كيف دفعت مصر ثمن "الصحوة"؟

الصحوة

كيف دفعت مصر ثمن "الصحوة"؟


10/06/2019

"اعتذارك هذا ليس كافياً؛ لأنّ الثمنَ كان باهظاً"، بهذه العبارة غرّد الفنان السعودي ناصر القصبي على "تويتر" رادّاً على اعتذار الداعية عائض القرني للمجتمع السعودي مؤخراً، عمّا صدر من تيّار "الصحوة الإسلامية" من أفكار متشددة، ابتعد التيار فيها عن وسطية الإسلام، مرحّباً بسياسة الانفتاح التي تبنّاها ولي عهد المملكة العربية، الأمير محمد بن سلمان، الأمر الذي يحيل إلى سؤال: هل دفعت السعودية وحدها هذا الثمن؟

اقرأ أيضاً: التكفير بالاعتقاد.. الصحوة وعلم الكلام

الداعية السعودي عائض القرني

الانبعاث الجديد

في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران، انتعشت تيارات الإسلام السياسي الكامنة تحت الهزائم المتعاقبة عليها، بدءاً من هزيمة حرب فلسطين 1948، مروراً بالمعارك التي دارت بين تلك التيارات وبين الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، حتى جاءت ثورة الخميني، التي كانت "قبلة الحياة" التي انبعثوا في أعقابها من جديد، من مصر وبلاد الشام، حتى الخليج العربي، الذي أنشأ تياراً عُرف بـ"الصحوة الإسلامية" في الثمانينيات من القرن الماضي، كان منبته السعودية، وكان للإخوان المسلمين حظ وفير من تلك "الصحوة"، التي جددت آمالها بإعادة الخلافة الإسلامية، وهو أحد الأهداف الرئيسية التي قامت عليها جماعة الإخوان منذ 1928.

في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران انتعشت تيارات الإسلام السياسي الكامنة تحت الهزائم المتعاقبة عليها

في كتابه "قبل السقوط"، يوضح المفكر المصري الراحل فرج فودة، كيف أنّ تيّار الإسلام السياسي إنّما يتغذى على غياب القضية الوطنية، وأكبر دليل على ذلك انحسار تيار جماعة الإخوان في الشرق الأوسط بأكمله، في ظل بزوغ مشروع القومية العربية، وحركات التحرر الوطني في مصر والجزائر والعديد من البقاع الإسلامية، التي تركّزت وتوحّدت جهودها حول قضية محورية كانت جلاء الاستعمار عن الأرض، فلم يعد للإسلامويين بيئة خصبة للعمل، حتى انحسرت القضايا، وجاء السادات ومن حذا حذوه من رؤساء الدول العربية، مبشرين بانفتاح على العالم، كانت مآلاته الأولى انتشار الإسلام السياسي وعودته من جديد.

اقرأ أيضاً: مراجعات الصحوة والعنف... قراءة مغايرة

المفكر المصري الراحل فرج فودة

اعتلى السادات حُكم مصر متشحاً بلقب "الرئيس المؤمن"، في إشارة إلى تصالحه مع قوى الإسلام السياسي التي أنهكها تهميش عبدالناصر، فاحتمى بهم، بعد أن لفظ سياساته أتباع عبدالناصر، فكان عليه الاستناد إلى بدائل تحميه من وطأة المجابهة، ففي كتابه "الصحوة الإسلامية في ميزان العقل" يطرح أستاذ الفلسفة المصري الراحل الدكتور فؤاد زكريا، دعائم الصحوة الإسلامية التي رآها ترتكز إلى ضلعين؛ أولهما التخويف من معسكر الشيوعية والذي يضمن للغرب أن تسود الأعراف القبلية والعشائرية ويظلوا خاضعين لسلطة الغرب، وثانيهما الموارد النفطية الهائلة التي تتمتع بها المنطقة، وهو بذلك يرتكن إليها آمناً بعد أن زرع إسرائيل في المنطقة؛ حيث لن تسمح بأي قيام لدولة تسعى لتحقيق استقلالها من التبعية، وهو ما قامت عليه الصحوة الإسلامية إذ يقول زكريا "المتأمل لتناقضات الإسلام السياسي، وتيار الصحوة الذي يتغنى بعدل السلف الصالح، وينظر إلى حال الدول الإسلامية التي تنضح مجتمعاتها بطبقية صارخة، يدرك أنّ الصحوة ليست إلّا غلافاً لتغييب العقول ونهب مزيد من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية".

اقرأ أيضاً: تكفير التفكير.. الصحوة والفلسفة

"يستمر الغلاء إن لم تتحجب النساء"، كان هذا أبرز شعارات الإسلام السياسي حضوراً بين الجموع

الغلاء المتعاظم والنساء
"يستمر الغلاء إن لم تتحجب النساء"، كان هذا أبرز شعارات الإسلام السياسي حضوراً بين الجموع، منذ مطلع الثمانينيات وحتى أفول نجمهم بعد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، فتجده مكتوباً في كل مكان؛ جدران الشوارع، ومقاعد المواصلات العامة، منشورات صغيرة توزع عقب الصلوات في المساجد والأحياء الشعبية، طارد ذاك الشعار نساء مصر زمناً طويلاً حتى صدّقنه، فغطت النساء شعورهنّ عسى أن تنخفض الأسعار لكنها استمرت في الزيادة وما تزال، لكن هذا الشعار إلى جانب شعار الإخوات المسلمات الأشهر "حجابي عفتي"، كان دليلاً على محورين؛ الأول هو تمحور جماعات الإسلام السياسي حول جسد المرأة، وهذه صفة ملاصقة لهم، اكتسبوها من الإرث الذكوري لتأويل التراث، والثاني هو الفشل النظري لمشروع حقيقي يقدم حلولاً لمشكلات المجتمعات الإسلامية، فبالتالي لنلصقها بأجساد النساء؛ لأنّهم عاجزون عن التصريح بأنّ الغلاء سببه الفساد، أو عدم التوزيع العادل للموارد، وبالتالي كان عليهم الارتكان إلى الحلقة الأضعف دائماً وهم النساء، تناقش تلك القضية الأستاذة بالأكاديمية البحرية الأمريكية الدكتورة ثناء منير صادق من خلال دراسة بعنوان "الملامح الأساسية للحركة النسائية في مصر".

رأى المفكر المصري فرج فودة أن تيّار الإسلام السياسي إنّما يتغذى على غياب القضية الوطنية

تعول ثناء، في دراستها، على استخدام السادات لتيارين دينيين متناقضين؛ أولهما شيخ الأزهر الذي كان يصدر فتاوى تؤيد سياسات الدولة، في المقابل كانت الجماعات الدينية تنتشر باطّراد في الجامعات بعد فوزهم بالانتخابات الطلابية في جامعتي القاهرة والإسكندرية، وعليه بنت تلك الجماعات قاعدة جماهيرية قوامها النساء، وبدأت في نشر المساعدات العينية والمادية، وبدأت في القيام بأدوار منوطة بالدولة، وبالتالي اكتسبت ولاء الفئات الشعبية، التي عانت من ويلات البطالة والفقر بعد حرب 1973 التي أعقبها انفتاح اقتصادي أضر بالطبقات الوسطى والمهمشة.
من هنا بدأت الأخوات المسلمات بالعمل على فرض أجندتهنّ الخاصة في تحجيب النساء وعزلهن عن الرجال، وتحريم وتحليل ما يطابق ويخدم سياسات تيارات الإسلام السياسي، في تلك الفترة من نهاية السبعينيات ترى الدكتورة ثناء، أنّ أجندة تيار "الصحوة" بدأت في التبلور "خاصة تجاه المرأة التي أعلنوا أنّها انحدرت من النقاب إلى الحجاب العادي، ثم إلى التبرج والسفور الذي ناقشوه بصفته أصل البلاء على الأمّة بأسرها، ولكي يستميلوا الطبقات الأقل ثقافة، أسندوا كل دعاوى تحرير المرأة إلى الاستعمار، ولم يكتفوا بتحجيب رؤوس النساء، بل شرعوا بإثبات أنّ المرأة محرم عليها بحكم الشرع المشاركة في الحكم، أو السياسة، وبدأوا بنشر أفكارهم التي تلزم المرأة الجلوس في بيتها، ومن هنا بدأت الكارثة في التجذر"، بحسب وصف ثناء.


"الصحوة" والأسلمة والموجة السياسية
في الآونة الأخيرة برزت عدة نجمات مصريات، من المتأثرات قديماً بتيار "الصحوة"، مرتديات للحجاب، أشهرهنّ الفنانة الشابة حلا شيحا، التي أثارت موجة غضب عارم ضدها مؤخراً بعد قرار عودتها إلى الفن، خاصة وأنّها كانت الأكثر تشدداً بعد ارتدائها للنقاب، وعزلتها عن عائلتها خاصة أخواتها الفنانات، بل أصبحت نموذجاً يروّج له الإسلامويون، وانعكس هذا من خلال إجراء لقاء مصور مع زوجها الأوروبي الذي أعلن إسلامه وأطلق لحيته، لتسضيفه قناة "الناس"، إحدى الفضائيات الدينية ذات الصيت الواسع في أواخر حكم حسني مبارك، لتجري حواراً مطولاً معه العام 2008 لسرد قصة التزامهما، وبعد 10 أعوام من سريان مفعول "الصحوة" في عقل الفنانة، عادت للدراما الرمضانية العام 2019، وذلك بالتوازي مع جيل آخر من فنانات السبعينيات الأشهر (شهيرة، سهير رمزي)، حيث نشرتا صورة تجمعهما مع المصمم المصري هاني البحيري دون حجاب، لتنهال عليهنّ ردود لاذعة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال الدراسة التي قدمتها الدكتورة ثناء، حاولت الربط بين رداء المصريات، والحالة السياسية التي تعيشها البلاد.

فيديو لقاء زوج حلا شيحا على قناة الناس:

وهو ما أيّدته أستاذة علم الاجتماع السياسي، الدكتورة هدى زكريا، في حديثها لـ "حفريات"، قائلة: "الحجاب في مصر ليس إلّا انجراف خلف الموجة السياسية التي تعيشها البلاد، وأكبر دليل على ذلك الأعداد الهائلة من الفتيات المصريات اللاتي خلعن الحجاب عقب ثورة يناير وانحسار تيار الإسلام السياسي بعد 2013، وهو ما دفع بعض المنصات الإعلامية لوصفه بالظاهرة، والحملات التي دشنت ضد الحجاب والمحجبات، ليس إلّا التأثير الذي أحدثه انحسار تيار جماعة الإخوان المسلمين، وتيار الصحوة الممثل في السلفيين ولا علاقة له بالدين أو أنّه مؤشر على التدين لا من قريب أو بعيد".

"الصحوة" تغزو الشاشات
لنصف قرن أو يزيد، تربّعت السينما المصرية على عرش الفنون العربية، وجالت المنطقة شرقاً وغرباً، فكان لها النصيب الأوفر من الجماهير العربية دون غيرها، وبقدوم التسعينيات من القرن الماضي، تغيّرت الدفة قليلاً مع تغيرات المزاج العام للجماهير المصرية، خاصة من أبناء الطبقة الوسطى العائدين من الخليج، متأثرين بتيّار الصحوة الإسلامية، فأصبحت السينما مساحة شائكة يعزف عنها الجمهور الذي اكتسب طبيعة محافظة من الفتاوى التي تعالت أصواتها بتحريم الموسيقى والغناء، وكل ما له طابع فنيّ، بل وشيطنته في عيون الجماهير، لتبدأ ظواهر من اعتزال نجمات السينما، وارتدائهنّ الحجاب، في مقدمتهم كانت نجمة مصر الراحلة "شادية"، التي تبعتها فنانات كثيرات، منهن من استمرت على الحجاب، ومنهن من عادت إلى عالم الفن والشهرة.

اعتلى السادات حُكم مصر متشحاً بلقب "الرئيس المؤمن" إشارة إلى تصالحه مع قوى الإسلام السياسي

لكن الظاهرة الأخرى ظهور مصطلح "السينما النظيفة"، الذي أضرّ بجوهر فن السينما، وأصابه في مقتل، لم يستفق منه بعد، بحسب ما أكدّت أستاذ السيناريو بالمعهد العالي للسينما الدكتورة سناء هاشم لـ "حفريات": "لا معنى لما يسمى بالسينما النظيفة، وما هي إلّا تلاعب من قبل التيار المحافظ، ليخاطب الجمهور الذي تغيّرت ذائقته الفنية بعد اجتياح تيار جماعة الإخوان المسلمين، وتيار الصحوة الذي تأثر به المصريون ربما لدرجة أكبر من سكان الخليج، وكان أول من أطل علينا بهذا التصنيف السيئ للسينما حسن البنا في كتاباته عن الفنون عموماً، وكأنّ الجماعة تريد مواصفات معينة للفنون، جاهلين بأنّ الفن حر طليق، ليس على أحد أن يقيده، وإذا حدث ذلك فهو ليس فناً بل منتج ترفيهي استهلاكي، يتاجر بعقول الناس، ويقامر على توجهات المجتمع".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية