كيف لإسرائيل أن تكسر معادلة الردع التي يفرضها حزب الله؟

كيف لإسرائيل أن تكسر معادلة الردع التي يفرضها حزب الله؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
05/08/2020

ترجمة: إسماعيل حسن

مرّ وقت على الهجوم المنسوب لإسرائيل في دمشق، الذي قتِل فيه ناشط لحزب الله، والمواجهة القصيرة التي حدثت على الحدود الشمالية بين إسرائيل وحزب الله، استعدّت إسرائيل في هذه الأيام لكلّ سيناريو، لكنّها لم تعرف ما السيناريو الذي سيختاره حسن نصر الله في الأيام القادمة، ما يزال على إسرائيل، حتى الآن، أن تقدّر إذا ما كان نصر الله قد استكمل ثأره أم عليها الانتظار، شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي تواصل مراقبة كافة التحركات على الحدود الشمالية مع لبنان، تحسّباً لتنفيذ أيّة عملية عسكرية يقدم عليها حزب الله.

إسرائيل حذرة أكثر بكثير من نصر الله، وتفضّل احتواء عملياته والمرور عليها إلى جدول الأعمال، وعلى إسرائيل أن ترفع ثمن رهان نصر الله، وهكذا ستكشف خدعته

 تقارير عسكرية من وحدات المراقبة المنتشرة أفادت بوجود تحركات غير مسبوقة لعناصر من حزب الله داخل مزارع شبعا، على الحدود الفاصلة، تستعدّ لتنفيذ هجمات وعمليات اختطاف لجنود من الجيش الإسرائيلي، والتقديرات بالنسبة للردّ المتوقع استندت إلى تجربة الماضي، وبالأساس؛ فإنّ الاعتراف بأنّ حزب الله تنظيم عقلاني؛ أي أنّه تنظيم سياسي، وليس تنظيماً عسكرياً؛ حيث إنّه مقيّد بتشابك معقّد من الأزمات السياسية والاقتصادية، وأنّ مكانته في لبنان لا ترتكز فقط على قدرته على استخدام إسرائيل ضدّ أهداف مدنية في لبنان، وبهذا يهدّد استقرار النظام الذي هو نفسه شريك فيه، هذا تنظيم مثل حكومة إسرائيل، يجب عليه الاهتمام بردّ الجمهور في لبنان، الذي يراه أحد المتّهمين الرئيسين في انهيار اقتصاد الدولة.

نصر الله ضعيف ويعاني

نصر الله، من ضعفه العسكري والضائقة المالية، عاد للرهان، مثلما في صيف 2006؛ يهدّد الآن بتنفيذ عملية إرهابية ضدّ إسرائيل ردّاً على مقتل واحد من رجاله في سوريا، نصر الله مقيّد بمعادلاته، وانطلاقاً من الإحساس بانعدام البديل والخوف من أن تفسّر إسرائيل خطواته كتعبير عن الضعف؛ يشعر بالتزام بالردّ، ومستعد لأن يجرّ إلى مواجهة جبهوية معها، وهو يأمل بالطبع أن ينجح في الحفاظ على مستوى اللهيب، ويأمل أن يمرّ الحدث بسلام، بالحدّ الأدنى من المصابين في إسرائيل، الأمر الذي يسمح لها باحتواء الحدث، مثلما تصرّف في الماضي؛ لهذا السبب بالذات جدير بإسرائيل ألا تقع في خدمة نصر الله؛ بل تحاول تحطيم المعادلات التي يحاول إملاءها عليها، وتضع أمامه خطاً أحمر واضحاً، لا يجب اجتيازه.

تحركات غير مسبوقة لعناصر من حزب الله داخل مزارع شبعا

 منطق حزب الله يلزمه بأن يجري أمام إسرائيل ميزان ردع عسكري، إلى جانب الاحتواء أيضاً، نصر الله يرسم بين هذين الأمرين خطاً تمييزياً واضحاً وحاداً، تحوّلت طلعات سلاح الجو في سماء لبنان إلى ظاهرة مستوعبة لا تحظى برد من التنظيم، كذلك أيضاً هجمات إسرائيلية في الأراضي السورية، حتى إن كانت موجهة ضدّ قوافل سلاح لحزب الله، أو مخازن سلاح وذخيرة يملكها حزب الله في سوريا، وأما الخوف من أن يعمل حزب الله ضدّ إسرائيل، كمبعوث لإيران، ويردّ بدلاً منها على الهجمات المنسوبة لإسرائيل، فلن يتحقق ذلك.

إدارة سياسية إسرائيلية فاشلة

 في حرب لبنان الثانية؛ قادت إسرائيل إدارة سياسية فاشلة لم تتمكن من السماح لتفوق الجيش الإسرائيلي الهائل أن يجد تعبيره، وبدلاً من إلحاق هزيمة بحزب الله جرت دون حاجة إلى حرب استنزاف امتدّت 33 يوماً، ومع ذلك أرسلت نتائج الحرب رسالة مصممة وواضحة لحزب الله، بأنّ إسرائيل لن تسمح له بعد ذلك في خرق سيادتها ومواصلة مهاجمتها من الأراضي اللبنانية، والهدوء الذي ساد على طول الحدود مع لبنان كان الإنجاز الأهم للحرب، والدليل أنّ حزب الله المضروب والمردوع اعترف بأنّ الحفاظ على الهدوء هو من مصلحته ومصلحة مؤيديه، بقدر لا يقلّ، بل وأكثر، من مصلحة إسرائيل، غير أنّ إسرائيل تركت نصر الله في الأعوام الأخيرة يعود إلى لعبة معادلاته، وينفذ عمليات ضدّ قواتها، بداية في منطقة مزارع شبعا.

في كلّ ما يتعلق بالردع، يتصرف حزب الله كتنظيم يدير حساباً خاصاً مع إسرائيل، لا كفرع لدولة معادية. هكذا كان الأمر عندما نفّذ اختطاف الجنود في صيف 2006

 في كلّ ما يتعلق بالردع، يتصرف حزب الله كتنظيم يدير حساباً خاصاً مع إسرائيل، لا كفرع لدولة معادية، هكذا كان الأمر عندما نفّذ اختطاف الجنود في صيف 2006، الذي أدى إلى حرب لبنان الثانية، وهي عملية استهدفت بالأساس تسوية الحساب مع إسرائيل، إثر اختطاف نشطاء حزب الله واعتقال سمير القنطار، وقبل أشهر من ذلك أوضح نصر الله ورئيس حكومة لبنان، فؤاد السنيورة، أنّ هذا الحساب هو أمر بين التنظيم وإسرائيل، ولا صلة له بحكومة لبنان، نصر الله أخطأ، ومثلما اعترف بعد مرور فترة طويلة على حرب لبنان؛ بأنّه لو كان يعرف نتائج عملية الاختطاف لما كان نفّذها.

استعداد حزب الله لتوجيه ضربة

وفي تحليل الجيش الإسرائيلي؛ فإنّ استعداد حزب الله لتوجيه ضربة لن يكون فقط رداً على قصف سوريا؛ إنما قطع الطريق على الوساطة الأمريكية، بين لبنان وإسرائيل، للتوصل إلى تفاهمات حول الحدود المختلَف عليها في المناطق الإقليمية في البحر المتوسط، وبحسب الجيش الإسرائيلي؛ فإنّ الإعلان عن قبول الطرفين، اللبناني والإسرائيلي، التوصل إلى تفاهمات حول الخلاف، لم يقبل به حزب الله، الذي يرى أنّ الولايات المتحدة، في كلّ تدخّل لها، ستكون منحازة لصالح إسرائيل، وحول مزارع شبعا؛ يوضح التقرير أنّها مناطق يعدّها حزب الله ذات أهمية إستراتيجية كبرى له، وأنّ خسارتها وعدم استرجاعها من إسرائيل يشكّلان خسارة لحقّ الحزب في الوجود، وعليه سيبذل قصارى جهده كي تبقى المنطقة مليئة بنشاطات شعبية.

 إسرائيل تركت نصر الله في الأعوام الأخيرة يعود إلى لعبة معادلاته، وينفذ عمليات ضدّ قواتها

إسرائيل مصممة، أكثر من أي وقت مضى، على منع المسّ بسيادتها أو جنودها، وبالتأكيد بمواطنيها؛ فقد أعلن وزير الدفاع، بني غانتس، بحزم، في تصريح مشترك له مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو؛ أنّ لبنان وسوريا دولتان سياديتان، وتتحملان مسؤولية أيّة عملية إرهابية تحدث من أراضيهما، ومن المثير للاهتمام أنّ غانتس لم يحذّر حزب الله؛ بل تطرق إلى سوريا ولبنان بصفتهما دولتين سياديتين، وإسرائيل تتعامل مع هذه السيادة بصورة انتقائية؛ في سوريا التي تسيطر عليها روسيا فعلياً، إلى جانب مساعدة إيران، تتصرف إسرائيل وكأنّها غزة، تدخل وتخرج دون انتظار دعوة، في خرق فظّ للسيادة.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تتأهّب لمواجهة عسكرية محتملة مع حزب الله

 وفي الوقت نفسه؛ هي حذرة من مهاجمة أهداف للنظام السوري، خوفاً من فقدان الإذن بالعمل الذي أعطته لها روسيا، أما بالنسبة للبنان، الدولة الأخرى التي تعتمد سيادتها على ضبط النفس؛ فما تزال إسرائيل تتعامل برهبة، بسبب ميزان الردع أمام حزب الله، ولأنّها ملتزمة بسياسة ضبط النفس، هذه هي الطريقة التي يعمل بها الأعداء العقلانيون، ويتميز ميزان الاحتواء بألوان ضبط النفس والامتصاص، ويبدو أنّه لا يناسب دولة تسعى إلى تخويف التنظيمات ودول المنطقة، ولكنها السياسة ذاتها التي تتعامل بها إسرائيل مع حماس في قطاع غزة؛ إذ يبدو أنّها تهاجم غزة في كلّ مرة يطلَق منها صاروخ على إسرائيل، لكنّها فعلياً قررت في حالات كثيرة امتصاص النيران وعدم الرد، عندما يخدم الاحتواء مصالحها.

 إسرائيل متفكرة وحذرة أكثر بكثير من نصر الله، وتفضّل احتواء عملياته والمرور عليها إلى جدول الأعمال، لكن من الجدير بإسرائيل أن ترفع ثمن رهان نصر الله، وهكذا على ما يبدو ستكشف خدعته.

الخوف على حياة نصر الله

 الخوف على حياته، والخوف من المواجهة، والتدهور، كلّ ذلك ثمن لا يمكنه، ولا يريد، أن يدفعه، والأهم من ذلك؛ يجدر بإسرائيل أن تعود إلى القاعدة الحديدية التي توجهها بنجاح كامل مع سوريا؛ وهي أنّ خرق سيادة إسرائيل والمسّ بأراضيها وبجنودها، خطّ أحمر لن يتمّ تجاوزه بصمت.

 العملية التالية هي مسألة وقت، وتبدو هذه كلعبة حرب، وليست كحرب بالفعل في شبكة العلاقات المركبة بين إسرائيل وحزب الله

 وهكذا، بدلاً من إطلاق نار الردّ نحو أهداف عابثة ووهمية في الأراضي اللبنانية، والتبليغ بضجيج عالٍ؛ بأنّ النار ردت نحو مصادرها، على إسرائيل أن تجني ثمناً على خرق سيادتها، سواء من حزب الله أم من حكومة لبنان التي تعطيه رعايتها، هكذا فقط يكون ممكناً كسر المعادلات التي يسعى نصر الله لأن يمليها على إسرائيل، وتحديد قواعد لعبة جديدة، وضمان بقاء الهدوء على طول الحدود الشمالية، وإلا فإنّ العملية التالية هي مسألة وقت، وتبدو هذه كلعبة حرب، وليست كحرب بالفعل في شبكة العلاقات المركبة بين إسرائيل وحزب الله، ثمة عناصر من اللعبة، مثلما في قصيدة حانوخ لفين، "يلعب الطرفان الشطرنج؛ الملك مع الملكة والمواطنون في الطرفين، ليست لديهم أدنى فكرة"، هذا الاشتباه ظلّ في الحوادث السابقة على طول الحدود، فما بالك بأنّ هناك مصالح مدنية إلى جانب المناوشات العسكرية، لقد وضع رئيس الأركان ثلاثة أهداف إستراتيجية لعمل الجيش الإسرائيلي في الشمال؛ وقف التموضع الإيراني في سوريا، ومنع نصب صواريخ دقيقة في لبنان، وردع حزب الله عن العمل داخل أراضي إسرائيل.

اقرأ أيضاً: كورونا يتفشى بين الإسرائيليين ويكشف هشاشة التجهيزات الطبية

 قصة خلية حزب الله التي تسلقت هار دوف قبل أسابيع أطلّت ولم تصَب بأذى، القصة عسكرية في أساسها، ولها ذيل سياسي، وصلت الخلية إلى سفوح هار دوف، وبدأت تتسلق أعالي الجبل من زرع إلى زرع من صخرة إلى صخرة، بمهنية مقاتلي الكوماندوز، خطوة جريئة من جهة وغبية من جهة أخرى، اجتازت الخلية الخط الأزرق، وفي النقطة الأكثر راحة للقوات, وعلى مسافة بضعة أمتار داخل الأراضي الإسرائيلية؛ اصطدمت بنار من عدة مصادر، وتحديداً الاستحكام والقوة اللذين انتظرتهما، ووجهت النار نحو الأرض قريباً منهم، سمعوا كثافة النيران التي أطلقت عليهم، ولم يطلقوا النار، وهربوا في منحدر الجبل، منطق ذلك القرار بالنسبة لإسرائيل واضح؛ قتل رجال الخلية كان سيؤدي بالضرورة إلى يوم قتالي في الشمال، وربما أكثر من يوم قتالي واحد، ورغبة حزب الله في الانتقام لا تسمح له إسرائيل بتحقيقها.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.israelhayom.co.il/opinion/784753



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية