كيف تلاقت مصالح إسرائيل وتركيا في حرب قره باغ؟

كيف تلاقت مصالح إسرائيل وتركيا في حرب قره باغ؟


09/12/2020

هل حقاً صنع أردوغان النصر الأذري ضد أرمينيا في قره باغ؟ أم صنعته إسرائيل؟

من المؤكد أنّ إجابة هذا السؤال، ستنسب الفضل كاملاً لأردوغان، إذا أجابت القنوات الإعلامية التركية والقطرية والإخوانية، أو باحث سياسي ينتمي للمعسكر السابق، وبالتبعية من يوالون هذا المعسكر.

باحث روسي: حرب قره باغ لم يخطط لها الأذربيجانيون ولا حتى الأتراك، إنمّا الإسرائيليون، الذين يسعون لأهداف تجارية، وأخرى جيوسياسية، تتعلق بالصراع مع إيران

لكن إجابة المراقب المحايد، ستقسم الفضل في النصر بين إسرائيل وتركيا، مع التأكيد على تفوق الدور العسكري الإسرائيلي، الذي لولاه لما حققت أذربيجان نصرها الكبير.

وإنّ كانت تركيا تتجنب الإشارة إلى الدور الإسرائيلي، نظراً لحساسية ذلك على صورتها التي تصدّرها للعالم الإسلامي والعربي، كحامية المسلمين، وحاضنة المقاومة الفلسطينية، التي تخلى العرب عنها، وفق زعم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فإنّ أذربيجان لا تفضل إبقاء إسرائيل في الخفاء، بل احتفل مواطنوها بالنصر رافعين أعلام بلدهم، مع علمي؛ إسرائيل وتركيا.

أجرت تركيا مناورات مشتركة مع أذربيجان

ولا تقف إسرائيل عند الحساسية التركية تجاهها، كوّن ذلك يخدم حليفها، الذي يضمن أمنها، وينسق معها في الخفاء، رغم خطابه الشعبوي المعادي لإسرائيل، فضلاً عن أنّ إسرائيل لا أهداف دعائية لديها، على غرار أردوغان.

اقرأ أيضاً: كيف غيرت تركيا مناطق الكرد ديمغرافياً؟

وتهتم إسرائيل بتحقيق أهدافها الموضوعية، والمتمثّلة في أذربيجان، بمساندة أهم حليف آسيوي لها، وتعزيز قوة أذربيجان، وتواجدها في إطار الصراع ضدّ إيران، والاستفادة من المكوّن الآذري في إيران، كحاضنة لعملياتها الاستخباراتية، فضلاً عن العلاقات الاقتصادية القوية؛ حيث مدت إسرائيل أذربيجان بـ 60 % من حاجتها التسليحية، ولبت الأخيرة 40 % من حاجات إسرائيل للنفط والغاز، علاوةً على ورقة أذربيجان في العلاقات الإسرائيلية - الروسية.

وبالإضافة إلى ذلك، سعت إسرائيل إلى جرّ إيران في مواجهة، عبر تدخلها ضد حليفتها أرمينيا، وهو هدف يتلاقى مع السياسة الأمريكية، في الفترة الأخيرة من إدارة دونالد ترامب، التي تنتهج مساراً تصعيدياً ضد طهران، قد يصل وفق خبراء إلى التلويح بعملية عسكرية.

المحلل السياسي العراقي كريم الكرعاوي لـ"حفريات": "ترتبط تركيا وأذربيجان بعلاقات تاريخية وقومية، ويعتبر الأذريون تركيا الوطن الأم، الذي وقف معهم منذ الدولة العثمانية

وبالنسبة إلى تركيا، الشريك الثاني في صنع انتصار قره باغ، تمثّل هدف أردوغان في؛ تحقيق انتصار ينقذ شعبيته المتآكلة، عبر توظيف الاشتراك العرقي بين الأتراك والآذريين، في مواجهة خصمه حزب الشعب الجمهوري، ذي الميول القومية.

اقرأ أيضاً: المرصد السوري: تركيا تعتزم إرسال مرتزقتها إلى قطر.. لماذا؟

علاوةً على المصالح الاقتصادية المتبادلة، وتوطيد الوجود التركي في وسط آسيا، ضمن محور تطوير علاقاتها مع الصين، وإنشاء خط سكة حديد يربطها بها، عبر أذربيجان وجورجيا، ووسط آسيا. بجانب ذلك؛ هناك محور التنافس مع روسيا حول منطقة القوقاز، ودعم تركيا لأوكرانيا وجورجيا ضدّ روسيا، ومشاريع الغاز التي تمر عبر أذربيجان، والتي تريد تركيا الاستفادة منها.

حلف أذربيجان - إسرائيل

في 27 أيلول (سبتمبر)، الماضي، اندلعت الاشتباكات بين جمهورية أرمينيا، وجمهورية أذربيجان، حول إقليم ناغورنو كاراباخ، في مرتفعات قره باغ، المتنازع عليه بين الدولتين، والذي أعلن استقلاله من جانب واحد عن أذربيجان.

احتفالات شعبية في باماكو، ورفع أعلام إسرائيل وتركيا

واندلعت حرب بين الإقليم وأرمينيا من جانب، وأذربيجان من الجانب الآخر، بين أعوام (1988 - 1994)، وانتهت بسيطرة أرمينيا على الإقليم، وكذلك المناطق المحيطة، وهي؛ أغدام، وجبريل، وفزولي، وكالبجار، وقوبادلي، ولاشين، وزانجيلان في أذربيجان.

وشهدت الحرب الأخيرة تحقيق أذربيجان نصراً عسكرياً كبيراً، استردت على إثره مناطق واسعة في الإقليم، وأربعة أقاليم أذربيجانية من السبعة الذين تحتلهم أرمينيا، وتسلمت الثلاثة الباقيين بحلول مطلع الشهر الجاري، وفق اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي جرى توقيعه بوساطة روسية، في 10 تشرين الثاني (نوفمبر)، الماضي.

وتضمن الاتفاق؛ نشر 1960 جندياً روسيا، كقوة لمراقبة القرار، دون إشارة إلى مشاركة تركيا في في مراقبة وقف الأعمال العدائية، على عكس ما تدعيه الأخيرة، ويروجه إعلامها.

اقرأ أيضاً: فتنة تركيا... هل تنجح أنقرة في الانقضاض على التوافق الليبي؟

وأشار الباحث في التاريخ بمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ستانيسلاف إيفانوف، إلى أنّ الدور العسكري الإسرائيلي هو الجندي المجهول في حسم الحرب لصالح أذربيجان.

وذكر في مقاله، بصحيفة "كوريير" الروسية؛ أنّ التعاون العسكري التقني الإسرائيلي مع أذربيجان قد سمح لباكو بإعادة تجهيز جيشها بأسلحة ومعدات عسكرية متطورة. فعلى مدى الأعوام الخمسة الماضية، زودت إسرائيل أذربيجان بـ 43 % من جميع إمدادات الأسلحة الجديدة، بينما بلغت حصة تركيا 2.8 %، وبالمقابل، زودت باكو تل أبيب بـ 40 % من النفط الذي يستهلكه الإسرائيليون.

اقرأ أيضاً: تركيا تقبض على عناصر إخوانية: مناورة أم تغير في المواقف؟

ويقول الباحث الروسي: "هناك رأي مفاده أنّ العملية في ناغورني قره باغ لم يخطط لها الأذربيجانيون ولا حتى الأتراك، إنمّا الإسرائيليون، الذين لا يسعون فقط إلى تحقيق أهداف تجارية بحتة، إنما وأهداف جيوسياسية. فالقيادة الإسرائيلية طالما حلمت باستخدام الأراضي الأذربيجانية لإجراء عمليات استخباراتية وعمليات تخريبية ضد إيران، ولقد أنشأ الموساد بالفعل، في أذربيجان، محطة للمراقبة الإلكترونية للمنشآت العسكرية في إيران".

وحول ذلك، يقول الباحث والمحلل السياسي السوري، إلياس التركاوي: "هنالك علاقات تجمع بين اسرائيل وأذربيجان على الصعيد العسكري والسياسي وملف الطاقة، حيث تعتبر أذربيجان أهم مصدر لإسرائيل في مجال النفط والغاز، وهناك استثمارات إسرائيلية كبيرة في نفط أذربيجان، بجانب التعاون العسكري؛ حيث اشترت أذربيجان أسلحة من اسرائيل بقيمة خمسة مليارات دولار، من بينها؛ طائرات بدون طيار، ومضادات دبابات، وأنظمة مراقبة، ودفاع جوي واُستخدمت بشكل واسع في الحرب الأخيرة مع أرمينيا".

اقرأ أيضاً: إذا كانت تركيا في أزمة فإن أردوغان في ورطة

ويتابع التركاوي، لـ"حفريات": "وهناك التحالف ضدّ إيران، حيث تدعم إسرائيل دول جوار ايران بالأسلحة في محاولة لصد المد الإيراني، ومن المهم لها أنّ تكون أذربيجان قوية ومستقلة، لأن ذلك ينمي النزعات الانفصالية للعرق الأذري داخل إيران، كي يشكل لها اضطرابات داخلية، وتستخدم إسرائيل أرض أذربيجان والأقلية الأذرية في إيران لتنفيذ عمليات استخباراتية ضد البرنامج النووي الإيراني".

وبالإضافة إلى ذلك، يرى التركاوي؛ أنّ أذربيجان تستفيد من دعم اللوبي اليهودي في واشنطن، ضد اللوبي الأرميني.

مصالح تركيا

ولعبت تركيا دواً رئيسياً في القتال في قره باغ، حيث مهدت للحرب بتصريحات اتهمت فيها أرمينيا بالاعتداء على أذربيجان. وأعلن الرئيس التركي، أردوغان عن دعمه لأذربيجان، وقال في تصريح في شهر آب (أغسطس)، الماضي: "أدين بشدة الهجمات التي شنتها أرمينيا ضد أذربيجان الصديقة والشقيقة. تركيا لن تتردد أبدا في التصدي لأي هجوم على حقوق وأراضي أذربيجان".

وكرر وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، تصريحات أردوغان في مناسبات عدة، قبيل اندلاع الحرب بشهور.

ودعمت تركيا باماكو بالأسلحة، خصوصاً الطائرات المسيرة، والمرتزقة السوريين، الذي بلغ عددهم 4 آلاف مقاتل، وفق تصريحات أرمينية.

اقرأ أيضاً: لماذا تسعى تركيا إلى ترميم علاقاتها مع إسرائيل؟

وسوقت تركيا نصر أذربيجان على أنّه انتصار لها، واستثمرته في تعزيز صورة أردوغان في الداخل والخارج، حتى أنّ هناك أصوات شعبية، طالبت بتدخل تركي مماثل مع باكستان ضد الهند، في إقليم كشمير، المتنازع عليه بين البلدين، في خطوة تعبر عن نجاح أردوغان في تحوّيل الصراع الحدودي بين أرمينيا وأذربيجان، إلى نصر إسلامي ضدّ أعداء الأمة المسلمة، وهي النغمة التي طالما لعب عليها، لإخفاء أطماعه في المنطقة.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي العراقي، كريم الكرعاوي، عن مصالح تركيا في أذربيجان: "يرتبط البلدان بعلاقات تاريخية وقومية، تغذيها روابط اللغة والدين، ويعتبر الأذريون تركيا الوطن الأم، الذي وقف معهم منذ الدولة العثمانية. لكن هذه الروابط ليست إلا أضعف حلقة في علاقات البلدين؛ فأنقرة هي ثاني أكبر شريك تجاري لباماكو، بعد إيطاليا، ومن المرجح أنّ تصبح الشريك التجاري الأول في الأعوام القليلة المقبلة".

الكاتب والمحلل السياسي العراقي، كريم الكرعاوي

ويتابع الكاتب الكرعاوي، لـ"حفريات": "علاوةً على توقيع البلدان مشروع تاناب، لتصدير الغاز الأذري إلى أوروبا، عبر تركيا وجورجيا، مما يمنحها ثقلاً كبيراً في ملف الطاقة، ويدر عائدات كبيرة لها، بجانب افتتاح الخط الحديدي الدولي بينهما، في 2017، لنقل الركاب والبضائع".

ووفق اتفاقية وقف الأعمال العدائية في قره باغ، ستحصل أذربيجان على ممر يربطها بإقليم ناخيتشيفان، الذي تفصله أراضي أرمينيا عنها، مقابل تأمين ممر لاتشين بين المناطق الأرمينية في قره باغ، وأرمينيا.

اقرأ أيضاً: اليونان تحذر: لا يمكن أن يستمر نهج تركيا دون عواقب

وتخطط تركيا لتدشين خط سكك حديدية إلى إقليم ناخيتشيفان، الذي تتشارك معه حدوداً طولها 17 كم، من أجل الوصول إلى أذربيجان عبر الممر الذي يصل الإقليم بها، والمزمع تحديده لاحقاً، ويتيح ذلك لتركيا اتصالاً مباشراً بأذربيجان، ووسط آسيا.

إيران في معادلة الحرب

هناك مصالح مشتركة جمعت بين إسرائيل وأذربيجان منذ استقلال الأخيرة عن الاتحاد السوفيتي، بعد تفككه عام 1991، وهي العداء لإيران. وعلى الرغم من كوّن معظم الشعب الأذري من الشيعة، نسبتهم 85 %، إلا أنّهم لا يعتنقون مبادئ الإسلام السياسي الشيعي، الذي تدعمه إيران، ويُعتبرون أقرب إلى العلمانية، ولذلك دفع الخوف من المد الثوري الإيراني أذربيجان إلى التحالف مع إسرائيل.

رئيس أذربيجان، إلهام علييف، في لقاء مع أردوغان

وعن ذلك، يقول المحلل السياسي، إلياس التركاوي: "يعود الخلاف الأذري - الإيراني إلى عام 1991. واعترفت إيران بأرمينيا قبل الاعتراف بأذربيجان، وحاولت تصدير ثورتها إليها بطرق عدة، لكن السياسة الأذرية اتجهت إلى أمريكا، ثم تركيا، كثاني أقوى دولة في الناتو، لضمان عدم عودة النفوذ الروسي، وللحصول على الدعم في وجه السياسة العدوانية الإيرانية. وكانت إسرائيل من أوائل الدول التي اعترفت بأذربيجان، عقب أيام من إعلانها الاستقلال، وجمع بينهما العداء لإيران، بجانب المصالح الاقتصادية".

اقرأ أيضاً: تقارب إخواني حوثي... ما علاقة تركيا وقطر؟

ويرى المحلل السياسي، كريم الكرعاوي؛ أنّ إسرائيل اتخذت من أذربيجان قاعدةً للتجسس على إيران، واستطاعت بفضل ذلك الحصول على أسرار البرنامج النووي الإيراني، وشراء مجال جوي خاص بها، مما أثار مخاوف الإيرانيين من ضربة اسرائيلية، وتوجهت لدعم أرمينيا التي تكن العداء لاسرائيل، وتتخوف ايران اليوم أنّ يؤدي تطور العلاقة بين إسرائيل وأذربيجان، إلى تحريك القومية الأذريه فيها، والتي تبلغ 25 % من السكان.

ويردف الكرعاوي "هناك أيضاً الصراع على خطوط نقل الغاز والنفط في القوقاز، وستخسر إيران جراء فقدانها لرسوم نقل الغاز الأذري إلى إقليم ناخيتشيفان، بعد أنّ ينتقل ليمر عبر أرمينيا".

وخلال الحرب الأخيرة، نشرت إيران ألوية من الحرس الثوري، في شمال البلاد، موطن العرق الأذري، بعد أنّ شهدت المنطقة احتجاجات شعبية ضدّ دعم إيران لأرمينيا.

الرهان على الفوضى الإيرانية

وبالإضافة إلى اللاعبين السابقين، تنضم روسيا، حليف أرمينيا، والتي لديها قاعدة عسكرية فيها، إلى الصراع، لكن خيم الغموض على الموقف الروسي من الحرب الأخيرة بين حليفتها وأذربيجان.

علاقات قوية تجمع إسرائيل وأذربيجان

ويرى مراقبون أنّ روسيا حققت مكاسب كبيرة، مضحية بحلفائها الأرمن: إذ ضمنت تواجداً عسكرياً في خطوط تماس مع أذربيجان.

ويرى المحلل السياسي، إلياس التركاوي؛ أنّه من المحتمل أنّ يكون لروسيا توجه لأضعاف أرمينيا، لإعادة السيطرة عليها وضمها لدول الاتحاد الروسي، وبهذا قد تكون روسيا حققت مصالحها، رغم خسارة حليفها.

ومن الممكن قراءة الحرب الأذرية - الأرمينية ضمن سياق أوسع، يتعلق بالتصعيد الأمريكي - الإسرائيلي ضد إيران، خاصةً أنّ هزيمة أرمينيا تمثّل ضربة لإيران، وتخلق صورة قوية لأذربيجان، ربما تشجع العرق الأذري فيها على الاحتجاج.

ولا يتوقع الباحث التركاوي أنّ يحدث ذلك قريباً، ويرى أنّ؛ الوضع غير مناسب لتمرد الأذريين في إيران، وإسرائيل تركز على تقوية العلاقات مع أذربيجان. ويقول لـ"حفريات": "لا أتوقع حدوث هذا في المدى القريب، فالأمر المهم لإسرائيل حالياً، هو ضمان عدم تمدد الإيرانيين في أذربيجان".

وبلغت حصة إسرائيل من صادرات أذربيجان، نسبة 6.74 %، في الفترة بين عامي (2014 - 2018)، لتحل في المرتبة الثالثة كأكبر شريك تجاري لها، بعد إيطاليا وتركيا، وفق بيانات البنك الدولي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية