كيف لوّث فيروس كورونا الاقتصاد العالمي؟

كيف لوّث فيروس كورونا الاقتصاد العالمي؟


كاتب ومترجم جزائري
18/03/2020

ترجمة: مدني قصري


شركات ومؤسسات صناعية في حالة من الجمود، انخفاض أسعار الأسهم، تعثر سلسلة التوريد العالمية، دول تُغلق على نفسها؛ مع انتشار وباء كوفيد  19 "Covid-19"، ويسير النمو الاقتصادي نحو التراجع في جميع أنحاء العالم؛ حيث تحاول الدول والمؤسسات المالية دعم النشاط العالمي، ولكن بنتائج محدودة.

الاقتصاد العالمي يتباطأ
حذّرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أنّ كوفيد - 19 يضع "الاقتصاد العالمي في حالة من الخطر"، وقد خفضت المنظمة توقعاتها للنمو بمقدار 0.5 نقطة وتوقعت زيادة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 2.4 بالمئة؛ وهي أصغر زيادة منذ نهاية الأزمة المالية، ومن المتوقع أن تشهد الصين أقوى تباطؤ في النمو عرفته في الأعوام العشرين الماضية؛ بنسبة 4.9 بالمئة فقط، وبقية العالم ليس في مأمن، بما في ذلك أوروبا، القارة الثانية الأكثر تضرّراً من الفيروس؛ فمن المتوقع أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الفرنسي ذروته عند 0.9 بالمئة مقابل 1.2 بالمئة الذي كان متوقعاً في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.  لقد تسببت الأشهر الستة لوباء سارس في الفترة 2002 - 2003، في تباطؤ الاقتصاد الصيني بنسبة 1.2 بالمئة و0.2 بالمئة على مستوى العالم.
انحسار التجارية العالمية
في أقل من شهر واحد فقط؛ انحرفت التجارة العالمية عن مسارها؛ حيث تأثر 80 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في الصين مع ذروة الأزمة في البلاد، وهي موجة صدمة للتجارة العالمية؛ إذ تُمثّل الصين ربع الإنتاج العالمي، كما تستهلك 27 بالمئة من إنتاج الكمبيوتر على مستوى العالم، و60 بالمئة من إنتاج الباراسيتامول، ولكنها أيضاً مُقدمة رئيسية للطلب في آسيا، بالإضافة إلى كونها سوقاً عالمياً كبيراً لقطاعات كثيرة؛ مثل القطاعات الكمالية (35 بالمئة من المبيعات)، والسيارات (40 بالمئة من مبيعات فولكس فاجن)، والإلكترونيات (20 بالمئة من مبيعات آبل)، وفقاً لتقرير"KYU".

اقرأ أيضاً: كيف يمكن "صناعة السعادة" مع وباء كورونا؟
وانتعش اليوم 50 إلى 70 بالمئة من الاقتصاد الصيني، لكنّ الشركات الأوروبية هي التي أصبحت مُعلّقة، وبحسب أويلر هيرميس "Euler Hermes"؛ فإنّ الانخفاض في الصادرات العالمية سيبلغ 320 مليار دولار من السلع والخدمات في هذا الفصل من العام وحده.

تدهور الطلب على الطاقة
يوم الإثنين 9 آذار (مارس) الجاري؛ انخفض سعر برميل النفط الخام إلى ما دون 30 دولاراً، وانخفض سعر سهم توتال 16 بالمئة، وستستمر التوترات حتى لو استعاد الخام قواه. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية "IEA"؛ قد ينخفض الطلب على النفط بشكل حاد مع الانكماش العميق لاستهلاك النفط في الصين (14 بالمئة من الاستهلاك العالمي، و80 بالمئة من النمو في الطلب)، فضلاً عن الاضطراب الكبير في السفر والتجارة العالمية، كما تقول وكالة الطاقة الدولية؛ إنّه من المتوقع أن تتأثر الطاقات الأخرى؛ كالفحم والغاز والطاقة المتجددة، بالأزمة.
البورصات تستسلم للذعر
في وقت سابق من هذا الأسبوع؛ تسبّبت الأنباء السيئة حول عدوى الفيروس وتراجع أسعار النفط، في حدوث موجة من الذعر في الأسواق العالمية، إلى حد التذكير بأسوأ ساعات الأزمة المالية لعام 2008؛ حيث إنّ أسواق الأسهم الآسيوية تنحدر، وفي أعقابها، أسواق الأسهم الأوروبية والأمريكية. وفي 9 آذار (مارس) الجاري، وهو يوم أسود حقيقي؛ أُغلقت بورصة طوكيو بنسبة 5.07 بالمئة، وانخفض مؤشر "كاك 40" بنسبة 8.39 بالمئة، وهو أسوأ انخفاض منذ عام 2008، وانخفض مؤشر "داكس 30" بنسبة 7.94 بالمئة، و"MIB ميلانو" بنسبة 11.17 بالمئة، ومؤشر "داو جونز" بنسبة 7 بالمئة، كما شهد مؤشر "S & P500" توقفاً في  التداول من أجل وقف الهبوط الجنوني السريع.

اقرأ أيضاً: "كورونا" يقلب المعادلات ويخلط الأوراق
وكانت مدة انتعاش اليوم التالي قصيرة للغاية، وفي نهاية الأسبوع، أدّت الإعلانات المختلفة عن الانعزال والحمائية؛ إلى انحدار أسواق الأسهم مرة أخرى، وبالنسبة للمحللين، فإنّ شرط العودة إلى الهدوء الدائم يظل مرهوناً باستقرار عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا وفي تدابير المساعدة التي تقدمها السلطات المعنية على الخصوص.

تراكم خسائر بعض الشركات واستفادة بعضها الآخر
تكون الصدمة أقسى وأكثر ديمومة على المستوى الاقتصادي المحدود؛ إذ إنّ الشركات، وخاصة تلك الأكثر اعتماداً على الواردات الصينية (المنسوجات والإلكترونيات وما إلى ذلك)، وكذلك القطاعات المرتبطة بالأحداث، والسياحة، تتلقى الضربة القاسية، وكذلك الحال بالنسبة للمحلات التجارية المحلية الواقعة في المناطق المتضررة، كما يمكن أن تخسر صناعة الطيران ما بين 63 مليار و113 مليار دولار؛ وقد أبلغت الشركات العالمية الكبرى بالفعل عن خسائر تقدّر بمئات الملايين من الدولارات، حيث طلبت 3500 شركة تضم 6000 موظف، من بينها الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة، اللجوء إلى تطبيق البطالة الجزئية في فرنسا.

اقرأ أيضاً: فيروس كورونا كمصدر لظاهرة إنسانية جديدة
ومع ذلك، تستفيد قطاعات معينة من الأزمة، مع الاستفادة من خروج أقل للسكان، وبالتالي؛ فإنّ مؤسسات "Netflix" و"Amazon" وناشر ألعاب الفيديو "Activision Blizza" وغيرها؛ المصنفة في مؤشر جديد لسوق الأوراق المالية يسمَّى "البقاء في المنزل"، تُحقّق فوائد جيدة، تماماً مثل منصات العمل عن بُعد، أو الاستشارات عن بعد.

مساعدات الميزانيات تلتهب
أمام الصعوبات الاقتصادية فتضع السلطات والمؤسسات العامة أيديها في جيوبها لضمان حالة الطوارئ ومحاولة الحفاظ على توازن الاقتصاد، كما يُقدّم البنك الدولي ما يصل إلى 12 مليار دولار لدعم النظم الصحية واقتصادات البلدان النامية المتضررة، وقد أفرجت الصين عن 43 مليار دولار لمساعدة شركاتها، ورصدت اليابان 4 مليارات دولار، وإنجلترا 35 مليار يورو، وإيطاليا 25 مليار يورو، كما سيُخفِّض بنك الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة "مثل بنك إنجلترا" لتسهيل الحصول على الائتمان للاعبين الاقتصاديين في الولايات المتحدة، الذين سيستفيدون من تعليق ضريبة الرواتب لمدة 3 أشهر أيضاً؛ والتي تساوي أكثر من 300 مليار دولار، وتنفّذ الحكومة الفرنسية إجراءات لمساعدة الشركات أيضاً. وأخيراً، أعلن الاتحاد الأوروبي عن صندوق استثماري بقيمة 25 مليار يورو (الصناديق الحالية بشكل أساسي)، وإن كان البنك المركزي الأوروبي يُخطط لشراء 120 مليار يورو من الديون الإضافية بحلول نهاية العام وبرنامج قروض لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة، فإنّه سيترك أسعار الفائدة دون تغيير.


مصدر الترجمة الفرنسية:
novethic.fr

الصفحة الرئيسية