كيف واجهت دول المغرب العربي فيروس كورونا؟

كورونا

كيف واجهت دول المغرب العربي فيروس كورونا؟


26/04/2020

حالة تأهب قصوى بات يعيشها العالم في مواجهة ما وصفته منظمة الصحة العالمية بـ "عدو الإنسانية" الذي اعتقل الناس في بيوتهم، وأدى إلى تراجع البورصات في العالم، مما دفع السلطات إلى الإفراج عن مساعدات اقتصادية بالمليارات، ولا زال هذا "العدو" يهدد بإغراق العالم في الركود.

إبراهيم الحداد: تونس نجحت في السيطرة على فيروس كورونا بفضل جملة من العوامل منها الظروف المناخية

وفي وقتٍ باشرت فيه العديد من البلدان تنفيذ إجراءات الحظر والإغلاق الشامل، وأقدمت دول عديدة على إغلاق حدودها، وتعليق الرحلات الجوية، فإنّ عدّاد الإصابات يتسارع في الارتفاع في أغلب الدول العربية، على غرار الدول المغاربية التي باتت أرقامها تقارب أرقام العراق والسعودية وقطر، أكثر الدول العربية تضرراً بالفيروس، برغم نجاح تونس نسبياً في الحدّ من انتشاره.
ومغاربياً، تتصدّر الجزائر عدد الإصابات، تليها المغرب، ثم تونس، فليبيا التي ترزح تحت الحرب بين الشرق والغرب، فيما تعدّ موريتانيا من الدول العربية الأقل تضرراً حتى الآن.
تونس تتجنّب مرحلة الخطر
تونس التي لم تتجاوز وفق آخر تقدير 922 حالة إصابة، و38 حالة وفاة، إلى جانب تعافي 190 حالة، أكد وزير صحتها عبد اللطيف المكي أنّها تجنّبت مرحلة الخطر، وأنّ حصيلة الإصابات والوفيات متوسطة.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد أعلن منذ منتصف آذار (مارس) الماضي غلق حدود تونس البحرية والبرية والجوية، وفرض حجرٍ صحي عام، وطلب من أغلب المواطنين البقاء في بيوتهم وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، كما أعلن تعليق التنقل بين المدن في تشديد لإجراءات منع تفشي فيروس كورونا.

تونس تجنبت الخطر ومعدل إصاباتها متوسطة
وأعلن رئيس الحكومة التونسي، إلياس الفخفاخ، عن إنشاء صندوق بقيمة 700 مليون دينار (240 مليون دولار) بهدف المساهمة في هيكلة المؤسسات المتضررة جراء فيروس كورونا، وذلك ضمن خطة مساعدات حكومية. وتمكنت حملة تبرعات وطنية الجمعة من جمع أكثر من 27 مليون دينار (8,5 ملايين دولار) ستقدم لقطاع الصحة.

اقرأ أيضاً: تونس: التكفيريون يغيّرون أسلحتهم ويفتحون حرباً بيولوجية
كما أعلن تخصيص 2.5 مليار دينار؛ أي نحو 850 مليون دولار، لاحتواء التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا على المؤسسات الاقتصادية والأفراد وتفادي فقدان مواطن الشغل، وفتح خط تمويل بقيمة 300 مليون دينار (103 مليون دولار) كمساعدات لفائدة العمّال المحالين على البطالة.

اسماعيل التزارني: إجراءات استباقية عديدة اتخذها المغرب لتخفيف الأثر الاجتماعي للجائحة على المعوزين والعديد ممن فقدوا وظائفهم مؤقتاً

كما نشرت وزارة الشؤون الاجتماعية جملةً من الإجراءات العاجلة والاستثنائية لفائدة الفئات الاجتماعيّة الهشّة والمعوزة ومحدودة الدّخل، وذات الاحتياجات الخصوصيّة، بهدف عدم بقاء أيّ مواطن تونسي محتاج وبدون سند خارج دائرة هذه الإجراءات الحمائيّة.
ويرى المحلل السياسي إبراهيم الحداد في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ تونس نجحت في مقاومة وباء كورونا المستجد، لكن ليس فقط بفضل الإجراءات الحكومية، بل بفضل تضافر عدّة عوامل، منها العوامل المناخية التي سيثبت أنّها غير ملائمة في كافة شمال أفريقيا لانتشار كورونا، إلى جانب الإجراءات الوقائية المتمثلة في التلاقيح التي أقرّتها الدولة لفائدة تلاميذ المدارس منذ عهد الاستقلال.
الحداد لفت أيضاً إلى أنّ الحكومة التونسية نجحت إلى حدٍّ ما في اتخاذ إجراءات استباقية استطاعت من خلالها الحدّ من انتشار الوباء، بالتعاون مع كافة مؤسسات الدولة، والمجتمع المدني.
المغرب يتجنّب عشرات آلاف الإصابات
المغرب الذي تصدّر، حتى مساء الجمعة، دول المغرب العربي بـ 3758 إصابةٍ، ضمنهم 158 وفاة و456 حالة تعاف من المرض، أعلن المغرب حالة الطوارئ الصحية وتقييد الحركة في البلاد لأجل غير مسمى، واشترطت وزارة الداخلية على المواطنين الراغبين في الخروج الحصول على أذون خاصة.

اقرأ أيضاً: النهضة تستثمر سياسياً في جائحة كورونا بتونس
ووضع المغرب ثلاث حالات فقط للخروج من المنازل، الأولى التنقل للعمل بالنسبة لبعض القطاعات الضرورية، الثانية التنقل من أجل شراء المواد الأساسية، والثالثة هي تلقي العلاج أو اقتناء الأدوية.
وكان المغرب قد أوقف الدراسة، وأعلن عن إغلاق كل المرافق غير الضرورية كما أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عن إغلاق المساجد، في الأثناء أعلن إنشاء صندوق بقيمة 10 مليارات درهم (نحو مليار دولار) ستخصص لتغطية النفقات الطبية ودعم القطاعات الاقتصادية المتضررة من انتشار وباء كورونا المستجد.

الإجراءات الاستباقية جنبت دول المغرب العربي تسجيل عشرات آلاف الإصابات
وأطلق المغرب أيضاً برنامج دعمٍ مالي غير مسبوق للمتوقفين عن العمل بسبب وباء كورونا المستجد يستهدف خصوصاً العاملين في القطاع غير المنظم، وبدأت وزارة الاقتصاد والمالية توزيع دعم مالي يبلغ 2000 درهم (نحو 200 دولار) شهرياً مخصّصة لأكثر من 800 ألف من العاملين في القطاع المنظم أعلنوا توقفهم عن العمل، فضلاً عن برنامج مؤقت حتى حزيران (يونيو) لتوزيع دعم شهري يتراوح بين 800 و1200 درهم (نحو 80 و120 دولاراً) للأسرة شهرياً بحسب عدد الأفراد، على أساس تصاريح المعنيين بأنهم توقفوا عن العمل في القطاع غير المنظم بسبب الوباء.

سمير تملولت: السلطات الجزائرية تأخرت كثيراً في التعامل مع انتشار وباء كورونا، وتأخرت في تعليق الرحلات الجوية

وشملت الإجراءات المتعلقة بالضريبة، والتي أقرتها السلطات المغربية، استفادة الشركات التي تقل معاملاتها للسنة المالية الماضية، عن 20 مليون درهم (2.04 مليون دولار)، من تأجيل وضع التصريحات الضريبية (وثائق تبين أداء الضريبة) حتى نهاية حزيران (يونيو) المقبل، وتقرر أيضاً تعليق المراقبة الضريبية للشركات الصغرى والمتوسطة، حتى 30 (حزيران) 2020.
تعليقاً على ذلك، اعتبر المحلل الصحفي اسماعيل التزارني في تصريحه لـ "حفريات"، أنّ هذه الإجراءات الاستباقية التي اتخذها المغرب منذ دخول بداية الوباء المملكة، جنّب البلاد عشرات آلاف الإصابات، حيث تم إعلان حالة الطوائ الصحية وتقييد الحركة في 19 من شهر آذار (مارس) الماضي، وكان وقتها عدد الإصابات لا يتجاوز 63.

اقرأ أيضاً: بماذا أوصى تونسي نجا من كورورنا؟
وأضاف التزارني في حديثه لـ"حفريات"، أنّ المغرب واكب أيضاً أزمة كورونا بإجراءات على المستوى الصحي، أهمها التعليمات الملكية لتعزيز جبهة الحرب على الوباء بقطاع الطب العسكري، ناهيك عن إجراءات عديدة لتخفيف الأثر الاجتماعي للجائحة على المعوزين والعديد ممن فقدوا وظائفهم مؤقتاً، ثم إجراءات لدعم المقاولات، مشيراً إلى أنّ إحداث صندوق لمكافحة كورونا كان من بين أهم الإجراءات في البلاد التي أحدثت فارقاً، وهو الصندوق الذي ضخ فيه العديد "المغاربة" تبرعات، اُستعملت في تخفيف آثار الجائحة.
الجزائر تتدارك التأخر
أما الجزائر التي سجّلت حتى الخميس 3007 إصابة، و407 حالة وفاة، وشفي 1355، فقد فرضت حكومتها حظراً تاماً بكافة مناطق الدولة داعية المواطنين البقاء في بيوتهم، وعززت إجراءاتها بتعليق الدراسة وغلق المساجد وصرف الإداريين غير الأساسيين، وتمشيط الأسواق الشعبية ورصد الممارسات الاجتماعية وتعطيل حركة النقل العام.
كما قرّرت الغلق الفوري للحدود البرية مع دول الجوار، والتعليق الفوري لجميع الرحلات الجوية والبحرية من وإلى الجزائر، ما عدا طائرات نقل البضائع والشحن الجوي.

الجزائر تداركت التأخر مع تزايد الحالات المصابة
وقرّر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بالإضافة إلى ذلك، تسريح 50% من الموظفين، والاحتفاظ فقط بمستخدمي المصالح الحيوية الضرورية مع الاحتفاظ برواتبهم، وتسريح النساء العاملات اللواتي لهن أطفال صغار.
وقرّر تبون، كذلك، علاوات تصل إلى 40 ألف دينار (13.67 ألف دولار) لفائدة الأطباء وعمال الصحة والنظافة لدورهم في مكافحة تفشي فيروس كورونا، فضلاً عن منح دعم مالي قيمته 10 آلاف دينار (3.44 آلاف دولار)" للعائلات المعوزة تضاف إلى المنحة المخصصة في إطار ما يعرف بقفة (سلة) رمضان وقيمتها 6 آلاف دينار "(2.06 آلاف دولار).

أحمد محمد سيدي: موريتانيا أصبحت اليوم خالية من كورونا، بعد أن سجلت شفاء ست حالات من أصل سبع حالات

ويعتقد الكاتب الصحفي سمير تملولت في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ السلطات الجزائرية تأخرت كثيراً في التعامل مع انتشار وباء كورونا، وأنّ من تلك الإجراءات المتأخرة، تعليق الرحلات الجوية من أوروبا وإليها، ابتداءً من تاريخ 19 آذار (مارس) الماضي.
وأضاف أنّ بلاده تداركت التأخر، عقب ذلك، خاصة مع تزايد الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد، وتسجيل ضحايا جدد، من خلال اتخاذ جملةٍ من الإجراءات من قبل رئيس الجمهورية، لوقف تمدد الوباء، منها مثلاً وضع ولاية (محافظة) البليدة تحت الحجر الصحي الكامل، وفرض حظر للتجوال، فضلاً عن تمديد قرار الحجر الصحي إلى إقليم العاصمة وكل الولايات (المحافظات) التي شهدت حالات.
وقال سمير تملولت إنّ هذه الإجراءات رغم أنّها لم تكن كافية لكبح انتشار الفيروس، إلا أنّها جعلت فيروس كورونا ينحصر ويتراجع نسبياً، مقارنة بالأيام والأسابيع الأولى لظهوره بالبلد، كما أنّ القرارات التي تلتها، في إطار عمليات التضامن مع الأسر المحتاجة بالنسبة لشهر رمضان، ودعم الأسر المتأثرة بتدابير الوقاية من الفيروس، امتصت غضب المتضررين من تدابير الحجر نسبياً وخففت من معاناة المعوزين.
ليبيا تمزّقها الحرب
وبالرغم من انتشار فيروس كورونا، الذي يتطلب مجهودات موحدة من أجل التصدي له، إلا أنّ بعض المجموعات المسلحة في ليبيا لم تنضبط إلى دعوات الهدنة من أجل تحويل الحرب ضدّ كورونا، التي عجزت أمامها أقوى الدول ذات الإمكانيات الاقتصادية والطبية المهمّة، وأعلن الجيش الليبي أنّ تركيا تواصل حتى في زمن هذا الوباء القاتل تزويد فصائل طرابلس بالسلاح، بل وباتت أيضاً تقصف أهدافاً في الداخل الليبي بواسطة بوارجها البحرية الراسية في مياه البحر المتوسط.

الحرب في ليبيا تعقّد جهود مقاومة فيروس كورونا
هذا وقد سجّلت ليبيا 60 إصابةً، وحالتيْ وفاة، و15 متعافياً، فيما يرجع مختصون سبب قلة رصد حالات الإصابة، إلى ضعف قدرة نظم الرصد والتحليل المعملي، خصوصاً أنّ المركز الوطني لمكافحة الأمراض في طرابلس يمتلك مختبراً مرجعياً واحداً، يكشف عن جميع العينات التي تصل إليه من بعض المدن، للكشف عن المشتبه في إصابتهم بالفيروس.
ومنذ بداية انتشار هذا الوباء نادت أكثر من 9 دول، بما فيها تونس، بضرورة إقرار هدنة الكورونا، لإعطاء فرصة للجهاز الطبي كي يتحرك سريعاً لوضع آليات للتوقي، لكن تلك الهدنة سرعان ما انهارت من جانب الطرفين، حيث تم قصف عدّة شحنات أدوية ومستلزمات طبية  خلال الأيام القليلة الماضية.

اقرأ أيضاً: كيف يخوض الجزائريون معركتهم مع كورونا؟
هذا الوضع حذّرت منه الأمم المتحدة، وأكدت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تدهور الوضع الإنساني في ليبيا بسبب استمرار النزاع المسلح، وانتشار فيروس كورونا، محذّرةً من كارثة إنسانية إذا لم يتم احتواء هذا الفيروس، في ظل ضعف الخدمات الصحية في هذا البلد الذي تعصف به الصراعات الإقليمية.
موريتانيا خالية من كورونا
من جهتها، سارعت موريتانيا إلى اتخاذ جملةٍ من الإجراءات الاحترازية لمكافحة كورونا، أوّلها إغلاق المجال الجوي، وإغلاق الحدود البرية والبحرية، وحظر التجول من الساعة السادسة مساء إلى الساعة السادسة صباحاً، كما قامت بعملية رصد للحدود، خشية دخول متسللين يحملون الفيروس من دول الجوار كمالي والسنغال والمغرب التي تتصدّر دول المغرب العربي من حيث عدد الإصابات.
كما قضت السلطات الموريتانية بإغلاق الأسواق على عموم التراب الوطني، وقيام الحكومة بتوزيع مساعدات غذائية على آلاف الأسر الفقيرة.
إجراءات ثمّنها الصحفي الموريتاني أحمد محمد سيدي، واعتبر أنّها مكّنت من الحدّ من انتشار هذا الفيروس القاتل في بلاده التي لا تملك الإمكانيات الكبيرة لمقاومته في حال استشرى، وقال أحمد في حديثه لـ"حفريات"، إنّ موريتانيا أصبحت اليوم خاليةً من "كورونا"، بعد أن سجلت شفاء ست حالات من أصل سبع حالات أصيبت منذ بداية انتشاره، إلى جانب تسجيل حالة وفاة وحيدةٍ.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية