كيف ترد مساجد وساحات القاهرة على الخطاب المتطرف؟

كيف ترد مساجد وساحات القاهرة على الخطاب المتطرف؟


25/04/2022

تتجلى مظاهر التدين الشعبي في مصر بالحضور الطاغي لكافة فئات الشعب داخل ساحات المساجد الكبرى، وفي ممارسة العديد من الطقوس الروحانية التي تعكس روح الالتفاف والمحبة، في مواجهة حاسمة مع تيارات الخطابات المتطرفة التي لا تروق لقاعدة شعبية عريضة ترى في التديّن مناخاً لمحبة الناس تقرباً إلى الله.

ويضفي شهر رمضان الكريم أجواءً خاصة من المحبة والتعايش بين مختلف أطياف الشعب، خاصة في الأحياء الشعبية والقرى والمناطق الريفية التي تمتد بها موائد الإفطار على مدار (30) يوماً، وأمام المساجد الكبرى في مصر مثل؛ الحسين أو الأزهر أو السيدة زينب على سبيل المثال، حيث ترى الموائد ممتدة على مدار الشهر الكريم للجميع، في طقس يعكس قيم المشاركة والمواطنة أيضاً.

ورغم قرار وزارة الأوقاف رسمياً منع الاعتكاف في المساجد، والاكتفاء بفتحها للصلاة فقط، بسبب الاحتياطات الخاصة بمنع انتشار فيروس كورونا، إلا أنّ الساحات أمام المساجد الكبرى لم تخلُ من مظاهر الاحتفال بشهر رمضان، وبدت مكتظة بالزائرين، تزيّنها مظاهر الاحتفال مثل (الفوانيس والعرائس والألعاب)، فضلاً عن عربات الحلوى الشرقية، وبائعي (الفول المدمس) الذي يُعدّ وجبة أساسية على مائدة السحور.

 في الأحياء الشعبية والقرى والمناطق الريفية تمتد موائد الإفطار على مدار (30) يوماً

ويحتفل المصريون منذ بداية الشهر هذا العام بعودة المساجد والمقاهي والأماكن العامة إلى طبيعتها بعد عامين من الإغلاق بسبب انتشار فيروس كورونا في البلاد منذ عام 2020 والإجراءات الخاصة بمواجهته والحدّ من تفشيه.   

 أغانٍ شهيرة تميز رمضان المصريين

بجوار المساجد، وفي مصر فقط، تنتشر الأغاني المميزة للشهر الكريم، وبحسب تقرير نشرته الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، يحفل شهر رمضان بتراث مميز من الأغاني الشعبية في مصر، وتنقضي الأعوام وتتطور الأغنيات، ويدخل عالم الغناء والطرب منشدون وأغنيات أخرى للشهر الكريم، لكن تظل هذه الأغنيات التراثية، وغيرها من التواشيح، لا ينازعها منازع في وجدان وذاكرة الشعوب، وكأنّ الصيام لا تكتمل روعته وصفاؤه إلّا بها.

 

يضفي شهر رمضان أجواءً خاصة من المحبة والتعايش بين مختلف أطياف الشعب، خاصة في الأحياء الشعبية

 

ومن أبرز هذه الأغاني في الذاكرة العربية (مرحب شهر الصوم، وحوي يا وحوي، رمضان جانا، هاتوا الفوانيس يا ولاد).

 النقشبندي.. كروان الابتهالات

ولا يكتمل رمضان لدى المصريين دون أن تنطلق المساجد قبيل صلاة الفجر بابتهالات الشيخ سيد النقشبندي، وبحسب التقرير نفسه يُعدّ النقشبندي كروان الإنشاد الديني، وصفه الدكتور مصطفى محمود بأنّه مثل النور الكريم الفريد الذي لم يصل إليه أحد، له العديد من الابتهالات والتواشيح الرائعة، وعلى رأسها "مولاي إنّي ببابك قد بسطت يدي"، التي يرتجف القلب خشوعاً حين يستمع إليها، ليبقى هذا الابتهال الديني الأكثر شهرة وأهمية من بين أعمال الشيخ النقشبندي المميزة، وقد كتب كلماته الشاعر عبد الفتاح مصطفى.

"مولاي إنّي ببابك" كان بداية التعاون بين الموسيقار بليغ حمدي والنقشبندي، وأسفر ذلك عن أعمال وابتهالات عديدة منها: "أشرق المعصوم، وأقول امتى، أي سلوى وعزاء، أنغام الروح، ربّاه يا من أناجي، ربنا إنّا جنودك، يا رب أنا أمة، يا ليلة في الدهر/ ليلة القدر، دار الأرقم، إخوة الحق، أيّها الساهر، ذكرى بدر".   

 رمضان القاهرة بعيون المستشرقين

اجتذبت ليالي رمضان في القاهرة العديد من المستشرقين، أبرزهم المستشرق البريطاني إدوارد ويليام لين الذي رسم بكلماته لوحة رائعة بدءاً من ليلة الرؤية التي تهفو فيها قلوب المصريين لتقرّ الأبصار برؤية هلال رمضان، حيث يقضي نفر بضع ليالٍ في الصحراء لرؤية الهلال الجديد، موضحاً أنّه تكفي شهادة المسلم الواحد أنّه رأى الهلال لإعلان الصيام، وفي مساء ذلك اليوم يسير موكب المحتسب ومشايخ الحرف المتعددة، وهم: "الطحانون، والخبازون، والجزارون، وباعة الفاكهة، وفرق من الموسيقيين، وعدد من الفقراء، وفرق من الجنود يتقدمهم حاملو المشاعل لينيروا لهم الطريق من القلعة إلى مجلس القاضي، وعندما يصل خبر رؤية الهلال، يجول الموكب في الأحياء المختلفة صائحين: يا أمّة خير الأنام... صيام صيام".

يحتفل المصريون منذ بداية الشهر بعودة المساجد والمقاهي والأماكن العامة إلى طبيعتها بعد عامين من الإغلاق بسبب كورونا

وفي التقرير الذي أعدته الباحثة المصرية أميمة سيد أحمد، ونُشر في موقع الهيئة العامة للاستعلامات تحت عنوان: "مصر المحروسة في رمضان... طقوس وعادات وذكريات"، يسرد إدوارد ما رآه في القاهرة في ليالي الشهر الكريم قائلاً: "بمجرد أن يعلن عن بدء الصيام، تعلن الأرض زينتها، فتضاء المساجد هذه الليلة كما تضاء في الليالي التالية، وتعلق المصابيح عند مداخل المساجد وفوق شرفات المآذن، بينما يقضي الناس شطراً كبيراً من الليل في الأكل والشرب والتدخين".

 سلام ساحر

ويستطرد التقرير: "نوع من أنواع السلام يغمرك حين يُرفع أذان المغرب... يدخل معه إلى الصدر اطمئنان تفتقده، وإذ بالصائم يتناول الشراب أوّلاً، ثم يقيم الصلاة... وبعد ذلك يتناولون النقل، وأخيراً يتناولون وجبة الفطور المؤلفة من اللحم وأطايب الطعام، لينطلق بعد ذلك إلى صلاة العشاء والتراويح، في المحروسة تظلّ الجوامع الكبيرة مفتوحة حتى السحور أو الإمساك، بينما تغلق المساجد الصغيرة بعد صلاة التراويح مباشرة".

 

بحسب تقرير نشرته الهيئة العامة للاستعلامات المصرية يحفل شهر رمضان بتراث مميز من الأغاني الشعبية في مصر

 

يشير هنا المستشرق الإنجليزي إلى أنّه "جرت العادة أن يقيم بعض علماء القاهرة ذكراً في منازلهم كلّ ليلة من ليالي رمضان، ينقلب الليل نهاراً حيث تكثر المارة في الشوارع، وتظل دكاكين المشروبات والمأكولات مفتوحة حتى وقت السحور، فيما يقضي معظم المصريين أطيب الأوقات في المقاهي بصحبة الأصدقاء، يحتسون الشاي والقهوة، ويستمعون إلى رواة السير والحكايات الشعبية، أو عزف الموسيقى من الموسيقيين الذين يترددون على المقاهي كلّ ليلة من ليالي رمضان".

مواضيع ذات صلة:

العُمانيون يحتفلون بـ"قرنقشوة".. لماذا تجدد الجدل حول العادة الرمضانية السنوية في السلطنة؟

ين الشرق والغرب... لرمضان مذاقه الخاص في أنحاء العالم

العمل الخيري في رمضان



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية