كيف نسج أردوغان "زواج المصلحة" بهدف استنزاف السعودية في اليمن؟

كيف نسج أردوغان "زواج المصلحة" بهدف استنزاف السعودية في اليمن؟


17/03/2020

في حسابات الأرباح والخسائر، يمكن القول إنّ الأطراف الساعية إلى-والمستفيدة من-استنزاف المملكة العربية السعودية في اليمن هي أطراف ثلاثة، على الأقل: الحوثيون المتحالفون مع إيران، وتركيا وقطر المتحالفتان مع حزب "الإصلاح" الإخواني.


حتى هذه اللحظة لا تبدو واضحة معالم أي حلّ سياسي في اليمن، ويبدو أنّ المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، غير قادر، حتى الآن، على إقناع الحوثيين بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. والحقيقة أنّ تلك الأطراف الثلاثة لا تجد مصلحتها في إنهاء سريع للصراع في اليمن، بل تعتبر أنّ اشتعال الجبهات في المناطق اليمنية يُحسّن من أوراقها التفاوضية في أكثر من ملف إقليمي، ولذلك يبدو من الطبيعي والمنطقي أن تتجه هذه الأطراف الثلاثة إلى الاستعانة بحلفائها ووكلائها على الأرض اليمنية من أجل عدم التجاوب الجاد والفعلي مع أي مبادرات للتهدئة أو عقد أي تفاهمات أولية، قد تكون نواة لهدنة غير هشة تقود إلى وقف دائم لإطلاق النار وعقد اتفاقات سياسية، برعاية أممية.

الأطراف الساعية إلى-والمستفيدة من-استنزاف السعودية باليمن هي: الحوثيون المتحالفون مع إيران، وتركيا وقطر المتحالفتان مع حزب "الإصلاح" الإخواني

زيارات حزب "الإصلاح" الإخواني إلى تركيا شهدت تزايداً ملحوظاً خلال الثلاثة أشهر الماضية، والمؤشرات تتواترعلى مهادنةٍ بين حزب "الإصلاح" والحوثيين، وتفاهم الطرفين على أنّ مصلحتهما في عدم التجاوب، حالياً، مع رغبة الرياض في وقف نزيف الدم في اليمن، وتمكين اليمنيين من حكم بلدهم من دون تدخلات خارجية.
"زواج المصلحة"
وقد تحدثت تقارير صحفية غير مرة عن أنّ قمة كوالالمبور التي انعقدت في كانون الأول (ديسمبر) 2019 في ماليزيا، وجمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والإيراني حسن روحاني، مع أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لم تكن تستهدف فقط سحب بساط التمثيل السعودي للعالم الإسلامي، والاحتجاج على زعامة المملكة الروحية، والتفكير بإيجاد منظمة بديلة عن منظمة المؤتمر الإسلامي التي تقودها الرياض... لم تكن تستهدف قمة كوالالمبور ذلك وحده بل جرى تفاهم تركي-إيراني-قطري على مكاسب الاستمرار في استنزاف السعودية في اليمن، وإبقاء الحرب هناك جرحاً في خاصرة المملكة وأمنها الوطني. وبمقتضى هذا التفاهم دفعت أنقرة والدوحة بثقلهما لعقد مزيد من التوافقات وتجسير التباينات بين المجموعات المسلحة التابعة لحزب "الإصلاح" الإخواني اليمني من جهة والحوثيين من جهة أخرى، وبتسهيل من طهران، من أجل إبقاء جبهات أبين وشبوة وغيرها مشتعلة، وبما يعطّل مفاعيل اتفاق الرياض، بعدما أخفق حزب "الإصلاح" في عدن وتعز ومأرب، برغم استثماره الوفير في حواضنه هناك.

تهدف قمة كوالالمبور إلى سحب بساط التمثيل السعودي للعالم الإسلامي
ولعل من مقتضيات "زواج المصلحة" بين حزب "الإصلاح" الإخواني اليمني والحوثيين أن يُصار إلى فتح جبهات متوازية بين الطرفين تستهدف إضعاف المقاومة الجنوبية والمجلس الانتقالي الجنوبي. وقد قامت تركيا بتقديم الدعم الأمني الشامل للقوات التابعة لحزب "الإصلاح" من أجل تمكين الأخيرة من رصد تحركات قيادات ونخب جنوبية، وتقديم معلومات عن قوات المجلس الانتقالي لتكون ضمن "بنك الأهداف" الذي يعمل كلٌّ من الإصلاح والحوثيين على توجيه الأولويات الميدانية نحوها؛ وبما يمكّن الإصلاح والحوثي من ضرب "عدو مشترك" للجانبين، إلى جانب عدم إعاقة "الإصلاح" لتحركات الحوثيين العسكرية ضد المملكة.

اقرأ أيضاً: أردوغان والنفط السوري
وقد تمت الإشارة في مقال سابق إلى أنّ التلويح بتهديد مصالح المملكة العربية السعودية الأمنية والإستراتيجية عبر البوابة اليمنية يُعَدُّ عنصراً أساسياً في مشروع زيادة الحضور التركي في اليمن، والسعي المستميت لإقامة قاعدة عسكرية تركية هناك، والتأسيس لبُنية نفوذ تركية مطلة على باب المندب وممراته المائية الحيوية. ولا يظهر، على ما يبدو، أنّ هذه الأهداف منفصلة عن الإستراتيجية التركية نحو القرن الإفريقي.

من مقتضيات "زواج المصلحة" بين حزب الإصلاح والحوثيين فتح جبهات متوازية بين الطرفين تستهدف إضعاف المقاومة الجنوبية والمجلس الانتقالي الجنوبي

من أجل تقليل خسائر المحور التركي-الإخواني
كما لا تنفصل حملة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على السعودية في اليمن عمّا يجري في الإقليم؛ حيث خسائر الرئيس أردوغان تتضاعف في سوريا وليبيا. وفي إطار تجلية هذا الجانب أضاء تحليل نشرته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية على ذلك، من خلال مقال كتبه جورج مالبرونو قال فيه إنّ "الرئيس التركي أردوغان تمكن من حفظ ماء الوجه، حين عاد مؤخراً من موسكو بوقفٍ لإطلاق النار حول إدلب، لكنه عجز عن مقاومة شروط الرئيس الروسي بوتين".


وفي المقال التحليلي الذي حمل عنوان: "ما الذي اضطرت تركيا للتنازل عنه لروسيا"، تحدث الكاتب مالبرونو عن "تراجع أردوغان عن إنشاء منطقة عازلة على الحدود مع سوريا وهو ما كان يعتبر من أولوياته". وقد أشارت "لوفيغارو" كذلك إلى أنّ "الاتفاق على تسيير دوريات مشتركة في محيط طريق "إم فور" السريعة يُعدُّ أيضاً تنازلاً من أردوغان لصالح بوتين؛ ذلك أنه يعني عملياً تخلي أنقرة عن الجهاديين المتطرفين الأجانب من الإيغور والقوقاز في منطقة جسر الشغور، التي شهدت ظهور لاعب جديد في إدلب هو مليشيا حزب الله اللبناني، الذي أرسل ألفاً وخمسمئة من مقاتليه لاستعادة سراقب"، بحسب ما أوردت "لوفيغارو". ولعل هذا جعل أردوغان يستخلص العبر والدروس، فالمكاسب التي يحققها بوتين بالتحالف مع إيران وحزب الله في إدلب سحبت من أردوغان آخر أوراقه في النزاع السوري، ولذلك فإنه يحاول التودد إلى طهران في اليمن، ومن خلال تعاون "حزب الإصلاح" مع الحوثيين، بهدف تقليل خسائر المحور التركي-الإخواني، والحصول على ضمانات حوثية بتأمين تمثيل حزب "الإصلاح" في أي تفاهمات سياسية مقبلة، أو أي إجراءات انتقالية مستقبلية لإدارة البلاد، وبما يحفظ لأنقرة موطئ نفوذ في اليمن من خلال بعض المناطق التي قد يديرها حزب "الإصلاح".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية