كيف تعاملت الجماعات الدينية مع فكرة الانقلابات العسكرية؟

الإسلام السياسي

كيف تعاملت الجماعات الدينية مع فكرة الانقلابات العسكرية؟


25/10/2018

فجر الإثنين، 8 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، سقط هشام عشماوي في أيدي قوات الجيش الليبية، بعد أعوام من العمليات الإرهابية التي وجهها ضد مصر، أخطرها تلك التي نفذها على حدود مصر الغربية مع الجماهيرية الليبية.

قسم الوحدات

سقوط عشماوي، ضابط الصاعقة المصري السابق، أعاد للأذهان اعتناق بعض ضباط الجيش والشرطة لأفكار الجماعات الإرهابية، المسألة التي بدأتها جماعة الإخوان بنشر دعوتها بين ضباط الجيش، وعن ذلك يقول أحمد عادل كمال في مذكراته "النقط فوق الحروف":"ومع أنّ النظام الخاص كان هو التشكيل الذي حمل عبء الكفاح المسلح للإخوان، فقد كان هناك جهاز آخر ساهم في هذا النوع من العمليات، وهو قسم الوحدات الذي كان يرأسه ضابط البوليس صلاح شادي، كانت المهمة الأساسية لقسم الوحدات نشر الدعوة بين عساكر وضباط البوليس وعساكر وصف ضباط الجيش، أما ضباط الجيش من الإخوان فكانوا شعبة من النظام الخاص".

سقوط عشماوي أعاد للأذهان اعتناق بعض ضباط الجيش والشرطة لأفكار الجماعات الإرهابية

وتشير أدبيات الإخوان بشكل صريح إلى أنّ تنظيم الضباط الأحرار الذي قاد انقلاب يوليو على الملك فاروق في القاهرة بدأ كتنظيم سري تابع للإخوان المسلمين تحت عنوان "تنظيم الضباط السري"، ثم ما لبث أن قرر عبد الناصر الانفصال والعمل منفرداً دون التقيد بضوابط جماعة الإخوان.

إعدام سيد قطب

الميل إلى فكرة الانقلابات العسكرية سبيلاً للوصول إلى السلطة، والتي نجح فيها بالفعل تنظيم الضباط الأحرار، كان خياراً أساسياً لجماعات متطرفة نشأت على خلفية الثأر لإعدام سيد قطب عام 1966، مع بدء ظهور مجموعات الجهاد، والتي اعتنقت فكرة الانقلابات العسكرية وسيلة للوصول إلى السلطة.

رفضت جماعة الجهاد اعتماد أسلوب حرب العصابات لأنّ الطبيعة الجغرافية لمصر تجعل حرب العصابات مسألة غير ممكنة

وعابت تلك المجموعات على جماعة الإخوان أنها لم تحمل السلاح بشكل صريح في مواجهة قادة يوليو من أجل تحقيق حلمهم بإقامة دولة الخلافة.

حتى تلك اللحظة، كانت اعتناق مبدأ الانقلاب العسكري، وسيلة للوصول للحكم، مبدأ ضمن مجموعة من المبادئ الأخرى، التي يعمل فى إطارها أعضاء الجماعات الدينية، إلى جانب العمل السري، ونشر الدعوة بين الأفراد، واختراق المؤسسات، غير أنّ صداماً نشأ بين مجموعات الجهاد المختلفة عام 1968، بعد خروج مظاهرات غاضبة من صدور أحكام مخففة على قادة سلاح الطيران المصري، الذين اعتبروا مسؤولين عن هزيمة حزيران (يونيو) 1967، وهي المظاهرات التي انتهزها عضو تنظيم الجهاد يحيى هاشم فرصة للمشاركة ضمن الجماهير المعترضة، غير أنّ أقرانه في الجهاد اعتبروها مسألة قد تكشفهم للسلطة، هاشم وإلى جانبه رفاعي سرور رأوا أنّ انتظار القيام بانقلاب عسكري مسألة تحتاج إلى سنوات، وهو حلم صعب المنال، أما تلك المظاهرات الغاضبة فلو تم الاستفادة منها جيداً؛ لحشد الناس ضد عبد الناصر، ربما كانت وسيلة أسرع للسيطرة على السلطة.

تلا إعدام سيد قطب عام 1966 ظهور العديد من مجموعات الجهاد

الانقلاب العسكري هو الحل

عبد المنعم منيب في كتابه "دليل الحركات الإسلامية"، ذكر أنّ ذلك الخلاف بين الأقران تسبب في انشقاق يحيى هاشم ورفاعي سرور عن مجموعة الجهاد التي يتزعمها إسماعيل طنطاوي، التي ظلت على العهد، بأنّ إنقلاباً عسكرياً هو الحل.

وعمل هاشم وسرور على مشروع آخر، ذي طابع جماهيري، من خلال ثورة شعبية، أو حرب عصابات، كبديل عن الانقلاب العسكري.

اقرأ أيضاً: كيف تحولت قرية دلجا إلى إمارة إسلامية بدون أمير؟

تحقيق الحلم كان يفترض اختراق المؤسسة العسكرية بدفع عناصرها للالتحاق بالجيش، ومن جانب آخر تجنيد بعض الضباط، المسألة التي نجحت فيها جماعة الجهاد بتجنيد ضابط الجيش عصام القمري في نهاية الستينيات، والذي نجح بدوره من تجنيد العديد من ضباط الجيش، مثل، عبد العزيز الجمل، وسيد موسى.

عبد المنعم منيب طرح في كتابه سؤالاً على العديد من قيادات مجموعات الجهاد، لماذا الانقلاب العسكري وليس غيره؟ قالوا: "أغلب حكام العالم الإسلامي حصلوا على الحكم بهذه الطريقة وهى طريقة فعالة ونحن أولى باستخدامها لأننا نعبر عن دين وثقافة الأمة، أما هم فلا يعبرون إلا عن فكر ومصالح الغرب الصليبي أو الشرق الشيوعي".

اقرأ أيضاً: 5 تنظيمات متطرفة مهدت لداعش دروب التوحش

عسكرة جماعة الجهاد كانت الوسيلة المثلى لتحقيق الحلم، حلم الدولة الإسلامية، ورغم أنّ محاولات الاختراق لم تنجح، إلا أنّ هناك عدة محاولات أثبتت قدرة الجماعات على تجنيد ضباط جيش، شاركوا بشكل رئيسي في عدة عمليات إرهابية، أهمها محاولة مجموعة صالح سرية للقيام بانقلاب عسكري عام 1974، وهي الحادثة المشهورة بحادث الفنية العسكرية، ولها نسب التنظيم، تنظيم "الفنية العسكرية"، الذي استطاع تجنيد أكثر من 16 طالباً بالكلية الفنية العسكرية واستخدامهم في محاولة السيطرة على الكلية، وسرقة الأسلحة لاستخدامها في الانقلاب على السلطة.

مذكرات أحمد عادل كمال: "النقط فوق الحروف"

تحركات شعبية مؤيدة

ضابط المخابرات الحربية عبود الزمر كان له رأي آخر، بأنّ الانقلاب العسكري يلزمه بشكل كبير تحركات شعبية مؤيدة له، وهي المسألة التي استطاع إقناع محمد عبد السلام فرج بها، واعتمد مشروع فرج للتغيير على محورين:

الأول: تكوين مجموعات عسكرية من أفراد الجيش بغرض القيام بالانقلاب العسكري.

الثاني: إعداد مجموعات مدنية تدعم الانقلاب العسكري لحظة وقوعه.

اقرأ أيضاً: الفكر يتحدى الإرهاب في سيناء عبر سفارات المعرفة

واعتماداً على تلك المحاور، تبنّت جماعة الجهاد المصرية بعد تأسيسها عام 1988، إستراتيجية الإعداد لانقلاب عسكري، مدعوم بمجموعات مدنية، ورفضت اعتماد أسلوب حرب العصابات؛ لأنّ الطبيعة الجغرافية لمصر تجعل حرب العصابات مسألة غير ممكنة.

واعتمدت جماعة الجهاد، في مسألة تجنيد عناصر مدنية داعمة، على استقطاب مجموعات من الأفراد، وتسفيرها إلى أفغانستان؛ لإعطائهم دورات عسكرية، ثم إعادتهم إلى البلاد، دون ممارسة أي أعمال عنف؛ بانتظار التمكن من التغلغل في صفوف الجيش، لتنفيذ انقلاب عسكري، تدعمه المجموعات المدنية السابق إعدادها.

اقرأ أيضاً: الجماعة في مواجهة الدولة

وأسست لذلك لجنة عسكرية تختص بالإعداد لإنشاء معسكرات لتدريب عناصر الجماعة، وتكوين خلايا تابعة للجماعة داخل الجيش، وكان يشرف عليها عبد العزيز الجمل، الذي جنده سلفاً الضابط عصام القمري، والجمل رائد سابق بالجيش، ترك جماعة الجهاد عام 1993 والتحق بتنظيم القاعدة، ثم ما لبث أن تركه، واعتقل باليمن عام 2003، وسلم إلى مصر عام 2004، وخرج من السجن عقب ثورة يناير، ثم سافر إلى الشام.

معسكر الفاروق

نهاية عام 1988 بدأت جماعة الجهاد بتسفير عناصرها إلى باكستان لتلقي دورات عسكرية بمعسكر الفاروق التابع لتنظيم القاعدة، ثم أسست الجماعة معسكرات لتدريب عناصرها تحت اسم "بدر، والقعقاع، والقادسية"، واستقدمت علي أبو السعود المقدم بالصاعقة المصرية لإعداد مدربيها ورفع مستواهم القتالي، وسبق أن تلقى أبو السعود دورة تدريبية بأمريكا ثم سافر إلى أفغانستان واعتقلته أمريكا لاحقاً.

ضابط المخابرات الحربية عبود الزمر رأى أنّ الانقلاب العسكري يلزمه بشكل كبير تحركات شعبية مؤيدة له

أيضاً من ضباط الجيش الذين نجحت الجماعة في تجنيدهم ضابط المدفعية إبراهيم العيدروس الذي جنده القيادي بتنظيم الجهاد والقاعدة، الذراع اليمنى لأيمن الظواهري فيما بعد، ثروت صلاح شحاته، والعيدروس من مواليد 1956 بمحافظة الشرقية، اعتقل بلندن عام 1999 ومات عام 2008.

الجماعة الإسلامية كانت تسير في نفس النهج بعد أن اقتنع كرم زهدي بأطروحة عبد السلام فرج، وأقنع بقية رفاقه بها، ما دفع الجماعة الإسلامية والجهاد للاندماج في تنظيم واحد، بقيادة فرج، تحت مسمى "تنظيم الجهاد"، وأسس التنظيم معسكراً بصحراء البلينا، في سوهاج بالصعيد، واستقدم عدة ضباط شرطة من الموالين له لتدريب عناصره.

يوماً ما كنت إسلامياً

أحمد أبو خليل مؤلف كتاب "يوماً ما كنت إسلامياً"، والذي يحكي فيه تجربته داخل أروقة جماعات الإسلام السياسي، كتب في فصل بعنوان "إلى القاهرة":"كان والدي عقيداً بالقوات المسلحة عندما انتقلنا من الزقازيق إلى القاهرة، وسكنا بمساكن الضباط في مدينة نصر". وفي فصل "على أعتاب الجامعة" كتب:"اقترح والدي أن أذهب معه للمهندس سيد، وكنت أسمع عنه دائماً من والدي، كان هو الشخص الذي أدخله الجماعة هو ورفاقه، والشخص ذاته الذي أقنعه بالخروج منها". يشير أبو خليل بوضوح إلى أنّ والده العقيد بالقوات المسلحة كان عضواً بجماعة الإخوان، وانتمى إلى أسرة جميعهم من ضباط الجيش، لكن اللافت للانتباه في تلك القصة هو سبب خروج والده ورفاقه من جماعة الإخوان، يقول على لسان المهندس سيد، " الإخوان إذا دخل الأمريكان مصر، وكنت في صفهم لربما حرمت من الجهاد.. نعم فقد حدث ذلك في العراق مثلاً". فضباط الجيش تركوا الجماعة لأنهم اعتبروها تنظيماً مهادناً، وغير حقيقي في دعوته بأنه سيجاهد إن استلزم الأمر حمل السلاح.

كتاب "يوماً ما كنت إسلامياً"

قصة والد عضو الجماعة المنشق، والتي دارت أحداثها منتصف التسعينيات من القرن الماضي، إلى جانب مجموعات الضباط الذين قبض عليهم مؤخراً تشير بشكل واضح إلى أنّ جماعات الإسلام السياسي لم تتخلَ عن فكرة اختراق المؤسسة العسكرية وتجنيد أفرادها في رحلة الوصول للسلطة.

غير أنّ مشتركات عديدة بين الضباط المنتمين للتنظيمات الجهادية ربما تشير إلى حقائق أخرى، أهمها أنّ النسبة الأكبر من هؤلاء الضباط انتموا، قبل اعتناقهم الفكر الجهادي، إلى سلاح الوحدات الخاصة المصري "الصاعقة"، مثل سيف العدل، الرجل الذي اختاره تنظيم القاعدة ليخلف بن لادن في إدارة التنظيم، واتهمته مصر عام 1987 في قضية محاولة إحياء تنظيم الجهاد، وعماد الدين عبد الحميد، رفيق هشام عشماوي، مؤسسي تنظيم المرابطون، ومقدم الصاعقة علي أبو السعود، الذي استقدمته جماعة الجهاد لتدريب قيادات التنظيم في معسكرات أفغانستان.

سيف العدل


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية