كيف فتح سجال شيخ الأزهر مع الخشت باب الحديث عن المطلق والنسبي؟

كيف فتح سجال شيخ الأزهر مع الخشت باب الحديث عن المطلق والنسبي؟


30/01/2020

قضية أو بالأحرى جدلية المطلق والنسبي، التي وردت في حديثيْ شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ورئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد الخشت، قبل يومين خلال مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الديني، من أهم أركان الفكر الديني، وتقع في صلب قضية التجديد غير واضح المعالم والحائر بين التعريف والرغبة والرفض والخوف والرجاء.

اقرأ أيضاً: كيف اختلف مشروع عبدالمتعال الصعيدي لإصلاح الأزهر عن غيره؟
وببساطة فالمطلق هو ما لا حدود لصفاته البالغ الكمال فيها، ولا يخضع لمقاييس العقل البشري، ولا يقاس على غيره لعدم وجود هذا الغير بجانبه، وهو ثابت في طلاقته إيماناً لا عقلاً، فالله تعالى مطلق لا حدود لطلاقة صفاته، وهو متسامٍ ومفارق للطبيعة؛ أي ليس جزءاً محسوساً من الكون الذي نعيشه ويمكن أن ندركه بحواسِّنا البشرية، ويدخل في المطلق العقائد وأركان الإيمان مثل الاعتقاد في وجود الله والملائكة والكتب والرسل والبعث.

المطلق والنسبي، من أهم أركان الفكر الديني، وتقع في صلب قضية التجديد غير واضح المعالم والحائر بين التعريف والرغبة والرفض

أما النسبي فهو ما له حدود ويخضع لحكم العقل البشري وتسري عليه قوانين الطبيعة سواء أكانت مادية في الأشياء المحسوسة المرئية أو معنوية كالمشاعر والتصورات والآراء والأفكار. ومن ثم فكل آراء البشر حول أي فكرة تعد نسبية تحتمل الخطأ والصواب؛ لأنها تُنسب في الحكم على حقيقتها إلى رؤى أخرى لأناس مختلفين، قد يرون نفس الأمر بصورة مغايرة، بناء على ظروف ثقافية مختلفة قياساً على اختلاف الزمان والمكان وما يرتبط بهما من اختلاف في الفكر والتعليم والعادات والتقاليد.
أما كون رؤية بشرية ما نسبية فلا يعني هذا خطؤها بالضرورة، خاصة عند القائل بها، فهو مقتنع بها ويراها حقيقة قياساً على ما توفر له من معطيات ومعلومات، وبناء على نظرته هو لما توفر له، ولكن تظل حقيقة هذه الرؤية حقيقة نسبية يمكن أن يتضح له بمرور الوقت أو باختلاف المكان أنّها غير صحيحة، قياساً على ما توفر من معطيات ومعلومات جديدة.

اقرأ أيضاً: الأزهر وأوكسفورد.. بداية واحدة ومآلات مختلفة
لو اعتقدنا في مبدأ نسبية الحقيقة هذا، سنقبل بوجود حقائق متجاورة مع اختلاف المكان والمعطيات، وهذه كما قلنا حقائق نسبية لا تتعلق بالحقيقة المطلقة الواحدة التي لا يستطيع رؤيتها إلا مطلق القدرة وهو الله تعالى؛ أي إنّه ينبغي علينا التفرقة بين الحقيقة المطلقة والحقيقة النسبية، فالعدل والحق مثلاً هما حقيقتان مطلقتان وواحدتان عند الله تعالى، ولكنهما نسبيتان بالنسبة لنا كبشر ليس في ذاتهما؛ ولكن من حيث رؤيتنا لما هو حق وما هو عدل، ولذا تختلف القوانين من مكان لآخر، وتتغير بين زمان وآخر، مع أنّها كلها تهدف لتحقيق العدل، وذلك بسبب اختلاف رؤيته عند واضعي القوانين، وهذا كله يجعلنا نعتقد في مبدأ التعددية الدينية والفكرية، وكذلك في مبدأ المساواة التامة بين البشر، رغم اختلاف ألوانهم وألسنتهم ودياناتهم وأعراقهم، وكذلك نعتقد في الديمقراطية بشكل عام والمواطنة ودولة القانون، نعتقد في كل ذلك كمبدأ تقوم عليه حياة المجتمعات، وليس كشكليات تراعي تخلصاً من ضغوط سياسية داخلية كانت أو خارجية.

اقرأ أيضاً: الأزهر يجدد نفسه لمواجهة أنجع مع جماعات الإسلام السياسي
بناء على ما سبق يتضح أنّ النسبي عكس المطلق والمطلق عكس النسبي، ولكن المطلق ليس عكسه المشكوك فيه، بمعنى أنّ كل ما هو نسبي غير مطلق لا يعني بالضرورة أنّه مشكوك في صحته؛ أي إنّ صاحب كل فكرة معتقد في صحتها، وليس لديه شك في ذلك، وله أن ينشرها بكافة طرق النشر، ولا يصح معرفياً أن يُتّهم بأنّه شاك في صحتها انطلاقاً من أنّ صحتها نسبية.

مقولة الشافعي في نسبية صحة آرائه كان من الممكن أن يبني عليها المسلمون نظرية نسبية مبكرة

على هذا النحو يمكن فهم مقولة الإمام الشافعي أنّ رأيه صواب يحتمل الخطأ ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب؛ فالشافعي يرى أنّ آراءه بشرية نسبية، صحيحة لديه هو فقط، بناء على رؤيته في الحكم على الأشياء، ولكن صحتها نسبية ومن ثم تحتمل الخطأ، وهكذا رأي غيره الذي يراه هو خطأ رغم كونه صحيحاً عند صاحبه، وذلك لأنّ الشافعي لم ينطلق من الحقيقة المطلقة في آرائه، بل انطلق من الحقيقة النسبية، وينسحب هذا على مذهبه الفقهي الفكري وفهمه ومقولاته حول القرآن الكريم والسنّة النبوية، ولكنه لا ينسحب على العقائد التي يؤمن بها، ولو أننا قلنا إنّ كل من لا يؤمن بحقيقة كلامه المطلقة فهو يشك فيها وفي صحتها، لقلنا بالتبعية أنّ الشافعي لا يعتقد في صحة كل ما قاله وأنّ مذهبه كله مشكوك فيه عند أصحابه، قبل مخالفيه، وهذا لا يتفق مع الواقع ولا مع المنطق.
وأزعم في هذا السياق أنّ مقولة الشافعي في نسبية صحة آرائه كان من الممكن أن يبني عليها المسلمون نظرية نسبية مبكرة، تسبق بكثير نسبية أينشتاين رغم الاختلاف في موضوع النظريتين، ولكن غالبية المسلمين يعجبون لجمال العبارات ولا يهتمون بمضمونها وما يمكن أن يستنتج منها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية