كيف نقرأ زيارة رئيس الحكومة الليبية لتركيا؟.. وما علاقة تونس؟

كيف نقرأ زيارة رئيس الحكومة الليبية لتركيا؟.. وما علاقة تونس؟


15/08/2021

ثمة مسارات عديدة؛ سياسية واقتصادية وعسكرية، تجلّت خلال الساعات التي قضاها رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المؤقتة، عبدالحميد الدبيبة، مع  الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في مدينة إسطنبول؛ إذ سعى الأخير نحو عودة الشركات التركية للعمل في ليبيا، وبحث تثبيت الحضور التركي في طرابلس، مع تطور الأحداث السياسية، سواء في الداخل الليبي مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي نهاية العام الجاري، وكذا المتغيرات العنيفة التي لحقت بالجار الاستراتيجي تونس، إثر قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد، التي كان من شأنها تجميد حركة النهضة، التي كانت تمثل ممراً آمنا للأهداف التركية، في ليبيا وشمال أفريقيا بشكل عام.

إلى ذلك، تباحث الطرفان اتفاقات المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي الليبي التركي، وسبل التعاون في الملف الصحي.

رافق عبدالحميد الدبيبة، في زيارته لتركيا، وفد يضم وزير الدولة الليبي لشؤون الاتصالات والشؤون السياسية، ومحافظ المصرف الليبي المركزي، ووزير الدولة الليبي لشؤون رئيس الوزراء، ووكيلي وزارة الداخلية الليبية.

أنقرة تواصل خططها الاستعمارية

اللافت في الزيارة، التي لم تستغرق سوى أربع وعشرين ساعة، لقاء الدبيبة بوزير الدفاع التركي،  خلوصي أكار، ورئيس الاستخبارات التركية، هاكان فيدان، في العاصمة أنقرة، قبل لقائه الرئيس التركي.

وزير الدفاع التركي قال: إنّ "أنقرة عازمة على مواصلة الوقوف إلى جانب ليبيا ودعم قضيتها"، زاعماً أنّ "الجنود الأتراك يواصلون أنشطتهم في ليبيا، بدعوة من الحكومة الليبية، ومن ثم هم ليسوا أجانب على أرض ليبيا".

على خلفية هذا الحديث، يبدو أنّ الجانب التركي ماض في طريقه نحو استغلال الجانب الليبي، واستنزاف مقدراته وعوائد ثرواته، في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون الليبيون من أزمات معيشية خانقة، ومن تداعيات الصراع السياسي، الذي يتصاعد كلما اقترب مشهد الانتخابات.

 

نزار قمني: المشهد السياسي الليبي، يكتنفه صراع بين فرقاء، تلعب القوى الإقليمية دوراً كبيراً في تأجيجه تارة، وخفضه تارة أخرى، وذلك حسب مجريات الأحداث، وتقاطع المصالح وتنافرها

 

ربما من الأهمية فحص العوامل الإقليمية ومتغيراتها، ومدى علاقتها بقراءة أبعاد هذه الزيارة وأهدافها؛ إذ إنّ تلاحق الأحداث وتطورها في تونس، يلقي بظلاله على المشهد الليبي، خاصّة ما يتصل بتماس نقاط الجغرافيا السياسية في الغرب الليبي، وحضور جماعات الإسلام السياسي، وكذا متابعة التصريحات التي صدرت عن المجلس الأعلى للدولةـ وممثله السيد خالد المشري، الذي هاجم قرارات قيس سعيّد، بينما وصفها المشير خليفة حفتر، بـ "انتفاضة الشعب التونسي ضد الإخوان".

حضور المشهد التونسي في الساحة الليبية

في إطار ذلك يرى أستاذ الدراسات الجيوسياسية بالجامعة التونسية، نزار مقني، أنّه يمكن قراءة أيّ فعل سياسي تقوم به أيّ دولة مجاورة لأي بلد يعيش تغييراً سياسيّاً، حيث إنّ ذلك قد يدخل ضمن صيرورة سياسية معينة، سيما مع وجود صراع أجندات في منطقة شمال أفريقيا، إضافة إلى أنّ الأمر يتعلق بصراع سياسي بين مشروعين مختلفين: مشروع متشبث بالدولة القومية والوطنية؛ كمقوم للعلاقات الدولية في المنطقة، ومشروع آخر لا يعترف بالوطنية، بل بالتبعية الفكرية لتنظيم إسلاموي، يقوم على تفتيت الأوطان، ويطبق أجندات تتجاوز الأوطان.

يتابع نزار قمني، حديثه لـ"حفريات" قائلاً: "نحن ندرك جيداً أنّ المشهد السياسي الليبي، يكتنفه صراع بين فرقاء، تلعب القوى الإقليمية دوراً كبيراً في تأجيجه تارة، وخفضه تارة أخرى، وذلك حسب مجريات الأحداث، وتقاطع المصالح وتنافرها، سواء ما يتصل بليبيا، أو ما يلحق بطوقها الإقليمي".

ويلفت أستاذ العلوم الجيوسياسية في الجامعة التونسية، إلى أنّ الذي جرى في تونس سيؤثر مباشرة على حلفاء تركيا في غرب ليبيا، خاصة من الإسلاميين، الذين يتمركزون في تلك المنطقة، والتي استطاعت تركيا أن تتقدم فيها استراتيجياً، وتحقق اختراقاً جيوسياسياً بوجود قواعد عسكرية تركية؛ جوية وبرية وبحرية (مصراتة، والوطية، وقاعدة بوسته في طرابلس)، فضلاً عن  سطوتها على جانب كبير من الاقتصاد الغربي في ليبيا، وهو ما يمثل بالنسبة لإسلاميي غرب ليبيا دعامة في صراعهم هناك، كما مثل إسلاميو تونس -عندما كانوا في السلطة -ضماناً لهم عند أيّ خطة انسحاب من ليبيا، إذا ما اختلت توازنات الصراع لغير صالحهم.

 

محمد شوبار: بات من المستحيل، اعتماد قانون الميزانية من مجلس النواب، ناهيك عن أنّ الحساب البنكي بالمصرف الخارجي الخاص بإيداع العوائد النفطية، تحت إرادة المجتمع الدولي

 

وحول زيارة عبدالحميد الدبيبة إلى تركيا، يرى نزار قمني، أنّ حكومة الوحدة الوطنية تسعى نحو جملة من الأهداف والغايات، أبرزها إعادة ترتيب الأجندة التركية في ليبيا، خاصة وأنّ التطور السياسي الموجود في تونس، ليس في صالح الإسلاميين في ليبيا، كما أنّ خسارة أردوغان لإخوان تونس، لن يمكنه من الاستمرار في استراتيجيته في ليبيا بأريحية، فضلاً عن كون المطالب الأممية بسحب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، قد تزيد من الضغط الدولي ضد الإسلاميين هناك، ما يخلط أوراقهم، ويزيد من الضغط على القيادة الليبية الجديدة، ما قد يعيد الصراع إلى ما قبل تشكيلها، سيما وأنّ الميليشيات المدعومة من الإسلاميين وحلفائهم، ما تزال تشكل مرتكزاً جيوسياسياً للصراع.

ويختتم نزار قمني، تصريحاته باستنتاج خاص عن زيارة الدبيية لتركيا، كاشفاً عن مطالبة أردوغان بضمانات، بعدم المساس ببروتوكولات التفاهم التي وقعتها حكومة السرّاج، والتي كانت المسوغ القانوني لتدخل تركيا في ليبيا، وكذا الحفاظ على ما حصلت عليه تركيا من فرص اقتصادية، خاصة وأنّ ما حصل في تونس، عبث بأوراق تركيا في المنطقة، وأبرزها إعادة صياغة علاقاتها مع الجزائر، هذه الأخيرة التي بدأت ترى في أنقرة جزءاً من المشهد الجيواستراتيجي المحيط بها، خصوصاً بعد أن تمكنت من ضمان موطئ قدم عسكري قرب حدودها، في وقت تعمل فيه الجزائر على تخفيف الصراعات المشتعلة على كل حدودها، وهي وضعية غير مريحة استراتيجياً، وتشكل حصاراً للجزائر؛ وتمنعها من الدخول في مسار تنمية متقدم، ترنو إليه منذ أن بدأت تتخلص من تداعيات الاضطراب السياسي.

يلامس الواقع السياسي في ليبيا بين كافة الأطراف، حدود الأزمة، ويتفاعل معها ساعة بعد الأخرى، ولا يبرح أيّ ورقة ضغط، إلا بعد أن تفرغ من مهمتها الوظيفية، الأمر الذي يبدو واضحاً للجميع، من تحركات الحكومة مع مجلس النواب، وموقف الأخير من إقرار الميزانية.

التدخل الأجنبي يقوض مسارات التسوية

حول ذلك يؤكد السيد محمد شوبار، المتحدث الرسمي باسم مبادرة القوى الوطنية الليبية، أنّه بالرغم من كون زيارة رئيس الحكومة المؤقتة، عبدالحميد الدبيية، لتركيا ليست الأولى، بيد أنّها لن تكون الأخيرة، ورغم الحديث عن أنّ الهدف من الزيارة هو إبرام عقود جديدة، وتسوية العقود السابقة مع تركيا، إلا أنّ الحقيقة أنّه بات من المستحيل اعتماد قانون الميزانية من مجلس النواب، ناهيك عن أنّ الحساب البنكي بالمصرف الخارجي الخاص بإيداع العوائد النفطية، تحت إرادة المجتمع الدولي، الذي أصبح متخوفاً من نهب تلك العوائد؛ لعدم وجود أجهزة رقابية قوية تراقب عملية صرف الميزانية، في ظل الفوضى والتدخل الخارجي الواسع، المتمثل في تواجد أكثر من عشرين ألف مرتزق ومقاتل أجنبي، وأكثر من عشر قواعد عسكرية أجنبية، وانتشار أكثر من تسعة وعشرين مليون قطعة سلاح، كما أنّ الصمت المريب لمؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، سواء مجلس الدولة، أو مجلس النواب، أو المجلس الرئاسي، والحكومة المؤقتة، وعدم الرد على تصريحات وزير الدفاع التركي، التي تعد انتهاكاً صارخاً لسيادة الدولة الليبية، الأمر الذي جعل مبادرة القوى الوطنية الليبية تصدر بياناً تشجب وتستنكر فيه تلك التصريحات، التي ساوى فيها وزير الدفاع التركي، بين الجيش التركي والمواطنين الليبيين، وفي الوقت الذي نتحدث عن القوات التركية والمرتزقة السوريين المحتلين لمعسكرات وقواعد عسكرية في الغرب الليبي، فإنّنا نتحدث أيضاً عن القوات الروسية، ومرتزقة الجنجويد، والتشاديين والسوريين المحتلين لمعسكرات وقواعد عسكرية في الشرق والجنوب الليبي، حيث صارت الطائرات المقاتلة الروسية تصول وتجول في سماء المنطقة الشرقية، فوق بيوت المدنيين، بل إنّ المفارقة الأكبر، والتي أثارت حفيظة الكثير من المراقبين، هي أنّ السلطات الألمانية تفاوض الجانب الروسي والجانب التركي، لأجل خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب التابعين لهم، وفي الوقت ذاته، نجد القادة السياسيين والعسكريين يخرجون علينا ببزاتهم كأنهم حرروا نصف كوكب الأرض، وهم لا يمتلكون الجرأة للحديث مع السلطات الروسية والتركية؛ للخروج من بلادنا، وفقاً لاتفاق مؤتمر برلين 1، ومؤتمر برلين 2، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم ( 2570).

 ويرى شوبار، في تصريحاته التي خصّ بها "حفريات"، ضرورة إصدار قائمة بأسماء مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، ومرتكبي جرائم الحرب من قبل محكمة الجنايات الدولية، مؤكداً أنّ هدف مبادرة القوى الوطنية الليبية؛ هو استعادة سيادة ليبيا ووحدة أراضيها؛ من خلال خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من شرق ليبيا وغربها وجنوبها، لاستكمال العملية السياسيّة، التي تم الاتفاق عليها بملتقى الحوار السياسي، منتقداً ما أسماه التعنت الذي تمارسه الدول المحتلة، والتصريحات الاستفزازية، ما يعد تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية لليبيا، لافتاً إلى حجم التحشيدات العسكرية في المنطقة الوسطى والغربية والجنوبية، ما ينذر بانفجار جديد في كل مناطق ليبيا.

ويختتم شوبار تصريحاته قائلاً: "لقد بات واضحاً، من خلال إحاطة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أمام مجلس الأمن الدولي، أنّ المؤسسات التي انبثقت عن ملتقى الحوار السياسي، عجزت عن تنفيذ الخريطة السياسية التي تم التوافق عليها، لذلك نترقب تدخل المجتمع الدولي، لفرض الأمن، ووضع حل جذري للأزمة السياسية في ليبيا".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية