط الإيرانيين على النظام واستمرارالمشكلات تشير إلى أنّه سيأتي يوم تؤدّي فيه سياسة الملالي لسقوط نظامهم المتسلّط

حركة إسلامية تسعى لغزو العالم

أمام منطق مختلف كلّ الاختلاف عن منطقهما، تطغى الدهشة على الأمم الديمقراطية التي تنسى أنّها في مواجهة دولة تستبعد أيّ اعتبار للمصلحة الاقتصادية والوطنية، لصالح حركة إسلامية تسعى إلى غزو العالم، دولة طموحها، الأوّل والأخير، إعادة إرساء النظام العالمي، وفق قوانين الإسلام والشريعة، التي لا نعرف في أيّ مستقبل بعيد، وغير محدد، ستحقق هذه الشريعة هذا النظام.

التحرّر من عقدة الإسلام السياسي آتٍ لا محالة

ومع ذلك، فإنّ عمق سخط الإيرانيين على النظام، واستمرار وتفاقم المشكلات التي تزعج وترهق وتزهق الناس، وحجم الأضرار، كلها عوامل تشير إلى أنّه سيأتي يوم تؤدّي فيه سياسة الملالي المدمرة إلى سقوط حتمي لنظامهم المتسلّط، وتحرير المجتمع الإيراني من عقدة الإسلام السياسي.

ويبقى الأمر المجهول الآن، هو ماذا سيكون موقف المجتمع الدولي تجاه دولة تسود شعبها بمنطق التخويف والترهيب؟

عن elishean


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية