كيف شكّلت العوامل السياسية مشهد "الإحياء الديني" في عهد حافظ الأسد؟

سوريا

كيف شكّلت العوامل السياسية مشهد "الإحياء الديني" في عهد حافظ الأسد؟


09/07/2019

يُعدّ الإحياء الديني الإسلامي، الذي تشكّل في عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، أحد الأدوات السياسية الأساسية، التي ساعدت بإعطاء شرعية لنظام الأسد.
علاقة أشبه بالمنفعة المتبادلة، أدّت إلى ترسيخ شكل من أشكال التدين الشعبي، الذي يتأرجح ما بين إسلام صوفي ببعض جوانبه، أو على قواعد وثوابت مستمدة من الشريعة الإسلامية، تخصّ ما يحتاجه الفرد المسلم لـ "صلاحه" بأمور دنياه، والذي ينتهي دوماً، في كلّ خطبة جمعة أو درس فقهي، بتنبيه "العباد" بعدم عصيان الحاكم وطاعته.

اقرأ أيضاً: النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية: هل تصمت المدافع أخيراً؟
كان النظام السوري، وما يزال، حاملاً لأوجه عدة في تعريفه عن نفسه؛ فتارة هو نظام علماني، وتارة أخرى رافع لراية الإسلام الوسطي المعتدل، ضدّ الإسلاميين المتطرفين، أو ما يسميهم بالإرهابيين.
كيف تعايش السوريون مع هذه الصورة التي تُظهر تناغماً وتحالفاً ما بين مشايخ وعلماء دين إسلاميين سنييّن بالضرورة، ونظام قام بمذبحة في مدينة حماه 1982، إثر صراعه مع جماعة الإخوان المسلمين في سوريا آنذاك.
تارة هو نظام علماني وتارة أخرى رافع لراية الإسلام الوسطي المعتدل ضدّ الإسلاميين المتطرفين

ما إن بلغت الثانية عشرة
"أذكر أنني في بداية وعيي على الحياة الاجتماعية في مدينة دمشق، كوني من مواليد 1985، لم أشعر بأيّ تعارض بين الحياة الدينية ومناخ التدين بشكل عام من جهة، والسلطة الحاكمة في سوريا من جهة أخرى؛ فما إن بلغت من العمر 12 عاماً، حتى دفعني والدي لحضور حلقات دينية، تعقد في المنازل. كان هناك شيخ شاب، ينظم تلك الحلقات الدينية؛ حيث يجري لقاء مع "الطلاب" في منزل من منازلهم، كلّ مرة في منزل أحدهم، بعد أن يأخذوا الموافقة من آبائهم، وكان هناك لقاءان كلّ أسبوع، يوم السبت مخصص لحفظ القرآن الكريم، ويوم الثلاثاء مخصص لدروس الفقه والشريعة الإسلامية".

عمد النظام السوري إلى تقديم إسلام شعبي تقليدي في مواجهة الحركات الإسلامية وتوظيف هذا الإسلام لدعم شرعية النظام في المجتمع

هذا ما يرويه في شهادته لـ "حفريات" الكاتب الشاب، محمد طيبة (اسم مستعار)، من مدينة دمشق، عن تجربته المبكرة في الانخراط بالحياة الدينية في سوريا. يتابع حديثه: "بداية، لم تكن لدينا أيّة معلومات لمن تتبع هذه الحلقات الدينية، كان الأساتذة أو المشايخ الشباب يجمعوننا، نحن الطلاب، بشيخ يبلغ من العمر 50 عاماً، كلّ شهر أو شهرين، في جلسة في أكبر منزل في الحيّ، يجتمع فيه حوالي 50 طالباً، لكن، وبعد مضي ثلاثة أعوام من الالتزام بهذه الحلقات، اقترح علينا الشاب أن نذهب جميعاً لحضور درس ديني لشيخهم الكبير، بعدما رآنا مؤهّلين لحضوره، وهو الشيخ أحمد كفتارو، في جامع ومجمع كفتارو (مجمع أبو النور) لتعليم الشريعة الإسلامية في حيّ ركن الدين في دمشق.
أذكر ذلك اليوم جيداً، كان يوم جمعة، اجتمعنا في موقف للباصات في ساحة العباسيين في دمشق، عند التاسعة صباحاً، ووصلنا إلى مجمع كفتارو عند التاسعة والنصف، كنت منزعجاً نوعاً ما في ذلك اليوم؛ لأنّنا تحركنا في يوم العطلة باكراً، وسنبقى في الجامع فترة طويلة، ريثما يأتي موعد خطبة الجمعة، وبعدها صلاة الظهر، لكنّ المفاجأة كانت عندما اكتشفت أننا لسنا وحدنا من جئنا إلى الجامع باكراً؛ إذ إنّ الجامع كان ممتلئاً بالناس".

اقرأ أيضاً: النظام السوري يمنح روسيا إقامة مفتوحة على ساحل البحر المتوسط
يروي محمد طيبة أيضاً تفاصيل ذلك اليوم، الذي شاهد فيه الشيخ أحمد كفتارو للمرة الأولى في حياته: "بدأنا الجلسة بصلاة الضحى، ومن ثم جلسنا وأغمضنا أعيننا كالجميع، وبدأنا بتلاوة أذكار الصباح والمساء، ومن ثم سلسلة طويلة من التسابيح والأدعية، وخلال هذه الساعات كانت أعداد الناس تزداد، وفي موعد خطبة الجمعة؛ دخل الشيخ أحمد كفتارو، مرفوعاً على نقالة من خشب، مزودة بمسند للظهر، يحمله أربعة من الرجال، عند تلك اللحظة قام الناس جميعاً مرة واحدة، وبدؤوا يتدافعون للوصول إلى يد الشيخ أحمد، وتقبيلها".
يعلق طيبة على هذا المشهد؛ بأنّه كان المرة الأولى التي يرى فيها طقساً كهذا، واحتفاءً كهذا برجل دين، ويقول: "تعودت أن أرى في التلفاز أناساً يتزاحمون كي يلقوا التحية على الرئيس حافظ الأسد، وهو يدخل ليلقي خطاباً في مجلس الشعب، أو أثناء دخوله الجامع الأموي في أول أيام العيد، أذكر أنني عندما زرت مجمع كفتارو، مع بداية عهد بشار الأسد، جرت الطقوس نفسها، لكن هذه المرة حضر خطبة الجمعة، أحد أبرز قادة حركة حماس، خالد مشعل، وجلس بجانب الشيخ أحمد كفتارو".
دمشق لم تشهد ازدهاراً دينياً
ويرى طيبة؛ أنّ مدينة دمشق لم تشهد ازدهاراً دينياً، وازدياداً في بناء الجوامع، مثل فترة حكم حافظ الأسد. وأغلب الجوامع، كان هناك لافتة مكتوب عليها اسم الجامع وتحته ترى عبارة مثل: "معهد تحفيظ القرآن برعاية الرئيس السوري حافظ الأسد"، أو "معهد حافظ الأسد لتحفيظ القرآن"، بحسب قوله.

اقرأ أيضاً: لماذا يُتهم فيلم "الآباء والأبناء" بالانحياز إلى النظام السوري؟
ويؤكد الباحث والكاتب السوري، موريس عايق، ما قاله طيبة، إذ يخبر "حفريات": "هذا الإسلام الشرعي هو الذي قامت الدولة أساساً بدعمه وتقديمه، لم يتم فقط تقديمه بوصفه بديلاً عن إسلام حركي؛ بل دعمه شعبياً من أجل إيجاد شرعية للنظام نفسه على أساس إسلامي، وهذا تمّ عبر التوسع الهائل في أعداد المساجد (لا توجد أرقام يقطع بصحتها، لكن الشيخ أحمد حسّون ادّعى أنّ عدد المساجد كان 25 ألفاً، وعبد السلام راجح قال إنّ عددها 13 ألفاً، وطبعاً قبل عام 1970 كانت الأرقام أقل بكثير، وبعضها بحدود 1000 مسجد وجامع)، ومعاهد الأسد لتعليم القرآن الكريم، ومجمّع "أبو النور"، والبرامج الدينية في الإذاعة والتلفزيون؛ بمعنى تقديم إسلام شعبي تقليدي في مواجهة الحركات الإسلامية، وتوظيف هذا الإسلام لدعم شرعية النظام في المجتمع، لكن في المقابل منعه من التنظيم خارج الدولة وإخضاعه المنتظم للرقابة الأمنية، وأخيراً؛ منعه من التقاطع مع أية قضايا تتجاوز الحقل الديني (مطالب شعبية، نقابات، وغيرها).

 الباحث والكاتب السوري موريس عايق
كما يرى عايق؛ فإنّ محمد سعيد رمضان البوطي وأحمد كفتارو، كانا واجهتي هذا الإسلام التقليدي (شعبي وصوفي)؛ كفتارو بشكل رسمي، كمفتٍ وشيخ طريقة، وتلتحق به مؤسسة هائلة (مجمع "أبو النور" بكلياته ومدارسه)، والبوطي الذي كان محاضراً، وحظي ببرامج إذاعية وتلفزيونية، ودعم رسمي، عبر تقديمه على المنابر بوصفه الوجه الديني للنظام.

اقرأ أيضاً: كيف تدير واشنطن حساباتها في شرقي الفرات بين النظام السوري وتركيا والأكراد؟
يقول عايق: "مواجهة الدولة لانتفاضة الإخوان المسلمين اعتمدت بشكل أساسي على علماء مناصرين لها، مثل أحمد كفتارو، الذين قدمتهم لصدارة المشهد الديني في سوريا".
ويلفت إلى أنّ إدارة الدولة للملف الديني "تمت عبر دعم وتقديم إسلام تقليدي محافظ غير مُسيّس (بالأصح يقبل بسلطة النظام السياسي ويدافع عنها من داخل التقليد الإسلامي للسياسة الشرعية، القائم على الطاعة وعدم الخروج على الحاكم، باعتبار الخروج فتنة تؤدي إلى ما هو أسوأ؛ أي الحرب والدم)".

مواجهة الإسلام الحركي
وأضاف: "النظام قدَّم الدعم لإسلام تقليدي في مواجهة إسلام حركي يهدد هذا الإسلام التقليدي، في المقابل؛ الإسلام التقليدي فعل ما اعتاد فعله؛ أي الوقوف في صفّ الحاكم، ليس لأنه سيئاً أو فاسداً (طبعاً يوجد فاسدون أو سيئون لكن ليس الغالب، ومثلاً شخص مثل البوطي، يتمتع بسيرة ممتازة لا يماري فيها أحد)؛ بل لأنّه ينطلق من التقليد الإسلامي المنتظم حول السياسة الشرعية، والتي تقوم على فقه الطاعة والخضوع للحاكم لدرء المفسدة الكبرى وهي الفتنة".

كفتارو والبوطي كانا من المشايخ السنيّة المهادنة للنظام السوري وظهر هذا جلياً في حالة البوطي بعد انطلاق الثورة السوريّة

ويتابع عايق كلامه: "بهذه الصفقة استفاد الإسلام التقليدي ليس فقط في مواجهة إسلام حركي مناوئ؛ بل تمتع بإمكانيات هائلة لتقديم آرائه للمجتمع، وأن يلعب دوراً مرجعياً أكبر في تحديد ما هو مقبول وغير مقبول، من وجهة نظره (شيء شبيه حصل في كلّ مكان، مثلاً في  مصر؛ العلاقة بين الدولة والأزهر، لا تختلف عن تلك التي بين الدولة في سوريا والشبكة المشيخية)، سواء على مستوى الأفكار (لعب البوطي دوراً هائلاً بأعماله في مواجهة القوى اليسارية بسوريا)، ولاحقاً على مستوى العادات والفنون (أيضاً المعارك التي فتحها البوطي ضدّ أعمال فنية، وخطبه ضدّ ثياب وعادات دخيلة على مجتمعاتنا)، لكن هذا كان مشروطاً من طرف الدولة بألّا يترافق مع وجود تنظيمات لا تخضع لرقابتها، ومع بقاء محدود بكل قطاع داخل الحقل الديني لا يتجاوزه للتواصل مع جماعات أخرى، يمكن أن تسمح ببلورة خطاب احتجاج".

محمد سعيد رمضان البوطي
ويرى عايق؛ أنّ "أيّ تحدٍّ من المجال الديني، سيبقى داخل المجال الديني، ويتم إسكاته بسهولة، خاصة مع شبكات المصالح التي نشأت حول الصلات مع الدولة والامتيازات التي أفسحت لها المجال؛ بهذا الشكل دوماً كانت هناك إمكانية لظهور أسماء دينية مهمة، وعلى مستويات مختلفة (تقليدي مثل راتب النابلسي، أو تحديثي مثل محمد حبش ومحمود عكام)، لكن دوماً مترافق بالخضوع والضبط من قبل الدولة، دون التحول إلى ظاهرة اجتماعية عابرة للحقول.

اقرأ أيضاً: هذه هي تفاصيل الصفقة الغامضة بين النظام السوري وداعش
وبهذا المعنى؛ استفادة الإسلام "السنّي" من نظام الأسد "كانت هائلة، التوسع في أعداد المساجد والمعاهد القرآنية والبرامج وتقديم الإسلام، من أجل البحث عن شرعية مضافة، خاصة أنّ النظام السوري مطعون بإسلامه، بشكل سمح له بالوصول إلى أعداد هائلة كانت ولزمن طويل خارجه عملياً، كما في غالبية الريف السوري، الذي كان إسلامه وسنيّته لا تتجاوز الاسم"، بحسب تعبير عايق.
معايشة الحياة الدينية في دمشق
الكاتب والمخرج السوري، دلير يوسف، روى لـ "حفريات" أيضاً معايشته للحياة الدينية في دمشق، فيقول: "بشكل شبه يومي كنّا نرى طلاباً قادمين من بلاد بعيدة إلى دمشق، بهدف دراسة الدين الإسلامي السنّي، قاصدين مجمع الشيخ أحمد كفتارو (مجمع "أبو النور") القريب من بيت عائلتي في حيّ ركن الدين؛ طلابٌ قادمون من باكستان وأفغانستان والشيشان وتونس والمغرب، وبلاد أخرى كثيرة، هدفهم تعلّم الدين الإسلامي على الطريقة الشاميّة.

 الكاتب والمخرج السوري دلير يوسف
في بعض المساءات؛ كانت الشوارع المجاورة للمجمع تمتلئ بالطلاب وبباصات تنقلهم في المدينة، لا أذكر احتكاكاً مباشراً مع سكان الحيّ، إلا أصحاب الدكاكين التي يشترون أغراضهم منها، كان الشيخ أحمد كفتارو المفتي الأول في سوريا، وكان ذا شهرة واسعة بين المسلمين بشكل عام، وفي دمشق بشكل خاص، وكان الشيخ الآخر الذي لا يقلّ شهرة عن كفتارو؛ الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، الذي احتلّ واجهة البرامج التلفزيونيّة الدينيّة التي تُذاع على القنوات الحكوميّة، واشتهر مشايخ آخرون، لكن في حلقات أضيق، كالشيخ كريم راجح".

اقرأ أيضاً: الأسد يلتقي خامنئي وروحاني.. هذه هي الأسباب
ويرى يوسف؛ أنّ شهرة البوطي وكفتارو الكبيرتين، ربما كان مردّها إلى ارتباطهم الوثيق بالسلطة الحاكمة في سوريا، والتي تحكمت بالحياة الدينيّة في سوريا بشكل كبير، مثلما تحكمت بكلّ مفاصل حياة السوريين لأعوام طويلة، من خلال: بناء الجوامع الكثيرة (أو السماح ببنائها)، والسيطرة على هذه الجوامع عن طريق السيطرة على معظم المشايخ، وكذلك عن طريق تأسيس معاهد الأسد لتحفيظ القرآن، التي كانت تتواجد ضمن الكثير من المساجد والجوامع على امتداد سوريا.
وأضاف: "الإشاعة كانت تقول، وهي تكاد تكون حقيقة، بحسب أقوال بعض الشيوخ، والتي كانوا يرددونها في السرّ: إنّ محاور خطبة الجمعة كانت تردهم من فروع الأمن، وكان على الشيوخ الالتزام بها، وإنّ كثيراً من الشيوخ والعاملين في الجوامع هم موظفون لدى الاستخبارات السوريّة"، بحسب تعبيره.

اقرأ أيضاً: فرنسا تحاكم أحد أفراد عائلة الأسد نهب ملايين الدولارات.. من هو؟

يقول يوسف: "كان يتبع البوطي وكفتارو الكثير من المريدين، ومنهم جيران وأقارب ومعارف، وفي أحاديث عديدة كانت تدور أمامي، كان يقال: "إنّ أولئك الشيوخ هم من مشايخ السلطان، لا نتبعهم في هذا، لكن نتبعهم في الدين فهم علماء دين وأولياء الله في الشام". كفتارو والبوطي كانا من المشايخ السنيّة المهادنة مع النظام السوري، والمؤيدة له، والمدافعة عنه، وظهر هذا جلياً في حالة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، بعد انطلاق الثورة السوريّة، وتأييده الواضح للنظام السوري، وعلى رأسه بشار الأسد، وكذا فعل خلال الاحتجاجات الكرديّة، في ربيع عام ٢٠٠٤، وهو ذو الأصول الكرديّة".
هذا التأييد وهذه المهادنة لهما أسبابهما العديدة، في تقدير يوسف: "ربما خوف رجال الدين هؤلاء مما حدث مع رجال الدين الذين وقفوا في وجه النظام خلال احتجاجات نهاية السبعينيات، وخلال أحداث ومجزرة مدينة حماه، فقد قتل منهم من قتل وسجن آخرون، بينما هرب خارج البلاد من استطاع إلى ذلك سبيلاً".

اقرأ أيضاً: لماذا طالبت تركيا وقطر بتنحّي الأسد عن قيادة سوريا مجدداً؟
ويختم المخرج السوري كلامه: "في المقابل؛ دفع رجال دين آخرون، مثل الشيخ معشوق الخزنوي، ثمناً باهظاً نتيجة مواقفهم ضدّ النظام السوري وحكمه القمعي، فمثلاً: دفع الشيخ معشوق حياته ثمناً لخطبة ألقاها في الذكرى الأولى لاحتجاجات الأكراد، عام ٢٠٠٤؛ حيث قُتل بطريقة غامضة، وكانت كلّ المؤشرات تدلّ على ضلوع أجهزة الأمن باغتياله".

كانت الصوفية ذات طبيعة مذعنة أو موالية تجاه الدولة

علاقات حرجة
في مقالة للأنثربولوجي البرازيلي، باولو بينتو، الذي عاش في سوريا بين عامَي 1999 و2001، بعنوان "علاقات حرجة: التصوف والدولة في سوريا"، والتي ترجمها للغة العربية، الباحث الأردني حمزة ياسين، ونشرت بتاريخ 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، على موقع "معهد العالم للدراسات"، يقول بينتو: "إنّ اتخاذ موقف التحالف أو المعارضة تجاه الدولة يُمثل إستراتيجيةً سياسية بالنسبة إلى الجماعات الصوفية في سوريا المعاصرة، وقد تمثل موقف التحالف في نموذج الإسلام الرسمي الذي عبرت عنه الطريقة النقشبندية الكفتارية، في حين تمثل الموقف المعارض في مشاركة أفرع من الطرق الصوفية في الصراع المسلح الذي انطلق مع المعارضة الإسلامية ضدّ نظام البعث، بين عامَي ١٩٧٩ و١٩٨٢، وبناءً على ذلك؛ لا يعود التساؤل فيما إذا كانت الصوفية ذات طبيعة مذعنة أو موالية تجاه الدولة، وإنما ما هي العوامل الاجتماعية والسياسية لكلّ شكلٍ من أشكال العلاقة مع السلطة السياسية".

اقرأ أيضاً: مذبحة داعش بالسويداء.. فتش عن التحالف مع الأسد
كما يرى بينتو؛ أنّ "لسعة تسامح النظام أمام الممارسات العامة للذوات المسلمة أن أتاح عملية دمج مشايخ الصوفية داخل منظومة الرعاية التي تُقدِّمها الدولة، لا يُعدّ وجود علاقات مع مؤسسات الدولة أمراً مُستبعداً بالنسبة إلى مشايخ الصوفية، وبشكلٍ أخصّ، داخل جهاز الاستخبارات، وهي علاقات كان يلفّها الغموض عند كلّ مَن هو داخل وخارج الجماعة التابعة لهم (أي المشايخ)؛ حيث تتضمن هذه العلاقات تبادل الدعم والمعلومات"، مضيفاً: "هذه السياسة المتبعة انعكست على أشكال مختلفة من الامتيازات الاجتماعية، كأن يُتاح للشيخ المتعاون أن يحصل على موافقة بناء زاوية، أو مسجد في أرضٍ من أراضي الدولة، تساهم عملية التبادل هذه في ربط الجماعات الصوفية المحلية بشبكة المحسوبية، وهو ما يتيح لحفنةٍ مختارة من الجماعات أن تحصل على منفذٍ لموارد الدولة، وفي الوقت نفسه؛ استخدامهم كداعمين للمشاريع السياسية والاجتماعية للنظام البعثي".

اقرأ أيضاً: سليماني وروحاني وذيل الأسد
العوامل الاجتماعية والسياسية التي أشار إليها بينتو في المقطع أعلاه، كانت قد أخذت بالفعل أشكالاً عدة، فيما يخص مناخ التدين، والتصوف تحديداً، ليس فقط في علاقتها مع السلطة، بل اتخذت عدة أشكال اجتماعية، ومن كان يعيش في سوريا في نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثانية، بإمكانه ملاحظة أنّ حالة التصوف باتت مناخاً قائماً في حدّ ذاته؛ بل بإمكان المرء أن يشاهد أكثر من نوع من التصوف؛ كالتصوف الديني الملتزم، على الطريقة النقشبندية، والتصوف الشعبي "الشعبوي"، الذي تمثّل في صعود فرق إنشاد دينية، سرعان ما انتشرت بكافة سوريا، والتي أخذت شكلاً من أشكال "البيزنس الديني"، مثل فرقة الإخوة أبو شعر، والتصوف المنفلت من أي عباءة دينية، كإعادة إحياء شعراء متصوفة، مثل: ابن الفارض، وأبي نواس، والحلاج، إما من خلال لوحات فنية، أو الكتابة على القماش، أو من خلال الموسيقى والغناء؛ إذ كان هناك موسيقيون سوريون مغتربون، وعرب حتى، يشاركون بكافة الفعاليات الثقافية التي كانت تجري بدار الأوبرا في دمشق، أو بأماكن أخرى في سوريا، وكان أبرزهم: الموسيقي السوري من أصل حلبي، عابد عازرية، والذي يعيش في فرنسا.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية